#حديث_الجمعة | كتاب رسول الله إلى جيفر بن الجلندي ملك عمان

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات، عسى أن تنال بركته في الدنيا وشفاعته في الآخرة، فهو بابنا إلى الله ولا باب سواه، وهو صخرة الكونين حيث إنه يُعتمد.
عليه أهل السماء وأهل الأرض وأهل الملك وأهل الملكوت، فاللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين المنتجبين. كنا تحدثنا في حلقات سابقة عن تلك الكتب التي أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآفاق إلى الملوك والأمراء والمشايخ والقادة، وهذه الكتب لاقت ردود فعل مختلفة، وكنا قد توقفنا. عندما أرسله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ملك عُمان وهو
جيفر بن الجلندي، وأرسله مع عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان عمرو قد أسلم في حضرة النجاشي وحَسُنَ إسلامه حتى صار يدافع عن الإسلام والمسلمين، بل ويُحسن عرض الإسلام عرضَ الفاهم له والعارف بقواعده. وأحكامه والمتشوف لانتشاره وأن يقع الموقع الذي يستحقه ذلك الدين، فالحمد لله الذي هداه. وعمرو بن العاص من الناس الذين تكثر حسناتهم كل يوم قبل الآخر، لأن
إسلام أهل مصر في ميزانه يوم القيامة، وكلما زاد عدد أهل مصر زاد ثواب عمرو بن العاص. وقد عاد بعضهم إلى سيدنا علي يأخذ عليه شيئاً من ذلك إلا أن الله كريم، وما كان في الدنيا من أخطاء فإن الله غفور رحيم، ولذلك فإن ثواب إسلام أهل مصر كلما زادت الذرية هو في ميزان عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد أكرمه الله بولد صالح عالم وهو عبد الله بن عمرو. ابن العاص الذي كان
يصوم يوماً ويفطر يوماً حتى مات. سيدنا عمرو أخذ الكتاب وذهب به إلى جيفر وعبد، والكتاب كان معنوناً بجيفر وعبد ابني الجلند الجلندي. لما ذهب إلى عُمان أراد أن يذهب إلى أرقهما وأهداهما وأحكمهما وأحلمهما وهو الصغير. جلس عبد مع عمرو يناقشه أياماً في الإسلام. فقال له: "يا عمر، متى
أسلمت؟" قال: "أسلمتُ قريباً عند النجاشي حيث أسلم هو ومن معه من الرهبان". قال له: "يا عمر، لا يُسيء إلى الرجل إلا الكذب. تفضل هكذا رجلاً محترماً، إلا إذا بدأت في الكذب". قال: "والله لا أكذب، أسلم النجاشي وأسلم معه رهبانه". قال: "وأسلم معه رهبانه". وعلِمَ بذلك هرقلُ قيصرُ، وهو رئيسُ الديانةِ المسيحيةِ. عَرَفَ أنَّ النجاشيَّ تَرَكَ المسيحيةَ ودخلَ في الإسلامِ. قال: "وعلِمَ
بذلك هرقلُ". قال: "وكيف هذا؟ كيف عَرَفَ؟ وماذا فعل؟". قال له: "عَرَفَ بعد أن قطع النجاشيُّ عنه الميرةَ". كان النجاشيُّ يُرسِلُ لهرقلَ شيئاً مثل الضريبةِ، أو كعلامةِ محبةٍ، أو شيءٍ من هذا فقال: أما وقد مَنَّ الله عليَّ بالإسلام فوالله لا أرسل إليه ما كان يأخذ. فلما انتظر هرقل موعد السداد وجد الرجل لم يسدد النجاشي، فقال له: عبد، فماذا فعل هرقل؟
قال: سكت. قال: هرقل سكت؟ يا عم، إن الكذب يسوء صاحبه. قال: والله ما كذبت، والكذب عندنا حرام. قال: قال له هرقل: سمعت أن النجاشي أسلم فسكت. قال له: نعم. فقالوا له: كيف يمنع عبد من عبيدك ما يدفع؟ قال: رجل آمن بدين رآه، ماذا ترون أني فاعل به؟ هرقل يحب النبي، وهرقل ليس لديه حل. ماذا أفعل؟ ماذا أفعل له؟
يعني هو لم يرضَ أن يحرك الجيوش ليذهبوا النجاشي وقفوا أمام النجاشي لكي يحضروه، ليحضر النجاشي نفسه رضي الله تعالى عنه، لا، لم يفعل ذلك، لماذا؟ إذاً، إن تحسين الصورة يؤدي إلى فوائد، فعندما حسّنا صورة الإسلام عند هرقل، لم يعاده ولم يهجم علينا ولم يقل: "يجب عليّ أن أُحضر النجاشي وأبا النجاشي"، لا، فتحسين الصورة لا بد ملك عُمان لا يصدق سياسياً أنه يجب على هرقل أن يضرب النجاشي. لماذا لم يضربه؟ لأن هرقل
كانت في ذهنه صورة صحيحة عن الإسلام، فلم يضرب ولم يهدد ولم يفعل ذلك، بل أرسل ماذا مع - كما ذكرنا سابقاً - مع دحية الكلبي، أرسل معه هدايا التي سرقها جماعة "جذائل" عبدٌ حابسٌ عمرو بن العاص عنده في الصيف في عُمان وجالسٌ يُحقق معه. قال له: يعني النجاشي أسلم وهرقل قال هذا الكلام وما إلى ذلك. حسناً، قل لي مرة أخرى ماذا يقول دينكم هذا؟ قال له: يقول إنه أسلم تسلم، ويقول أن تقيم الصلاة وتعبد
الله الواحد. الأحد وتترك عبادة الأوثان والأصنام والنجسات وشرب الدم وهذه القذارة، وتأخذ أن الكذب حرام والسرقة حرام والزنا حرام وما شابه ذلك، والعفاف والصدقة والصدق والتقوى. قالوا: صدق. ماذا يعني؟ انتبه، ماذا يعني صدق؟ إنه لا يعرف لأنه حديث العهد بالسماع بهذا الأمر. قالوا له: عندما يكون لديك زرع وهذا الزرع... يكون فوق الخمسة أو سقم قوم تصل إلى العشرة إذا كان بالمياه خمس عندما يكون بالآلة الإبل الغنم البقر في كل أربعين
شاة في كل خمسة من الإبل شاة. قالوا: نعم. حسناً، ومن الذي سيتبعكم في دينكم هذا؟ أنتم قادمون لتأخذوا منا ثروتنا الحيوانية. حسناً، من الذي سيطيعك أنا؟ لست أفهم من الذي سيطاوعك في أن تأخذ منه ملكه هكذا، أهذا أصلاً؟ نحن لم نأخذه، بل نحن سنرد على فقرائنا. قالوا
أتتصور أنها طريقة جيدة؟ والله إنها طريقة جيدة. بعد الفاصل يستحق أن نخوض في عقلية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وفي عقلية الملك عبد بن الجلندي أحد ملوك عُمان وكيف كانوا يفكرون، وكيف كانت الردود، وكيف كانت المفاوضات، وكيف كانت الطريقة، وكيف كان الصبر، وكيف كان القلب المفتوح، وكيف كانت أشياء كثيرة. نقف في قصة عمرو مع عبده حين قال له: "والله، أتتصور يا عمرو أن هذه فكرة رائعة
أن نأخذ من الأغنياء نسباً محددة". واحد من أربعين يعني ليست نسبة كبيرة جداً، واحد من أربعين، اثنان ونصف في المائة، وتوزيعها على الفقراء أمر جميل. فهي تقي الفقراء شر الجوع، وتخرجهم من الفقر إلى الإنتاج والعمل. أشياء جميلة كثيرة تجلس وتتأمل فيها، فكرة رائعة متميزة غير موجودة في هذا الزمن، لأنها من عند الله. والله إنها ليست من ذكاء النبي ولا شيء آخر، فالنبي ذكي وفطن وعبقري في الدنيا كلها، ولكن هذا من عند الله الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. الذين ليسوا
مقتنعين بأن النبي نبي، فليقولوا عنه إنه عبقري، وهذا حسنٌ، إذن من أين أتى كل هذا البهاء والجلال والجمال؟ لا بد أن يكون عبقرياً، المهم أنه عبقري. المهم أن هذه أفكار لا مثيل لها، لكنها من عند الله. فهذا الشخص أصبح سيدنا عبداً لأنه أسلم بعد ذلك، لكنه في ذلك الوقت وحتى الآن لم يُسلِم بعد، لكنه يحقق. قال له: حسناً، لقد بدأت أشعر أن الأمر فيه خطورة. حسناً، ماذا فعلت القبيلة الفلانية؟ قال له: أسلمت. قال له: حسناً، والقبيلة العلانية؟ قال له: أسلمت.
قال له: حسناً، بدأ الإسلام ينتشر. قال: والله، هذا الأمر لا أحد قادر عليه. أولاً: الأمر ينتشر. ثانياً: حتى الكبار مثل كسرى وقيصر والمقوقس وغيرهم وصاحب الشام. لم يفعلوا شيئاً، هذا رقم ثلاثة، بدأ عبد يرسم الخريطة ويرى أنه أمام شيء آتٍ إليهم، آتٍ إليهم. قال له: أنا أرى الشكل مقلقاً والمضمون طيباً، ولذلك سأدخلك على أخي جيفر لأن جيفر هو الذي بيده القرار النهائي. قال له: أدخلني على جيفر. دخل على جيفر ووجده شديداً ليس... رقيق جداً،
جلس يأكل معه ويشرب ويضعه في القصر ويناقشه. وظل يتساءل: هل هو كاذب؟ لا، ليس كاذباً. لا، إنه ملك بالفعل، من طبقة الملوك، هكذا. هناك مسافة بينه وبين من أمامه. قال: فأمسك جيفر الكتاب فقرأه. إذن هذا ملك ومتعلم القراءة. هل أنت منتبه؟ ملك ويعرف القراءة، هذه يجب أيضاً مقطعٌ مثل هذا فقرأ، وعندما قرأ دفعه إلى عبدٍ وقال له: "اقرأ وانظر إلى هذا المقطع". بعدما قرأ هو أعطاه لعبدٍ وقال له: "اقرأ".
نعم، إنه يريد أن يسمع عبداً والتوتر الخاص بعبدٍ والنبر الخاص بعبدٍ، وكيف يقرأ هو، لأنه عندما قرأ، بشدة، قرأ وكأنه "أسلم تسلم" غير تسلم عندما تُقرأ هكذا غير عندما تُقرأ هكذا، وجيفر لم يُرد أن يستقل بالقرار بنفسه، فجيفر أعطى أخاه ليقرأه مرة أخرى بصوت عالٍ. قال عمرو، فقرأه بطريقة مختلفة عن أخيه، بأسلوب أرق من أخيه. "جيفر من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد بن الجولندي".
ها هو يقرؤه وهو متضجر، قرأه برفق وجلس جيفر يسأل سيدنا عمرو بن شبيب الأسئلة: "دينكم هذا ماذا يريد وماذا يفعل؟" وما إلى ذلك. قال له: "انظر، سألخص لك الأمر. هذا الدين لن تجد مثله، وأنت لن تجد مثله أيضاً. ثانياً، اتجاه مؤشر انتشاره سيجعل من عندك هنا مسلمين رغماً عنهم". جيفر حالما... قال له عمرو هكذا، فقال له: حسناً أمهلني إلى الغد لأتدبر الأمر. الأولى مضمونة الدين يعني ليست مهمة كثيراً، والثانية
سياسة وملك. قال: هذه مهمة عند جايفر، تعال إليّ غداً. اليوم أو غداً لا فرق. ذهب سيدنا عمرو إليه في الغد فقال: هو والله مشغول. فذهب سيدنا عمرو إليه بعد قال له: تعال إلينا غداً. فذهب إليه سيدنا عمرو بعد ذلك، فقال له: أتريد أن تُحدث فوضى هنا أم ماذا؟ الملك لا يريد مقابلتك، لقد تجاوزتم الحدود في الكلام. عندما جاء عمرو ليدخل على جيفر أول مرة، كان للملوك دائماً أعوان، فلما دخل عمرو - وهكذا حال الملوك - أخذوه
لكي يُرهبوه أعوان الملك، عمرو كان يدخل على الملوك والرؤساء ويعرف كيف تكون الدبلوماسية. فعندما جرّوه هكذا، نظر إليهم نظرة استياء يعني هذا لا يليق. قال الملك: اتركوه. فجاء ليجلس، كان سيجلس، لكنهم قالوا: ممنوع أن تجلس في حضرة الملك، قف. فظل واقفاً حتى قرأ هذا وحتى قرأ ذاك وهكذا، لا بد من فهم ما قالوه في الدبلوماسية بعد ذلك والذي فهمه الناس بشكل خاطئ: "أرضهم ما دمت في أرضهم، ودارهم ما دمت في دارهم". ماذا يعني هذا الكلام في الدبلوماسية؟ يعني أنه يجب عليك أن
تكون تحت قواعد المضيف، فهو لديه القواعد والبروتوكول. إذا طلب منك أن تقف، فابق الكتاب أنت هو الذي يقرأ الكتاب، هو لا يعرف ماذا، اجلس يميناً، اجلس شمالاً، تفعل ما يريده، أتنتبه لماذا؟ لأنك في داره، في أرضه، فيجب عليك أن تسير وفق بروتوكوله، وبعد ذلك بعد يومين أو ثلاثة سيدخل على عبد، لأنه رقيق، ليس هناك حراسة قوية، وعبد لأنه رقيق. أعوانه مهذبون هكذا ولطفاء، فيعرف كيف يدخل. فدخل على العبد وقال له: "جيفر غير راضٍ بمقابلتي، وأنا هكذا تأخرت،
سأذهب الآن". قال له: "حاضر، انتظره". مرّ يوم، ثم مرّ اليوم الثاني، وجيفر ما زال غير راضٍ بمقابلته. فجاء إليه وقالوا: "حسناً، نحن متوكلون على الله، إن شاء الله غداً إن غداً أنا سأذهب قبل أن يذهب بنصف ساعة. جاءه: تعال لمقابلة الملك جيفر. أجاب: حاضر. لم يقل: لا، أنا لا أعرف شيئاً. لا، هذا أمر جيد. هنا زبائن لنا. زبائن لماذا؟ للجنة. نعم، لأنه كما قيل: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس وما غربت". زبائننا، لو عرفتَ أنَّ الناس الذين حولك
الستة مليارات هؤلاء هم زبائنك، ستعاملهم معاملة حسنة، فهم زبائنك للجنة. فأنت لو أهدى الله على يديك شخصاً واحداً فقط ستدخل الجنة، أفلا تحاول ستة مليارات مرة؟ أو مثلاً خمسة مليارات مرة لكي نستثني المسلمين، خمسة مليارات مرة نعم، لأجل أن أدخل الجنة ماذا أريد؟ ما نهايتها؟ إنها الجنة. فسيدنا عمرو فعل هكذا، دخل على جيفر وفي حضور عبد، فأسلم والحمد لله رب العالمين. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.