#حديث_الجمعة | ماذا فعل الرسول - صلي الله عليه وسلم - في غزوة بني لحيان

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سيرة المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات حتى تتنزل علينا الرحمات بذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن ذكره سبب في نزول السكينة على
القلوب ونزول الرحمات. ندعو أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل مجلسنا هذا في ميزان حسناتنا يوم القيامة. نحن الآن وصلنا إلى السنة السادسة، وفي جمادى من هذه السنة خرج النبي صلى الله عليه وسلم. جمادى هذا أيّ شهر؟ نقول: محرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، فيكون الخامس. خمسة أشهر من السنة السادسة، ها هي قليلاً في سنة ستة التي كانت سنة تطهير وانتهت بالحديبية، الحديبية كانت في شعبان
فكانت السنة كلها لإنهاء هذه الحالة من التوتر العالمي المحيط برسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن كل قبيلة وكل قوم كان يمثل مملكة منفصلة، فالذين حوله جميعهم كانوا يريدون الفتك به. فكانت السنة السادسة هذه فارقة، ولذلك بعضهم أيضاً يعتبر الحديبية هي الفارق بين المدينة الأولى والمدينة الآخرة. لماذا؟ لأنهم خلاصاً اتفقوا على أنه لا توجد حرب في معاهدة سلام حدثت مع المشركين، ومعاهدة السلام هذه التي حدثت مع المشركين سنجلس فيها حلقات وحلقات لكي نرى ما الذي حَصَلَ ذكاءُ النبيِّ
الذي وَرَّثَهُ لأمَّتِهِ: الذكاءُ السياسيُّ والذكاءُ الإنسانيُّ والذكاءُ العسكريُّ والذكاءُ الأخلاقيُّ. ذكاءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو أُسوةٌ حسنةٌ وهو قابلٌ للتكرارِ وقابلٌ للتطبيقِ. لا تقُلْ: "إنه هو النبي"، بل هو فعله من أجلنا، وهذا يمكن أن يُطبَّقَ، ويمكن أن يُقَلَّدَ، وأن يتكرَّرَ ويُعادَ في المستقبل. الخامس: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني لحيان، وبني لحيان هذه قريبة من مكة. المسافة من المدينة إلى مكة تستغرق خمسة أيام، ومن المدينة
إلى بني لحيان تستغرق أربعة أيام. وهم قبل ذلك قد قتلوا عشرة من الصحابة، فذهب إليهم النبي بنفسه، ولم يرسل فلاناً ولا علاناً. لم يرسل محمد بن مسلمة، لا، بل ذهب إليهم النبي بنفسه ومعه عدد من الرجال، مائتا رجل. إنها سرية كبيرة، أصبح عددها مائتي رجل، هذا عدد كبير يعني مائتا مقاتل. وقبل أن يصل إليها بقليل، أرسل إليهم شخصاً يخبرهم أن النبي قادم ليأخذ بثأر العشرة، فأنا لست... سأترك حقي، لابد أن آخذ حقي، انتبه، لابد أن
الحق يأتي. فذهب ومشى، ففروا إلى الجبال. أوه! إذاً هذا الرعب ملأ القلوب. أنتم أيها الناس، يعني كان المفترض أنكم تفعلون هكذا، تتشاجرون معه، تضربونه، أي شيء، أي دور هكذا لم يحدث. ذهبوا وفروا في الجبال، فجلس النبي. ليالي وأرسل إلى مكة رجلاً وقال له: "اذهب وقل لأهل مكة إن محمداً هنا، فليتحصنوا"، وألقى الرعب في قلوبهم. قالوا: "لكن هذا سيقضي على بني لحيان وقبيلتنا، يا لطيف الطف". حسناً، وبنو
لحيان هؤلاء إلى أين ذهبوا؟ إلى شعاب الجبال، فهم يعرفون جبلهم جيداً، ويعرفون كيف يختبئون فيه، ويعرفون المغارات. أنْ يتستَّرَ أينَ يَعملُ أينَ، فالنبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ كلَّ حينٍ يَبعثُ لهم شخصاً مع خمسةٍ أو ستةٍ هكذا يَصعدون الجبلَ، هم يَرونهم من خلفِ الصخرةِ فيزدادون رعباً، فلا ينزلون ثانيةً. يَصعدُ خمسةٌ هنا وخمسةٌ هناك، لا يَجدونهم، فينزلون مرةً أخرى إلى المكانِ الذي هربوا منه، فيه بعضُ البقرِ على... قطيع من الغنم وبعض الإبل أخذهم عليه الصلاة والسلام، فما هي مهمة هذه السرية؟ هذه السرية التي كانت بدون قتال مهمتها إيقاع الرعب في قلوبهم، ومهمتها مبدأ أننا لا
نترك ثأرنا، ومهمتها الوقاية من التفكير في الإضرار بنا. أنتم في كل فترة ستأتون لمحاربتي، لا، أنا لن أترك حقي وسأضربك فلا يأتيني، فتكون مهمتها في النهاية ماذا؟ درء الدم وتقليله. ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام أثناء الفترة المدنية كلها، كم كانوا؟ كم سنة؟ عشرة. السنة فيها كم شهر؟ اثني عشر. إذن النبي عاش في المدينة كم شهر؟ مائة وعشرين. مائة وعشرين شهراً عاش النبي عليه الصلاة والسلام في المائة وعشرين. شهر عمل ثمانين لقاءً،
ثمانين غزوة، ثمانين سرية، ثمانين كتيبة، ثمانين، سمها ما تشاء. خرج بنفسه الشريفة في سبعة وعشرين فقط، وقاتل في سبعة منها، والباقي مثل بني لحيان هذه، ومثل الحديبية، ومثل غيرها. لم يكن هناك قتال في كل هذه الثمانين. كم واحداً مات؟ مات ألف وستة، ألف وستة، قال: "نعم، تقريباً، يعني ثلاثمائة من المسلمين وسبعمائة من المشركين. لو تركت الثلاثمائة التي تخصنا، يكون
عدد قتلى المشركين في حروب النبي صلى الله عليه وسلم سبعمائة مشرك. كم تبلغ حوادث المرور في باريس في الشهر؟ انظروا، ادخلوا على الإنترنت وشاهدوا الأرقام لحوادث المرور في باريس فقط." ولا في لندن ولا على الطرق ستجدها أضعاف هذا بكثير، عشر سنوات يعني كل سنة سبعون إنساناً. أي حروب هذه؟ إنها حروب للضرب على اليد كي يستمر الدم والفساد والشرك، ولذلك أُغلق عليهم. سبعمائة واحد
فقط هم الذين ماتوا من المشركين، وعندما تأتي لترى الحرب العالمية كم واحداً [قُتل]. مات عشرون مليوناً، حسناً، والثورة البلشفية سبعة عشر مليوناً، حسناً، والحرب العالمية الثانية أربعون مليوناً، ما هذا؟ أهؤلاء دجاج أم ماذا؟ فالأمور عجيبة الشكل، وبعد ذلك يقولون لك الإسلام دموي. أي إسلام هذا الذي هو دموي؟ أين هو الإسلام الدموي؟ الإسلام ليس دموياً ولا شيء من هذا القبيل، ولا يعرف وكانت الحروب كما سنرى في حلقات كثيرة قادمة كيف كان الحال هكذا إذا ذهب النبي
إلى بني لحيان، ولما ذهب النبي إلى بني لحيان فروا في الجبال وسمعت به مكة فخافوا. إذاً نحن نحقق الهدف من أن كفوا أيديكم عنا لأننا قوم إذا ضُربنا لن نسكت، فكفوا أيديكم. عنا حتى لو طال الزمان لن نسكت، فكفوا أيديكم عنا، وقد وصلت الرسالة. وعاد النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى إلى المدينة. بعد
الفاصل نواصل مع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. تكلمنا النصف الأول من هذه الحلقة عن أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بنفسه الشريفة إلى بني لحيان قريباً من مكة للانتقام ممن قتلوا صحابته ولإيقاع الرعب في صدور بعض العرب المشركين حتى يكفوا أيديهم عن أصحابه وعن الدعوة وعن أمن المدينة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غاب... أكثر من يوم أو يومين عن المدينة يعين مكانه شخصاً، فكان في هذا مرة يعين عبد
الله بن أم مكتوم وكان ضريراً، ومن هنا أُخذ أن محافظ المدينة يمكن أن يكون ضريراً، لأن الأنبياء منهم من كان ضريراً مثل سيدنا يعقوب الذي ابيضت عيناه من الحزن، وهذه المرة ترك زيد حارثة: إذا كانت غزوة بني لحيان كان الغرض منها الوقاية، غاب عن المدينة أربعة أيام ذهاباً وأربعة أيام إياباً، فيصبح المجموع ثمانية أيام، وأقام هناك ست ليالٍ. غاب عن المدينة كم؟ أربعة عشر يوماً. كل
سنة ستة؟ لقد قلنا إنها كانت للتطهير، وكان هناك ماء اسمه المريسيع بالتصغير هكذا، وهذا اسمها بنو المصطلق، وبنو المصطلق عليهم رجل سيد القوم اسمه الحارث، والحارث هذا ابنته السيدة جويرية عليها السلام التي أصبحت أمًا من أمهات المؤمنين، فهي من بني المصطلق. سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم كان نبيلًا، فكان يقول
للذي سيقاتله: "أنا سأقاتلك" كما حدث في بدر وكما... حدث في يوم من الأيام وكما حدث أنني سأقاتلك، سأخرج لمحاربتك. هذه المرة لم يقل لماذا، فقد أراد أن يقلل من إراقة الدماء، وأن تكون الدماء قليلة. فذهب إلى هذه الغزوة وانتصر فيها وأخذ الغنائم وما إلى ذلك دون إراقة أي دماء. ففي صحيح البخاري أنه أغار على بني المصطلق ماذا يعني؟ أليسوا منتبهين؟ فجأة وجدوا الدنيا محاطة. لكن يا فتى، انتهى الأمر، ألقِ السلاح واستسلم حتى
لا يُقتل، لكي يقلل إراقة الدماء. القراءة الجميلة هي أن تفهم المقصود. فيأتي شخص مستشرق مثلاً ويقول لك ماذا؟ يقول لك: "لا، يكون قد خانهم هكذا". كيف خانهم؟ كيف؟ إنه يقول. لم تقتل منهم أي واحد، فكيف خانهم؟ نعم، لأنه لا يريد هذه القصة، ولا يريد النبي، ولا يريد أن يتعلم. لا، هذه ليست خيانة، بل هو يعلمنا كيف نقلل سفك الدماء، لأن الإنسان كما قال صلى الله عليه وسلم: "بنيان الرب، ملعون من هدم بنيان الرب"، ولذلك لا. نفعل القتل إلا بحقه، أي أن يكون قصاصاً
أو كما ذُكر أو قتالاً في سبيل الله، أي بحقه. فأغار على بني المصطلق وهم غافلون، وقبض عليهم وما إلى ذلك. وكانت السيدة جويرية بنت الحارث من بين السبايا، فوزَّع السبايا وما إلى ذلك. وجويرية وقعت في يد أحد الصحابة، فكاتبته، أيّ شيء! ما هي ابوها رئيس دولة بني المصطلق، فهي ابنة أناس ذوي مكانة، فكتبت مكاتبة، أي قالت له: "أنا أريد أن أشتري نفسي منك". قال لها: "حسناً". كانت المكاتبة
لا بد فيها من النجوم. ماذا تعني النجوم؟ تعني الأقساط. تعني أن أقول لها مثلاً: "أنا أريد عشرة دنانير" لي كل شهر دينار وتبقين بعد ما تسددي العشرة دنانير حرةً. قالت: حسناً، وسأدبر من هنا أو من هناك وسأحضر العشرة دنانير إن شاء الله. فكاتبته ورضي صاحبنا بالكتابة هذه. وكانت المكاتبة أحد أنواع ما تفضل به الإسلام على البشرية لفك العبودية وإنهائها، فعلم بذلك رسول الله. صلى الله عليه وسلم فدى عنها كتابتها وتزوجها، فدى
عنها كتابتها يعني دفع له المبلغ العشرة، أخذ العشرة وانتهى الأمر، فلم تعد في ملكه وأصبحت حرة لأن الكتابة ينتج عنها الحرية، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشرفت وتنورت وأسلمت وصارت من أمهات المؤمنين نذكرها إلى يومنا فنقول. عليها السلام، فهكذا كانت هذه السيدة أفضل النساء على قومها. لماذا؟ لأنه حينما تزوجها سيدنا أعتق كل شخص تحت سلطته من بني المصطلق، من النساء والرجال، أعتقهم جميعاً وقال: "أصهار النبي لا يكونوا تحت اليد".
وبسببها أُعتق أكثر من مائة نفس، وصار الصحابة كلهم يتنافسون فيما لديهم. قال أحدٌ من بني المصطلق: "أسرعوا بالعتق فهؤلاء أصهار النبي، أصهار النبي! ألا تنتبه أو ماذا؟" فببركة جويرية تحررت مائة نفس، مائة نفس حُررت بسبب مصاهرتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بسبب زواج سيدنا صلى الله عليه وسلم منها. إذاً في هذه... الغزوة لا بد علينا أن نستفيد
منها درء الدم، وأنه يمكن لنا أن نهجم على العدو. لماذا هم أعداء؟ لأن الحارث بن أبي ضرار الذي هو أبو جويرية كان يُجهز لغزو النبي. لماذا ذهبوا أصلاً؟ لأن الحارث بن ضرار بدأ يتفق مع هؤلاء وهؤلاء، وبعد ذلك يريدون أن يغزوا. المدينة فقال له: حسناً، لا بأس، أنا قادم إليك، أنا قادم إليك بدلاً من أن تأتي إلينا، أنا سآتي إليك. فوقع في قلوبهم الرعب عندما قال لهم، لكنهم لا يعرفون متى سيأتي، وفكّوا التحالف، يعني كانوا متحالفين مع واحد
أو اثنين أو هنا وهكذا، لكي يذهبوا فكّوا التحالف، قال: خلاص. الجميع صامتون، فالنبي علم وهذا يعرف كيف. إنه الله، دعنا من هذه الحكاية. وبالرغم من ذلك ذهب النبي إليهم. فلما أغار عليهم وهم غادرون، جرى رجالهم في الجبال وتركوا كل شيء، حتى قبض على هؤلاء الناس الذين هم المائة الذين توزعوا بعد ذلك على الصحابة الكرام. انظروا. بركة السلام وبركة الإسلام، فلما جاءت جويرية فأسلمت، قام الله سبحانه وتعالى بجعل البركة على هؤلاء جميعاً، فنجوا
بحياتهم وعزوا في وقتهم وبعد مماتهم. فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.