حقيقة التصوف وموضة التصوف | أ.د علي جمعة

حقيقة التصوف وموضة التصوف | أ.د علي جمعة - تصوف
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أحييكم جميعاً بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كل عام وأنتم بخير، بدأنا في شهر شعبان تهيئة لرمضان. كثير من الناس يسأل، يقول أحدهم: أنا مريض ومنعني الأطباء من الصيام، ثم إنني غير قادر على إخراج الكفارة فماذا أفعل؟ الذي لا يستطيع أن يقدم الكفارة لعدم القدرة المادية على ذلك فإنه لا شيء عليه. الله سبحانه وتعالى غفور رحيم لا
يكلف نفسًا إلا وسعها، ولذلك كلفك بالصيام فعجزت عنه، فكلفك بالكفارة فعجزت عنها، كلفك بالقضاء والمرض مزمن ومستمر فعجزت عنه، هنا تسقط هذه. المسألة من ذمتك ويعطيك الله سبحانه وتعالى في مرضك خير ما كان يعطيك في صحتك، ومن هنا نقول للناس أصحاب الصحة والشباب والقوة: انتهزوا هذه الحالة وصوموا رمضان، حتى إذا قدر الله عليكم - لا قدر الله - هذه الحالة من الضعف من المرض من العجز، فإنه يعطيكم ثواب ما كنتم تفعلونه. في شبابكم وقدرتكم
وقوتكم، وفق الله الجميع لما يحب ويرضاه. أيضاً يقول أحدهم: ما المقصود من صيام شعبان؟ هل المقصود هو صوم يوم الاثنين والخميس، أم أنه يعني صوم أي يوم في شعبان؟ في حديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصوم بعد رمضان يصوم في شعبان وفي رواية أنه لم يتم شهراً سوى شعبان بعد رمضان، إذاً ففي أي وقت تستطيع أن تصومه، ولتكثر من الصيام في تهيئة لرمضان وطلباً للمثوبة في هذا الشهر العظيم. ولكن عادتك هذه للصيام ولتتالي
الصيام ينبغي أن تكون قبل النصف من شعبان، والعادة تثبت بمرة، فمثلاً صمت في الأسبوع. الثاني الاثنين والخميس ثبتت لك العادة، ولذلك بعد الخامس عشر من شعبان يمكن أن تصوم في الأسبوعين الباقيين الاثنين والخميس والاثنين والخميس، أو قبل ذلك أنني تعودت على صيام الاثنين والخميس طوال العام، ولذلك فليس من المحرم ولا المكروه أن تصوم الاثنين والخميس في الأسبوع الثالث والرابع أي بعد الخامس عشر. شعبان، لأن خمسة عشر من شعبان إذا جاء ولم يكن له عادة بالصيام فإن الشافعية يرون من فهم النصوص أنه يحرم على الإنسان أن يصوم إلى أن يدخل رمضان، إلا إذا كان عليك قضاء من رمضان الذي
فات، أو عليك نذر وله سبب، فيجوز لك أن توقعه في هذه المدة. سؤال. أيضاً يقول: نحن نسأل عن التصوف وعن أثر التصوف في تربية النفس الإنسانية، وعما شاع بين الشباب الآن فيما يُوصَف بموضة التصوف. كثير جداً من الشباب ومن البنات يدخلون في طريق التصوف ولكن بطريقة شكلية لا أثر لها في أركان التصوف وأركان الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، طريقة شكلية تتعلق. ارتداء الملابس البيضاء مثل الحجاب الأبيض والثوب
الأبيض للفتيات، والتعلق بإمساك السبحة، وأن يرتدي الأولاد الثياب التي عليها أسماء الله الحسنى، أو يمسكون بالسبح كأنها موضة شكلية أو ظاهرة شكلية، هذا ليس هو التصوف الذي أراده الله ورسوله، كما تبين ذلك في حديث جبريل وهو جاء يعلمنا أمر ديننا وذلك. أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال كنا أو بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في المسجد دخل علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يعرفه أحد منا وليس
عليه أثر السفر فجلس إلى النبي فوضع ركبتيه إلى ركبتيه إلى ركبتي النبي ووضع يديه يدي السائل الداخل هذا الغريب على فخذيه يعني سيدنا جبريل دخل فجلس هذه الجلسة أمام النبي جلسة المتأدب المتعلم وقال يا محمد ما الإسلام قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. قال: صدقت. فعجبنا، يعني نظر بعضهم إلى بعض، كيف يسأله ويصدقه؟ ثم سأله فقال: فما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم
الآخر والقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، وإن لم تكن تراه فهو يراك. قال: فمتى الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، قال: "فما علاماتها" إلى آخر الحديث. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انصراف هذا السائل الغريب: "أتدرون من هذا؟" قالوا: "لا يا رسول الله". قال: "هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم". وبنى العلماء والفقهاء على هذا الحديث تقسيم العلوم وتصنيفها. فجعلوا هناك علوماً تهتم بالإسلام وحفظه، وعلوماً تهتم بالعقيدة والإيمان، وعلوماً تهتم بالأخلاق والسلوك
والإحسان، وسُمِّيت هذه بالصوفية فيما يهتم بالسلوك والإحسان. السلوك معناه أننا سنسير في طريق نسميه بطريق الله، والطريق إلى الله سبحانه وتعالى له ملامح، له معالم، له أركان، له خطوات. أول هذه الأركان الفكر. والذكر طريقنا هذا مقيد ومحدد وفي ظل الكتاب والسنة، هكذا يقول الجنيد: "طريقنا هذا مقيد بالكتاب والسنة". فكل شيء نقوله في هذا الطريق لا بد أن يكون له أثر
من الكتاب أو ذكر في الكتاب أو في سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. الذكر والفكر، الذين يذكرون الله قياماً. وقعوداً وعلى جنوبهم يعني في كل حال ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار. هذا الطريق يتحدث عن الذكر، والذكر قد أُمرنا به في مواضع شتى من القرآن الكريم: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون"، "والذاكرين الله كثيراً والذاكرات"، "واذكروا الله كثيراً لعلكم". تفلحون إلا بذكر الله تطمئن القلوب، هذا الذكر علمنا إياه رسول الله صلى
الله عليه وسلم. ونبدأ بكلام ربنا سبحانه وتعالى وهو يقول: "إنا نحن نزلنا الذكر"، فسمى القرآن ذكراً، "وإنا له لحافظون". وقال تعالى: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها". وهنا نرى رسول الله وهو يعلمنا العشرة الطيبة سبحان الله. الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه يسميها أهل الله بالباقيات الصالحات، أي أنها تبقى بعد وفاتنا لنا مدخرة في رصيدنا وفي ثوابنا عند الله سبحانه وتعالى، وكذلك استغفر الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلت
على الله. وكذلك الصلاة على سيدنا رسول الله، إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً. هذه العشرة الطيبة نلهج بذكرها بالليل والنهار، هذه العشرة الطيبة هي أساس الذكر الذي نذكره، وقد علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أسماء الله الحسنى، أسماء الله. في السنة أكثر من مائة وستين اسماً وفي القرآن أكثر من مائة وخمسين اسماً ومجموع الاثنين مائتان وعشرون اسماً أو أكثر. كانت العرب إذا أحبت شيئاً أو خافته أكثرت من أسمائه، فأكثر الله سبحانه وتعالى من الدلالة عليه حتى يبين لنا بوضوح
الصفات العالية له سبحانه وتعالى. من هنا كانت هناك منظومة الذكر التي نبني عليها أخلاقنا، من هنا كان التصوف سلوكاً، ولم يكن سلوكاً مجرداً، بل أيضاً دخل فيه الفكر والتدبر والتمعن واستنباط الأمور من الأمور المجهولة، وترتيب أمورٍ معلومة للتوصل بها إلى مجهول، هذا هو حقيقة الفكر. الفكر إما أن يكون في كتاب الله المسطور القرآن، وإما أن يكون في كتاب الله المنظور وهي الأكوان، وإما أن يكون في كتاب الله المقدور وهو الإنسان. تفكر في العالم السفلي، في العالم العلوي، تفكر في
كتاب الوحي، تفكر في نفسك، فإنه من عرف نفسه فقد عرف ربه. من عرف نفسه أنه حادث عرف ربه أنه قديم، من عرف نفسه. من عرف نفسه بأنه فانٍ عرف ربه بأنه باقٍ، من عرف نفسه بأنه ضعيف عرف ربه بأنه قوي، من عرف نفسه أنه لا يقوم إلا بالله عرف ربه بأنه قيوم السماوات والأرض، من عرف نفسه أنه من تراب وإلى التراب يعود عرف ربه أنه ليس كمثله شيء، وهكذا كلما عرفت نفسك وكلما توغلت. في إدراك نفسك فإنك يتبين لك عظمة الخالق سبحانه وتعالى. التفكر هو الجزء الثاني من هذا الركن؛ الذكر والفكر في
الطريق إلى الله لا علاقة له بالأشكال، ولا علاقة له بإظهار السبحة أو بلبس البياض، وإنما هو بتخلية القلب من كل قبيح وتحلية القلب بكل صحيح، وهي التي يسميها الإمام. الغزالي في إحياء علوم الدين: المهلكات يجب علينا أن نتخلى عنها وأن ننظف القلب منها، وفي مقابلها المنجيات وهي التي ينبغي أن نتخلق بها. المهلكات كالكبر والحقد والكراهية والرياء، وهي أمراض من أمراض القلوب،
ولكن التواضع والحب والرحمة والرفق وحب الخير للناس والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، كل هذه. من المنجيات عدَّ العلماء أكثر من عشرين صفة من المهلكات ونحوها أيضاً من المنجيات. يجب علينا أن نخلي القلب من كل قبيح وهذا بالتدريب وبالتربية وبالاستمرار في هذه العملية. ويجب علينا أيضاً أن نحليه بكل صحيح ونحن في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى. الله مقصود الكل ولذلك ندرك تماماً. معنى لا حول ولا قوة إلا بالله أي أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يمدنا بالحياة وأنه لا حول لنا
ولا قوة إلا بالله، فنحن ندعو الله سبحانه وتعالى ونقول له: إياك نعبد وإياك نستعين، ولذلك لما ألف الهروي كتابه اسمه منازل السائرين بين إياك نعبد وإياك نستعين كأن هناك طريقاً بين إياك نعبد وإياك نستعين نعبده ونعبده وحده ونستعين به ولا نستعين إلا به سبحانه وتعالى. هذا هو معنى جليل من المعاني التي ينبغي علينا أن ندركها في قضية أننا نخلي قلوبنا من كل قبيح وأن نحليها بكل صحيح وأن نستعين بالله سبحانه وتعالى وأن ندرك معنى لا حول. ولا قوة إلا بالله،
في الطريق إلى الله ينبغي علينا أن ندرك أمرًا مهمًا وهو أن القلب له بابان: باب على الخلق وباب على الحق سبحانه وتعالى. باب الحق هو تعلق القلب الضارع الذي يأمل في الله ويرجوه، باب الحق يتعلق فيه القلب بربه ويضرع إليه سبحانه وتعالى، إذًا فباب الحق. هو الذي من جهته العبادة، ولكن هناك باب الخلق لأن الله قدّر علينا ألا نكون في الملأ الأعلى مع الملائكة، بل قال: "إني جاعل في الأرض خليفة"، "اهبط
آدم ومن معه إلى الأرض"، "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها"، أي أنه طلب منكم عمارتها. فباب الحق للعبادة وباب الخلق إنما... هو للعمارة وعندنا بذلك أربعة أنواع من البشر: شخص أُغلق عليه البابان، إذاً فهذا مجنون لا عقل له ولا تكليف، لأنه لا يدرك الدنيا بما فيها ولا يدرك الله بما فيه، ورُفع القلم عن ثلاثة منهم المجنون حتى يفيق. الحالة الثانية أن باب الخلق مفتوح، إذاً فهو شخص
يُجيد عمارة. الدنيا يلتفت إلى تفاصيلها يعرف جزئيات ما هنالك إلا أن باب الحق سبحانه مغلق وهذا نسميه بالغافل لأنه اهتم بالعمارة وهذا أمر جيد لكنه جيد من قبيل أن باب الخلق مفتوح لأن الله أمرنا بفتح البابين فهذا فتح بابا واحدا الأكمل منه أن يكون باب الحق مفتوح وباب الخلق مفتوح فباب الحق لا يُنسى به الله، وباب الخلق ينظر إلى الخلق بعين تؤمن بالله بنية خالصة مخلصين له الدين، بهدف واضح أنه يعمر هذه الأرض
لا من أجل أن يحصل على مصلحته فقط، بل يحصل على مصلحته ومصلحة أبنائه إلى يوم الدين. يريد أن يترك الأرض في عمارة يرضى عنها الله سبحانه. وتعالى لا يريد أن يعثوا في الأرض فسادًا ولا أن يقتل الناس ولا أن يسيل الدماء أو ينتهك الأعراض أو يتسلط على الأموال ظلمًا وعدوانًا ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، قاعدة عامة ومبدأ قرآني مهم. الحالة الرابعة أن يغلق باب الخلق ويفتح باب الحق وحينئذ يكون وكأنه مجذوبًا. إلى الملأ الأعلى وإلى ما وراء المنظور مطمئن
في قلبه، قلبه ضارع لله لكنه في النهاية مقصر، وهذا نسميه بالمجذوب، وهو حال نقص ليس بحال كمال؛ لأنه لم يفتح باب الخلق، لم يلتفت إلى الدنيا التي هي مزرعة الآخرة، لم يعمر هذه الدنيا كما أراد الله وأمر سبحانه وتعالى. القلب ببابيه يفسر لنا كثيرًا من النصوص حيث يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليُغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مئة مرة، وفسرها العلماء بأنه غَين، والغَين معناها السحابة أو الغيم، غَين أنوار وليس بغَين أغيار، الأنوار
من عند الله والأغيار هي التي تُلهي الإنسان في. تفكره من جزئيات العالم ورسوم الأكوان، فالنبي يغلق عليه باب الخلق ويستأنس بالله غاية الأنس، فيستغفر الله لأن فتح باب الحق وحده يجعله غير قادر على الاتصال بالناس، وهو مكلف بأن يتصل بالناس، فيقول: استغفر الله، استغفر الله من هذه الحالة العليا التي يريد صلى الله عليه وسلم أكمل منها. من كماله وعُلُوِّه وبهائه ومصطفى لأنه مصطفى مختار، ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله مائة مرة، لا من ذنب ولا من تقصير، بل من
خوفه من الله أن يكون أغلق باب حق الخلق وباب حقه مفتوح دائماً. إغلاق باب الخلق هذا سوف يؤدي إلى شيء من الالتفات. عن المهمة الأساسية في التبليغ عن الحق سبحانه وتعالى، اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد. في هذا الطريق إلى الله سبحانه وتعالى نرى ما يسمى بالإشراقات، وهذه الإشراقات من نعم الله، فهي نعمة كنعمة الغنى، كنعمة الصحة، كنعمة العلم، كنعمة الجاه، كنعمة السلطان. ينبغي ألا تتجاوز كونها نعمة وألا نعتمد. عليها في أن الله سبحانه وتعالى قد رضي عنا وقد أعلى من درجتنا وقد فعل كذا وكذا
فنتكبر بها على الناس ونقول نحن نفعل والناس لا تفعل، نحن حدث لنا والناس لم يحدث لهم، حينئذٍ ستتحول تلك الإشراقات كما هي النعم إلى فتن، فتنة المال وفتنة الولد وفتنة. العلم وفتنة الصحة وفتنة سائر الفتن التي يفتن بها الإنسان حيث لا يؤدي لله سبحانه وتعالى، لا يؤدي له واجبات هذه النعمة من الشكر ومن الخبوت والتواضع لله، ومن تواضع لله رفع. هذه الإشراقات تتمثل في الرؤية التي قد يراها الإنسان في المنام، لا تعتمد عليها، تتمثل في الخواطر التي
تخطر على بال الإنسان أو الواردات التي ترد بعد الذكر وفيها أشياء طيبة، جزء منها يكون تعليماً للأدب مع الله سبحانه وتعالى في السلوك إليه، وجزء منها يعتبر كشفاً لحقائق الأكوان، وجزء منها يعتبر فتحاً لفهم جديد لآية كريمة أو لحديث شريف، لا نقف عند هذا ولا نعدّ هذا يعني. دلالة على أن لنا درجة عند الله فنركن إلى هذا الطريق. يقول لنا أن هذه من النعم التي ينبغي ألا نلتفت إليها، لأن الملتفت لا يصل من الإشراقات والأنوار التي تحدث
للإنسان عند تلاوة القرآن أو عند الذكر أو عند الدعاء أيضاً. وهذه الأنوار لها أشكال مختلفة منها النور الأصفر. منها نور الأبيض، منها نور الأسود، منها نور الأحمر. وهل هناك نور أسود؟ نعم هناك نور وأسود، ولكن كل هذا لا نلتفت إليه، لا نقف عنده، لا نأخذ منه دلالة على أننا الأتقياء وأن غيرنا من البشر هم السفهاء. هذا حرام وهذا خطأ وهذا يعطل وهذا ينقص الإنسان، لا يرقيه. كثير جدا من الناس تاهوا في هذه الإشراقات وأحدثت لهم نوعا من أنواع الفخر والمجد والتعالي والعياذ بالله تعالى على الخلق،
ولذلك نحن نحذر بالرغبة من أننا نقول أن هذه الإشراقات نعم من نعم الله على العبد، يقتضي المتلبس بها الشكر لله، مزيد التواضع لله، مزيد الخوف من الله. حتى يكون قد نجح في تلك الهبة لتلك النعمة، "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها". من هذه الإشراقات الكشف؛ ينكشف لك حال ما أمامك، ينكشف لك شيء من الغيب أو مما هو غائب عنا الآن، يعني ما الذي يحدث في أمريكا أو ما الذي يحدث في إفريقيا أو كذا وكذا إلى آخره. كثير من أولياء الله الصالحين كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى
بالستر. ما شأني أنا وما مهمتي وما الذي استفدته إن عرفت مجموعة من الأخبار؟ لا شيء. الحقيقة أنها تشغل ولا تدفع الإنسان. من ضمن هذه الإشراقات أيضاً الإشارات، أن أفكر في شيء فأسمع آية قرآنية وأنا أسير بسيارتي. تُجيب على هذا التوجه أو كذا إلى آخره أو تسمع أحدهم وهو يكلّم أخاه حول ذات نفس الموضوع الذي أفكر فيه وأطلب منه فيسمونها الإشارات. هناك أيضاً من الإشراقات هذه الكرامات وهي خارقة من خوارق العادات. هذه الخارقة التي هي من خوارق العادات لا
تجعلني أغتر بل هي كما قال. أهل الله كنا نستحي من الكرامة تجري على أيدينا استحياء البكر من دم حيضها. البكر عندما تفاجأ بالحيض قد يحدث لها نوع من أنواع الخجل أو الاضطراب أو عدم المعرفة هكذا، ولكن كلما تقدم الإنسان في الطريق إلى الله كلما قلت الكرامة، لأن هدف الكرامة التثبيت، هدف الكرامة أن تثبت. فؤادك وعبادتك وتكون لك تجربة روحية تعتمد عليها عندما يشكك بعض الناس في طريق الله، وهناك أشياء أخرى في الطريق إلى الله حتى قالوا:
ملتفت لا يصل، لا تلتفت إلى الإشراقات وهي نعم، نكرر ونعيد ونزيد أنها نعم، ولذلك تستوجب الشكر، لا تستوجب الانشغال بها ولا تستوجب أن نحولها إلى ضد مراد الله فيها ومراد الله أن يثبتك وأن يجعلك تتقدم في الطريق وأن يجعلك متيقناً، لأن هناك ما يسمى بعلم اليقين وهناك ما يسمى بحق اليقين. فإذا عرفت أن هناك بحراً فهذا علم اليقين، وإذا وقفت أمامه ورأيته بعيني رأسك فهذا عين اليقين. علم اليقين بعيد، وعين اليقين مرئي. أمّا إذا نزلت لتسبح فيه وتقود فيه سفينة
حتى تصل إلى الشاطئ المقابل فهذا حق اليقين لأنك عرفته وخبرته وفهمته وعرفت قواعده وعرفت كيف تتصرف معه. هذا هو التصوف الحق. التصوف لا علاقة له إطلاقاً بالموضة ولا علاقة له إطلاقاً بالأشكال ولا علاقة له إطلاقاً بالصور. قال رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم أن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا صوركم ولكن ينظر إلى التقوى منكم وإلى قلوبكم، وقلوبكم محلها هو التقوى. فاللهم اجعلنا من العارفين بجلالك وجمالك وكمالك،
خذ بأيدينا إلى الطريق إليك، خلِّ قلوبنا من كل قبيح، وحلِّها يا ربنا بكل صحيح. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله والسلام. عليكم ورحمة الله وبركاته