حلقات الذكر | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة

حلقات الذكر | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة - تصوف, حديث, مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرسم. لنا الطريق إلى الله، تكلمنا
في حلقة سابقة عن فضل الذكر، وعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّم الأمة حلقات الذكر، وأنه رضي عنها، وأنه فضّل حلقات العلم على حلقات الذكر، وقال: "إنما بُعثتُ معلماً"، وجلس مع حلقة العلم، مع حلقة العلم، لكنه مع ذلك لم يلغِ حلقة. الذكر ولم يأمر بأن تنفض ولم يأمرهم بأن ينضموا إلى ما هو الأفضل وهو العلم لأن كلاً ميسر لما خُلق له، والقضية أنك تعبد الله سبحانه وتعالى، وعبادة الله تقتضي أن تكون حيث ما كان قلبك، فترى بعضهم يطيل في السجود لأنه وجد قلبه في السجود، وترى بعضهم يطيل في الركوع
لأنه يخشع أكثر وهو في الركوع، ترى بعضهم وهو يحب الصلاة لأنه وجد نفسه فيها، وآخر يحب كثرة الصوم، وثالث يحب أن يخرج من ماله وأن يكون في خدمة الفقير والمسكين وفي عون العبد، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ورابع يحب كثرة العمرة والحج. واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والدعاء، أما الخامس فهو من أهل القرآن فيلازمه ويجد لذة عظيمة في تلاوته ويسير فيه كالحال المرتحل كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل أولئك على خير. أما طالب العلم فإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم
رضاً بما يفعل، ويستغفر له الكائنات حتى. الحوت في الماء يستغفر لطالب العلم إذا طلب العلم، وهو فريضة على كل مسلم أي ومسلمة. طلب العلم الذي هو شرف، لأن طلب العلم شرف، ومن ذاق عرف، ومن عرف اغترف. شرفه فوق كل شرف، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما يبين لنا علو قيمة عمل ما لا يلغي الأعمال. الأخرى بل أنه يحث عليها ويدفع الناس إليها. في فضل حلقة الذكر عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض". خلق الله سبحانه وتعالى عالم الملائكة وحجبهم عنا، ولله سبحانه وتعالى ملائكة للمراقبة وملائكة للحفظ وملائكة للبركة وملائكة في الملأ. الأعلى وملائكة للعبادة والكل لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون كما وصفهم ربنا سبحانه وتعالى إن لله ملائكة سياحين في الأرض يسيحون في الأرض يعني ينتقلون من مكان إلى مكان ويذهبون إلى الأماكن المباركة التي أراد الله أن ينزل بركته فيها فضلاً عن
كتاب الناس يعني هذه الملائكة غير الملائكة الذين عن يميني وعن يساري الذين يجلسون يكتبون كل ما صدر عن الإنسان، فهناك رقيب وعتيد، والاثنان يراقبان ويكتبان، واحد ملك الحسنات عن اليمين وملك السيئات عن اليسار. ملك السيئات إذا ارتكبت ذنباً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يتأخر ست ساعات لا يكتب. السيئة التي صدرت مني لعلي أتوب فإن تبت فإنه لا يكتبها. إذ يجب عليك أيها المؤمن عندما تنسى وتقع في الأخطاء وفي المعاصي أن تتوب سريعاً قبل مضيق الساعات. أمراض
الكبد خطر كبير، وبتبرعات أهل الخير بنينا المرحلة الأولى من مستشفى ومعهد بحوث الكبد. لذا أدعو المواطنين إلى التبرع والمساهمة. في المرحلة الثانية من هذا البنيان الضخم مستشفى ومعهد أبحاث الكبد. لو تبرعنا جميعاً نحمي أكبادنا. رسالتنا حماية كبدك، فلا تكتب "يقبل الله التوبة". الملك يعلم هذه الحقيقة،
ولذلك فإنه لا يكتبها سوى هؤلاء الكتبة الذين مع الناس. لا، هناك ملائكة من نوع آخر، ملائكة هم سائحون في الأرض يسيحون. في الأرضِ ويلتمسون الخير، فإذا وجدوا أقوامًا يذكرون الله، وجدوا حلقةً من حلقات الذكر، تنادَوْا بعضهم ينادي بعضًا: "تعالوا". الملائكة تنادي بعضها لأن واحدًا منهم عرف أن في المكان الفلاني قومًا مجتمعين لذكر الله. "هلمُّوا إلى بُغيتكم التي كنتم تبحثون عنها، ها هي موجودة". هذا الحديث أخرجه الترمذي وقال الإمام. أبو عيسى الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ عن
أبي سعيد الخدري، ورُوي أيضاً عن أبي هريرة من غير هذا الوجه، يعني إسنادٌ آخر. إذاً، فهذا حديثٌ حكم عليه العلماء، ومنهم الإمام الترمذي الذي رواه في سننه، بأنه صحيح. هَلُمُّوا إلى بُغيتكم، تعالوا إلى ما أنتم طالبونه هنا، فيجيئون فيحفون بهم سماء الدنيا إذا هؤلاء ملائكتها كثيرون جداً لأنهم سيأتون ويزدحمون حول الحلقة التي تذكر ربنا سبحانه وتعالى لدرجة أنهم يتراكبون بعضهم فوق بعض إلى أن يصلوا إلى عنان السماء فيقول الله على أي شيء تركتم عبادي يصنعون وهو أعلم
ولكنه يريد أن يبين فضل الذاكرين وفضل حلقة الذكر ربنا. يسأل الملائكة من أجل أن يجيبوا وهو أعلم بكل هذا، إنما من أجل أن يتعلم الآخرون. فيقولون: تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك. هذه هي حلقة ذكر محض. قال: فيقول: فهل رأوني؟ فيقولون: لا، "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار". كيف ننظر إلى ربنا بعيوننا الدنيوية التي لا تتحمل هذا؟ ربنا جلّ. جلاله منزّه عن هذا، قال: "فكيف لو رأوني؟" النظر إلى وجه الله الكريم لذة، ولذلك أوّل قوله تعالى: "لهم الحسنى وزيادة"،
الزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم. قال تعالى: "وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة". فالنظر إلى الوجه الكريم سبحانه وتعالى يعني لذة تفوق لذة الجنة ولذة الدنيا والآخرة، قال. فكيف لو رأوني قال؟ فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تحميدًا وأشد تمجيدًا وأشد لك ذكرًا. قال: فيقولون: أي شيء يطلبون؟ ماذا يريدون من هذا الذكر؟ قال: فيقولون: يطلبون الجنة، يذكرونك لأنهم يحبونك، لأنهم يطلبون الجنة ويخشون عذابك. قال: فيقول: وهل رأوها، الجنة التي يريدونها هذه؟ فيقولون: لا. قال فيقول فكيف لو رأوها؟ قال
فيقولون: لو رأوها كانوا لها أشد طلباً وأشد عليها حرصاً. قال فيقول: من أي شيء يتعوذون؟ قال: يتعوذون من النار. قال: وهل رأوها؟ فيقولون: لا. فيقول: فيقول سبحانه وتعالى: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لو رأوها كانوا منها أشد هرباً وأشد منها خوفاً وأشد منها. تعوذوا من النار، إنها شيء، أي شيء فظيع جداً. قال: "فإني أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم". إذاً فحلقة الذكر التي يُذكر فيها اسم الله، التي يُذكر فيها سبحان الله، التي يُذكر فيها الحمد لله، التي يُمجَّد فيها ربنا، التي يُدعى فيها ربنا سبحانه وتعالى
هي من أسباب المغفرة. ومن أسباب الرضا ومن أسباب الرحمة ومن أسباب تنزُّل السكينة وتنزُّل الملائكة واستجابة الدعاء وأن يذكرهم الله سبحانه وتعالى في الملأ الأعلى، ذِكْرُ الله لهم في الملأ الأعلى يعطيهم قوة ويعطيهم بركة، في الأوقات وبركة في الصحة وبركة في الأموال وبركة في الأولاد، البركة التي نسيها كثير من الناس. فيقول: "إني أُشهدكم أني قد غفرتُ لهم". فيقولون: "إن فيهم فلاناً الخطّاء، لم يُرِدهم، إنما جاءهم لحاجةٍ". فيقول: "هم
القوم لا يشقى لهم جليس". فيغفر للجميع، حتى من مرّ بهذه الحلقات وكان قلبه معهم وكان خطّاءً، فإن الله يكرمه ويقبل توبته. فالحمد لله رب العالمين الذي جعلنا مسلمين وفتح. لنا كل هذا الباب من أبواب الخير، إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.