خطبة الجمعة الأخيرة من رمضان 1443هـ | أ.د علي جمعة

خطبة الجمعة الأخيرة من رمضان 1443هـ | أ.د علي جمعة - خطب الجمعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في
الأولين وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار بإحسان إلى يوم الدين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا
قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. ها قد انقضى رمضان منا ومر كمرور السحاب، كما هي عادته كل عام، إلا أنه في هذا العام مر أسرع وأصبحنا في نهايته في اليوم الثامن والعشرين. أمامنا فيه بعد ذلك يوم أو يومان، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعتقنا ويعتق
رقابنا ببركة هذا الشهر. العظيم من النار وأن يتقبلنا عنده في الصالحين وأن يتقبل منا صالح أعمالنا على ما كان من عمل نلجأ إليه ونقول يا ربنا حالنا لا يخفى عليك وعلم كل ذلك بيديك ونحن في حاجة إليك وأنت قيوم السماوات والأرض لا تحتاج إلينا ونحتاج إليك فاللهم يا ربنا اغفر لنا وعافنا واعف عنا فإنك عفو تحب العفو يا
ربنا تقبل منا صالح أعمالنا وبارك لنا فيما يأتي من وقت وزمان وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، سنبدأ بعد يومين عاما جديدا نرجو أن يكون جديدا في إيماننا وفي حياتنا وفي تضرعنا لرب العالمين، نرجو أن يكون جديدا في صلتنا بالله سبحانه وتعالى وعندما تقرأ سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي جعله أسوة حسنة للعالمين لقد
كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا تجد سيدنا يريد أن تخرج من دائرة الإحباط إلى دائرة الهمة والعمل وألا تيأس من ذنب قد أحاط بك أو عدت إليه كثيرا بعد ما تبت منه وأقلعت عنه يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وخطاء صيغة مبالغة أي كثير الخطأ وتواب
صيغة مبالغة أي كثير التوبة وكأنه يسلي قلبك من عودتك لذنب قد أقلعت عنه ألا تيأس وأن تتركه وراءك ظهريا وأن تبدأ حياة جديدة كلما استيقظت من نومك لصلاة فجرك كان يقول جددوا إيمانكم قالوا يا رسول الله كيف يجدد أحدنا إيمانه قال قولوا لا إله إلا الله جعل الأمر سهلا يسيرا ليس استهانة بالمعصية بل تعاملا مع الله سبحانه وتعالى ومع النفس
التي تكثر علينا المخالفات ومع هذا الكون الذي بناؤه القلوب الضارعة لرب العالمين والنبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد حسنة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من عبد مؤمن انظر إلى الكلام مؤمن ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعود إليه
الحين بعد الحين أي أن هذا الذنب يعود عليه وكلما تاب منه رجع إليه وخلق الإنسان ضعيفا يعطيك أملا في علاقتك مع الله وأنه هو الله الرحمن الرحيم جميل في جماله له ذنب يعود إليه الحين بعد الحين وهل كلنا كذلك لا هناك فريق آخر من ذلك فقال أو ذنب يقيم عليه لا
يفارقه حتى يفارق الدنيا إن المؤمن مفتن تواب نسي إذا ذكر بعد ما وصف الحال الذي عليه غالب الناس وجل البشر فكل بنو آدم خطاء وضع لنا بهجم عليه النفس وتبتلاعب به الدنيا ويحيط به الهوى ويحاول الشيطان
مرة على مرة أن يضله عن سواء السبيل فهو محاط بالفتن فكأنه يقول لك كان الله في عونك، ولكن لما سأله وقال يا رسول الله ادع الله أن أكون رفيقا لك في الجنة قال أعني على نفسك بكثرة السجود، يعني أعني بشيء منك أستطيع أن أتوسل إلى الله به حتى يستجيب دعاءنا وأن تكون رفيقا لي في الجنة يعني لا بد أن تعمل وأن تظهر شيئا من العمل ومن المحاولة حتى تكون لك الدرجات العلى
عند ربك وعند نبيك صلى الله عليه وآله وسلم مفتنا أي تحيط به الفتن توابا فيرشدك إلى التوبة دائما وأن تبادر بها وكلما شعرت أنك قد فعلت ذنبا بادر إلى تقديم شيء من الحسنات حتى تمحى، فإن ملك السيئات كما أخبر سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم يمهل ست ساعات لا يكتب ذنبك حتى تتوب، يمنحك فرصة، فإذا تبت خلال الساعات الست لا يكتبه عليك، تأتي يوم القيامة وتجد هذا الذنب الذي
عرفته غير موجود في الكتاب. أين ذهب لقد عفي عنه بمبادرتك بالوضوء أو الصدقة أو ركعتين أو قراءة القرآن أو النصيحة لوجه الله، كل ذلك من الخيرات، إن الحسنات يذهبن السيئات، النسيان تنسى الذنب، لا يعطلك، لا يغشي عليك حياتك، نقع في الذنب ثم نتوب ثم نبدأ صفحة جديدة مع رب رحيم ثم ننطلق فإذا وقعنا فيه مرة أخرى فلا نيأس بل نتوب أيضا، وبعض الناس من العلماء الذين
ابتلينا بهم يخفون هذا الحديث ولا يتحدثون فيه لأنهم يريدون الوصاية على الخلق ويريدون التحكم فيهم ويعتبرون أنهم لو قالوه للعباد وهو صحيح صححه الهيثمي وغيره بل صححه بعض العلماء أيضا لكنهم يخفونه من أجل التسلط والتعالي والعياذ بالله تعالى، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، حديث عظيم نريد أن نستقبل به عاما جديدا لا نيأس فيه حتى لو صدر منا النقص والسهو والذنب والمعصية، إلا
أننا نبادر بثقة في النفس ونبادر بثقة في الله قبل ذلك وبعد ذلك أننا نسير في طريق إلى الله بقلوب خاشعة نتوب وننسى الذنب ونبدأ من جديد وكأننا لم نفعل شيئا، ولكن لقد فعلنا وتركنا وتبنا ونسينا وذلك رأفة من رسول الله بنا ورحمة من رب العالمين بنا وبمن خلق وبمن سوف
يكون بين يديه يوم القيامة. ادعوا ربكم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وصحبه ومن والاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وحبيبه وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى انتقل إلى جوار ربه مكرما مصطفى صلى الله عليه وآله وسلم اللهم يا ربنا في هذا الشهر العظيم وفي هذه الجمعة اليتيمة الوحيدة الأخيرة وفي هذه الساعة التي قد تكون ساعة الإجابة عندك اللهم اغفر لنا ذنوبنا
وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت واصرف اللهم إنا نعوذ بك من شر ما قضيت، اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا، وأحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم نور قلوبنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر تقبل منا صالح أعمالنا، اقض حوائجنا وحوائج
المسلمين، اللهم يا ربنا اجمعنا على الحق في الدنيا والآخرة، نور بصائرنا وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، اللهم انقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك يا رب، احشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب وأظللنا في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم اللهم يا رب العالمين اشف مرضانا وارحم موتانا وارزقنا رزقا واسعا وعلما نافعا وقلبا خاشعا وعينا من خشيتك دامعة ونفسا قانعة وشفاء من كل داء
هدأ إبالنا وأصلح حالنا اللهم يا ربنا أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا ونور أبصارنا وصدورنا واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا علمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وأقمنا بالحق وفي الحق وللحق يا أرحم الراحمين يا رب هذا حالنا لا يخفى عليك، اللهم يا ربنا رد إلينا القدس ردا جميلا، اللهم يا ربنا انصر أهله في رباطهم ضد آل صهيون، اللهم يا ربنا نلجأ إليك بما قرئ في الحرمين وفي القدس الشريف وفي سائر أقطار الإسلام والمسلمين
أن تتقبل منا عباداتنا وصالح أعمالنا وأن تتقبل منا دعاءنا. وأن تجعلنا من مستجابي الدعاء، اللهم اجعلنا من مستجابي الدعاء، اللهم يا رب العالمين اقض دين المدينين واشف المرضى يا رب العالمين، واجمعنا على الحق في الدنيا والآخرة، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأقيموا الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم الله ما تصنعون