خطبة الجمعة بعنوان (المسلم من سلم المسلمون من لسانه) | أ.د. علي جمعة

اللهم إني أشارك بحراء ومشاء الله وإن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح
للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا محمد في العالمين وصل وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار يا أرحم الراحمين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أحسن
الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن شر الأمور محدثاتها فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، تركنا سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ومن تلك المحجة البيضاء قوله صلى الله عليه وآله وسلم المسلم وفي رواية أتدرون
من المسلم؟ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، أتدرون من المؤمن؟ المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم أتعلمون من هو المهاجر؟ المهاجر من هجر ما نهى الله عنه، وعندما نطلع على المحجة البيضاء التي تركها لنا سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم وقد كرر علينا
الكلام من أجل أن نفهم وأن نستوعب وأن يستقر ذلك في قلوبنا، نجمع الروايات التي وردت في الشأن الواحد فنجد يخرج الحديث برواية: المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وفي رواية: من سلم المسلمون، وفي رواية: من سلم الناس المسلم وغير المسلم. ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا،
وذكر الله كثيرا، وذكر الله كثيرا لا يزال. ليكن لسانك رطبا بذكر الله، فمن هذا الذي يرجو الله ورسوله واليوم الآخر ويذكر الله كثيرا؟ تلك هي القلوب الخاشعة، وأنت مثال وقدوة وشاهد كشهادة النبي على العالمين، وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا صلى الله عليه وسلم، فأنت تدعو بحالك ومقالك إلى الإسلام متى يحبك الناس متى
تحبك أمة الدعوة وكل من على الأرض هو أمة دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما تكون أنفعهم لهم يأمنونك عندما تكون وردة في أوساطهم لا يشمون منك إلا الجميل وإلا الرائحة الجميلة أيكون ذلك بالمتفجرات أيكون ذلك بالفجور والفساد أيكون ذلك بإراقة الدماء انظروا إلى المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك مما تركها
لنا حبيبنا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرج مسلم في صحيحه أنا بريء ممن خرج على أمتي لا يميز بين برها وفاجرها ليس مني تبرأ رسول الله من هذا الذي يدعي الإسلام فيفجر السيارات ويقتل المارة ولا نعرف من هم، بل وقد يكون واحد من الخوارج يسير فيقتله مع من قتل، فهو لا يدري عن نفسه شيئا.
ماذا تقول المحجة البيضاء التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ تقول في هذه الفتن التي يقودها كلاب النار الخوارج كلاب النار. وتقول لا يدري القاتل فيما قتل ولا يدري المقتول فيما قتل، البائع الذي سعى في طلب رزق أولاده فإذا به يموت وهو لا يدري شيئا عن هذا ولا عن ذاك وعمن حوله في الدنيا هو يريد أن يطعم أبناءه إذا من الفجور ومن الكفر
نطيع من نطيع ممن قد سلبت عقولهم فلم يميزوا بين الخبيث والطيب ولا بين البر والفاجر ولا بين أحد في العالمين، أنطيع من شوه صورة الإسلام عند الخلق ومن وقف حجابا بين الله وخلقه ومنع الناس قصدوا أو لم يقصدوا من الدخول في دين الله أفواجا أم نطيع سيدنا صلى الله عليه وسلم وهو نور من عند الله والله لنطيعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونوقن أننا على خير مع الله، لا إله إلا
الله، مفسدون خرجوا عن المحجة البيضاء. يقول أبو موسى الأشعري حمامة أهل اليمن والنبي يقول الإيمان يماني والحكمة يمانية، يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتحدث عن زمان يكثر فيه الهرج، فقالوا له: وما الهرج يا رسول الله؟ فقال: الكذب والقتل. قالوا:
أكثر مما نقتل من القتل في جانب المشركين ومن المؤمنين في جانب المسلمين؟ وهم لم يتجاوزوا في جميع مواقع النبي عن ألف وستمائة وستة وتسعين من المسلمين، والباقي من المشركين خلال أكثر منذ عشرة أعوام، كل قتلى الغزوات والفتوحات لم يتجاوز ألف قتيل، وبالرغم من
ذلك يقولون إننا نقتل أكثر مما ينبغي يا رسول الله. قال: ليس بهذا تقتلون المشركين، أي في جهاد رسمي تحت راية واضحة هي راية النبي صلى الله عليه وسلم، ومن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الموحى إليه هو المؤيد من ربه هو الذي يتلقى الأوامر فيطيع وليس له إلا أن يطيع صلى الله عليه وآله وسلم أكثر مما نقتل يا رسول الله قال ليس بهذا أنتم تقتلون المشركين حينئذ يقتل
الرجل جاره وأخاه وابن عمه وعمه تبسم الصحابة قالوا يا رسول الله أومعنا عقولنا أما ما زلنا عاقلين أي وحدنا يقتل أباه وأخاه وابن عمه وجاره وهكذا قال يومئذ يسلب الله عقول أهل هذا الزمان يحسبون أنهم على شيء وليسوا على شيء صدقت يا رسول الله وقد كان ورأينا الكذب ينتشر في وسائل التواصل الاجتماعي وفي
الإعلام وفي الأحاديث حتى انتشر في كلام الناس وسيدنا المحجة البيضاء يقول: أيكذب المؤمن؟ قال: لا. أيزني المؤمن؟ قال: نعم. أيسرق المؤمن؟ قال: نعم. معاص أيكذب المؤمن؟ قال: لا. والكذب قد فشا حتى ينفث أولئك الخوارج الكاذبون دون الهواء وصدق بعضهم بعضا فأخذهم الله سبحانه وتعالى والحمد لله رب العالمين. وفي صحيح ابن حبان عن جندب رضي الله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: أخوف ما أخاف على أمتي رجل آتاه الله القرآن حتى إذا بدت عليه بهجته، فللقرآن بهجة تظهر على أهل القرآن، حتى إذا بدت عليه بهجته وترى كثيرا من الناس يحبونه لأنه من أهل القرآن، ليس لذاته وإنما لأن الله أعطاه القرآن والناس تحب القرآن وتشعر بحلاوته وطلاوته، حتى إذا آتاه الله القرآن حتى إذا بدت عليه بهجة وجهه
بدا عليه أنه من أهل القرآن غيره، آه لا حول ولا قوة إلا بالله، أحد ممن تصدر للكلام على حلاوة القرآن وطلاوته طبع الطبعة الأولى فكانت رائقة فائقة يذهب إليها الناس ثم غيرها غيره العلامة أنه غيره وفي الطبعة الثانية كفر المسلمين وبدأ شيطانه يتلاعب به فكتب ما كتب فحدثت كل هذه الدماء التي ترونها من أجل هذا الفساد من خلال هذا الخطأ
الذي نبهنا إليه صاحب المحجة حتى إذا بدت عليه بهجته غيره طبعة ثانية وطبعة ثالثة والطبعة السابعة عشر حتى إذا بدت عليه بهجة غيره فخرج على جاره بالسيف ورماه بالشرك ورماه بالشرك قالوا يا رسول الله الرامي أحق بها أم المرمي قال بل الرامي هذا الذي يدعي التوحيد الخالص وأن المسلمين مشركون هو الذي أحق بالشرك
منهم لأن الله عصم هذه الأمة من الوقوع في الشرك والحمد الحمد لله رب العالمين أن جعلنا من أمة محمد، عباد الله لا بد أن نقرأ الدين كله كالجملة الواحدة كما يقول الراغب الأصفهاني، لا بد أن نقرأ الآية بكمالها وفي سياقها وسباقها ولحاقها وإلا نكون ممن آمن ببعض الكتاب والعياذ بالله وكفر ببعض، وقاتلوا في سبيل الله وليس في سبيل وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم
ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين الكافرين الحال فضحوا أنفسهم هؤلاء المفسدون ووقفوا حائلا وحجابا وصدوا عن سبيل الله ولو بغير علم لا
نذهب إليهم وإذا رأينا منكرا غيرناه بأيدينا إن استطعنا وكنا من أهل اليد والسلطان أو بألسنتنا بالدعوة إلى الله وإلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أهل البيت الكرام تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترة أهل بيتي أخرجه الترمذي، وأخرج الإمام أحمد كتاب الله وسنتي، فترك لنا المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك. عباد الله فمن لم يكن بيده ولسانه فبقلبه،
وليس بعد ذلك إسلام كما وردت في الرواية الصحيحة، لا بد أن ننكر. المنكر وأن نأمر بالمعروف وأن نصبر على ما أصابنا على سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن سيدنا محمدا
عبده ورسوله فاللهم صل وسلم عليه صلاة تليق بمكانه ومكانته عندك يا أرحم وعلى آله وصحبه وأمته الصادقين القانتين المؤمنين المتقين إلى يوم الدين، أما بعد فاليوم يوم عيد في السماء وبالأمس تم التصحيح مداه ومضت خمس وستون عاما على ذلك التصحيح الذي رجع فيه المصريون إلى أنفسهم
وقد حموا الإسلام عبر القرون واختلط بدمائهم ولحمهم وعاداتهم وتقاليدهم وطعامهم وشرابهم ولباسهم وحياتهم كلها مضت ثلاث وستون سنة وهي بالحساب الميلادي وخمس وستون بالتمام بالحساب القمري الذي نستعمله في الهجرة الشريفة ولك أن تستعمل أيا منهما وإنما أنا أستعمل الأكثر لأنه أحكم في هذه الأيام يسير جيشنا بيد من حديد
على رؤوس الأشهاد في العالمين فيكسب فيكشف كذب الكاذبين ويحطم يد الإرهاب اللعين ويقف ليشوهوا مصر والإسلام والعرب بل والإنسانية كلها، الله ناصرنا، اللهم يا ربنا نشهدك أننا نحبك وأننا نحب نبيك وأننا نحب أهل بيتك الكرام، يا رب ارض عن صاحبة هذا المقام الشريف وانفعنا ببركاتها في الدنيا والآخرة وانقلنا
من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك لخاطر هؤلاء من أهل البيت الكرام يا رب أنزل سحائب الرحمات والبركات التي تنزلها على هذا الضريح الشريف على أهل مصر فهدئ البال وأصلح الحال وألف بين قلوب أبنائها واهد أبناءنا إلى ما فيه رضاك يا رب انصرنا على المفسدين الذين أراقوا الدماء يا رب مكنا منهم ومكنا في الأرض حتى نقيم الصلاة وحتى نؤتي الزكاة وحتى نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونعلم أبناءنا حبك وحب نبيك وحب أهل بيتك الكرام، يا
رب آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، اشرح صدورنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر أمورنا واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب ولا عتاب. اللهم رد علينا القدس ردا جميلا، اللهم يا رب العالمين انصرنا واستعملنا ولا تستبدلنا، واستر عيوبنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، وشفع
فينا نبيك يا رب. اشف مرضانا وارحم موتانا واغفر لحينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا واجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآته الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته وجازه عنا خير ما جازيت نبيا عن أمته أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون