خطبة الجمعة بعنوان (حجة الوداع) | أ.د. علي جمعة

خطبة الجمعة بعنوان (حجة الوداع) | أ.د. علي جمعة - السيرة, خطب الجمعة, سيدنا محمد
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ونستهديهِ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالِنَا، من يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ونبيُّهُ وصفيُّهُ وخليلُهُ وحبيبُهُ، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ. ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين فاللهم
صلِّ وسلِّم على سيدنا محمد في الأولين وصلِّ وسلِّم على سيدنا محمد في الآخرين وصلِّ وسلِّم على سيدنا محمد في كل وقت وحين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه بإحسان يا أرحم الراحمين يا أيها الذين آمنوا اتقوا
الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام. عباد الله، هذه أيام مباركة، هذه العشر الأوائل من ذي الحجة الحرام فُضِّلت وشُرِّفت. به أعظم عشرة أيام في
السنة كلها كما فضل الله سبحانه وتعالى تلك الليالي العشر في آخر رمضان حيث فضلت بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. في هذه الأيام العشر يوجد اليوم التاسع وهو يوم عرفة، واليوم العاشر وهو عيد كبير حرَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصيام فيه. فقال: هذه أيام أكل وشرب، فيحرم صيام
عيد الأضحى وما بعده من أيام التشريق، وهي أيام ذكر. فالمسلم يفرح بذكر الله، يبدأ فرحه بالتكبير وبالصلاة، ويديم فرحه بأن يذكر الله سبحانه وتعالى. "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون". أيام منفوحة في حضرة منفوحة، حضرة سيدتنا السيدة زينب رضي الله عنها. تعالى عنها وأرضاها، حضرة عقيلة آل هاشم، الحضرة
الطاهرة التي تشرفت بها مصر. أصل النبي يحبنا لأن ابنته عندنا. هذا المرقد الكريم، ندعو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا به في الدنيا والآخرة، ونشهد الله وحملة عرشه وملائكة قدسه أننا نحب أهل البيت، وهكذا كان المصريون عبر الزمان والمكان يحبون أهل البيت ولما شاع
ذلك فيهم دُفن في مصر نحو أربعين من أهل البيت الكرام على رأسهم سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة سكينة بنت الحسين. قال الإمام الشعراني: "ومما منَّ الله به عليَّ أن زرت مراقد أهل البيت الكرام في هذه النفحة المباركة زماناً ومكاناً، نتذكر ما حدث فيها". في نهاية وأواخر زمن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم نتذكر حجة الوداع. وحجة الوداع هي الحجة الوحيدة التي حجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. خطب الناس فيها وكانوا مائة وعشرين ألفاً، وقيل أربعة وأربعين ألفاً فوق المائة. خطبهم ثلاث خطب، خطبة في نمرة خطبهم وكان
يبلغ عنه. ربيعة بن أمية بن خلف أسلم وحسن إسلامه، كان النبي يتكلم وربيعة يبلغ الناس. رسول الله صلى الله عليه وسلم لخص في هذه الخطبة دين الإسلام والطريق الذي نسير فيه إلى الله سبحانه وتعالى. علمنا أن الناس على صنفين: إما أن يكون أخاً لك في الدين أو أن يكون نظيراً لك في الخلق. لك في الخلق وأمرنا أن نشيع الحب بين الناس،
وأمرنا بالتمسك بدين الله، وأمرنا بحفظ المقاصد الخمس: حفظ النفس والعقل والدين وكرامة الإنسان وملكه وماله. أمرنا صلى الله عليه وآله وسلم بأن نتبع الصراط المستقيم، وأن نسير في الطريق القويم، وأن لا نسفك الدماء، وأن نفهم عن الله سبحانه وتعالى. قل له: بسم الله الرحمن الرحيم. جمال في جمال، الرحمن الرحيم من صفات جمال الله.
ترك لنا خطبة الوداع، قال فيها للناس: "يا أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأبشاركم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا". وهنا بيّن حقوق الإنسان على أخيه الإنسان، وحرّم علينا القتل. والعدوان حرم
علينا سفك الدماء الزكية إلا بسلطان من الله. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا البيان الفصيح الصريح المريح يبين لنا في نهاية رحلته التي بلغ فيها عن ربه فما قصر، وكان دائماً بعد كل عبارة يقول: "ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد" حتى.
قالوا نشهد أنك قد بلغت يا رسول الله. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيما يقول: "يا أيها الناس، حافظوا على خمسكم، صوموا شهركم، أدُّوا زكاتكم طيبة بها أنفسكم، احقنوا دماءكم". رسول الله يأمرنا بأركان الإسلام، فمن فعل ذلك كان
في بحبوحة من أمره يوم القيامة. يأمرنا أن... نحافظ على أموال إخواننا وأن لا نمد أيدينا على ما حرم الله علينا وأن نصون المال من الضياع. ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الخطبة البليغة الجامعة الفصيحة: "استوصوا بالنساء خيراً". تذكر أيها الرجل ما قاله لك سيدك صلى الله عليه وسلم: "أنكم قد استحللتم فروجهن".
بأمر الله فاتقوا الله، حقكم عليهن ألا يُدخلن في بيوتكم من تكرهون وألا يُجلسن على فرشكم من تكرهون، وحقهن عليكم أن تطعموهن وأن تكسوهن وأن تحسنوا إليهن. أتدري ما الإحسان إليهن؟ أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك. راعِ ربنا في من استخلفك عليه. من أهلك واتق الله استوصوا بالنساء خيراً
في مقام يشرح فيه أسس التقوى وأسس الطريق إلى الله، يأمرنا أن نستوصي بالنساء خيراً. دين الإسلام رفع المرأة وأخرجها من ظلمات الجاهلية، حتى أننا الآن في رحاب السيدة الكريمة الشريفة الطاهرة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فاقت الرجال ورأست ديوان الأولياء وكانت. رضي الله تعالى عنها سيدة أهل البيت
فهي ابنة فاطمة عليها السلام، وعندما تحدث الناس فيما يُثبت به النسب أيُثبت من قِبل الأمهات والنساء، فألّف هذا العالم الجليل إسماعيل الصمي كتاباً في إثبات النسب من قِبل الأم، وألّف الشيخ جمال الدين القاسمي كتاب "شرف الأسباط"، وسارت نقابة الأشراف المصرية باعتماد أبناء السيدة زينب. واعتماد من كانت أمه من النسب الشريف شريفاً بلا شك، إذ أعلى الإسلام
شأن المرأة وأقامها في خصائصها ووظائفها ومراكزها القانونية، وجعلها المقدمة في هذا الشأن. وصار المصريون بنور الله في هذا الطريق خطاباً ما بعده خطاب في الوضوح: حقوق للإنسان وللأكوان، حقوق للرحمن رب الجميع، كانت في خطبة الوداع. نتذكر كل ذلك في موقفنا هذا في مكاننا هذا وندعو الله سبحانه وتعالى أن يفتح
علينا فتوح العارفين به وأن يعلمنا الأدب معه. ادعوا ربكم لعلها أن تكون ساعة الإجابة. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده. صدق. وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ونبيه وحبيبه، اللهم صل وسلم عليه صلاة كاملة تامة إلى
يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين واتباعه بإحسان يا أرحم الراحمين. يبدأ التكبير وذلك إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد، الثالث من أيام التشريق بعد. كل صلاة وكان الصحابة قديماً يكبرون: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، كما ورد عن سلمان الفارسي. ولأنه ليس في التكبير تقييد، فقد
أضاف المصريون هذا التكبير الكبير وأنهوه بالصلاة على النبي وآله وأزواجه وذريته، فلما دخل الشافعي مصر وسمع أهلها قال... في نص الأم، وإن كبُر بما يكبُر عليه الناس الآن، فحسن. فصار المصريون على ذلك إلى يومنا هذا يكبّرون الله ويهلّلون ويفرحون، ولو اغتاظ بعض الناس. لا نعرف لماذا يغتاظون، أيغتاظون من ذكر الله؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حج حجة الوداع. وقال
أيها الناس لعلي لا أراكم بعد عامي هذا، وكان يعرف أنه سينتقل إلى الرفيق الأعلى، حتى لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: "يا معاذ لعلك لا تلقاني بعد عامي هذا"، فبكى معاذ. وبعد الخطبة نزل عليه قوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً". فبكى عمر كما في مصنف ابن أبي شيبة قال: "وما يبكيك يا عمر؟" قال: "لقد كنّا في زيادة يا رسول الله حتى إذا ما كمل الدين، فإذا تم الأمر وكمل نقص". قال: "صدقت".
فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا عمر. فتمسكوا بدينكم فإن الدنيا فانية، أيامنا فيها قليلة. كثرت أو قلّت اتقوا الله، تذكروا الله، تمسكوا بما أمر الله، علّموا أبناءكم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحبّوا الحياة من أجل أن تجعلوها في قلوبكم، بل أن تجعلوها في أيديكم. فاللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا. اللهم اغفر لنا ذنوبنا واستر عيوبنا ويسّر غيوبنا. اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا ويا غياث المستغيثين
أغثنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عفو يا غفار احشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابغة عقاب ولا عتاب، كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا وميتنا، وحاضرنا وغائبنا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، واغفر لحينا وميتنا يا أرحم الراحمين، رد الغائب يا رب العالمين، انصر المظلومين، فرج عن المكروبين، سد ديون المدينين، اللهم يا رب العالمين ارزقنا الصحة في الدنيا والآخرة، اهد أبناءنا وأهلنا ومن. حوِّلْنا وإخواننا
يا رب العالمين، يا رب رُدَّ علينا القدس رداً جميلاً من غير حول منا ولا قوة. اللهم يا رب العالمين أقِرَّ عين نبيك بحال أمته فأحسِنْها، وتقبل من الحجاج حجهم ودعاءهم، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً، دار عدلٍ وإحسانٍ، وأمنٍ وإيمانٍ، وسلامٍ وإسلامٍ، وسائر بلاد المسلمين يا رب. افتح علينا فتوح العارفين بك، حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين ومن المتقين ومع القوم الصادقين يا أرحم الراحمين. اللهم يا ربنا صلِّ وسلم على سيدنا محمد صلاة دائمة تامة كاملة
إلى يوم الدين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من اتبعه بإحسان. يا رب العالمين أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون