خطبة الجمعة لسماحة الشيخ الدكتور علي جمعة في شهر ابريل سنة 2013 من سلطنة عمان

يهدي الله لنوره من يشاء، وفي التفسير وجه أن الضمير يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بعض مشايخنا يقول يهدي الله لنوره صلى الله عليه وسلم من يشاء، فالنبي نور وسراج منير وهداية للعالمين، ولذلك فإن اتباعه والتمسك بسنته واتخاذه قدوة حسنة هو الأساس. السلام عليكم ورحمة الله. وبركاته إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونسترشده ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا
هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين، وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين، وعلى آله الأطهار وأصحابه
الأخيار وأتباعه يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن
يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا صلى الله عليه وسلم رسول الله عباد الله هذا مسجد من مساجد الله في الأرض وإن بيوت الله في الأرض المساجد والمسجد موضع للسجود وكلنا يجب أن نسجد لله رب العالمين ظاهرا
وباطنا وأمرنا الله سبحانه وتعالى ألا نسجد للشمس ولا للقمر وأن نسجد لمن خلقهما إن كنا إياه نعبد فحرر التوحيد له سبحانه وتعالى وأمرنا أن نؤمن به في هذا المسجد وعندما دخلت ونظرت إلى هذه الآيات التي على يساري الـ
ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين وتذكرت بها سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم وقد نص أهل التفسير على أن المقصود بها أولا هو النبي ولكن يقول الإمام الرازي إن هذه الآية لكل من اتصف بهذه الصفات وجعل النبي أسوة له لقد كان لكم في رسول لقد كان في رسول
الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا، وبعد ما قدم في أول السورة من الوعيد الذي يخوف الله به عباده قائلا يا عبادي فاتقون، بشرنا بهذا الوعد أن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة قائلين ألا تخافوا ولا نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم بعد الوعيد دخل
في الوعد ومن اختار هذه الآيات ليزين بها هذا المسجد اختار اختيارا موفقا فإنه يبشركم أنكم إذا استقمتم على الصراط المستقيم وعلى طريق الله رب العالمين فإنكم ستنالون النجاح في الدنيا وفي الآخرة، في الدنيا فإنك لا تمن على الله، هو الذي يمن عليك، إذا استقمت متعك في الدنيا قبل الآخرة ثم ترد إليه
فيدخلك الجنة، سبحان الله كريم منان حنان، ولكن لا بد من المثال النبوي الشريف، ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين، ورأيته يزين المسجد بآية أخرى من سورة النور وفيها "يهدي الله لنوره من يشاء"، وفي التفسير وجه أن الضمير يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان
بعض مشايخنا يقول "يهدي الله لنوره صلى الله عليه وسلم من يشاء"، فالنبي نور وسراج منير وهداية للعالمين. ولذلك فإن اتباعه والتمسك بسنته وجعله أسوة حسنة هو الأساس. ماذا ترك لنا النبي؟ ترك لنا النبي صلى الله عليه وسلم أحكاما شرعية مرعية تحكم كل أفعالنا، تحكم كل سلوكنا، وترك لنا أخلاقا وقال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
من تصدى من العلماء لجمع الأدلة التي قام عليها الفقه؟ لم يزيد عن خمسة آلاف حديث من نحو ستين ألفا، خمسة آلاف من ستين ألف والباقي في الأخلاق المتعلقة بالعقيدة. نعم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، كان خلقه القرآن. كان يمر عليه اليهود فيقولون السام عليك يا محمد أي الهلاك عليك
فيقول وعليكم، فتنبهت عائشة رضي الله تعالى عنها فاشتدت وعنفت يا عائشة إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه وإن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف والعنف هو القسوة وإن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ألم تسمعي ما قلت لهم ما هذا الصبر
وما تلك الأخلاق إنها أخلاق التعايش إنها أخلاق إنسان العبادة وأحسن التصدر للمسلمين فكان أول المسلمين صلى الله عليه وسلم وكان مبشرا من إخوانه الأنبياء أجمعين هو سماكم المسلمين من قبل على سيدنا إبراهيم نذهب به إلى مكة فيأتيه
خباب بن الأرت ويقول يا رسول الله ادع لنا هيا بنا ننزل إلى أولئك المشركين ونجعل الدم يصل إلى الركب، استعرض بنا الوادي فاحمر وجهه غضبا وقال: ألا إني رسول الله ولينصرني الله حتى تسير الظعينة يعني المسافرة من مكة إلى الحيرة لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها، وإن الرجل ممن كان قبلكم كان يؤتى به فيوضع المنشار رأسه ينشر ما بين جلده وعظمه لا يصده ذلك عن ذكر الله شيئا وهناك في الحبشة جو
آخر كان المشركون في مكة يحاربون الإسلام ويريدون أن يقضوا عليه والمسلمون في حالة ضعف تغير الحال في الحبشة فكان ملك الحبشة يحب المسلمين لكنه حينئذ ليس على دينهم فإذا بهم يقفون معه ويؤيدونه بل وفي مرة اشتركوا في الحرب معه ضد عدوه ضد ابن عم له كان يجادله في الحكم مرة رفض ومرة قبل إذا عاش الصحابة في تلك الأجواء التي قد يعيش المسلمون فيها في بلاد غير المسلمين التي لا
تحارب الإسلام ولا تحارب المسلمين عاش المسلمون في بلاد حاربت الإسلام وعاشوا في بلاد لم تحارب الإسلام، نموذج آخر وهاجر النبي إلى المدينة وكان هناك تعدد في الطوائف، هؤلاء من اليهود وهؤلاء من المشركين وهؤلاء من المسلمين، وكان عدد بيوت المسلمين ليس أكثر من تسعين بيتا في المدينة حينئذ، بعد ذلك تغيرت الأمور فأسلم النجاشي رضي الله تعالى عنه وأرضاه وتبدلت أحوال المدينة بعد خيانة اليهود مرات بعد مرات وتوحدت ولم يبق فيها إلا المسلمون تبدلت
الأمور ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ترك لنا كنزا نعيش فيه ونعيش به ويعيش فينا ترك لنا كيف نتعامل لم يترك لنا أحكاما فقط بل ترك لنا أخلاقا ومواقف كثيرة نعم علمنا نصرة الحق وعلمنا أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر وعلمنا الرحمة حتى أن الله سبحانه وتعالى جل جلاله له صفات جلال كالمنتقم الجبار العظيم شديد المحال جل جلال الله وله صفات جمال الرحمن الرحيم العفو
الرؤوف الغفور وله صفات كمال الله الأول الآخر الظاهر الباطن فإذا به وهو يخاطبك بجمال في جمال فيقول بسم الله الرحمن الرحيم، لم يقل بسم الله الرحمن المنتقم أو المنتقم الرحمن، لم يقل بسم الله المنتقم العظيم الجبار، ولكن قال بسم الله الرحمن، فانتظرنا الثانية فقال الرحيم، بدأك بالجمال حتى يطمئن فؤادك إلى أنك تتعامل مع جميل، مع رب العالمين، مع الرحمن الرحيم، ولذلك لا ييأس
أحدنا من ذنوبه، تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا كنز ينبغي علينا أن نتأمله وأن نتدارك أنفسنا على هذا الكنز، أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر وأن نصبر على البلاء. تركنا ونحن أمثلة صالحة للإسلام والمسلمين في العالمين، لا نشوه صورة الإسلام بل نحن رحماء حتى إن المسلمين عدوا حديث الرحمة أول حديث يعلمه الشيخ لتلاميذه الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وفي رواية يرحمكم من في
السماء بضم النون على الدعاء ادعوا ربكم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا طاهرا مباركا فيه ملء السماوات والأرض وملء ما شئت يا أرحم الراحمين والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه، فاللهم انفعنا به في الدنيا والآخرة واغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا. وتوفنا مع الأبرار وأرنا الحق حقا واهدنا لاتباعه وأرنا الباطل باطلا
وجنبنا اتباعه اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا ويا غياث المستغيثين أغثنا أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك يا أرحم الراحمين واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب ولا عتاب، فنحن في حاجة إلى رحمتك ولست في حاجة إلى عذابنا. اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم. اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن تولى اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل أرجاء الدنيا يا أرحم الراحمين وارفع يد الأمم
عنا اللهم يا رب العالمين اكفنا شر كل ذي شر وأوقف تلك الدماء البريئة التي تسيل هنا وهناك اللهم يا رب العالمين نحمدك على نعمة الأمن والأمان واجعل هذا البلد سخيا رخيا دار أمن وإيمان وعدل وإحسان وسائر بلاد المسلمين إلى يوم الدين، اللهم فرج عن القدس الشريف آمين. اللهم اشرح صدورهم وطهر قلوبهم، اللهم اغفر لهم ذنوبهم، اللهم اجعلهم من أنصار دينك وأنهم في رباط إلى يوم القيامة، اللهم يا رب العالمين هذا حالنا لا يخفى عليك
وأمر كل ذلك بيديك، فاجعل مسيئنا اللهم يا ربنا لست في حاجة إلى مؤاخذتنا ونحن في حاجة إلى رحمتك فارحمنا برحمتك وافتح علينا فتوح العارفين بك وافتح علينا من خزائن فضلك ورحمتك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المتقين ومع القوم الصادقين يا أرحم الراحمين يا رب ندعوك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا وعجل بالفرج يا أرحم الراحمين اللهم ألف بين قلوب المسلمين واجعلهم قرة عين نبيك يا أرحم الراحمين يا رب اغفر ذنوبنا وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك اللهم
يا ربنا لا تؤاخذنا بما نسينا أو أخطأنا يا ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، يا ربنا اجعل هذه البلاد بلادا في رخاء وأمن وأمان، وأشعر أهلها بالنعمة التي هم فيها من ود وحب، واجعلها يا ربنا بلدا سالما من كل سوء، واصرف عنا السوء بما شئت وإن شئت وكيف شئت، إنك على كل شيء قدير يا رب يا رب علمك بحالنا يغني عن سؤالنا يا رب ضاقت علينا الأرض بما رحبت ونحن نحبك ونحب نبيك فاللهم استجب
لنا اللهم استجب لنا اللهم استجب لنا محمد وآله وصحبه وسلم وأقيموا الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون