خطبة الجمعة | الأخلاق مفتاح النصر | بتاريخ 3-12-2011

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح. للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين. اللهم صلِّ وسلِّم على سيدنا محمد في الآخرين، وصلِّ وسلِّم على سيدنا
محمد في كل وقت وحين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار بإحسان إلى يوم الدين. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيباً. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يُصلِح لكم أعمالكم ويغفر
لكم ذنوبكم، ومن يُطِع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، نور أنزله الله على نبينا وجعله سبحانه هدًى للمتقين إلى يوم الدين. وأفضل الكلام هو
كلام النبي المصطفى والحبيب المختار. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما أنا رحمة مُهداة". ويصفه ربه: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وجعل. الرحمة على قمة الأخلاق التي يدعو إليها حتى أنزل الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم وجعلها في بداية كل سورة من القرآن الكريم إلا التوبة لأنها نزلت بالسيف على أهل الفساد الذين لا يريدون صلاحاً ولا
يريدون عبادة. رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في شهر محرم ففي... بداية عام جديد نريد أن نؤسس لأنفسنا منهجاً للأخلاق التي بُعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحاول، عسى الله أن يوفقنا، أن نتخلق بأخلاقه الشريفة المنيفة فنفوز بخير الدنيا والآخرة. هيا بنا نستمع إليه في وصاياه حول الأخلاق ونطبق على أنفسنا
وعلى أهلينا وعلى من حولنا ونبدأ بأنفسنا. ثم بمن يلينا ومن نعول، ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، حتى نكون أسوة حسنة كما كان صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة للعالمين. من تلك الأخلاق أخلاق أساسية ترك فيها العالم بالدعوة إليها حتى بدايات هذا العصر النكد الذي خلقنا الله فيه، فصارت وكأنها منقصة، فينبغي علينا أن نتمسك بها. وذلك ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم
حينما يقول: مما ترك الأنبياء: "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت". كلام الأنبياء الأوائل الدعوة إلى الحياء، وأن الحياء إذا افتقدته الأمة وافتقده المجتمع وافتقده الإنسان مع نفسه، فليصنع ما يشاء. تخيل نفسك تصنع ما تشاء فتكون مدمراً لنفسك ولمن حولك. في حياتك ولآخرتك، تخيل سيارة تسير بلا قائد فتذهب في أي اتجاه، فإنها ستصطدم بالإنسان
فتقتله، وبالشجر فتدمره، وبكل كائن ومكون، ثم بعد ذلك تنفجر لأنها صارت بلا ضابط. والحياء هو ضابط الإنسان الذي يجعله عابدًا لربه، معمرًا لكونه، مزكيًا لنفسه. وتخيل أن الحياء قد نُزع، فاصنع ما شئت. إنَّ مما أدرك الناسُ من كلامِ النبوةِ الأولى "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت" أخرجه البخاري. جاء أحدهم إلى رسولِ الله صلى
الله عليه وسلم يلومُ أخاه في الحياء وأنه حيي، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "دعهُ فإنَّ الحياءَ خيرٌ كلُّه". كلُّ أنواعِ الحياءِ طيبةٌ وليس هناك. في نفي الحياء طيب، بل الشر كل الشر في نفي الحياة. النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن الحياء وهو يُقرِّب إليه عثمان بن عفان: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة". تخيل
أن حياء عثمان قد بلغ إلى الغاية حتى أنه كان حييًا مع الله، حييًا مع نفسه. فما بالك مع الخلق فإن الله غفور والله معنا في كل وقت وحين، تتخيل أنه حييٌ في الخلوات فما بالك بالجلوات. الله يغفر والإنسان لا يغفر، الله يعلم والإنسان لا يعلم، لكن هذا الولي التقي سيدنا عثمان يستحي من الله في خلواته حتى استحت منه الملائكة، والملائكة عندها
هذا الخلق لما... جاءَ جبريلُ إلى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في بدءِ الوحي، فكانَ يحكي للسيدةِ خديجةَ أنَّ جبريلَ يأتيهِ ولا يَعرِفُ هل هو مَلَكٌ أم غيرُ ذلك. فقالت: "إذا أتاكَ فأخبِرني". فأتاهُ، فخلعَتْ ما على رأسِها من خِمارٍ، فذهَبَ لأنهُ كانَ يستحيي مِنَ السيدةِ خديجةَ، فلمَّا ارتدَتِ الخِمارَ مرةً أخرى. أخرى ظهر، فعرفت أنه ملك، لأن هذا ليس
من أخلاق الشياطين، بل إن أخلاق الشياطين كلها قلة الحياء، وأخلاق الملائكة الكرام الحياء. معيار واضح وصريح، فقالت: "ما هذا بشيطان، هذا ملك من الرحمن". نعم، الحياء خير كله، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما أكد لنا الحياء وأنه في أصله حياء. من الله فدرب نفسك على هذا واعلم أن الله معك بالليل
والنهار في الحل والترحال وأن الله سبحانه وتعالى لا يفارقك وهو عليم بذات الصدور فهناك علاقة بين الحياء وبين الذكر فاذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً لأن الذكر هو الذي يعينك على الحياء من الله فإذا نشأ في قلبك الحياء من الله فإن الحياء يظهر على وجهك وعلى سلوكك بين الناس. زوج النبي عثمان بنتيه رقية وماتت عنده، ثم أم كلثوم فماتت عنده. كان ذا النورين، نور رقية ونور أم كلثوم، وقال:
"لو كان عندي ثالثة لزوجته إياها"، وذلك لدرجة الحياء التي وصل إليها عثمان رضي الله تعالى عنه. طويلة كبيرة من المناقر يشيع في وسط الناس مقولة "لا حياء في الدين" وهي مقولة فاسدة لم ترد لا في كتاب ولا في سنة، وإنما صحتها "لا حرج في الدين"، ولذلك أباح الدين أن نسأل حتى في المسائل التي قد يكتنفها شيء من الغموض أو شيء من الحياء وأن نكتفي.
بالإكمال دون التفصيل جاءت أم سليم بنت ملحان رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي أم أنس بن مالك وكانوا من الأسر التي كانت في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي شأن القيام بشؤونه عليه الصلاة والسلام وأم سليم جاءت والنبي صلى الله عليه وسلم عند زوجته أم سلمة. فسألته ماذا تصنع المرأة يا رسول الله إذا احتلمت؟ قال: عليها الغسل. واكتفى. أخرجه البخاري تحت باب
عنونه بأن هذا ليس من الأشياء المرفوضة ما دمنا نتعلم، وليس هذا في مقام الحياء الذي ندعو إليه. إن أصل الحياء الذي يدعو إليه رسول الله إنما هو في العلاقة بينك وبين الله. حتى يفيض الحياء عليك من نوره فتكون حييًا بين الناس، وليس معناه أن نكمل العلم، ولا أن نتعلم حتى في المواطن التي هي محدودة تتعلق بالشخص وبحياته وبأسراره وبمكنون نفسه، إلا أن الحياء
خير. وجاءت امرأة تسأل عن كيفية التطهر من الحيض فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تكتفِ. بما قالته فقام وانصرف وأخذتها عائشة حتى تعلمها كيف تتطهر من دم الحيض. إذا كان التفتيش قد يصل بنا إلى مرحلة تضاد الحياة، والإجمال قد يكفينا في دين الله كما وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكلم عن كل شيء وعلمنا كل شيء بوضوح
وبقلب مفتوح. والصحيح أن نقول... لا حَرَجَ في الدِّينِ فهو خيرٌ كُلُّه، لو أنَّ الإنسانَ استحيا من اللهِ واستحيا من الناسِ، فَتَجَنَّبَ كثيراً من الآثامِ، ولكانت الأخطاءُ غيرَ مقصودةٍ تقعُ من الإنسانِ بسببِ ضعفِهِ وظروفِهِ ومقامِهِ، ولكنه يرجعُ مرةً أخرى فيستغفرُ رَبَّهُ. وكما يُذكِّرُنا ربُّنا سبحانه وتعالى: بابُ الحياءِ كبيرٌ، وهو أصلٌ من أصولِ الدِّين. هذا الدين، حتى قال النبي
صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن طريق الناس"، ثم يقول: "والحياء شعبة من شعب الإيمان". لماذا اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبة من بضع وسبعين شعبة؟ ذكر لنا أعلاها وأدناها، فلماذا اختار؟ فيما بينهما شعبة الحياء. الحياء مدخل لبقية أخلاق الإسلام. الحياء يمكن أن نقول عنه مفتاح سحري تفتح به الأبواب. الحياة خير كلها. حاول أن
تكون حييًا مع الله، حييًا مع النفس، حييًا مع الأهل والجيران. حاول أن تكون حييًا مع الناس، فإذا فشلت فحاول مرة أخرى لأن الأمر مهم. والباب تطير وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى. ادعوا ربكم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده. وأشهد أن سيدنا
محمداً عبده ورسوله ونبيه وحبيبه وخليله وصفيه، بلّغ الرسالة. وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين. اللهم يا ربنا جازه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، وصلِّ عليه كما يليق بمكانه ومكانته عندك يا أرحم الراحمين، وانفعنا به في الدنيا والآخرة، واحشرنا تحت لوائه، واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً. هذا الشهر الشريف يوم عاشوراء، وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل فوجد اليهود يصومونه: "نحن أولى بموسى منهم". سأل: "ما هذا؟" قالوا: "هذا يوم نجّى الله فيه موسى"، فصامه وأمر
بصيامه حتى نزل رمضان، فقال: "من شاء فليصم ومن شاء فليفطر"، وظل هو صلى الله عليه وسلم يصومه. يصوم عاشوراء وأخبرنا أن صيامه يكفّر السنة الماضية، وأخبرنا أن من حِكَم صيامه أن التوسعة على الأولاد والأسرة يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته، فقال: "من وسّع على أهله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته". قال ابن المبارك: "جرّبناه ستين سنة فوجدناه صحيحاً". فهذه من نفحات الله علينا. للهِ في أيامِ دهركم نفحاتٌ فتعرضوا لنفحاتِ اللهِ، قوموه واذكروا
اللهَ فيه، وادعوا للقدسِ أن يحررها اللهُ من أيديهم، وأن يعيدها إلينا سالمةً من غيرِ حولٍ منا ولا قوةٍ، وأن يمكننا في الأرضِ، وأن يعيننا على إقامةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ، وأن يستعملنا سبحانه وتعالى فيما يُرضيه عنا، وأن ينقلنا من أُحوِّل دائرة سخطي إلى دائرة رضا. أدعو الله سبحانه وتعالى أن يغفر ذنوبنا وأن يستر عيوبنا وأن يهدينا في من هدى وأن يعافينا في من عافى. اللهم يا ربنا استجب دعاءنا ولا تردنا خائبين. اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا وتفرقنا. من بعده تفرقا
معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، كن لنا ولا تكن علينا، وارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا، واجعل هذا البلد بلد أمن وإيمان وعدل وسلام وإسلام، وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين. اللهم أخرجنا من ضيقنا إلى السعة، ومن حالنا هذا إلى أحسن حال. اللهم ولِّ من تريد إصلاحنا وإصلاح البلاد والعباد، اللهم وفق من وليت إلى ما تحب وترضى، ولا تدخلنا في تجربة ولا تمتحنا يا أرحم الراحمين فإنا أضعف من ذلك، اللهم حالنا ظاهر بين يديك وعلم كل شيء عندك يا أرحم الراحمين، فاغفر لنا ذنوبنا
على ما كان من عمل ووفقنا إلى ما تحب وترضى. بل تجرِ إليك أن تعفو عنا وأن تغفر لنا وأن توفقنا وأن تصرف عنا السوء بما شئت وكيف شئت ومتى شئت يا أرحم الراحمين. اللهم يا ربنا صلِّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ونوِّر قلوبنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر. الله أكبر والله يعلم ما تصنعون