خطبة الجمعة | اللهم بلغنا رمضان | بتاريخ 13-7-2012 | أ.د. #علي_جمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين، وصل وسلم على سيدنا محمد في العالمين،
وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين. وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار يا أرحم الراحمين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا
تموتن إلا وأنتم مسلمون يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأن خير الهدي هدي سيدنا محمد الأمور مستجداتها عباد الله هذه الأيام الأخيرة من شعبان فاللهم بلغنا رمضان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أمته إذا ما جاء النصف من شعبان أن يصوم أحد لم تكن له بالصيام
عادة ويأمرهم أن يفطروا إلى رمضان إلا من كان يصوم الاثنين والخميس أو كان يصوم أياما بعينها أو أراد قضاء ما عليه من رمضان السابق أو غير ذلك من النذور والكفارات فإنه يجوز صومها، أما النافلة فننهى عنها استعدادا لرمضان. شهر كريم معظم من خصائصه كما تعلمون أن القرآن نزل فيه، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد الشهر فليصمه يعني من حضر منكم الشهر وهو مقيم صحيح معافى في بدنه وكان قادرا حاضرا فيجب عليه أن يصوم رمضان فإنه ركن من أركان الإسلام وفي الحديث الذي بين فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متى نزلت الكتب التوراة والزبور والإنجيل وصحف إبراهيم بين أن القرآن
نزل في ليلة الرابعة والعشرين من رمضان والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان وأوصى بتحري ليلة القدر فيها في العشر كلها وأوصى بالوتر منها وليلة الرابعة والعشرين لم تكن وترية بل هي ليلة زوجية ولذلك ذهب بعض العلماء إلى أن ليلة القدر ليلة مخصوصة عند الله تتنقل في
العشر الأواخر من رمضان صاحب الحاجة ومن أراد أن يستجيب الله له في ليلة القدر فإنه يتحرى العشر فقد أخفى الله ليلة القدر في العشر كما أخفى اسمه الأعظم في أسمائه الحسنى وكما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة وكما أخفى السبع المثاني في القرآن العظيم وكما أخفى الصلاة الوسطى في سائر الصلوات، وكما أخفى سبحانه وتعالى ساعة الإجابة في الثلث الأخير من الليل، حيث يقول صلى الله عليه وسلم:
ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير فيقول هل من مستغفر فأغفر له، كما أخرجه البخاري بالضم فأغفر له، وأخرج غيره بالفتح فأغفر له. على العطف فإن الله سبحانه وتعالى سوف يغفر لمن دعا في هذا الوقت هل من مسترزق فارزقه في البخاري فاعافيه في غيره وكلها صحيحة إذا أخفى
الله ساعة الإجابة في ثلث الليل الأخير وكان سيدنا عمر يقول صاحب الحاجة يجلس من بعد صلاة الفجر في يوم الجمعة إلى الغروب يدعو الله فصاحب الحاجة يترصد العشر الأواخر من رمضان حتى يلاقي ليلة القدر سواء أجاءت في الوتر أو في الزوج أو في أي ليلة كانت فإن الله سبحانه وتعالى قد أخفى هذه الأشياء في تلك الأشياء لأجل أن تكون عندك الهمة للعبادة والشوق إلى الله وأن تتقرب وأن تعلق قلبك بالله سبحانه وتعالى في هذه الأيام العظيمة اختص رمضان بالصيام
والنبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما أوصانا بقلة الأكل فقال حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ولا بد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه وكان يمضي الأيام وهو جائع ومرة خرج فوجد أبا بكر وعمر فقال ما أخرجكما في هذه الساعة؟ قال أخرجنا الذي أخرجك يا رسول الله. قال إذن هو الجوع، تعالوا معنا إلى أبي الهيثم بن التيهان، وكان من أغنياء المدينة
وكان من أصحاب العقبة الذين أسلموا أولا في مكة على يد سيدنا صلى الله عليه وسلم، فذهبوا إليه في ضاحية من ضواحي المدينة ليجدوا شيئا يأكلونه قالت زوجته إن ابن التيهان ذهب إلى المدينة ليستعذب لنا منها مياها ذهب إلى المدينة لكي يجلب مياها مثل المياه صحيح هذا الذي نشربه في الزجاجات يستعذب لنا مياها طعمها جميل ونقي من الأغنياء ففهموا أنهم ينصرفون فأبت وقالت
سيحزن ابن التيهان سيحزن لو علم أن نبي أصحابه قد جاءوا ثم انصرفوا فجلسوا في فناء المنزل حتى جاء ابن التيهان فجاء لهم بعذق تمر وذبح لهم شاة واستعذب لهم ماء فأكلوا عند ابن التيهان ورجعوا إلى المدينة فرضي الله تعالى عن الجميع صلى الله على سيدنا وسلم تسليما كثيرا أين هذا من إسرافنا في رمضان وهو قد حيزت له الدنيا وعرضت عليه، وفي الإسراء والمعراج عرض عليه جبريل خمرا ولبنا فاختار
اللبن، فقال: اخترت الفطرة، وحرم الله الخمر على المؤمنين. إذا رمضان شأنه عظيم، فرض الله صيامه في السنة الثانية من الهجرة، وفي السابع عشر منه وقعت معركة بدر، وبدر تقع على بعد مائة وستين كيلومترا جنوب المدينة سفر طويل أطول من هنا إلى القاهرة، لكنهم فرض عليهم الصيام في هذا الشهر الكريم الذي حدثت فيه وقعة بدر فأفطروا وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإفطار. إذن
فهو شهر عمل، هو شهر عبادة، نصوم نهاره فرضا ونقوم ليله سنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يقوم ليالي رمضان، ولما جاء عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه جمع الناس على أبي بن كعب يصلي بهم التراويح وجعلوها عشرين ركعة، وسمع الصحابة في مكة أن إخوانهم في المدينة يصلون التراويح عشرين ركعة فصلوها بالكعبة عشرين ركعة، لكنهم كانوا يقومون فيعبدون الله بالطواف حول البيت سبعا. بين كل
أربع ركعات يصلون أربع ركعات ركعتين في ركعتين ويقوم يطوف بالبيت، يصلون أربع ركعات ثم يقومون يطوفون بالبيت، فسمع إخوانهم في المدينة بهذا فصلوا التراويح ستا وثلاثين زادوها ستة عشر، لماذا؟ في مقابل كل طواف جعلوه أربع ركعات تنافسا في الخير، فأخذ العلماء من هذا أن ذلك كله ليس ببدعة وأن الزيادة في العبادة ليست ببدعة وأنه يجوز للمسلمين أن يتنافسوا في العبادة لله رب العالمين ما دام على قانون الإسلام وعلى ما تركه
لنا النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، قال العلماء قالوا ما ليس منه ولم يقولوا من أحدث شيئا فهو مردود، ولذلك رأينا بلالا كلما توضأ صلى ركعتين فرآه النبي مرة في المنام أراه الله لنبيه في المنام فقام وقال يا بلال رأيتك البارحة وقد سمعت خشخشة نعليك أمامي في الجنة فبم هذا ما هذه المرتبة العظيمة يا بلال ماذا فعلت؟ قال: والله يا رسول الله لا أعلم إلا أنني كلما
توضأت صليت ركعتين. قال: هذه يا بلال. علمنا رسول الله أن رمضان إنما هو للعمل عبادة لله وجهادا في سبيله وعمارة للأرض وتزكية للنفس. أمرنا في رمضان وفي غيره أن نمسك عن ألسنتنا وقال: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع وقال إذا رأيتم الرجل وقد أوتي صمتا فهو يتلقى الحكمة، يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يتذكر
إلا أولو الألباب. الحكمة أن تصمت، أن تقلل من كلامك وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم. علمنا رسول الله في رمضان. الخلق القويم فرأيناه كان أجود الناس، كان يدخر لأهله قوت سنة، عنده تسع بيوت يدخر لهم قوت سنة، فلا يبقى عنده إلا أياما لأنه كان لا يرد يد سائل، فإذا
أتى رمضان كأنه كالريح المرسلة، هو في طول السنة من أكرم الأكرمين لكن في رمضان كالريح المرسلة، فاللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا، اجتهدوا في رمضان، أحسنوا أخلاقكم في رمضان. روى الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن أن أحسن الأخلاق الخلق الحسن، ادعوا ربكم. الحمد لله
والصلاة والسلام على سيدنا رسوله ونبيه وصفيه وحبيبه، فاللهم يا ربنا صل وسلم عليه كما يليق بمقامه ومكانته عندك يا وشفاعته فينا في الدنيا والآخرة وانفعنا به في الحياة الدنيا باتباعه وبحبه وفي الآخرة احشرنا تحت لوائه واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب فنحن في حاجة إلى رحمتك ولست
في حاجة إلى مؤاخذتنا فتقبلنا على ما نحن عليه من عمل وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك واغفر لنا وارحمنا فإنها
مؤسسة يعبد فيها الله وتزكى فيها النفس وتعمر فيها الدنيا فاللهم جاز القائمين عليها ومن كان سببا
فيها خير الجزاء واجعلها في ميزان حسناتهم يوم القيامة ومتعنا يا ربنا بالنظر إلى وجهك الكريم والنور قلوبنا واغفر ذنوبنا يا أرحم الراحمين ألف بين قلوبنا وارزقنا رزقا واسعا وعلما ننتفع به وقلبا خاشعا ونفسا قانعة وشفاء من كل داء اقض حوائجنا وحوائج المسلمين رد علينا القدس ردا جميلا اللهم انصرنا على أعدائنا وسدد رمي الرامين في سبيلك يا أرحم الراحمين ألف بين قلوبنا اللهم ألف بين اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم ارفع الغم والهم عن هذا البلد الأمين، اللهم وفقنا
إلى ما تحب وترضى، واعمر بنا كونك وبلغ بنا دينك، واهدنا في من هديت، وعافنا في من عافيت، وتولنا في من توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، واصرف عنا شر ما قضيت، واجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما. وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما كن لنا ولا تكن علينا فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وهب مسيئنا لمحسننا واغفر لنا جملة واحدة ارحم ضعفنا واستر عيوبنا يا ربنا لا نعرف ربا سواك ولا نعبد إلا إياك فلا تؤاخذنا بما نسينا أو أخطأنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وقدم رحمتك على غضبك، دعوناك
كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا. نعترف أنك أنت الله الرحمن الرحيم الملك القدوس. ربنا إلى أين نذهب في السماء أو في الأرض؟ يا ربنا اغفر لنا ذنوبنا ولعلها أن تكون ساعة الإجابة، فاجعلنا من مستجابي الدعاء. اللهم اجعلنا من مستجابي اللهم اجعلنا من مستجابي الدعاء، أسلل قلوبنا وأذهب غيظها وسخطها، اللهم نقها من كل سوء، اللهم ارض عنا برضاك وافتح علينا فتوح العارفين بك، وثبت الإيمان في قلوبنا وحببه إلينا، واغفر لنا ذنوبنا يا رب العالمين، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وأقم الصلاة إن
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون