خطبة الجمعة | بعنوان (حسن الصحبة) بتاريخ 28-5-2010 من مسجد ابن عطاء السكندري | أ.د. علي جمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين وصل
وسلم على سيدنا محمد في العالمين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار يا رب يا عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وربنا سبحانه وتعالى أمر بالتقوى ورسولنا صلى الله عليه وآله وسلم أمرنا بالتقوى، ومما أمر به حسن الصحبة ويقول النبي صلى الله عليه وسلم المرء على دين خليله فلينظر
أحدكم من يخالل، أمرنا أن نختار الأصدقاء لأن الصديق يؤثر في الإنسان سلبا وإيجابا، فإن كان طيبا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ونصحك في نفسك وفي دينك، وإن كان غير ذلك أمر بالمنكر ونهى عن المعروف ولم ينصحك في دينك ولا دنياك، فالصديق مهم في الحياة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يضرب لنا الأمثال. ويقول مثل الجليس
الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك هو بائع المسك ونافخ الكير وهو الفرن الذي يستعمله الحداد في مهنته، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن حامل المسك تشم منه رائحة طيبة أو تشتري منه شيئا فينفعك في طيبك أو يهديك أي يعطيك يحذو حذو
من يتاجر في المسك، فكل ما فيه فوائد، فإما أن تشم منه الرائحة الطيبة وإما أن يهديك شيئا وإما أن تشتري منه، وكذلك الجليس الصالح، فالجليس الصالح إما أن ينصحك وإما أن تسمع منه الكلام الطيب وإما أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويرشد إلى الخير، ولذلك فهو كحامل المسك أما صاحب الكير فإما أن يحرق بدنك أو ثيابك وإما أن تشم منه رائحة كريهة وكذلك
الجليس السوء فإنه إما أن تسمع منه الغيبة والنميمة والكذب والبهتان وإما أن يأمرك بالمنكر وإما ألا يرشدك وأن لا ينصحك لوجه الله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم يقول الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله ولعامة المسلمين وأئمتهم. النصيحة هي الدين، ولذلك يجب عليك أيها الأب في بيتك أن تراقب أبناءك وأن تراقب صحبتهم وأن تعلمهم الخير وحقائق الحياة، تعلمهم مثال الجليس
الصالح والجليس السيء، تعلمهم أن هذا كحامل المسك وأن هذا كصاحب الكير. الولد أو الفتاة إذا تركناها مع صحبتها وكانت سيئة فإن الندم يصل إلينا ويصل إليها قريبا وليس بعيدا، المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، الصحبة مهمة ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بها ويرشد إليها، جاءه أحدهم وقال يا رسول
الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك. قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك في هذا الحديث لو علمناه أبناءنا وعرفوا أن خير صحبة لهم الأب والأم وقام الأب والأم بما عليهما من واجب الرقابة والتربية والتوجيه والإرشاد لوصلنا إلى جيل مبارك يخلو من كثير من المشكلات التي تحيط عصرنا ومصرنا علينا أيها الناس أن
نراقب أبناءنا وأن نتدخل في حسن الصحبة، النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما وصل إلى المدينة آخى بين الأنصار وبين المهاجرين، آخى بينهم فجعل لكل رجل من المهاجرين أخا من الأنصار، هذه الأخوة جعلت غربة المهاجرين في المدينة سهلة وجعلت المدينة فيها صحبة. طيبة وأخوة راقية وقلوب رقيقة لذكر الله سبحانه وتعالى فنشأت
الجماعة الإسلامية الأولى على الحب وعلى الرحمة وعلى الأخوة وعلى الصحبة الطيبة والنبي صلى الله عليه وسلم أطلق على من حوله من المؤمنين اسم الصحابة لأنه صاحبهم في حضرهم وفي سفرهم في قيامهم وجلوسهم في جهادهم وسلمهم في علمهم بالصحابة الكرام لحسن الصحبة ولأهمية الصحبة فهم المسلمون ذلك، ولذلك كانوا حريصين على حسن الصحبة عبر التاريخ. ومن الصحبة الحسنة التي لاقت قبولا عجيبا
سيدنا ابن عطاء الله السكندري، لقد كان خير صاحب لأصحابه، كان رضي الله تعالى عنه وقد اختاره الله وانتقل إليه في مثل هذا الشهر من أكثر سبعة قرون مضت ولا نزال نأتي في مسجده بجوار ضريحه المبارك لنتدارس ونتذكر شأن الأخلاق الكريمة. السيد ابن عطاء كان رجلا عربيا من بني جذام، جذاميا من قبيلة بني جذام، ورحل أجداده إلى الإسكندرية فولد بها
ونشأ، فتعلم علوم الشريعة الغراء من فقه وأصول وحديث، وتعلم اللغة وأتقن ذلك كله طوره الأول ثم التقى بصحبة طيبة خلوقة تهتم بأعمال القلوب كما أنها تهتم بأعمال الظاهر، تهتم بالأخلاق كما أنها تهتم بالشرائع. فصاحب المرسية أبو العباس تلميذ السيد أبي الحسن الشاذلي، أبو الحسن كان من علماء الشريعة وكان من علماء الأخلاق، كان خلوقا يدعو إلى الله سبحانه وتعالى على بصيرة كشأن
سيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالعلماء ورثة الأنبياء كان العز بن عبد السلام ينكر على أرباب القلوب أحوالهم وينكر على أهل الأخلاق اهتمامهم ويرى الأمر كله منحصرا في الصلاة وإن عظمت والزكاة والصيام وهي شعائر الإسلام وأركان الدين حتى التقى بأبي الحسن الشاذلي فغير رأيه وكتب كتابا صغيرا يجب أن يكون هناك تغيير إلى الاهتمام بالأخلاق المحمدية السوية العلية والاهتمام بأرباب القلوب وبالموعظة الحسنة التي
تغير أحوال الناس والتي تخرج من القلب فتصل إلى القلب فتغير، العز بن عبد السلام وألف كتابا أسماه النبذة في هذه العلوم وهو مطبوع مشهور، ودعا أبو الحسن أن يقبضه الله سبحانه وتعالى لم يعص فيها قط من قبل فمات في طريق الحج وهو ذاهب إلى الحج إلى بيت الله الحرام في صحراء عيذاب بجنوب البحر الأحمر ودفن هناك بقرية تسمى حميثراء حتى اكتشفوا قبره منذ ما لا يزيد عن ثمانين سنة، مات أبو الحسن الشاذلي ودفن حيث ما دعا الله سبحانه
وتعالى. الله سبحانه وتعالى أن يدفن في مكان لم يعص فيه من قبل ودفن وهو يتهيأ لرحلة الحج فذهب الناس إليه وأحيا هذه القرية بعد مئات السنين بحسن نيته ودعوته إلى الله تربى على يديه المرسي أبو العباس الذي دفن بالإسكندرية فشرفها ونورها ثم تتلمذ على المرسي أبي العباس سيدي ابن عطاء الله صاحب هذا المسجد وتشرفت القاهرة بدفنه في سفح المقطم وكان سفح المقطم موئلا يدفن فيه علماء المسلمين فبجواره دفن
الكمال بن الهمام وابن دقيق العيد الذي كان يقول ما قلدنا الشافعية ولكن وافق اجتهادنا اجتهاده والكمال بن الهمام إمام من أئمة الحنفية الذين نستفيد بعلمهم وقضائهم إلى اليوم الناس هؤلاء ودفن بجوارهم ابن أبي جمرة شارح البخاري، ودفن بجوارهم ابن سيد الناس صاحب السيرة، وكل هؤلاء بجوار السادة الوفائية الذين ظلوا على العلم والاهتمام باللغة إلى أن دفن بجوارهم المرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس شرح القاموس وإتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، اللغة والأخلاق تستقيم بها النفوس.
وعقول هؤلاء العلماء الأعلام في الطور الثاني تغير سيد بن عطاء وحسنت صحبته مع المرسي أبي العباس وتعلم منه الكثير وأصبح مهتما بالأخلاق وبأعمال القلوب، ثم في الطور الثالث نزل إلى مصر ولازم المدرسة المنصورية حتى توفي بها وهو يؤدي عمله على أحسن حال واجتمع الناس حوله من العلماء ومن العامة لأن كلامه كان رقيقا يخرج من القلب ويصل إلى القلب يزيل الغبش من قلوب الناس ويريهم حقيقة الدنيا وأنها إلى زوال وأن الإنسان يحتاج إلى أن يعمل ليلا ونهارا لعبادة الله ولعمارة
الدنيا ولتزكية النفس وأن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك وأنه لا يبقى بعد رحيلك إلا العمل عمل صالح أو صدقة جارية أو ولد صالح يدعو لك وإنه يجب عليك أن تتذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات وأن تجعل كل ذلك لله رب العالمين وأن تحافظ على صلاتك وصيامك وحجك وأن تذكر الله سبحانه وتعالى قياما وقعودا وعلى جنبك، كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فرضي الله عنهم عباد الله في هذه الساحة الكريمة ندعو الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا وأن يرقق قلوبنا لذكره وأن يغفر ذنوبنا وأن يستر عيوبنا، ادعوا ربكم. الحمد
لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده. وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين اللهم يا ربنا صل وسلم عليه صلاة تليق بمقامه عندك في النبيين والمرسلين إلى يوم الدين عباد الله اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار
واستقيموا مع الله سبحانه وتعالى وكونوا عباد الله ممن إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا ذكروا بآيات الله لم يخروا عليها صما وعميانا فاللهم اشرح صدورنا اللهم اغفر ذنوبنا اللهم يسر أمرنا واقض حوائجنا وارزقنا رزقا واسعا وعلما نافعا وقلبا خاشعا وعينا من خشيتك دامعة ونفسا قانعة وشفاء من كل داء، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، اللهم كن لنا ولا تكن علينا،
صلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم، أقيموا الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله