خطبة الجمعة | بعنوان : مقاصد الخلق التي أرادها الله سبحانه وتعالى | 5-11-2021 | أ.د. علي جمعة

خطبة الجمعة | بعنوان : مقاصد الخلق التي أرادها الله سبحانه وتعالى  | 5-11-2021 | أ.د. علي جمعة - خطب الجمعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الأنبياء والمرسلين، وصل
وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه بإحسان يا أرحم يا أرحم الراحمين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا قولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم
ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه
وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد فإن الله سبحانه وبالتفصيل وبطريقة عملية يستطيع كل إنسان أرادها وأراد هدايتها وآمن بها وصدقها أن يطبقها في حياته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وكان يقول: ما تركت شيئا يقربكم إلى الله ويقربكم
إلى الجنة ويبعدكم عن النار إلا أمرتكم به وما تركت شيئا يبعدكم عن الله يبعدكم عن الجنة يقربكم إلى النار إلا نهيتكم عنه لقد جعله الله أسوة حسنة للمؤمنين وجعله رحمة للعالمين وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين فالحمد لله رب العالمين قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا نعم هو المثال الأتم الكامل هو العبد الرباني الذي إذا ما ذكر صلينا عليه إن الله وملائكته يصلون على النبي يا
أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد تركنا على المحجة البيضاء أوضح الله ورسوله لنا العبادة بالتفصيل العبادة تشتمل على أن تحسن ثلاث علاقات، علاقة بينك وبين الله، وعلاقة بينك وبين نفسك، وعلاقة بينك وبين الكون
من حولك بما فيه من عالم الأشياء والأشخاص. تحسين هذه العلاقات لخصها لنا سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "اتق الله حيثما كنت" العلاقة بينك وبين ربك، "وأتبع السيئة الحسنة تمحها العلاقة بينك وبين نفسك وخلق الناس بخلق حسن، والعلاقة التي بينك وبين ربك، هذه العلاقات الثلاث إذا أحسنتها فقد أحسنت العبادة. كيف تتقي الله؟ في حديث جبريل الذي جاء يعلمنا أمر ديننا قال: ما الإسلام؟
قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا قال صدقت علاقة بينك وبين ربك فيها العبادة المحضة فيها فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفروا فيها والذاكرين الله كثيرا والذاكرات فيها واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون فيها ألا بذكر الله تطمئن القلوب وما تركنا هكذا إلا وقد أوضحنا لنا كيف نصلي وكيف نزكي وكيف نصوم
وكيف نحج وكيف نقرأ القرآن وكيف نصلي على سيدنا سيد الأنام، علمنا كل شيء، كل شيء في دقته وجلاله في العلاقة بينك وبين ربك، لكن العبادة لا تقف عند هذا بل إنها أيضا تشمل العلاقة بينك وبين نفسك، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها فيجب عليك أن تخلي قلبك من كل قبيح وأن تحلي قلبك بكل صحيح وبالتخلي والتحلي يحدث التجلي فيتجلى الله سبحانه وتعالى في قلبك. تركنا
وقد قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. تركنا وقد وصفه ربه وإنك لعلى خلق عظيم. تركنا وهو يربط هذه الأخلاق بعمارة الدنيا والله لا يؤمن والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم، ما علاقة تركي وإهمالي لجاري بالإيمان بالله؟ إنها علاقة قوية لأنني إنما أفعل ذلك لوجه الله، عمارة للدنيا أي عبادة لله، فأنفذ هذه العبادة في صورة تلك العمارة، من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، فأصبحت من مكارم الأخلاق المرتبطة بإيمانك بالله أن تكرم ضيفك، من غشنا فليس منا، الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ما بالي ألا أرحم من في الأرض حتى يرحمني رب العالمين، لأنني أفعل ذلك له مخلصا له الدين ولو كره الكافرون بنية خالصة، إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فنيتنا خالصة لوجهه الكريم، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنما نطعمكم لوجه الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا،
لا ينتظر الجزاء من فعل الخير من عمارة الدنيا، أما الذي بينك وبين الأكوان فقال تعالى في سورة هود: هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها والألف والسين والتاء تدخل في لغة العرب للطلب أي طلب منكم عمارتها، طلب منا التعمير لا التدمير، طلب منا أن نعمر هذا الكون، ولذلك كان مشايخنا يقولون الأزهر المعمور لأن علماءه وأولياءه كانوا يعمرونه
ولو بذكر الله، فالعمارة قد تكون بالذكر وقد تكون بالبنيان وقد تكون برعاية الإنسان وقد تكون بنشر العلم وقد تكون بالتكافل الاجتماعي وقد تكون بعلاج المرضى وقد تكون بكل ما يخطر على بالك من عمارة الأرض، عمارة ضدها الفساد والله لا يحب الفساد، ولذلك نعى الله على المنافقين وأخبرنا أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله
يعلم ما في قلبه وهو ألد الخصام ما علامته، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد، هذا الرجل المفسد يشهد الله على ما في قلبه يعني يحتج ويدعي ويقول يا رب هذا أنت تراه يا رب، ولكن علامته التدمير لا التعمير، ولذلك فمن هذا الحديث الفصيح الواضح نرى البرنامج واضحا: عبادة وتزكية وعمارة،
وهذه التي أطلق عليها العلماء المقاصد الثلاثة للخلق. هناك مقصد للخلق وهناك مقصود للشريعة، مقاصد الشريعة خمسة: حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ الدين، حفظ كرامة الإنسان. التي كنا نسميها بالضروريات حفظ النفس أو المال خمسة اتفقت عليها كل الشرائع شريعة الله نعم ولكن مقصد الخلق يعني لماذا خلقك الله سبحانه وتعالى من
أجل العبادة والعمارة والتزكية فالحمد لله الذي بين لنا ووضح والذي أعطانا هذا المجال الواسع لكي نعيش فنحصل على سعادة الدارين وليست سعادة دار واحدة الدنيا أو الآخرة، فإن ذلك من نوع العرج الذي يمشي على رجل واحدة وهو نقص، ولكن حتى تكمل أمام الله فيجب أن تسير فتعمر الدنيا عبادة وتزكية وعمارة ونظرك إلى الآخرة، وأن
الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون، فاللهم يا ربنا مكننا من أن نطيعك وأن نكون في دائرة رضاك ادعوا ربكم الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على سيدنا المصطفى وعلى آله أهل الوفاء وأصحابه والخلفاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله
بلغ الرسالة فما قصر وأدى الأمانة ووفى فاللهم يا ربنا ارزقه الفردوس الأعلى وزد في شرفه لحظة بعد لحظة وأعل قدره عندك كلما تسلط عليه السفهاء وكلما ذكره المؤمنون بالصلاة والسلام عليه وبلغه عنا أننا نحبه لأنه كان يحبك يا عباد الله برنامج سهل على من سهله الله عليه لكنه صعب على من لم يهده الله إنك لا تهدي من ولكن الله يهدي من يشاء،
قال في شأن الصلاة وأنها لكبيرة إلا على الخاشعين. علق قلبك بالله حتى يهون عليك أمر الدنيا، بل وأمر الآخرة. علق قلبك بالله، فإذا ما ذكرته في خلواتك وجلواتك ادخل إليه من باب الرجاء، ادخل إليه سبحانه من باب الرجاء ومن باب الهيبة، ترى قلبك نور بنور الله سبحانه وتعالى، فاللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، وأصلح حالنا واغفر ذنبنا واستر عيبنا ويسر أمرنا واجمعنا على الحق في الدنيا والآخرة، وأحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا
ولا مفتونين، رد إلينا القدس الشريف، حرر أرضنا، نعوذ بك من شر كل ذي شر. اللهم هذا حالنا لا يخفى عليك وضعفنا ظاهر بين يديك، فاللهم يا أرحم الراحمين وفقنا إلى ما تحب وترضى وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك وأظلنا في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك واحشرنا تحت لواء نبيك واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب ولا عتاب، كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا، فنحن في حاجة إلى رحمتك ولست في حاجة إلى مؤاخذتنا، فاعف عنا بعفوك وارض عنا
برضاك واهدنا بهدايتك وارزقنا برزقك وافتح علينا فتوح العارفين بك، وارض اللهم عن صاحب هذا المقام الذي نحن في رحابه أنفعنا به في الدنيا والآخرة، رقق قلوبنا لذكرك وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا ونور أبصارنا وصدورنا، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وأقم الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون