خطبة الجمعة | صلح الحديبية دروس وعبر | بتاريخ 2011 - 08 - 19 | أ.د علي جمعة

خطبة الجمعة | صلح الحديبية دروس وعبر | بتاريخ 2011 - 08 - 19 | أ.د علي جمعة - السيرة, خطب الجمعة, سيدنا محمد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين وفي
الملأ الأعلى إلى يوم الدين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه بإحسان يا رب العالمين. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا لا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. أما بعد،
فاليوم هو التاسع عشر من رمضان قد قضينا العشر التي هي رحمة وفي نهاية العشر التي هي مغفرة ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا العشر الأخيرة وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا وأن يعتق رقابنا من النار غدا في اليوم العشرين من رمضان وصلت جيوش المسلمين إلى مكة للفتح الأعظم والذي كان نقطة فارقة في حياة الإسلام والمسلمين وفي حياة البشرية جمعاء
تحركت الجيوش من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة في اليوم العاشر من رمضان ووصلت إلى مكة في اليوم العشرين من رمضان وكان فتح مكة في السنة الثامنة من هجرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقبل ذلك في السنة السادسة قبل ثمانية عشر في رمضان من السنة الثامنة كان صلح الحديبية، ودراسة صلح الحديبية مع الفتح الأعظم لم
تكتمل حتى الآن بالرغم مما كتب فيه من مئات الصفحات. إنه معجزة بكل المقاييس، كلما قرأته استخرجت منه فائدة عجيبة في علم السياسة وفي الشؤون العسكرية وفي القيم الأخلاقية وفي العلاقات الدولية، وكأنه معين لا تنتهي عجائبه، والله سبحانه وتعالى يوفق أحد الباحثين ليجلس فيكتب ما استخرجه المسلمون من صلح الحديبية ومن الفتح الأعظم
من عبر ودروس ومبادئ وأسس، فإني أرى أن العقل المسلم في عصرنا هذا قد غابت عنه تلك المبادئ وهذه الأسس، ولذلك تفرقنا وأصبح كل واحد منا في شتات لأننا لم ندرس منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل من الموقفين وإنما بعثه الله معلما وإنما بعثه الله هاديا فيجب علينا أن نهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم فقد تركنا على المحجة
البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك هذا إجمال لا يغني عن تفصيل وإليك البيان في صور مواقف وصور متفرقة، رسول الله صلى الله عليه وسلم يشعر بالخطر الداهم من شمال المدينة وجنوبها، ففي الشمال بعض القبائل المشركة وفي الشمال خيبر وفيها اليهود، وفي الجنوب مكة وفيها عتاة المشركين أصحاب المصالح لبقاء الحال كما هو دون تغيير ودون إخراج الناس من الظلمات إلى
النور، واتفقت هذه القوى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم ذلك بحسن تحليله للأخبار وبالوحي المؤيد من الرحمن سبحانه وتعالى يرى الخريطة أمامه ويرشد كل مفاوض مسلم أن يرى الخريطة أمامه حتى ينجح في سعيه ومفاوضته نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عمرة فمنعه المشركون في منطقة الحديبية على بعد كيلومترات من مكة المكرمة ويحدث بينهما الجدال وعمر يقول يا رسول الله لم نقبل الدنية في ديننا هلم
بنا نغزوهم والنبي صلى الله عليه وسلم يهدئ من روعه ويسكته رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بمعاهدة ظاهرها غريب فيها كما يقول عمر إننا نقبل الدنية في ديننا ولكن رسول الله أراد أن يفك الكماشة العسكرية وأن يحيد أهل مكة فلما صعد إلى المدينة غزا خيبر وانتصر عليها ففك الكماشة من طرفها الآخر الشمالي ولما نقضت قريش العهد نزل
وفتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية مظهر آخر أتاه بديل بن ورقاء يستغيث به أن بني غدا اعتدوا على خزاعة وهم في ركوعهم وتهجدهم وسجودهم وقتلوا منهم فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم نصر المظلوم وتحت هذا العنوان تستطيع أن تتصور كيف تحركت الجيوش لأجل نصرة المظلوم وأن الذي فعله المسلمون فعلوه بإخلاص لله فتتأكد من
أن لا إله إلا الله محمد رسول الله وحينئذ لأن يكونوا مثل الأمريكيين في الفساد في الأرض ومثل المستعمرين في القرن التاسع عشر والعشرين في الفساد في الأرض كانوا يأخذون ثروات الأمم ويقتلون مقتلة عظيمة والنبي صلى الله عليه وسلم ينصر المظلوم بغير هذا سورة ثالثة رسول الله يتكتم حتى يفاجئ العدو حتى لا يريق دما كما فعل غزا بني المصطلق وهم غافلون حتى لا يريق دما، كان لا يحب الدم وإراقة الدماء، حتى
إن من مات بسبب حروب المسلمين وكانت أكثر من ثمانين حربا كلها كان العدوان والطغيان فيها على المسلمين ألف وسبعة، أي أقل من حوادث الطرق في باريس في سنة واحدة، ففي عشر سنوات مات سبعمائة من المشركين وثلاثمائة من المؤمنين المسلمين ألف إنسان عبر عشر سنوات هم حصيلة كل جهاد المسلمين وصدهم بالعدوان والطغيان عنهم، حاطب بن أبي بلتعة البدري يرسل رسالة تكييفها القانوني أنها خيانة
عظمى يخبر بخبر تحرك المسلمين إلى مكة يرسلها إلى أهل مكة وهنا يتدخل الله سبحانه وتعالى ويوحي لنبيه بهذا الأمر وعند موضع يقال له خاخ أدرك الإمام علي عليه السلام المرأة التي تحمل الرسالة فقبض عليها وأخذ الرسالة والحمد لله لم تصل إلى مكة محاكمة حاطب بن أبي بلتعة ما دفعك يا حاطب إلى هذا قال يا رسول الله والله إني لمؤمن ولم أرتد ولم ينتابني في الإسلام ولا فيك، فلما فعلت هذا قال: سول
لي الشيطان أنه ليس لي في مكة أحد، فأردت أن تكون لي يد عليهم حتى لا يهلكوا أهلي ولا يأخذوا مالي. عمر: اتركني يا رسول الله أقتل هذا المنافق. سيدنا صلى الله عليه وسلم لا يا عمر إنه من أهل بدر ولعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم ما هذه السماحة وما هذا القلب إنه قلب قد افتقدناه إن حاطبا قد ارتكب جريمة فعلية بالخيانة العظمى ولكن
شأن الأمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم وأبلغ من العقوبة ومن الانتقام تركه صورة أخرى وصلت الجيوش فالنبي بعدما استنفر المجاهدين كان عددهم عشرة آلاف فقال كل واحد منكم يوقد أمامه نارا ولا تكتفي المجموعة والكتيبة بنار واحدة فلما فعلوا ذلك رأت قريش في الأفق نارا عظيمة فجاءها أبو سفيان مع أبي ذؤيب بن ورقاء مع أناس حتى وجدوا العباس ما هذا هل
هذه خزاعة قال أبو سفيان خزاعة أضعف وأذل من أن تفعل هذا من هذا هل هذا محمد إذا فقد اكتسحنا ذهب أبو سفيان فوجد العباس فقال له يا أبا الفضل إنك في خطر تعال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس كان النبي يجلسه والده مكان أبيه لأنه عمه فكان يعطيه بغلته فلما رأى الصحابة بغلة رسول الله وعليها عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
ينظروا من خلفه حتى وصلوا إلى عمر، رجل دولة، عمر رجل مهيب لا يهتم بهذه الشكليات بالرغم من أنها ليست شكليات في الحقيقة، هذه بغلة الله صلى الله عليه وسلم وهذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن لدى الدولة وقيادتها لا تهتم بهذه الشكليات قف من ورائك يقولها للعباس موقف نتعلم منه كيف الإدارة وكيف تساس الأمة وكيف تدار أبا سفيان عدو الله لا
يخاف في الله لومة لائم قال ادعه يا قال عمر: كيف أتركه؟ فهرب بالبغلة إلى رسول الله، وما عمر ببعيد عن رسول الله في الحماية والإحاطة، جرى حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر يركض خلفهما، جرى هو الآخر ولكن هذه البغلة سريعة فوصلت قبله، وصل بعدهما بثوان، قال العباس: يا رسول الله هذا أبو سفيان وهو في جواري انتهى الأمر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أدنانا يجير أي أحد.
تصور رجلا ضعيفا منا ليس معه بطاقة ولم يسجل في السجل المدني أدخل في جواره أجنبيا ليس معه تأشيرة، فلا بد لنا أن نحترم جواره. ما هذا؟ هذا إعطاء قيمة للإنسان بأنه قادر على أن يحمي المخالف من الأجانب، فماذا يكون حال البلد وماذا تكون العلاقة؟ هذا له حق، بل حقه
يتعدى إلى الأجانب. يخرج منا الآن من يتفلسف ونحن لا نريد التفلسف، نريد منهاج رسول الله. بعد التأمل والتدبر، والله العظيم إنه سيدنا وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، فليجره الرسول. والله فلا يسكت العباس ولا يخجل يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فأعطه شيئا فيقول من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن فقال له أنت حيرتني يا محمد أنت كريم جدا قال يا أبا سفيان أما آن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله قال يا محمد أعلم
وأنه ليس لنا إلا الله، قال إذا أما أنا لك أن تعلم أني رسول الله، قال أما هذه ففي القلب منها شيء، قال له العباس ما هذا لك، أسلم، قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ودخل أبو سفيان الإسلام من سماحة. رسول الله من حلاوة رسول الله في القلب شيء ولكنه في العقل والروح انتقل إلى الإسلام وأصبح هذا التردد يقينا وجزما بأن هذا الدين مؤيد من عند الله، مواقف كثيرة لا تسعها هذه الخطب
ولكن يجب علينا أن نقرأها وأن نتدبرها وأن نستخرج منها المعاني والمبادئ والأسس والمناهج. التي نسير بها في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي العلاقة بيننا وبين الله هذا هو الذي نفتقده ومن أجل أن نفتقده تشتتت الآراء وذهبت في كل واد ادعوا
ربكم الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده أن سيدنا محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه صلاة ترضى بها عنا اللهم آته سؤله يوم القيامة وجازه عنا خير ما جازيت نبيا عن أمته واحشرنا تحت لوائه واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا، وتقبل منا صالح
أعمالنا، تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا، اللهم بلغنا ليلة القدر وأعنا على قيامها وعلى العبادة فيها، اللهم نسألك وأنت العفو الذي تحب العفو أن تعفو عنا، اللهم نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة اللهم كن لنا ولا تكن علينا فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا واشف مرضانا وارحم موتانا وفك أزمة المأزومين واقض دين المدينين وفرج الكرب عن المكروبين وانصر يا رب المظلومين اللهم يا أرحم الراحمين هب مسيئنا لمحسنينا واغفر لنا جميعا اللهم نسألك رزقا واسعا وعلما نافعا وقلبا خاشعا وعينا دامعة من خشيتك دامعة ونفسا قانعة وشفاء من كل داء آتنا
في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عفو يا غفار اللهم يا رب العالمين اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما اهدنا فيمن اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت يا ربنا اصرف عنا شر ما قضيت اللهم يا ربنا انقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك وافتح علينا فتوح العارفين بك اللهم حرر بلادنا واحم عرضنا ورد علينا القدس ردا جميلا اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا ويا غياث المستغيثين أغثنا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا
وجلاء همنا وحزننا واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا علمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا اللهم يا ربنا وفقنا لإحسان عبادتك وللتعمير دون التدمير ولتزكية أخلاقنا يا أرحم الراحمين فاللهم كما أحسنت خلقنا فأحسن خلقنا، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأقيموا الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما
تصنعون، لا إله إلا الله محمد رسول الله، حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر إلا الله