خطبة الجمعة | ميلاد النبي ﷺ | بتاريخ 27-1-2012 | أ.د. علي جمعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين، وصل وسلم
على سيدنا محمد في كل وقت وحين. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا
سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله، عباد الله أظلنا ربيع الأول الأنور وفيه أذن الله سبحانه وتعالى أن يشرف البشرية إلى يوم الدين، خاتم المرسلين ولد صلى الله عليه وسلم في فجر يوم الاثنين في مكان يبعد قليلا عن جبل
المروة يعرف إلى الآن بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المكان شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم العالمين بقدومه بإذن الله حضر الميلاد الشريف أربع من النسوة مع أم النبي صلى الله عليه وسلم منهن ثويبة وكانت جارية عند أبي لهب وسمي ذلك الرجل بأبي لهب لشدة بياضه ومنهن
أم أيمن بركة وكانت جارية عند عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، وممن حضر أم عبد الرحمن بن عوف الذي كان حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد. عبد الرحمن بن عوف صلى وراءه النبي عليه الصلاة والسلام مرة، وكان يقول إن لكل نبي حواريا يصلي وراءه. ذلك النبي فالنبي صلى الله
عليه وسلم سماه بالحواري لأنه صلى وراءه، حملت ثويبة الخبر إلى عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم وكان بجوار الكعبة، وحملت الخبر إلى أبي لهب ففرح بها وأعتقها فرحا بالنبي صلى الله عليه وسلم، أخرج الإمام البخاري أن أحدهم في صحيح البخاري هو العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري
أن أحدهم رأى أبا لهب في المنام فقال ماذا صنع الله بك قال أنا في النار إلا أنه يخفف عني كل يوم اثنين بعتقي لثويبة يعني لما فرح أبو لهب وهو محكوم عليه بالنار لما كان منه من كفر ومن حرب ومن طغيان ومن أذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل فيه قرآن يتلى إلى يوم القيامة، لكن الله سبحانه وتعالى لفرحته بمقدم النبي يخفف عنه كل يوم اثنين أخرجه البخاري. النبي
صلى الله عليه وسلم عظيم الشخصية فبما أتانا بمكارم الأخلاق، جاء في فجر يوم الاثنين وكان يقول عندما يسأل عن سر صيامه يوم الاثنين: هذا يوم ولدت فيه، كأنه صلى الله عليه وسلم يعبد ربه في هذا اليوم نعمة من الله عليه تقتضي الشكر بالصيام، هذا يوم ولدت فيه وهذا يوم أرجو أن ألقى الله فيه، فانتقل إلى الرفيق الأعلى يوم الاثنين أيضا وكان مستجاب الدعاء سيدنا النبي بماذا جاءنا؟ قال إنما
بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، جاءنا بمكارم الأخلاق. بماذا جاءنا؟ قال إنما أنا رحمة مهداة، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، وإنك لعلى خلق عظيم، يؤيده القرآن فيما يقول. قال الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء رواية يرحمكم من في السماء بالسكون التي للسكون معناها إذا رحمتم من في الأرض سيرحمكم من في السماء وإذا لم ترحموا من في الأرض لن يرحمكم من في السماء والتي
بالضم معناها ارحموا من في الأرض اللهم يا ربنا ارحمهم دعاء للأمة وعلى كل من الروايتين أمرنا بالرحمة ارحموا من في الأرض ومن للعاقل وقد تستعمل لغير ذلك فأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نرحم حتى البهيمة وقال دخلت امرأة بغي الجنة في كلب وجدته عطشان فسقته فأدخلها الله به الجنة على ما كانت من معصية فاحشة منكرة إلا أن الله سبحانه وتعالى يضع قاعدة عامة أن الحسنات يذهبن السيئات وأن
الرحمة ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء هي الأساس جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا من هذا يا رسول الله قال الذي يبيت شبعان وجاره جائع أو بعد هذا الحديث يهنأ لنا عيش دون أن عن الفقير فنعينه ونساعده جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لا أجد ما
أطعمه لا أجد طعاما فقال له أولا تملك شيئا فقال حصيرا وقدحا ووسادة وثوبا ومخدة من الليف وحصيرا فقال ائتني بها فأتاه بها ويعني معنى هذا أن البيت أصبح خاليا كل شيء وباعها بدرهمين واشترى له بها فأسا وحبلا وأمره أن يعمل فذهب فاحتطب من الغابة التي بجوار المدينة واكتسب عيشه بيده إذن فلا بد من العمل ولا بد أيضا من
المعونة حتى يعمل قيمة العمل يجب ألا نحتقر فيها من المعروف شيئا العمل شرف العمل حق العمل واجب ولكن هذا لا بد من التكاتف الاجتماعي، كان سليك الغطفاني من فقراء المسلمين وكان هناك من يدخر له شيئا حتى إذا جاء المدينة من البادية أعطاه لسليك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فدخل سليك وجلس لأن المفروض أن تلتفت إلى الخطيب وأن تأخذ موعظته، لكن
النبي صلى الله عليه وسلم فجاء الصحابة وقال يا سليك هلا حييت الله بركعتين فقام وعرف الصحابة جميعهم أن سليكا قد وصل إذ لا يريد أن يحرج سليكا ويريد أن ينبه الناس إلى قدومه مرة جاءه فقير في أسماله لا يطلب ولا يسأل فنظر إليه وقام وتغير وجهه غضبا احمر وجهه غضبا من وجود هذا الفقير وعظ
الناس فجاء رجل بسلتين كبيرتين لا يكاد يحملهما أي ثقيلتين ووضعهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام الصحابة كل يضع فيهما شيئا الذي يضع تمرة تقي النار ولو بشق تمرة والذي يضع شيئا ما في جيبه سواكا والمرأة تضع قرطا حلقا في أذنها أي شيء فابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هما أن يرى فقيرا في المسلمين وقال من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين ومن سن سنة
سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين جاءنا وجعل العدل أساس الملك جاءنا وجعلنا نحب الحياة الدنيا ونجعلها في أيدينا لا في قلوبنا، وقال المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله، رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه الملك وعرض عليه أن يعطيه الذهب فأبى الدنيا واختار الفقر، واختار في الإسراء اللبن دون الخمر نعم، الدنيا
في أيدينا لا في قلوبنا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الزاهدين فكان يدخر قوت عام لأهله يدخره للسنة فلا يبقى عنده إلا أياما فكان لا يرد يد سائل وكان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان ومرة يدعو فيقول اللهم اجعل رزق آل محمد قوته والقوت هو ما يقوم به الإنسان في حياته، وتقول السيدة عائشة والله أنه كان يمر الهلال فالهلال لا توقد في بيت النبي نار،
قال عروة بن الزبير يا خالة وأسماء خالته عائشة يا خالة كيف كنتم تعيشون قالت بالأسودين التمر والماء هذا سيد المرسلين هذا صخرة الكونين هذا حبيب رب العالمين هذا خاتم المرسلين كان إذا دعا استجاب الله له فقال من أصبح منكم آمنا في سربه، يعني في نفسه أو في قومه، الإمام النووي يفسرها بالتفسيرين إما في نفسه وإما في قومه
ينفع كلاهما، آمنا في سربه معافى في بدنه لديه قوت يومه فكان ما حاز الدنيا بحذافيرها أمرهم بالعمل وأمرهم بالأمل أمرهم أن تجعل الدنيا في يدك وأن تسعى لتحصيلها حتى تزهد فيها لغيرك في العطاء أبان مولده عن طيب عنصره يا طيب مبتدئ منه ومختتم فكانت البداية نورا وكان الختام نورا فقد أوصل الله نوره إلى العالمين ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء ادعوا
ربكم وصلوا على نبيكم
رب العالمين وعلمنا الذكر وكبر فاللهم يا ربنا جازه عنا خير ما جازيت نبيا عن أمته يقول ربنا سبحانه وتعالى وذكرهم بأيام الله ولذلك يستدل الإمام ابن حجر العسقلاني بهذه الآية على جواز الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه لحبه لأن حبه ركن من أركان الإيمان وهو بابنا إلى الله، فالله لا يقبل من أحد شيئا إلا إذا كان على نهج النبي المصطفى والحبيب المجتبى. لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو
الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحتفل بأيام الله شكرا لله ومنها يوم هذه المحافظة حيث صددنا العدوان ورفعنا الطغيان ونصرنا الله سبحانه وتعالى في استرداد أرضنا وفي حماية عرضنا لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فقال لم تفعلون هذا أو لم يفعلون قالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى فصامه وأمر بصيامه وقال نحن أولى بموسى منهم وذكرهم بأيام الله يستدل
الإمام السيوطي بهذا فيما نفعله من احتفالات نتذكر فيها أيام الله ونشكر نعمه سبحانه وتعالى دخل النبي صلى الله عليه وسلم وغطى وجهه في يوم عيد وأخذتا تتذكران أشعارا ليوم بعاث ويوم بعاث يوم النصر الذي نصر الله فيه أهل المدينة قبل الإسلام، قبل أن يدخلوا في الإسلام في السنة العاشرة من النبوة، قبل أن يهاجر النبي إليهم صلى الله عليه وسلم، وقبل بيعة العقبة الأولى والثانية، وقبل المبشرين الستة الطيبين، قبل ذلك
منهم سويد بن الصامت ومنهم إياس بن معاذ يوم بعاث، فدخل أبو بكر وظن أن النبي نائم، وكان اصمت اسكت، النبي نائم فكشف عن وجهه الشريف وقال: دعهما يا أبا بكر فإنهما في يوم عيد. ماذا كانت تقول هؤلاء النسوة؟ كانت تتغنى بغناء الجاهلية ولكن فيه نصر وعزة، فأخذ العلماء من ذلك جواز ذلك. فاللهم يا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار وأرنا الحق حقا واهدنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وجنبنا
اتباعه واغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، اللهم يا رب العالمين اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، كن لنا ولا تكن علينا فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا، نحن في حاجة إلى رحمتك ولسنا في حاجة إلى مؤاخذتنا فلا تؤاخذنا بما نسينا أو أخطأنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا اللهم يا ربنا اجمعنا على الخير فأحينا على ملة سيدنا النبي وأمتنا على شريعته وابعثنا تحت لوائه يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، اللهم يا رب العالمين اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم،
إنك أنت الأعز الأكرم، رد إلينا أرضنا واحم عرضنا ورد إلينا القدس من غير حول منا ولا قوة، هذا حالنا لا يخفى عليك، ظاهر بين يديك، نلجأ إليك ونتوسل إليك بأسمائك الحسنى وبصفاتك العليا اللهم استجب لنا يا أرحم الراحمين ولا تردنا خائبين، اللهم إنا نعوذ بوجهك الكريم من النار ومن فتن المحيا والممات، اللهم يا أرحم الراحمين انقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك ونور قلوبنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، اللهم يا رب العالمين متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في الجنة الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وأقيموا الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما