خطبة الصدق لفضيلة الإمام العلامة علي جمعة 1-6-2012

نستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين وعلى آله الأطهار
وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار يا أرحم الراحمين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق اتقوا الله ولا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد
رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد الله أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصانا بمجموعة من الأخلاق ومن من الأوامر والنواهي التي أصر عليها ربه وأصحابه فأطاعوه ففازوا بالدنيا والآخرة، وانتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى كشأن البشر، فخلف من بعده صحابته الذين زهدوا في الدنيا وخرجوا ليملؤوا العالم نورا بوصايا رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأحكامه وأوامره ونواهيه، فاللهم صل وسلم عليه وانفعنا في الدنيا والآخرة مجموعة من الأخلاق والأوامر والنواهي نحتاجها عند الأزمات ونعرف قيمتها عند الشدائد وكان ينبغي علينا أن نتخلق بها وألا نتركها وأن نربي عليها أبناءنا جميعكم تعلمتموها ولكن فذكروا فإن الذكرى تنفع المؤمنين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق وسأله الصحابي
فيما أخرجه مالك في الموطأ أيزني المؤمن يا رسول الله؟ قال نعم. قال أيسرق المؤمن يا رسول الله؟ قال نعم. قال أيكذب المؤمن يا رسول الله؟ قال لا. لعل هذا قد اشتهى فدفعته شهوته، ولعل هذا قد احتاج فنسي واعتدى، ولكن الكذب أمر مستبعد مستهجن. وعندما طبق الناس هذه النصيحة وهذه الوصية وهذا الحكم. عرفوا أنهم لا يقعون في الزنا ولا في السرقة، سبحان الله، لأن الإنسان إذا جاءته
أسباب المعصية وكان صادقا مع نفسه صادقا مع ربه صادقا مع الناس فإنه يستحي، أن يرتكب المعصية. وجاء رجل يسلم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أريد أن أدخل في الإسلام لكنني لا أستطيع أن أتوقف عن هذا النوع من الفاحشة والزنا فقال له عاهدني ألا تكذب ودخل في الإسلام بهذا الشرط الباطل ووضع الفقهاء بابا في الفقه الإسلام مع
الشرط الباطل دخل في الإسلام وتغاضينا عن هذه المعصية إلا أننا طالبناه بعدم الكذب فجاء إلى رسول الله من هذا الذنب وهذه المصيبة وهذه المعصية وقال والله يا رسول الله كلما هممت بأن أفعل هذا تذكرت أنك تسألني هل فعلت هذا وقد عاهدتك على الصدق فأتركه استحياء من أن أصرح بهذا فالصدق سبب نجاته الصدق الذي نستهين به في كلامنا أمر عظيم يحدث به الأمن المجتمعي أمر عظيم يحدث
به الاستقامة في السياسة، يحدث به الرخاء في الاقتصاد، يحدث به الشفافية في المجتمع. الصدق هو الذي سيمنعنا من شهادة الزور ومن كتمان الشهادة. الصدق هو الذي ينجينا من المهالك وأخرج في الزهد: الصدق منجاة ولو ظننت فيه هلاكك، والكذب مهلكة ولو ظننت فيه نجاتك. وفي إحياء علوم الدين للإمام الغزالي رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن خطيبا كان
يخطب الناس فكان يخطبهم في الصدق خطبة بليغة فجاء في الجمعة التي بعدها وخطبهم نفس الخطبة في الصدق وفي التي بعدها والتي بعدها حتى مل الناس وقالوا له هل لا تحفظ إلا هذه الخطبة في الصدق قال وهل تركتم الكذب والدعوة إلى الصدق، نعم ندعو إلى الصدق فلا ينبغي للناس أن يلتفتوا ويقولوا هذا موضوع قديم، هذا موضوع يهز الإنسان ويغير حياته ويدخله في برنامج نبوي إلهي مستقيم يجعله على الصراط
المستقيم تأتي له عرى الإسلام عروة يعيش مع الله في الطريق إلى الله، الصدق الذي نسينا الصدق الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع، ونحن في عصرنا نحدث بكل ما نسمع ونسمع شبرا فيخرج منا ذراع، ونكمل من أذهاننا بدون بينة، ماذا سنفعل أمام الله يوم القيامة؟ دع عنك الحياة الدنيا وما فيها بمصالحها وتداخلاتها
وعلاقاتها وأشخاصها وشؤونها، ماذا ستفعل أمام الله يوم القيامة وقد اغتبت هذا وافتريت على ذاك من غير قصد ولا التفات لأنك تسمع فتتكلم وتزيد، وكفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع. إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه هكذا يقول سيدنا تركه ما لا يعنيه ويأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه ويقول عليك بهذا فيقول وهل يؤاخذ أحدنا بما يقول يا رسول الله الصحابة
في دور التربية قال وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم استهنا بعظيم يجب علينا والفرصة متاحة قبل الفوات وقبل الموت علق قلبك بالله لا علاقة لك بعلائق الدنيا فإنها فانية، كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، علق قلبك بالله وانظر ماذا ستقول له يوم القيامة
فإنه يعلم السر وأخفى، ستشهد علينا ألسنتنا وجلودنا وأيدينا وأرجلنا، عباد الله سيدنا يرشدنا إلى صلاح الدنيا والآخرة حتى لو ذهب عقلك هنا وهناك وقوم هذا ووقف مع هذا علينا بهذه الحزمة من الصدق، من عدم كتمان الشهادة، من عدم شهادة الزور، من عدم تصديق كل ما نسمع من غير بينة، من الكلام الكثير والعمل القليل. علينا أن نعود إلى الله سبحانه وتعالى، علينا
أن نراجع أنفسنا ليس لأمر من أمور الدنيا وإنما لموقف عظيم نعود فيه لرب العالمين ولذلك يجب علينا ألا نعصي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ادعوا ربكم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه هذا مسجد جديد يذكر فيه اسم الله وكما قال الأقدمون الساجد قبل المساجد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا
فبناء المسجد عمارة للأرض عبادة لله تزكية للنفس إلا أن الإنسان ينبغي أن يكون قبل الأكوان والساجد هو المقصود بالمساجد فالمسجد مؤسسة يعبد فيها الإنسان ربه ويذكره ذكرا كثيرا صباحا ومساء من أجل أن يعمر الأرض لا أن يخربها يذكر الله سبحانه وتعالى فيتربى ويسمع كتاب الله وسنة نبيه يستمع إلى الشريعة وأحكامها وإلى الأخلاق بنورها وإلى
الإيمان والعقيدة في صفائها ونقائها فيصبح إنسانا كما يريده الله سبحانه وتعالى، هذا المسجد الكريم ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعله في ميزان حسنات من قاموا به وكانوا سببا فيه وعمروه وأقاموه يوم القيامة، وأن يبني لهم بيتا في الجنة وما أدراك ما البيت في الجنة. هذا المسجد يسميه الفقهاء في كتبهم بالمسجد المطروق، والمسجد المطروق هو ذلك الذي تتوافد عليه وفود المصلين شيئا فشيئا طوال اليوم، ولذلك لا ينبغي أن يغلق
بل يظل مفتوحا للمصلين طوال اليوم، فإذا أدرك المصلي الإمام الراتب صلى معه، وإن أدرك الجماعة بعد الجماعة الأولى صلى أيضا كشأن الكعبة المشرفة. والمسجد النبوي الشريف والمسجد الأموي ومسجد الأزهر العامر فإنها من المساجد المطروقة التي تأتي الوفود إليها شيئا فشيئا فلا بد أن تكون مفتوحة بالليل والنهار ويجوز فيها الجماعة في إثر الجماعة ومن أحكام المسجد المطروق أن يخفف بالناس فإن الذي وراءك يركب القطار
وهو لا ينتظر أحدا فيجب علينا أن نخفف والنبي ضرب في صدر معاذ وقال له أفتان أنت يا معاذ لما أطال بالناس في المسجد، المفروض هكذا وضعه في الشريعة أن يقصر في صلاته جدا على قدر الأركان حتى لا يؤذي ولا يدخل المصلي في اختبار مع الله، فإن قلبه معلق بمصالح الدنيا الآن، هذا هو الإسلام في المطروق ثوابه عميم وشأنه عظيم عند
الله سبحانه وتعالى لأنه تأتيه الوفود خلال الزمن كله وليس جماعة كل صلاة بل كأنه يصلى فيه طوال الليل وطوال النهار فالحمد لله الذي وفق لإنشاء هذا المسجد على هذا النحو الرائع هيا بنا نلتفت إلى الساجد قبل المساجد ونتعلم أحكام المساجد من شريعتنا فيها إنسانية وفيها عبادة وفيها رحمة والراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار وأرنا الحق
حقا واهدنا لاتباعه وأرنا الباطل باطلا وجنبنا اتباعه اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم نور قلوبنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر غيوبنا وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار واجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما هب مسيئنا لمحسننا واغفر لنا جملة واحدة نحن في حاجة إلى رحمتك ولست في حاجة إلى مؤاخذتنا فلا تؤاخذنا بما نسينا أو أخطأنا ولا تكلفنا ما لا طاقة لنا به فأنت الرحيم الرحمن فاغفر لنا ذنوبنا يا أرحم الراحمين ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم اللهم حرر لنا القدس
أولى القبلتين اللهم يا رب العالمين ردها إلينا ردا جميلا هذا حالنا لا يخفى عليك وعلمك كل شيء بيديك، اللهم انصرنا على أعدائنا، اللهم انصرنا على أعدائنا، اللهم انصرنا على أعدائنا، اللهم يا أرحم الراحمين مكننا من زيارتها يا رب العالمين، وقد رفع فيها الأذان وعلا فيها وعلت فيها الأعلام، اللهم يا رب العالمين إننا نظلم من الأمم فاللهم ارفع أيدي الأمم عنا، اللهم ارفع أيدي اللهم ارفع عنا أيدي الأمم ولا تجعل بأسنا شديدا فيما بيننا، ألف بين قلوبنا ووحد كلمتنا واغفر ذنوبنا اللهم يا رب العالمين، احشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده
الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب ولا عتاب اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا ويا غياث المستغيثين أغثنا تقبل منا صالح أعمالنا وهيئنا لرمضان يا أرحم الراحمين ووحد بين قلوب الأمة واغفر ذنوبهم اللهم يا رب العالمين تقبلنا قبولا حسنا عندك اللهم يا رب العالمين وفقنا إلى ما تحب وترضى وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك اللهم انقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك وانظر إلينا بعين الرحمة وافتح علينا فتوح العارفين بك، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر
والله يعلم ما تصنعون.