خطورة الكذب على الأمة الإسلامية | خطبة جمعة بتاريخ 26-12-2014 | أ.د علي جمعة

خطورة الكذب على الأمة الإسلامية | خطبة جمعة بتاريخ 26-12-2014 | أ.د علي جمعة - خطب الجمعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فاللهم صل وسلم
على سيدنا محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين وعلى آله الأبرار الأطهار وأصحابه الأخيار ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا
الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. لقد
تركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، تركنا وقد أتم الله دينه، تركنا وحذرنا وأمرنا ونهانا وطلب منا وزجرنا وحذر من مهالك كثيرة تؤدي بنا إلى الشقاء في الدنيا وإلى أن ندخل في غضب الله سبحانه وتعالى وننقلب إليه يوم القيامة على هيئة الخاسرين، فإنا
لله وإنا إليه راجعون. أمر بأشياء ظاهرها بسيط وعندما يستمع أحدنا إلى نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم يظنه هينا، يظنه مقدورا عليه في نفسه وهو كذلك عند الموفقين، عند الصالحين، عند أولياء الله الأتقياء الأنقياء الذين تقلبت قلوبهم وتعلقت قلوبهم الضارعة برب العالمين. قال تعالى في شأن الصلاة وأنها لكبيرة إلا على الخاشعين ومما وابتلي به عصرنا
من خلط وتخليط، الصدق والكذب مسألة يظنها كل أحد أنها بسيطة ويظن آخرون أن الكذب بسيط وصغير من الصغائر، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا من الكذب وأمرنا بالصدق حتى صار ذلك مقررا في شريعة المسلمين، بل مقررا عند كل الأديان التي أرسل الله أرسله بها بل هو مقرر
عند العقلاء ممن يريدون مصالح الدنيا الصدق في الحديث الصدق من جاهل ولو ظننت فيه هلاكك الصدق أورد الإمام الغزالي في كتابه الماتع إحياء علوم الدين أن خطيبا أخذ يحدث الناس عن الصدق في خطبة جامعة مانعة فحدثهم والتذوا بحديثه وتأثرت قلوبهم ودمعت أعينهم وانصرفوا خاشعين من تلك الموعظة في يوم الجمعة،
ثم إنه أخذ يكرر هذه الخطبة كل جمعة، فقالوا له لقد مللنا أن تقول موضوعا واحدا كل جمعة، حفظنا الخطبة. قال وهل تركتم الكذب حتى أترك خطبة تدعوكم إلى الصدق؟ وهذا المعنى يجعلنا نراجع أنفسنا وألا نقع في الكذب مهما كان ولأي سبب لا يزال الرجل هكذا يقول سيدنا يصدق ويصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ولا
يزال يكذب ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا. فتخيل نفسك وقد كتبت صديقا يوم القيامة وجئت مع الصديقين الصادقين، أو تخيل نفسك أنك قد كتبت في الكذابين. من رحمة ربنا بنا أنه حرم علينا الكذب وأوجب علينا الصدق أنه لا يعد إخفاء الكلام من الكذب، بعض الناس يعتبرون
أنك إذا أخفيت عنه خبرا فقد كذبت عليه، وهذا ليس من الشرع في شيء، فالمجالس بالأمانات وليس من قبيل الصدق الإيقاع بين الناس فيما يسمونه الآن بالشفافية، هذه شفافية مذمومة أن توقع بين الناس بخبر صحيح في السكوت مندوحة وليس من الكذب التورية أن تقصد شيئا قد يتبادر معنى آخر إلى ذهن الشخص بخلافه، وهذه نلجأ إليها من أجل
ألا نقع في الكذب، فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، هكذا كان يقول سيدنا عمر بن الخطاب فيما أخرجه هناد بن السري رضي الله تعالى عنه في كتاب الزهد في المعاريض، التورية لنا فيها مندوحة. رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحسس أخبار قريش، فيسأل أعرابيا عن أحوالهم وعمن مر به، ثم يأخذ المعلومات ويرجع. فيقول له الأعرابي: ممن أنت؟ أو
مما أنت؟ فقال الأعرابي: والله لا أعرف، أماء مصر أم ماء العراق؟ النيل أم الفرات؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي فهو من ماء لكن الرجل يفهم شيئا آخر يوري لكنه لا يكذب الصدق قيمة إسلامية حتى أن أبا ذر رضي الله تعالى عنه فيما أخرجه الإمام مالك في الموطأ يسأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم أيسرق المؤمن قال نعم قال أيزني المؤمن قال نعم قال أيكذب المؤمن قال لا والنبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا من الغيبة والنميمة لأنها نوع من أنواع الكذب لأنك وأنت تغتاب أخاك الآن قد يكون قد أقلع عن ذلك فتكون كاذبا ويحذرنا من شهادة الزور ويجعلها من أكبر الكبائر ويحذرنا من الكذب عليه، ولذلك من تصدر قبل أن يتعلم فهو يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون
أن يشعر أو يقصد، ويعظم النبي هذا الشأن كثيرا فيقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، فالذي أخذته الشهوة لأن يتصدر قبل أن يتعلم فهو في عداد من تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليتبوأ مقعده من النار، فإذا تصفحنا هذا البلاء الجديد من وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعها
نرى أكثرها كذبا، وإذا أراد أحدهم أن يصدق فلا بد أن يخلط صدقه هذا بالكذب، وهنا يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى قضية التوثيق مسلم في مقدمة صحيحه: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع. والآن الناس لا يفعلون هذا، يصدقون ما يسمعون وينكرون ما يرون. اختل الميزان. متى اختل الميزان عند المسلمين؟ عندما التبست دعوة الإسلام
بالظاهر والباطل. سيدنا النبي جاء بدعوة ظاهرة لا سر فيها، لم يكن عنده تنظيم سري. خاص أم جماعات مسلحة، فلما نشأت هذه الجماعات من عباءة الدعوة أصبحت الدعوة لها ظاهر وباطن، أصبحت الدعوة لها علن وسر، أصبحت الدعوة لها كلام تخاطب به الناس بل تخاطب به أصحاب الدعوة نفسها وهناك عنف مسلح غير ظاهر، ومن
هنا بدأ الكذب ورأينا هذا الشخص الذي كان حريصا على إلا يكذب ولما سئلوا حينئذ لم تفعلون هذا الكلام من سبعين سنة مضت بدأ هذا البلاء قالوا نحن نكذب لله ورسوله خبتم وضللتم لا يحتاج ربنا إلى أن نكذب له قل صدق الله ربنا نهانا عن هذا الانحراف المنظم ومن هنا نتذكر تسمية الشيطان بإبليس
ونتذكر قوله تعالى لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ارجع إلى نفسك حاول أن تتقي القبول بلا توثيق فهذه الأمة قد أعزها الله بالتوثيق كتابها موثق أورد محمد بن محمد بن محمد الجزري شمس القراء ألف سند لكتاب الله في كتابه النشر في القراءات العشر مليون سند في ستين ألف حديث بعض الأحاديث لها
عشرات الأسانيد وبعضها لها سند واحد، والحديث الذي بلا سند لا نأخذه ولا ننسبه للجناب الأجل حتى لو كان صحيحا في معناه وواقعه، هو كلام نقوله على سبيل أنه قاعدة أو حكمة لكن لا نقوله منسوبا إلى سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان بلا سند يوم فطركم، يوم حجكم، يوم سنتكم الجديدة قاعدة مطردة عبر السنين، لكنها ليست حديثا. المعدة بيت الداء كلام طبي معتبر. أعط كل ذي بدن ما عودته كلام طبي معتبر، لكنه ليس بحديث.
من الله علينا بالتوثيق في الكتاب، يأمرنا بالبرهان والدليل في السنة، يأمرنا بالتوثيق في تاريخ المسلمين كله قائم. على الأسانيد وجئنا من أجل نهضة قوية فقام المرتضى الزبيدي رضي الله تعالى عنه في أواخر القرن الثامن عشر وقبل دخول الفرنسيين يفسدون في مصر ويقتلون تلامذة المرتضى الزبيدي وتلامذة عبد القادر البغدادي حتى قتل نابليون ألفا وخمسمائة عالم كانت ستقوم عليها نهضة الشرق ونهضة الإسلام أمرنا بثلاثة أمور بالاهتمام باللغة
العربية وبالاهتمام بمنظومة القيم والأخلاق وبالاهتمام بالتوثيق لأنه يعلم أن الكذب يهدم الأمم ويشوش على عقول الناس حتى لا تعرف الحق من الباطل وتفقد الثقة في كل نقل فإنا لله وإنا إليه راجعون ارجعوا مرة أخرى إلى نبيكم وإلى رسولكم صلى الله عليه وسلم فهو مفتاح كل خير ومغلاق كل شر ودعوا عنكم الدعوات الجاهلية التي يقلدون فيها اليمين واليسار، ارجعوا إلى رسولكم والتمسوا منه الهدى فإنه تركنا على المحجة البيضاء، ارجعوا إلى نبيكم في حياتكم وقيمكم وأحكامكم، عيشوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مكان، بلغوا بحاله الشريف دين الإسلام إلى العالمين ولا تكونوا عقبة وعائقا. بين الخالق وبين خلقه تصدون عن سبيل الله بغير علم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ادعوا ربكم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في
الأولين وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين وصل وسلم على سيدنا محمد في الملإ الأعلى إلى يوم الدين وصل وسلم على سيدنا محمد كما يليق بمكانته ومنزلته عندك يا أرحم الراحمين وانفعنا به في الدنيا والآخرة وأحينا على ملته وأمتنا على شريعته وابعثنا تحت لوائه واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا اللهم يا ربنا كن لنا ولا تكن علينا فارحم حالنا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، اللهم افتح علينا فتوح العارفين بك، اللهم علمنا الأدب معك، اللهم اجذبنا في الطريق إليك، اللهم يا أرحم
الراحمين نور قلوبنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر غيوبنا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا ونور أبصارنا وصدورنا واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا، علمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، يا الله نسألك بكل اسم هو لك أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن ترد لنا القدس ردا جميلا، اللهم رد لنا أرضنا واحم عرضنا واسترنا فوق الأرض وتحت الأرض
ويوم العرض عليك، ألف بين قلوبنا وأزل الضغينة منها واحفظنا بحفظك وارعنا برعايتك واعتن بنا بعنايتك يا أرحم الراحمين، اللهم يا ربنا استجب دعاءنا فاشف مرضانا وارحم موتنا وارزقنا رزقا واسعا وعلما نافعا وقلبا خاشعا وعينا من خشيتك دامعة، ونفسا قانعة وشفاء من كل داء، اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، اللهم يا ربنا آت سيدنا محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أقم الصلاة إن
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون