دعاء الرسول | حـ #16 | دعاء الرسول لزيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرحبًا بكم في هذا اللقاء المتجدد مع دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الأيام المفرجة التي يفتح. الله فيها أبواب الجنان ويستجيب الله فيها الدعاء ويجعل فيها ليلة هي كألف شهر ويصفد الشياطين ويغلق أبواب جهنم وتتنزل الرحمات والسكينة على قلوب المؤمنين، فاللهم تقبل منا، نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى خطر الروم وهو يحدق من الشمال وخطر. الفرس وهو يحدق من الشرق وخطر الأحباش في اليمن قوم أبرهة وهم يحدقون من اليمن من الجنوب وخطر اليهود في خيبر ونحوها وخطر المشركين إلى غير ذلك من الأخطار فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفك الحصار فكان يفك الحصار بفتح خيبر وبفتح مكة وأيضا في مؤتة التي أرسل لها جيشاً كبيراً في مؤتة كان فيها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة
وكان فيها أيضاً جعفر بن أبي طالب وكان فيها عبد الله بن رواحة كل هؤلاء كانوا من أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد هو من كان قبل نهي الله أن نتبنى الأطفال تبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان يُدعى بين الناس بزيد بن محمد. جاءه أبوه وعمه فأبى أن يعود معهم واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم. رسول الله أعتقه وزوّجه زينب بنت جحش عليها السلام. رسول الله كان يحب زيداً وكان يحب ابنه أسامة ابن. أرسل زيدٌ زيداً إلى هذه المعركة وقاتل زيدٌ واستشهد، فأخذ
اللواء بعده جعفر بن أبي طالب وهو يُعدّ كأخٍ لرسول الله، هو أخو علي بن أبي طالب. تربّى النبي معهم في بيت أبي طالب، فجعفر وعلي وسيدنا النبي كانوا في بيت أبي طالب. قاتل جعفر حتى استشهد في سبيل الله. وأخذ اللواء عبد الله بن رواحة وقاتل حتى قُتِل، فأخذ اللواء خالد بن الوليد وقاتل واستطاع أن يسحب الجيش أمام هذه الجحافل التي تفوق عدداً أكثر بكثير من عشر مرات جيش المسلمين، ورجع بهم في هذا الحال. ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بموت
هؤلاء الأكابر وهو راضٍ عنهم. دعا وقال: "اللهم اغفر لزيد بن حارثة، اللهم اغفر لزيد بن حارثة، اللهم اغفر لزيد بن حارثة". قدَّم زيداً، الحب وابن حبه - يعني أسامة ابنه. كان الحب ابن الحب، أسامة بن زيد كان الحب، وزيد كان الحب أيضاً. فدعا لزيد ثلاث مرات. الراوي يقول أنه سمع رسول الله وهو يكررها. ثلاثًا: اللهم اغفر، هذا الدعاء يساوي الدنيا وما فيها لأنه دعاء مستجاب، ولأنه انتهت مهمته في الدنيا بالشهادة ثم بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بالذكر الحسن إلى يوم القيامة، لأنهم قد انتقلوا إلى
الرفيق الأعلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم راضٍ عنهم، يعني فضل ليس بعده فضل. فضل اللهم اغفر لجعفر بن أبي طالب وسماه بجعفر الطيار لأنه قد قُطعت يده فأمسك اللواء بيده الأخرى فقُطعت يده فأمسك اللواء بعضديه فقُتل، فسماه أن الله سوف يبدل جعفر بيديه جناحين في الجنة، فسُمي بجعفر الطيار رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم دعا لعبد الله بن رواحة اللهم اغفر. لعبد الله بن رواحة، إذا هذا يُشعرنا بشيء مهم للغاية وهو أن الغفران إنما
هو لعلو الدرجة، يعني "اللهم اغفر لفلان" معناها تقبَّله عندك في الصالحين، افتح له أبواب الجنة، يدخل من حيث ما شاء، كأنه يذهب إليه خالصاً نقياً عالي القدر. فالغفران ليس فقط من الذنوب، بل أيضاً يُرقي العبد. حتى يكون إزالة للغفلات وللشهوات وللرغبات، وهذا لا ينفك منه إنسان. أيضاً هو لعلو الدرجة، وأيضاً هو للزيادة التي في قوله تعالى: "لهم الحسنى وزيادة". الحسنى هي الجنة، لكن الزيادة هي النظر
إلى وجه الله الكريم. فلهم الحسنى وزيادة، هؤلاء الأكابر بالشهادة وحدها يدخلون الجنة، لكن رسول الله صلى الله. عليه وسلم يسأل لهم معنى أكبر من الجنة، يسأل لهم معنى أعظم من الجنة، يسأل لهم حسن التلقي، فتقبلها ربها بقبول حسن، القبول الحسن، الترحاب، وهذا يعلو حتى يصل إلى "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة". إذًا هذا السياق وهو الدعوة والدعاء سواء كان مكررًا لعظمة مكانة زيد بن حارثة. وهو الوحيد الذي ذُكِرَ اسمه في القرآن الكريم هو
زيد من بين الصحابة الذين بلغ عددهم مائة وأربعة عشر ألف صحابي رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعينهم، إلا أن زيداً وحده هو الذي ذُكِرَ في القرآن. وما علو شأن أبي بكر أُشير إليه "ثاني اثنين إذ هما في". الغار لكن زيداً أبداً صُرِّح باسمه في قرآن يُتلى بالمحاريب إلى يوم القيامة. الحمد لله الذي جعلنا من هذه الأمة التي رضي الله سبحانه وتعالى عنها، فجعل فيها أمثال زيد بن حارثة وأمثال جعفر الطيار بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، صاحب الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة، ثم يموت. شهيدا وعبد
الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه الذي كان من أحباء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ندعو الله سبحانه وتعالى أن يلحقنا بهم في الصالحين وأن يجازيهم عنا خير ما جازى أفرادًا عن أمتهم، تحملوا كل هذا وضحوا بحياتهم من أجل أجيال تأتي بعد ذلك إلى يوم القيامة إلى لقاء آخر. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.