دعاء الرسول | حـ #19 | دعاء الرسول لسلمان الفارسي | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من هذا اللقاء المبارك مع دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعيش. هذه اللحظات عسى أن ينزل الله سكينته على قلوبنا وأن يجعلنا ممن يستجيب دعاءه وأن يفتح علينا فتوح العارفين به وأن يعلمنا الأدب معه وأن يفتح علينا من خزائن فضله ورحمته ما يثبت به الإيمان في قلوبنا، اللهم آمين، واللهم جازِ عنا النبي المصطفى خير ما جازيت نبياً عن أمته. ورسولاً عن قومه، رسول
الله صلى الله عليه وسلم أتانا بنموذج مفتوح، بقلب مفتوح، بعقل مفتوح، بروح مفتوحة، ولذلك لم يفرق بين العربي والأعجمي، ولا بين الأبيض والأسود، وكما كان في الصحابة من السود والحبشة، كان في الصحابة من الروم صهيب الرومي، وكان في الصحابة من الفرس منهم سلمان. سلمان الفارسي كانت له قصة طويلة يقصها علينا في هدايته. سلمان كان من المعمرين، والمعمر في لغة العرب من تعدى مائة وعشرين عاماً. ظل سلمان سنين طويلة يبحث
عن الهداية، فكان مع دهاقنة النار من المجوس، وظل معهم إلى أن انتقل إلى آخرين في المسيحية، ثم جاء أسيراً فاشتغل عند... أحد اليهود في المدينة المنورة، وكل ذلك كل كاهن أو مربٍ أو مرشد يسلمه لمرشد آخر ويقول له: "لا أعلم في الأرض إلا فلاناً فاذهب إليه". فيذهب سلمان إليه. فسلمان عندما دخل رسول الله المدينة كان كبيراً في السن، ففي مرة من المرات وقد اختبر رسول الله
على ما... علَّمَه علماءُ اليهودِ وعلماءُ المسيحيينَ وعلماءُ الأديانِ الأخرى أنَّ هناكَ مبعوثاً إلهياً مِن عندِ الله، فجاءَ في أولِ يومٍ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بصدقةٍ وقالَ له: "يا محمد، هذهِ صدقةٌ، خُذها فكُلْها ووزِّعْها"، وانتظرَ يرقُبُ بعيداً، فوجدَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لم يأكُلْ منها بل أعطاها. للفقراء من الصحابة، فجاء في اليوم الثاني بشيء من التمر وما إلى ذلك، وقال له: "يا محمد، هذه هدية"، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم منها. وفي اليوم
الثالث جاء يدور حول النبي وكأنه يريد أن يرى شيئًا في ظهره، ففهم النبي ذلك، وكان يرتدي عباءة، فألقى العباءة من على كتفه. حتى ينظر سلمان إلى ما يُسمى بخاتم النبوة، وخاتم النبوة هي مثل الغدة في ظهر النبي المصطفى، وكانت علامة من علامات المبعوث آخر الزمان، آخر الأنبياء، سيد الخلق، المسي المنتظر، محمد بن عبد الله. فلما رأى سلمان هذا، وكانت من صفاته أنه لا يأكل من الصدقة وأنه يأكل من الهدية. وأن في بين كتفيه خاتم النبوة يصغر فيكون على حجم الزيتونة ويكبر فيكون على
حجم التفاحة الصغيرة. عندما وجد سلمان هذا انكب عليه يقبله، يقبل خاتم النبوة هذا أو الذي كان يسمى هكذا. وأسلم سلمان لأنه وجد ما كان يبحث عنه، فعندما أتى المدينة فرح لأنه عرف أن هذه أيضاً من الصفات التي كانت مذكورة. مهجرُ هذا المبعوثِ وهو منتظرٌ حتى يلحقَ به، فلحقه ووجده فأسلمَ وحَسُنَ إسلامُه حتى قال فيه رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سلمانُ منا أهلَ البيت". إذاً سلمانُ الْتَحَقَ بأهل البيت لأنه في مكانةٍ عاليةٍ، وسلمانُ هو الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق وكان. هذا تفكير إبداعي جديد لم تعتد
العرب على هذه الخدعة الحربية أو على هذا الأسلوب الحربي، فتعجب المشركون من الذي أرشد محمداً إلى هذه الحيلة أو الخدعة الحربية. كان هو سلمان الفارسي. سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه مرض فزاره النبي، وهذا نأخذ منه أن النبي كان يتفقد. أصحابه تساءلوا: "سلمان ماله؟ لماذا لم يأتِ للصلاة؟" يبدو أنه كان مريضاً. فذهب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيادته، وكما ورد في فضل عيادة المريض أننا إذا ذهبنا إليه لوجدنا الله عنده. فذهب النبي إلى سلمان قائلاً: "يا سلمان، شفى سقمك مرضك"،
وهذه هي الدعوة المقصودة هنا. الذي نبحث عنه في هذه الحلقة أو في ذلك اللقاء يا سلمان، "شَفَى اللهُ سَقَمَكَ". البعض يقول: يعني "شَفَى اللهُ سَقَمَكَ" هذه كلمات عادية؟ لا، إنها صادرة من أطهر لسان، صادرة من أطهر قلب على وجه البسيطة كان ويكون، صادرة من سيد الخلق. وعندما تصدر من القلب، تصدر مع... معناه شفى الله سقمك، إذا هذا دعاء قليل الحروف قليل الكلمات. شفى الله مرضك، شفى الله الداء الذي أنت فيه، أو السقم والضعف الذي أنت فيه. شفى الله سقمك وغفر لك. كثير
من الناس يقولون: لماذا خلق ربنا المرض؟ ولماذا يعذب الأطفال هكذا؟ لأن هذا المرض فيه... غفران للذنوب فيه، رفع للدرجات فيه، ابتلاء وامتحان فيه، صبر فيه، وفيه أيضاً عمارة للدنيا. يعمل الطبيب ويعمل، وتظهر هذه النوازع الطيبة عند الناس في بناء المستشفيات وفي البحث العلمي وفي غير ذلك. هذا مُلك، مالكه أراده هكذا، ونحن لسنا ملاكاً له حتى نضع خطة له. هذا مُلك كون له مالك. مالك يوم الدين وغفر لك ذنبك، يكون إذاً المرض من ضمن وظائفه أنه سيغفر ذنبه، فغفر الله ذنبه
"وعافاك في بدنك." انظر إلى هذا الدعاء "وعافاك في بدنك" مدة أجلك، فعاش سلمان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وطال عمره إلى أن أصبح من المعمرين سليماً لا تجد. فيه أي سوء في جسده ليس سقيماً ليس مريضاً، استجاب الله دعاء نبيه في سلمان الذي أحبه والذي آمن به. فرضي الله عن سلمان الفارسي، سلمان منا أهل البيت. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.