دعاء الرسول | حـ #20 | دعاء الرسول لحارثة بن النعمان | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في لقاء متجدد مع دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كان هناك شاب، هذا الشاب... اسمه حارثة بن النعمان، وحارثة بن النعمان رضي الله تعالى عنه يقص قصته أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. يقول أنس: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يمشي استقبله شاب من الأنصار، فقال له رسول الله: "كيف أصبحت يا حارثة؟" فرد عليه هذا. الشاب يتحدث بكلام لا يتفق مع رعونة الشباب ومحاولة الشباب اللعب أو الفرح وما إلى ذلك، كلام نسميه كلام المسنين، لكنه شاب. فقال: "أصبحت مؤمناً بالله حقاً". حارثة يقول لسيد الخلق: "أصبحت مؤمناً بالله حقاً". فقال رسول الله: "انظر يا حارثة ماذا تقول"، يعني أنت هل هذه الكلمة .
انتبه إليها أم لست منتبهاً إليها، انظر يا حارثة ماذا تقول فإن لكل قول حقيقة، فلا يعني ألا تتكلم بزيادة هكذا. أصبحت مؤمناً بالله حقاً؟ كلمات بسيطة، أهي مؤمن بالله حقاً، نعم، ولكن كلمة "حقاً" هذه تعني إيماناً ثابتاً، إيماناً مستقراً، إيماناً عميقاً، إيماناً لا يتزعزع. أأنت هكذا فعلاً؟ ولا تقول هذا يعني على سبيل الظاهرة الصوتية، لا، لم تكن ظاهرة صوتية والحمد لله. قال: "يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا"، ليس لدي رغبة في أن آخذ شيئاً من الدنيا. اللهم اجعل الدنيا في أيدينا، من دعاء
الصالحين، ولا تجعلها في قلوبنا. الإنسان يجري والدنيا هي التي وراءه ما هو لازم الجري، إما أن الدنيا تجري وأنت تجري وراءها فتقطع نفسك ولا تصل إلى شيء، وإما أنت تجري وهي تجري وراءك. فأنا عزفت عن الدنيا فأسهرت ليلي. هذه نقطة واحدة: أن يقوم بالليل، "قم الليل إلا قليلاً، نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل". القرآن ترتيلاً "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً." إذاً في قيام الليل الذي يعبر عنه العلماء بقلة المنام. حسناً، ماذا نفعل؟ العبادة، الذكر، الصلاة، قراءة القرآن، قلة المنام. أسهرت
ليلي، هذه وأظمأت نهاري. الصبح طلع وأنا صائم، فأكون بالليل قائماً وفي الصباح صائماً. إذا فهو شغله في العبادة ليس بالأماني ولكن وكأني وكان بعرش ربي بارزًا يرى العرش، فهو إذًا يرى الحقائق، ليس غافلًا، يعرف أن هناك موتًا، وأن هناك جنة ونارًا، وأن هناك عرشًا، مصدق لربنا سبحانه وتعالى فيما يقول، وكأني أنظر إلى أهل الجنة، أنا أرى. الجنة وشيء كنا نراه في المستقبل أي إنه متأكد إلى حد كأنه يرى أهل الجنة
يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتعذبون فيها، يصرخون هكذا مثل - أكرمكم الله - الكلاب. قال: "انصرف فالزم" وفي رواية: عرفت فالزم. الزم ما أنت عليه هذا من السهر من العبادة المنام النوم، قلة الكلام، قلة التعامل مع الناس، أي الاعتكاف، هذه الأربعة التي توصل الإنسان إلى حالة روحية وتُشبع الإنسان في هذا الجانب. الأربعة التي هي الصيام والصمت والخلوة أو الاعتكاف، وكذلك قيام الليل
وقلة النوم. فقال له: انصرف. فالزم عبدٌ نوَّر الله الإيمان في قلبه، جعل الإيمان هكذا منيراً فقال: يا رسول الله، ادعُ الله لي بالشهادة. كان شاباً حديث العهد بالبلوغ، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة. وفي يوم من الأيام نودي للخيل بأن أحداً يهاجم المدينة، واستُدعي الاحتياط، فكان أول من خرج. ركب فرسه وسل سيفه، فقاتل فاستشهد في سبيل الله. فجاءت
أمه، انظر إلى... دعاء الرسول دعا له بأن يلزم معرفة بعد ما تأكد من فهمه العميق لكلمة "آمنت بالله حقًا" بأنه يسهر ليله أظمأ نهاره وقام بواجباته ورأى العرش ورأى الجنة ورأى النار كأنها حاضرة، يرجو نعمة الله ويخاف عقاب الله، ولكنه سأله الشهادة، إذًا فهو صادق، فدعا رسول الله له بالشهادة فنالها. فوراً خالد بن الوليد مات في فراشه وكان يقول: "لا نامت أعين الجبناء"، يعني أنني كنت أقاتل في سبيل الله حتى سُمي بسيف الله المسلول لأنال
الشهادة، وها أنا أموت كما تموت العجائز في الفراش. قدر رسول الله، لم يدعُ لخالد أن يموت شهيداً لكن دعا لحارثة بن النعمان. أن يموت شهيدًا، فجاءت أمه بعد ذلك إلى رسول الله بعد ما استُشهد وقالت: يا رسول الله، أحارثة في الجنة فأطمئن، أم أنه في النار فأبكيه؟ بعد كل الذي رأيته، ولا يزال الأمر بيد الله. الجنة والنار ليست بأيدينا، الجنة والنار بيد الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: له ولها ويحكيه، ليست جنة واحدة بل هي جنان يتقلب فيها كيف شاء. أتظن أنه دخل جنة واحدة؟
إنها جنان فوق بعضها، ففيها جنة عدن وفيها جنة الرضوان وفيها جنة الخلد وفيها جنان كثيرة، "ومن دونهما جنتان". فضحكت، ضحكت يعني - كما نقول في اللهجة المصرية - ماتت على نفسها الضحك فرحاً وسروراً وثقةً بكلام النبي صلى الله عليه وسلم وإيماناً بالغيب، فضحكتْ وانصرفتْ مسرورةً لأن أم الشهيد يأخذ بيدها الشهيد يوم القيامة إلى الجنة. فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين. إلى لقاءٍ آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.