دعاء الرسول | حـ #22 | دعاء الرسول لحذيفة بن اليمان | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة ولقاء متجدد مع دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. نرى اليوم ما الذي حدث مع حذيفة بن اليمان، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يخص حذيفة بأخبار المنافقين، فكان يعلم أسراراً لا يعلمها أحد غيره. كان حذيفة رضي الله تعالى عنه وأرضاه حبيباً وقريباً من رسول الله. كانت أمه مؤمنة مسلمة،
سألته في ذات يوم: "يا حذيفة، متى عهدك برسول الله صلى" الله عليه وسلم، أنت لم ترَ رسول الله منذ متى؟ قال: منذ كذا وكذا. هكذا يقول حذيفة، يعني منذ مدة. فأخذت تؤنبه وتعاتبه وتستهجن منه هذا البعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا أمي اتركيني. انظروا وانتبهوا الآن إلى القضية. اتركيني، يعني كأنه كان قائماً. في خدمتها، والذي منعه من الذهاب اليومي في كل صلاة أو في كل يوم لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو تنفيذ أوامر
الله ببر الوالدين وخدمتهم. "اتركيني أذهب لأصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلب منه أن يغفر لي ولك"، يعني كان يشير إليها بأدب جمّ. وبالإشارة البعيدة إلى أنها هي سبب تأخر حذيفة في العودة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو ليس متبرماً ولكنه يريد دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسمحت له. ذهب حذيفة، فلما وصل إلى المسجد أُذِّن المغرب عليهم، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة. ثم
جاء فجلس بجواره رسول الله، شعر بأن أحداً جلس بجواره فقال وقد التفت عن يمينه: "حذيفة". الدنيا أصبحت في حالة مختلفة، فقد حلَّ المغرب وبدأ الظلام ينتشر، فالإنسان لا يستطيع التأكد تماماً ممن هم بجانبه، لكن سيدنا رسول الله كان يشعر به، قال: "حذيفة". قال: "نعم يا رسول الله، ما الذي أتى بك أيضاً، كأنه رسول الله منتبه أن حذيفة لا يأتي إلى المسجد منذ أسبوعين أو ثلاثة. ما الذي أتى بك؟ يغفر الله لك ولأمك.
إذاً، هذا ما الذي يشعر به حذيفة وهو قد قطع كل هذه المسافة من أجل هذا الدعاء الذي قاله النبي صلى الله عليه طلب من حذيفة: "ما الذي أتى بك؟ يغفر الله لك ولأمك". وأيضاً كان سيدنا الرسول يشير بطريقة خفية إلى أن أمه هي السبب في تأخره، فيغفر الله لهذا السبب ويغفر الله لذلك الابن البار حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو دعاء رسول الله له وقد سعى إليه. من أجل أن يحصل عليه قال: "من أجل ذلك أتيت يا رسول الله لأجل هذا الدعاء، أريد أن أسمعه منك". ماذا أتى بك؟
"يغفر الله لك ولأمك". قال: "هذه ليلة مباركة، هذه الليلة على فكرة ليلة مباركة، ينزل فيها ملك لم ينزل من قبل، يعني أول مرة يزور الأرض هذا إن سيدنا رسول الله قد كُشف له عالم الجن وعالم الملائكة وعالم الغيب بإذن الله سبحانه وتعالى، ليبشرني. فإذا نزل هذا الملك للبشرى، فقد استجاب الله دعاء النبي. وكان حذيفة في هذا الغفران كاتماً لسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر يترصد حذيفة ليرى.
عندما تحدث جنازة ولا نعرف هل هذا الذي نصلي عليه الآن كان من المنافقين، فإذا صلى حذيفة صلى عمر. جعل عمر حذيفة علامة، ينظر هكذا ويتأخر قليلاً، هو ينتظر حتى يتقدم حذيفة فيعرف أن هذا المنتقل إلى رحمة الله ليس من المنافقين. فإذا صلى حذيفة صلى عمر، وإذا لم يصل حذيفة لم يصل عمر، وكان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وكان حذيفة يسأله عن الشر والفتن، ماذا نصنع فيها، وكيف
نتعامل معها، لأن الخير كل أحد يُحسن أن يتعامل معه، ولكن الشر لا يُحسن التعامل معه كل أحد، ومن هنا وبهذا المفهوم. كان عمر يسأل حذيفة: "هل أنا على خير؟" فيقول: "نعم". "هل هناك؟ هل وقعت في فتنة أو نحو ذلك؟ هل أراجع نفسي؟ هل أصحح نفسي؟" فيقول له: "بينك وبين الفتنة باب"، يعني أنت على خير يا عمر. فيقول له: "أيُكسر الباب أم يُفتح؟" سؤال عمر معناه: هل أموت حتف أنفي اقتتال فقال: بل يُكسر يا عمر، فعَرِفَ عمر أنه مقتول. عاشوا بهذه الدعوات
المباركات، وفعلاً مرَّت الأيام وقُتِل عمر. كل هذا يدلك على مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان من مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم. ما هذا الذي جعلهم يسارعون في الخيرات. ما هذا الذي جعلهم بهذه الشفافية أنهم رأوا شيئاً مبهراً، رأوا رسول الله وهو يدعو له بما يفكر فيه، رأوا رسول الله وهو يدعو ويستجيب الله هذا الدعاء. ما أتى بك يا حذيفة؟ يغفر الله لك ولأمك. حذيفة
بن اليمان عاش وفتح الله عليه، وفتح الله على الصحابة الكرام وبدّلهم. من بعد خوفٍ آمنةً ومن بعد جوعٍ مُطعمةً، ورضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه. إلى لقاءٍ آخر، أستودعكم الله، سائلين المولى سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا ببركة النبي المصطفى والحبيب المجتبى، وأن يحشرنا مع هؤلاء الأكابر، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. اللهم تقبل منا صالح أعمالنا وانقلنا من دائرة. اصرف سخطك إلى دائرة رضاك واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً
ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب. السلام عليكم ورحمة الله