دعاء الرسول | حـ #30 | دعاء الرسول لعالم الأشياء | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات، كل عام وأنتم بخير، ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد مع دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. للأفراد وللمهاجرين وللأنصار ولأمته بل وللناس أجمعين، للرجال وللنساء وللشباب وللشيوخ. دعا أيضاً للأشياء، ودعا أيضاً للمدن والأماكن، ودعا أيضاً للجبال والوديان. فرسول الله صلى الله عليه وسلم
ينظر إلى مكة حين المهجر ويقول: "ألا إنك أحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت منك"، ويقول: "اللهم كما حُرِّمَتْ مَكَّةُ فَحُرِّمَتِ المَدِينَةُ، وَكَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا". المُدُّ وَزْنُهُ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسُونَ جِرَامًا تَقْرِيبًا، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ. سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عِنْدَمَا نَضْرِبُهَا فِي أَرْبَعَةٍ تُصْبِحُ يَعْنِي كِيلُويْنِ وَنِصْفٍ تَقْرِيبًا، أَيْضًا بِالتَّقْرِيبِ هَكَذَا كِيلُويْنِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ إِلَى كِيلُويْنِ وَنِصْفٍ. فَالصَّاعُ عِبَارَةٌ عَنْ...
وزن صاع الأرز كيلوان ونصف، وصاع القمح كيلوان ونصف، وهكذا. فيقول: "اللهم بارك في مُدِّنا" - في الشيء القليل ستمائة أو سبعمائة جرام - "وفي صاعنا" الذي هو الشيء الذي يساوي أربعة أضعافه. فدعا للمد ودعا للصاع بالبركة، ودعا للمدينة، ودعا لمكة، ودعا لليمن، ودعا للشام، فقال: "اللهم بارك". في شامنا وبارك في يمننا دعا لليمن وقال اللهم أقبل بقلوبهم على طاعتك، فدخل اليمن الإسلام ودخل الشام الإسلام. وقال: ستأتون بلاداً يُذكر فيها الأردب، التي هي مصر،
فاستوصوا بأهلها خيراً، في غير ما حديث. وهو يقول في شأن العراق: اللهم أقبل بقلوبهم، مثلما قال في اليمن. بالضبط في كلام أهل اليمن قالوا أيضاً في العراق، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأماكن بالبركة، وزُويت له الأرض فرأى زواياها، وأن الإسلام سيدخل فيما بين هاتين الزاويتين. لو أمسكنا الخريطة وفعلنا نفس الفعل هكذا، نجد أن الأمر من طنجة إلى جاكرتا، ومن غانا إلى فرغانة كما. يقولون وهو المسمى بالمحور الإسلامي الذي فيه السبع والخمسون دولة إسلامية فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر وفيما أيده الله
سبحانه وتعالى به. فادعُ لأهلك وادعُ لأبنائك وادعُ لأشيائك. ولما جاء الزبير بن العوام بسيفه وقد سمع أن رسول الله قد أُخذ فأتى بسيفه، فدعا له. السيفُ دعا لهذا السيفِ بالبركةِ، دعا لعينِ قتادةَ أن تكونَ أحسنَ عينيهِ فأصبحتْ أجملَ شيءٍ عندَ قتادةَ، دعا له بأن يحفظَ اللهُ له بشرتَهُ فحفظَهُ اللهُ حتى عدَّ قتادةُ سبعينَ سنةً، ومَن رآهُ يقولُ: هذا ابنُ خمسَ عشرةَ سنةً، بالرغمِ من أنَّهُ فوقَ السبعينَ،
هكذا دعا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ. وسلّم لعالم الزمان ولعالم المكان ولعالم الأشخاص ولعالم الأشياء ولعالم الأحداث، فبارك الله سبحانه وتعالى في موقعة بدر وجعلها علامة فارقة في تاريخ المسلمين نحتفل بها إلى يوم الدين. جعل الله سبحانه وتعالى فتح مكة علامة فارقة في تاريخ هذه البشرية كلها لأن المسلمين استطاعوا أن يخرجوا من هذه الأوضاع. السخيفة التي كان المشركون يريدون أن يضعوهم فيها، فدعا لكل هذا وجمع دعاءه لأمته، ثم إنه يوم القيامة يدعو للخلق أجمعين حتى يصدق قوله تعالى: "وما
أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، فهو رحمة لآدم ورحمة لنوح وقومه ورحمة لمن بعدهم ورحمة لمن قبلهم ورحمة للناس أجمعين إلى يوم الدين، إنما بُعثت. بسم الله الرحمن الرحيم، رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا فن الدعاء، يعلمنا أنه لا بد من أكل الحلال، وأنه لا بد من قلة الطعام، وأنه لا بد من قلة الناس، وأنه لا بد من قلة الكلام، ومن الصمت، ومن عدم اللغو، وأنه لا بد من أداء. العبادة على ما ينبغي أن تكون لله سبحانه وتعالى. علَّمنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ورد في الحديث القدسي: "من شغله ذكري عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين". فنحن نذكر، ولكن أيضاً ندعو. علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن أن ندعو ولا... ننسى نصيبنا من الدنيا ولكن لا يكون كل دعائنا في الدنيا بل ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ومن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق من نصيب ليس له نصيب في الآخرة لكن ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. علمنا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أن نلتمس الدعاء من الوالدين، وأن نلتمس الدعاء من الصديق، وأن نلتمس الدعاء من الأخ لأخيه على ظهر الغيب، وأن نلتمس الدعاء وقت نزول المطر، وأن نلتمس الدعاء وقت الزحف والجهاد في سبيل الله، وأن نلتمس الدعاء وقت السفر لأن "أعوذ بك من وعثاء السفر" فالسفر له شدة وله ألم وألم الغربة، وكل هذه مواقف كتبها الله علينا فخفف عنا، لأنه ما ضاق الشيء إلا اتسع، فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً. علمنا الصبر والإلحاح في الدعاء، علمنا الاستمرار، فأحب
الأعمال إلى الله. أدوَمها وإن قلّت. رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا كل هذا وأكثر. علمنا أن ندعو عند الملتزم وأن ندعو في الأماكن الشريفة وأن ندعو في الأزمنة الشريفة كليلة القدر وليلة العيد والعشر الأوائل من ذي الحجة. وندعو الله سبحانه وتعالى ذاكرين له، قائمين بأمره، طائعين، متوجهين، مخلصين، متضرعين. اللهم تقبل. منَّا صالح الأعمال ووفقنا إلى ما تحب وترضى، اللهم يا ربنا استر عيوبنا واغفر ذنوبنا ويسر غيوبنا وأجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.