دورة التراث الإسلامي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي جـ3 | 12-2-1995 | أ.د. علي جمعة

دورة التراث الإسلامي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي جـ3 | 12-2-1995 | أ.د. علي جمعة - التراث
المرة السابقة عن قضية التصورات الكلية وكيف أنها تلقي وضاحًا لبعض الصياغات التي كُتب بها التراث الإسلامي وتخيرنا بعض هذه التصورات فيما يسمح بمثله الوقت. اليوم نعالج عنصرًا آخر ينبغي أن نهتم به إن أردنا أن نفهم التراث على وجهه فهمًا دقيقًا، وينبغي عندما نقود في مادة أو في تخصص. أو في فن من فنون التراث أن نراعي تلك الخطوات التي نتكلم عنها: التصورات الكلية، النظريات الحاكمة، المصطلحات
والتعريفات، العلوم الخادمة، الصياغات اللغوية والمنطقية. اليوم نتكلم على شيء من النظريات الحاكمة فيما يتعلق بالنص الذي اخترناه، وهو نص فقهي يتعلق بمسألة البيع، والبيع نوع من أنواع العقود، فكان ينبغي علينا. أن نتعرض لشيء بما يسمح به الوقت أيضاً حول نظرية العقل عند الفقهاء، نظرية المال، نظرية الملك. وهذه النظريات يتبعها نظريات أخرى كنظرية الذمة ونظرية الأهلية ونظرية النيابة وهكذا. ولا أعتقد أننا قادرون على أن نستوفي كل هذه
النظريات في ذلك الوقت المحدود، ولكنه مثال يُحتذى بمثله ومحاولة لتفهم أن... إدراك النص التراثي إنما يتأتى بفهم مثل هذه النظريات، فإذا ما فهمناها كان ذلك أجدى وأعمق في التعامل مع النص الذي أمامنا. ونعالج الآن ما يمكن أن نطلق عليه نظرية العقل، ونتعرض إلى شيء من النظريات الأخرى إن أتاح لنا الوقت. وكلمة "نظرية" كلمة دخلت في الاستعمال الفقهي عند المسلمين. حديثاً وذلك بعد
أن اختلطوا بالفكر الغربي الحديث، لأن كلمة نظرية عندما نشأت في الغرب إنما نشأت لتوجد معياراً آخر بعدما نفوا مسألة الوحي. اصطدمت الكنيسة بالفكر، واصطدامها بالفكر أخرجها عن حد المعيار، عن حد معيار التقويم، فلم تصبح الكنيسة هي المرجع وهي المعيار الذي يُقَوَّم به. الناس أفكارهم خرجت عن الكنيسة، فكيف يقومون أفكارهم بما أسموه بالنظرية. فكلمة نظرية في أساسها إنما جاءت للخروج عن الوحي للظروف
التي عاشتها أوروبا، ولكننا عندما استعملناها في الكتابات الحديثة لم نستعملها بهذا المعنى، إنما استعملناها على حد استعمال الفقهاء الأولين بالقواعد وهو الأمر الكلي، ولكنها تفترق أيضاً عن قضية. القواعد الفقهية المشهورة أنها أكثر عمومية منها من قضية القواعد الفقهية التي تقول أن الأمور بمقاصدها، الضرر يُزال، اليقين لا يُرفع بالشك، إلى آخر مثل هذه القواعد الفقهية. النظرية كنظرية العقد قد أخذت مساحات كبيرة من الفقه الإسلامي مثل البيع والشراء،
مثل الربا، مثل السلم، مثل الوكالة، مثل الهبة، مثل... الزواج وهكذا وكونت منه رؤية كلية، هذه الرؤية الكلية هي التي أطلق عليها النظرية، ومن هنا وبعد مناقشات كثيرة جرت في أوائل الكتابة لمثل هذا الكلام، رضي الباحثون والكاتبون باستعمال هذه اللفظة حتى صارت شائعة مستقرة بهذا المعنى. العقد، ما هو العقد؟ الرؤية الكلية تتناول تعريف العقد، والعقد
في أبسط... معانيه هو اتفاق بين إرادتين، هناك رغبة، وإن اتفاق الإرادتين هذا هو الذي يسمى بالعقد. نرى أن الإرادة أمر باطني، أمر ليس ظاهراً، لا يمكن أن نشهد عليه الناس لأن الناس لا تدركه بحواسها.
فالرضا مثلاً في البيع والشراء أمر باطني خفي، كما أن الإرادة والرضا أيضاً مثلاً في عقود البيع. والشراء أمرٌ مضطرب إذاً ففيه صفتان: أنه خفي ومضطرب، وأنا لا أستطيع أن أشهد إلا على ما كان ظاهراً ومنضبطاً، فهناك فرق بين الظاهر المنضبط وبين الخفي المضطرب. لماذا كان الرضا خفياً؟ لأنه متعلق بالقلب. ولماذا كان مضطرباً؟ لأن الإنسان قد يرضى من جهة ولا يرضى من جهة أخرى، فإنه... إذا ما أراد أن يبيع شيئاً، أراد أن يبيع شيئاً، لكن هذا
الرضا المكتنف لتلك الإرادة قد يكون له درجات لا نهاية لها. فأنا أريد أن أبيع هذا الشيء وأدعو الله أن أبيعه كل يوم، في حين أنني في مرة أخرى أريد أن أبيع هذا الشيء فقط وليس لي تشوّف. لبيعه في حين أن مرة أخرى أريد أن أبيعه وأنا كاره لبيعه لكنني أحتاج إلى نقوده حتى أستعملها في شيء آخر وأبكي وأنا أبيعه. قد أبيعه بثمن هو ثمنه السوقي لكنني عندي ضيق بأنني قد خسرت فيه أو عندي فرحة بأنني قد بعته بيعاً مربحاً ربحاً كبيراً وهكذا لا أستطيع.
أن أذهب للمشتري مرة ثانية وأقول له يعني كان كنت لا أريد لكنني أريد هكذا يكون مضطربا ولكن الظاهر المنضبط بعتك هذه مسموعة فهي ظاهرة يسمعها الحاضرون ويشهدون أمام القاضي بها وهي أيضا منضبطة لأن كلمة بعت في اللغة العربية محددة المعنى ولا أستطيع بعد ذلك أقول كنت أريد أن أبيع، ولكنني لم أكن أريد أن أبيع، وأتربَّى بين هذه الأمور، ومن هنا كان اتفاق الإرادتين محتاجاً لصيغة ألفاظ تخرج من الفم تعبر عن هذه الإرادات الباطنة الداخلية التي لم يشهدها ولم
يسمع بها أحد، وعلى ذلك أصبح الركن الأهم حتى ذهبت الحنفية إلى أنه الركن الوحيد لقضية العقد هو. الصيغة ركن الصيغة هي الركن الأهم. قال الجمهور أنه الركن الأول، ولكن قال الحنفية هو الركن الوحيد للعقد. هذه مكونة من مكونات النظرية. إذا ما عرفنا التعريف ثم عرفنا أركان العقد ما هو "بعت واشتريت". الآخرون قالوا لا، دعوا هذا
الآن، دعوا هذا الآن. قالوا إن أركان العقد ثلاثة إجمالاً وستة. تفصيلاً: العاقدان، والصيغة، والقبول والإيجاب، يُسمى الصيغة قبولاً وإيجاباً، ومحل العقد وهو الثمن والمثمن، النقود والسلعة. النقود عادة ما يسمونها بالثمن، والسلعة عادة ما يسمونها بالمثمن. إذاً الثلاثة: العاقدان، والصيغة، والمحل، هذه أركان العقد لا يتم العقد إلا بها. فإننا لو تصورنا أنه لا يوجد عاقدان، لا يتم العقد. لا بد
من شخصين ولو بالمآل حتى لو لم يظهر لكن لا بد من وجود شخصين، لا بد من وجود صيغة بعت واشتريت، لا بد من وجود ثمن ومثمن وإلا فماذا نبيع؟ العدم؟ لا بد من وجود هذه الثلاثة. الحنفية يقولون: ولو وجد العاقدان ووجد المحل لا ينعقد البيع. أنا موجود. وصحبي موجود، صحبي في جيبه نقود وأنا معي سلعة، لا شيء، فكلنا هكذا، لكن البيع يتم متى؟ عندما يقول: بعتك بكذا، فيقول: اشتريت بكذا، فهذا هو الذي أنشأ البيع. الآخرون قالوا: لا، هي ثلاثة أركان. الخلاف لفظي ليس خلافاً حقيقياً، ولكن هذا، هذه
الصورة تصنع عندي نظرية للعقل هذه. النظرية بعدما عرفت فيها ما هو العقل وعرفت أركان هذا العقل ينبغي علي أن أرى أقسام هذه العقود وفيما يُطلق عليه العقل. بتتبع الفقه الإسلامي وجدنا أن العقد يُطلق بإطلاقين: إطلاق عام وإطلاق خاص. الإطلاق العام يُطلق على كل تصرف سواء كان من شخص واحد أو من شخصين، فسمّوا مثلاً... الطلاق عقداً وعدّوه من عقود الفسوخ، وسمّوا تولية القاضي الحاكم يولي القاضي
عقود الإطلاقات، وعزل القاضي سمّوه عقداً، وقالوا إنه من عقود الإسقاط أو التقييدات، وهكذا أصبحت أقسام العقود ستة في غالب الكتب، يجعلونها ستة: عقود المعاوضات مثل البيع والشراء، عقود التبرعات مثل الوكالة مثلاً. تبدأ تبرعاً وتنتهي معاوضةً مثل الكفالة والقرض، عقود الإثقافات مثل الطلاق، عقود الإطلاقات
مثل الوكالة ومثل تولية القاضي، عقود التقييدات مثل عزل الوكيل وعزل القاضي. إذا عندما اطلعنا على نظرية العقد ابتدأت كلمات معينة نسمعها: عقود المعاوضات، عقود التبرعات، هذه لا توجد في النص أمامنا فلا بد من أن تكون. في مدخل مستقل نوفر به الوقت وندرك كلام الناس بسرعة أكثر إذا ما استطعنا أن نفهمه وأن
نستوعب هذه المصطلحات التي نجدها في النظريات. فعندما يقول إن البيع من عقود المعاوضات، وعندما يقول إن الوكالة من عقود التبرعات، يكون لدي في الذهن خريطة لماهية العقود. العقود ستة: معاوضات وتبرعات. تبرعات ومعاوضات مع بعض سويًا، إسقاطات، تقييدات، إطلاقات، وحينئذٍ أستطيع عندما أدرك كُنْهَ عقلٍ معين أن أضعه تحت قسمه الذي ينتمي إليه. عندما نقول إن أركان العقد ثلاثة
إجمالًا، فإننا نواجه أيضًا في نظرية العقد ما يسمى بشروط العقد، وهنا أصبح عندي مصطلحان: الأول أركان، والثاني شروط، ولا بد حينئذٍ من أن نميز بينهما وننظر كيف وردت هذه إلى صياغات الكاتبين، وهو أيضاً أمر يجعلنا نعرف أن هناك اتصالاً وثيقاً بين النظرية الحاكمة وبين التصورات الكلية أيضاً التي تكلمنا عن بعض منها في السابق، وأيضاً هذا يجعلنا نلحظ أن هناك أنواعاً مختلفة ومستويات مختلفة من التعمق في الربط وفي
الفهم. وفي معرفة الصورة الكلية للمسائل ما الركن وما الشرط؟ الركن عرفوه فقالوا إنه جزء الشيء الداخل في حقيقته المحقق لهويته. ما الحقيقة وما الهوية؟ الحقيقة هي ما تقوم بالذهن والهوية هو ما يكون في الخارج. ولقد رأينا في التصور الكلي أنهم قد فرقوا بين القائم بالذهن والقائم بالخارج. إذًا أركان... الصلاة هي أجزاؤها، أجزاء الصلاة الداخلة فهي أجزاء،
هذا واحد. ثانياً أنها داخلة في الصلاة محققة لحقيقتها بصورتها الذهنية. ماذا أعرف أنا عن الصلاة؟ أعرف أنها تبدأ بالتكبير، الفاتحة، الركوع، القيام منه، السجود وهكذا إلى أن يسلم. هذه حقيقة الصلاة في ذهني، هذه صورتها في ذهني، هذه الصورة مكونة من... أجزاء هذه الأجزاء هي التي نطلق عليها ما دامت داخلة فيها الأركان، فالركن جزء الشيء الداخل في حقيقته. وإذا ما أردت أن أُحدث صلاة في الخارج في الواقع، فإنني أقوم بتنفيذ ما تعلمته وما قام في ذهني من هذه الأجزاء،
فتقع في الخارج، وبذلك تأتي كلمة المحققة لهويتها، يعني إذا... ما أردت أن أحدثها في الخارج فإنني أطبق ما هناك، أما الشرط فهو أيضًا لا يتم الشيء إلا به لكنه خارج عن كنه الشيء، فالركن داخل والشرط خارج. ومثال الصلاة: الوضوء، استقبال القبلة، ستر العورة، دخول الوقت، كل هذه الأشياء كما ترون خارجة عن حقيقة الصلاة، شيء خارج شيء آخر. ليس هو عين الصلاة ولكنه شيء خارج عن الصلاة، فهذا هو الشرع. فإذا ما جئنا إلى العقل وقلنا
إننا نريد أن نعرف أركانه وشروطه، عرفنا أركانه بأنها ثلاثة إجمالاً، ستة تفصيلاً، أو أنها واحدة عند الحنفية وهي الصيغة. فما شروطه؟ وهنا يحلو للكاتبين أن يتبنوا تقسيم الجمهور إلى ثلاثة ثلاثة. أركان حتى يتم التفصيل أكثر لكل ركن من الأركان فيقولون شروط العاقدين لا بد من حتى ينعقد العاقد وما دامت المسألة فيها إرادة أن يكون هذا العاقد عاقلاً وهنا يقفون ما معنى العقل من هو العاقل ما
درجات العقل ما علاقة هذا بالتصرف لا يتركون الأمور تسير هكذا بل بدقة وبعمق يتكلمون عن كل هذا فيما أسموه بالأهلية، فإذا بالأهلية في ذاتها تصير نظرية مستقلة تصلح أن نشرحها معاً، نشرحها سوياً. قالوا إن الأهلية تنقسم إلى قسمين: أهلية وجوب وأهلية أداء، وأهلية الوجوب تنقسم إلى أهلية وجوب ناقصة وأهلية وجوب تامة. فأهلية
الوجوب الناقصة تكون للجنين فإذا ما وُلِدَ الجنين. من بطن أمه وصار إنساناً يتحرك واستهل صارخاً، يعني أول ما نأتي من بطن أمه صرخ، استهل الحياة وابتدأها وهو يبكي، يعني ظهرت عليه علامات الحياة، ليس بالضرورة أن يبكي لأن هناك أطفالاً يولدون ولا يبكون، لكن المهم أنه حي يعيش، فقد أصبح له أهلية وجوب كاملة تامة في حين أنه لا يستطيع وهو في اللفة صغيرًا في المهد أن يزاول الأداء أن يزاول النشاط أن يزاول التصرف،
لا يبيع ولا يشتري ولا يتزوج ولا يطلق ولا يهب ولا يتأتى له أي شيء، لا يفلح إلا في أن يبكي فقط، صغير وإلى متى سيظل كذلك، فوجدوا أن الإنسان يمر. بمراحل ثلاثة الواقع هكذا فأخذوا من الواقع إلى أنه منذ ما ولد إلى سن السابعة يكون صبياً غير مميز لا يستطيع أن يميز الأشياء، ثم بعد ذلك من السابعة إلى البلوغ يكون صبياً مميزاً، ثم بعد ذلك يكون بالغاً رشيداً. وعلى ذلك فأهلية الأداء على ثلاثة أقسام طبقاً للمراحل العمرية. التي أدركناها عند الإنسان في قدرته على التمييز والتصرف والرشد والإدراك،
وهكذا فقالوا إن هناك أهلية أداء: عديم الأهلية، ناقص الأهلية، كامل أو تام الأهلية. عديم الأهلية إلى السن السابعة، ناقص الأهلية إلى البلوغ، ثم بعد ذلك يكون إن بلغ راشداً فيكون رشيداً يستطيع أن يتصرف في الأموال ويستطيع أن ينشئ لنفسه ولغيره إن أنابه العقود أو إن أنيب عنه، هذه خريطة أيضاً لقضية الأهلية. ماذا لو تصرف عديم الأهلية فباع واشترى؟ يقع تصرفه باطلاً كأن لم يكن. ماذا لو تصرف كامل الأهلية؟ تقع
تصرفاته تامة كائنة ما كانت. وهل التصرفات فيها أنواع؟ قالوا نعم، هناك تصرف فيه. نفع النحو وتصرف فيه ضرر. النحو وتصرف يجمع بين الضرر والنفع. ثلاثة أنواع من التصرفات: أما كامل الأهلية فيفعل ما يشاء. الضرر المحض مثل التبرع، فيه ضرر محض من ناحية المنافع الدنيوية المحضة، فيه ضرر محض لأن مالي نقص بالتبرع. المنفعة المحضة قبول التبرع، وهي العكس، فمالي زاد، أعطاني نقوداً فزاد. مالي ماذا خسرت لا شيء الذي يجمع بينهما المعاوضة بعت هذا بعشرة
لكنه يساوي خمسة قد وقد يساوي عشرين فقد يكون فيه نوى هو الآن بعشرة لكن غداً يصبح بعشرين فيكون هذا التصرف الذي فعلته اليوم ضاراً لي غداً مثلما يحدث عندما ترتفع أسعار السلع فالتصرفات منها نفع محض ومنها ضرر محض ومنها ما يجمع بينهما بالنسبة للأهلية، أي تصرف من هذه التصرفات الثلاثة صدر من عديم الأهلية فهو باطل، وإن صدر من تام الأهلية فهو مقبول، وإن صدر من ناقص الأهلية فهو موقوف إن كان يجمع بينهما، وباطل إن كان ضاراً، ومقبول إن كان
نافعاً نفع النحو. طفل عنده عشر سنوات. قبل هبة لا صحيح أعطى هبة باطلة اتبعه اشترى موقوف إلى أن ينظر أبوه أو وصيه أو وليه ويرى هل يا ترى هذا التصرف من الولد وقع نافعا له أو وقع ضارا عليه، فإن كان نافعا أجازه وإن كان ضارا عليه منعه وأبطله. هكذا هي الأهلية وهو الشرط الأول الذي ينبغي أن يتوفر في العاقد حتى نعتبر عقده وحتى يقع عقده صحيحاً لأن الركن الأول:
الشرط الثاني أن يكون العاقد هذا صاحب تصرف وسلطان على محل العقد، وقد يكون صاحب تصرف وسلطان على محل العقد إذا ما كان مالكاً له أو كان نائباً عن المالك إما بتوكيل فيكون وكيلاً وإما بولاية طبيعية كأن يكون أباه وإما
أن يكون وصياً عليه عينه أبوه عليه قبل أن يموت أو عينه القاضي عندما وجد الولد قد يضيع إذا ما تركه من غير من يصرف شؤونه. إذاً الوكيل والولي والوصي كل هؤلاء ينوبون عن صاحب الملك لأنه عاجز عن القيام بالتصرف بنفسه. لأنه إما أن يكون صغيراً أو مجنوناً أو غير ذلك، لكن بالجملة هؤلاء الناس مع المالك أصحاب سلطان على المحل، أصحاب قدرة على أن يتصرفوا فيه. فالشرط الثاني أن يكون صاحب سلطان على محل العقد، ومن
هنا إذا لم يكن الإنسان واحداً من هؤلاء: لا وكيلاً ولا وصياً ولا ولياً. ولا كان هو أيضاً مالكاً للسلعة فإنه لا يستطيع أن يبيعها ولا أن يقوم بذلك، ولكن الأحناف في تفصيل لذلك أجازوا بيع ما أسموه بالفضول. بيع الفضول هو ذلك الشخص الذي لا يملك شيئاً، لا يملك سلطة ولكنه تصرف، وقالوا إن بيع الفضولي هذا موقوف إلى أن يجيزه المالك، فمثلاً. لو كان واحد منا يسير بالسيارة مسرعاً في طريق عام فاصطدم بحيوان، ببقرة مثلاً، ولم يوجد صاحبها ورآها أنها ستموت، ففضل أن يبيعها حفاظاً عليها
لأنها لو ماتت لأصبحت ميتة والميتة لا قيمة لها وهي ليست بمال، فإدراكاً لهذا باعها لأحد الجزارين على الطريق، فإن بيعه هذا يكون موقوفاً يتم. ينعقد عند الحنفية ويكون موقوفاً إلى أن يأتي صاحبها فيقره أو لا يقر، فإن أقره كان بها تم العقد ونفذ، وإن لم يقره فإنه لا يتم العقد. فلو كانت هي حية ما زالت تعيش وقالوا: "لا، لا أريد أن أبيعها"، خلاص لا يبيعها، أو "أريد أن أبيعها وكثر خيرك إنك" قد بعت وتصرفت. لا هكذا ينظر الحنفية إلى هذه القضية، لكن الجمهور يشترط على ذلك البائع أن
يكون مالكاً، أو بمعنى أصح وأوسع أن يكون صاحب سلطان وتصرف على محل العقد. من شروط الحل أن يكون طاهراً، أن يكون منتفعاً به شرعاً، ألا تكون عليه موانع، وهكذا يتكلمون في نظرية. العقل عن المحل وعن شروطه فهم لا يجيزون بيع النجاسات ولا يجيزون ما لا منفعة فيه أصلاً مثل الحشرات التي لا معنى لها، مجموعة من الصراصير هل يمكن أن نبيعها؟ قالوا: لا، لا يجوز، ولا
ما لا منفعة فيه شرعاً أو عرفاً، ولا ما لم تجرِ العادة به حتى. ولذلك لم يجز الفقهاء تأجير الشجر لنشر الغسيل عليه، هذه معاملة ليست واردة ما سمعنا بها. هل يجوز أن أستأجر شجرة من صاحبها حتى أنشر الغسيل عليها مثلاً؟ قالوا: هذا ما حدث، هذا ولذلك فهو عقد باطل. الآن يزين بعض الناس محلاتهم بالنقود الورقية، الدولار والمارك وما شابه في خان. هل يجوز استئجار هذه النقود حتى نزين بها المحل؟ قالوا: إن استئجار النقود للتزين أمر
غير وارد، لم نسمع به. ولذلك لو تم فما انعقد شرعاً. ينبغي لهذا المحل ألا يكون هناك مانع مثل بيع المصحف للكافر، أو مثل بيع السلاح للكافر الحربي، فلا يجوز ذلك أبداً. أن أبيع السلاح لشخص سيقتل المسلمين به مثل بيع السكين في وقت الفتنة، أنا واقف في الدكان فإذا بشخص يجري مرعوباً وشخص آخر يجري وراءه، الذي يجري وراءه دخل المحل وقال لي: أعطني سكيناً وخذ النقود ها هي، لا يجوز علي، لا يجوز لي أن أبيعه سكيناً في وقت. الفتنة لأنني أعرف أنه سيستخدمها ضد أخيه ويجري وراءه، فلا يجوز هذا
في أيام الاضطرابات وما شابه. كذلك لا يجوز بيع السكين أيضاً وهكذا. وينبغي أن يكون المحل خالياً من كونه مكاناً لبيع المخدرات إلى آخره. ليس هناك مانع، قد يكون المانع حقوقاً عليه في بيت، هذا البيت ملكي لكنني... أردت أن أستقرض منك مبلغاً من المال، ألف جنيه، فقلت لي: "أنا أعرف أنك لم تستقرض مني شيئاً ورفضته أبداً، فلا بد عليك من أن تقدم رهناً". فقلت: "حسناً، البيت موجود إذا تعذر السداد ولم أستطع أن أوفي ما علي، بِع البيت وخذ منه نصيبك والألف الخاص بك".
فالرهن عبارة... عن شيءٍ يُستوفى منه عند تعذُّر السداد. بعدما أخذتُ منه الألف، ذهبتُ إلى السوق لأبيع البيت. البيت غير قابل للبيع لأنه وإن كان ملكي، إلا أن مانعًا قد قام بهذا البيت وهو الرهن، حال بيني وبين التصرف فيه. وهذا ما يُسمَّى بأن البيت مُحمَّل بالحقوق. البيت مُحمَّل بالحقوق عليه. ألف جنيه، البيت هذا عليه ألف جنيه، في حين أنني أنا الذي عليَّ ألف جنيه، ولكنه كان رهناً لسداد ذلك المبلغ، فلا يجوز أن أبيع ذلك البيت إلا بإذن الدائن المرتهن الذي أخذت منه ذلك المبلغ. من شروط
الصيغة أن تتوافق تماماً، فلو قلت لك: بعتك هذا القلم بعشرة. قروش فقلت اشتريته بتسعة. لم يحدث حينئذ التوافق والتقابل بين القبول والإيجاب، ولذلك لا ينعقد البيع. لا بد من التوافق. لو قلت لك: "بعتك هذا القلم بعشرة"، فقلت: "وأنا اشتريت القلم الآخر بعشرة"، لم يتم الاتفاق، لأنني عندما بعت، بعت هذا اللون بهذا الحجم بهذا كذا، لكنك إذا ما غيرت. لعل في سعر آخر للنوع الآخر فلا بد من التطابق في نوع السلعة في لا بد أن يكون عند
الشافعية في المحل مثلا الذي قلناه أن يكون مرئيا أو موصوفا وصفا تاما يزيل كل جهالة وهكذا المهم أن النظرية معناها أنني أعرف تعريف الشيء ثم أعرف أركانه ثم أعرف بعد ذلك أقسامه ثم اعرف بعد ذلك شروطه ثم وهكذا أحيط بصورة كلية هي مرتبطة في عمقها بالتصورات الكلية لكنها خاصة بما نعالجه وهو قضية العقد مثلاً. فمثلاً لما تكلمنا الآن عن الأركان والشروط، هذا له عمق في التصور الكلي الذي تكلمنا فيه المرة الفائتة. هناك
عمق أخذوه لما اطلعوا على الفلسفة اليونانية وأرادوا أن يردوا عليها وأن ينقوا ما بها فيأخذوا ما تيقنوا من أنه سليم ثم بعد ذلك يبنون به كتاباتهم، فكان هذا اتصالاً واعياً دقيقاً بالفكر الغربي لا يرده مطلقاً ولا يقبله مطلقاً ولا ينتقي منه انتقاءً عشوائياً بل يدرسه ويهضمه ثم بعد ذلك يرد ما خالف الكتاب. والسنة منه بمعيار واضح ثم يقبل منه أيضاً ما يوافق ذلك. أرسطو عندما تكلم عن العلل وما أسماه بالعلة التامة، والعلة التامة هي التي بها يتم الشيء،
يتم المعلول، يتم الشيء. الشيء سبب الشيء غير الشيء، فشجرة المانجو أتت من البذرة، فهناك فرق بين البذرة والشجرة والثمرة. ما سبب... وجود مثل هذه المنضدة أو الطاولة هذه، تأمل أرسطو تأمل واقعي فقال إن العلل أربعة. العلة التامة مكونة من أربع علل، والعلة التامة معناها أنها قد استوفت العلل الأربعة. علة أسماها علة مادية، وهي في حالتنا هذه الخشب، وعلة أسماها علة صورية من الصورة، وهي في حالتنا هذه هيئة الطاولة. لأن
الخشب كان من الممكن أن نصنع منه كرسياً وكان من الممكن أن نصنع منه خزانة وكان من الممكن أن نصنع منه طاولة، لكن في هذه الهيئة هي هيئة الطاولة أو المنضدة، فهناك علة مادية وهناك علة صورية. ابن قسيم لاحظ أن العلة المادية والعلة الصورية داخلة في حقيقة الشيء. فإن الخشب أحد مكونات الطاولة وأيضاً الصورة أحد مكوناتها. قال: العلة الثالثة علة فاعلة وهي النجار الذي صنع هذه الطاولات، لأنه من غير وجود النجار ما كانت توجد هذه الطاولات. النجار هو الذي ذهب إلى الشجرة فقطعها، ثم بعد ذلك الفاعل
يعني قطع الشجرة ونشرها، ثم بعد ذلك صوَّر تلك. المادة على هذه الهيئة ولو لم يكن هناك نجار لما وُجدَت أو صانعًا فاعلًا يعني لما وُجدَ هذا الشيء. ثم أضاف إليها علة رابعة وأسماها العلة الغائية وهي الفائدة أو الغرض. لماذا صنعنا هذا الشيء؟ الإجابة عليه: لأستفيد منه على وضع معين وإلا لكان عبثًا. فإذا... ما وجدتَ شخصاً يحفر في الأرضِ تسأله لماذا تحفر؟ يقول: من أجل الماء. فتكون قضية الماء هي العلة الغائية، هي التي أريد أن أتغياها، أي أصل إليها، وهي قضية الماء والحصول على الماء. فالطاولة لها استعمالات، من ضمنها أننا نكتب عليها، فهذه هي الغاية
التي جعلتني أصنعها لو لم توجد. غاية عندي ولو لم يوجد فاعل ولو لم توجد هيئة ولو لم توجد مادة لما خرج هذا الشيء إلى الوجود، وإذا ما لحظنا العلل فإننا نلحظ أن علتين منها داخل الشيء وعلتين خارج الشيء. ومن هنا كان تأمل الفقهاء فيما هو داخل الشيء فأسموه أركاناً وما هو خارج الشيء. فاسموه شروطًا الذي يطّلع على التصورات الكلية يجد أنها قد بُني منها ومن خلالها وتفريعًا عليها كلام متعلق بمثل هذا. إذا ما توغلنا في التراث
فإن ذلك يفيدنا جدًا لأننا سنفهم العبارات فهمًا سهلًا يسيرًا، وسنفهم العبارات بعمق شديد إذا ما ربطنا بين هذا وبين ذاك، بين النظريات الحاكمة. نسميها بنظرية العقد والذي معنا فرع من فروعها اليوم وهو البيع، تكملها نظرية المال. ما هو المال؟ لأن أحد أركان عقد البيع هو قضية المحل، والمحل مكون من
ثمن ومثمن في قضايا المعاوضات هذه. فما هو المال؟ فالمال عند الجمهور لا بد أن يكون مباحاً منتفعاً به في شرطين أن... يكون مباحاً فكل ما حُرِّم في الشرع ليس مما فيه، وأن يكون منتفعاً به. وعلى ذلك تدخل عنده من الأعيان والمنافع، الجوهر والعَرَض الذي تكلمنا عنهم المرة السابقة. هناك أعيان التي يسميها المتكلمون الجوهر أو الجسم،
وهناك منافع ككون هذا القلم يُكتب به، فالكتابة هذه منفعة السيارة. منفعتها الركوب، والشقة منفعتها السكن، وهكذا. فهناك أعيان وهناك منافع لتلك الأعيان. الحنفية لا يرون المال إلا عيناً سواء كان مباحاً أو غير مباح. نظرية أخرى بقضية المال أخرجوا منها المنفعة، وأدخلوا في المال ما كان مباحاً وما ليس بمباح، يسمونه مالاً. فلا بد عندهم أن يكون المال أن يكون. عينا في المنافع ليست أموالاً ولكنها عند الجمهور أموال. كل ما له قيمة تُدفع وتُبذل فيها النقود فهي مال عند الجمهور، لكن لا بد حتى نسميها مالاً أن تكون
مباحة. قالوا: لا، الأعيان والتمول. هؤلاء الحنفية، فالحنفية قالوا: الأعيان والتمول، والآخرون قالوا: لا، الإباحة والانتفاع أو التمول أيضاً، ويقصدون بالتمول ما... له من فعل هنا نجدهم قد قسموا المال إذا ما عرفنا ما هو المال عند هؤلاء وعند أولئك فإنهم قد قسموا المال إلى أقسام من جهات مختلفة فقسموه إلى منقول وعقار من جهة ثانية إلى مثلي وقيمي من
جهة ثالثة إلى متقوم وغير متقوم خريطة لا بد أن تدركها حتى تفهم كلامهم بعمق. هذه الخ... وجدنا أن بعضها نمطي يشبه وحداته الوحدات الأخرى لنفس السلعة. كل إنتاجنا الآن أصبح نمطياً. تسجيلات ثانية وقل لك من هذا أنتج المصنع من هذا النوع. انظروا مجموعة من
التسجيلات، التسجيلات مختلفة، كلها مختلفة، تجد أشكالها ما من واحد مثل أخيه، لكن كل واحد منها... نتج من مصنعه آلاف، أصبح له رقم، وأصبح له ماركة، وأصبح له ساعة، وأصبح له حجم، وهكذا. فهو مثلي لأن له مثيل في السوق، أستطيع أن أذهب فأحفظه فأحصل على شبيه له تماماً. هذا هو المال المثلي. المال المثلي هو ما كان له مثل، ولكن المال القيمي لا مثل له. ولذلك اللجوء في تقويمه إلى قيمته، لا أستطيع أن أحصل مثلاً عند القطاع على نوع معين من الأثاث مصنعيّة، عملت شيئاً
مصنعيّاً، ذهبت إلى الرجل صاحب الأثاث وجعلته يصنع لي كرسياً مصنعيّاً على ذوقي أنا بطريقة معينة، فأنت عندما تأتي لترى هذا الكرسي وتسأل من أين أحضرته لكي تحضر مثله، لو كان... لماذا يكون مثلي لكن أقول لك لا، إنني صنعته خصيصاً، لماذا يكون ليس له مثيل؟ حسناً، بكم تبيعه إذن؟ يكون له قيمة. سأبيعه أنا له قيمة، ولذلك سمينا هذا النوع الذي لا مثيل له قيمياً. يمكن أن أستلف المثلي لكن لا يمكن أن أستلف القيمي لأن المثل يثبت. في ذمتي دين لأنني قادر على أن أسدد مثله ولن تضار أنت في شيء، مثله تماماً. أنت
أقرضتني كراسة، هي كراسة بعدد أوراقها وبصنفها كله، هي التي رجعت إليك. ولكن القيم لا تثبت في الذمة بهذه الطريقة، لا يصلح بأن تثبت، إنما تثبت قيمته في الذمة. ولذلك عندما أهلك شيئاً مثلياً ينبغي. علي أن أعوضه بمثله، لكن عندما أهلك شيئاً قيمياً هلك مني، فعلي الضمان، علي أن أعطي قيمته فقط لأنني غير قادر على أن آتي بمثله لأنه لا مثل له، إنما أدفع قيمته في الضمان. أنا شريكك في المحل وعندنا ألف من التسجيل هذا وأنت غائب، أريد. أن آخذ نصيبي خمسمائة من الألف، آخذ بالكراتين هكذا. أقول له: "يا بني، نحن عندنا عشرة كراتين،
خذ منهم خمسة". أي خمسة؟ أي خمسة! لماذا؟ لأنك لا تُضار، مالك عندك. لماذا أخذت الخمسة هذه ولم تأخذ الخمسة الأخرى؟ لأن كل شبيه ببعضه، وليس لك أن تدعي أنه ليس في كرتونة. أريد هذه الكرتونة لماذا؟ لماذا تريدها؟ لماذا تريد هذه بالذات؟ ليس لك وجه، ولكن الأشياء القيمية لا تقسم هكذا، ولا يجوز أن تغائب وبيننا شيء قيمي أن انتزع منه نصيبي أو ما ظننته نصيبي. فقطعة أرض مثلا، الجانب الذي على الشارع أغلى من الجانب الذي في الداخل الجانب الذي على الناصية أغلى من الجانب الذي بجوار البيت، وهكذا
قطعة الأرض ليست مثلية بل هي قيمية، ولذلك إذا ما أردنا القسمة ينبغي أن نجلس ونُقَيِّم، ثم بعد ذلك نقتسم المال منه عقار ومنقول، ونجد الفقهاء قد اختلفوا فيما هو العقار وما هو المنقول، ولكن التقسيمة التي لا بد أن تظل في ذهني هي أن هناك فارقاً بين العقار والمنقول، فبعضهم قال: العقار ما لا ينتقل أبداً أبداً، وهذا بهذا الشكل لا ينطبق إلا على الأرض. الأرض فقط هي التي لا يجوز ولا يصح ولا يمكن أن أنقلها. كيف أنقل قطعة أرض من مكانها؟ ولكن المبني عند هؤلاء الذين عرّفوا العقار بأنه ما لا يُنقل، يمكن نقله
بعد هدمه. يمكن نقله مثلما فعلوا في أبو سمبل عندنا في معابد الفراعنة قديماً. عندما بنينا السد العالي، كان هناك بعض الآثار الفرعونية معرضة للغرق، فجاءت اليونسكو والمؤسسات العالمية وغيرها، واستطاعوا أن يرفعوا هذه المعابد كما هي من مكانها. أماكنها ويضعونها في مكان آخر طبعاً أمر صعب اشتركت فيه دول كثيرة، نعم أمر صعب ولكن استطاعوا أن يفعلوها. إذاً فعند الحنفية الذين قالوا إن العقار ما لا يمكن أبداً نقله، يبقى هذا ليس عقاراً، هذا منقول، والمنقول بخلافه. وعند الجمهور أن المنقول ما لا يمكن نقله بهيئته، ولذلك
البيوت. تعد من العقارات لأنها لا يمكن عادة نقلها من مكانها إلى مكان آخر وكما قلنا أن هذا أمر عسير حتى يتم مرة واحدة في العمر وبميزانيات دول حتى تستطيع أن تنقل مكان عقار أو مبنى بمعنى صحيح وتضعه في مكان آخر على هيئته لكن لو هدمنا المبنى فإننا نستطيع نعم نقله إلى مكان آخر ولكن ليس على هيئته التي هو عليها، أيضاً هناك فارق عندهم بين القيمي أو المتقوم وغير المتقوم عند الحنفية بالذات الذين قالوا إن المال هو العين
فقط سواء كانت حلالاً أو حراماً، ولذلك عندهم الخمر التي عند أهل الكتاب مالاً، عند مسلمينا ليست بمال. فقال لا، لأنه عينة أهي ومنتفع بها، فيبقى مالاً، ولكنه غير متقاوم، ولذلك اضطروا إلى أن يقسموا المال إلى ما له قيمة وهو المباح شرعاً، وما ليس له قيمة وهو ما لم يبح شرعاً. الجمهور لم يضطروا إلى هذه القصة لأنهم يقولون أن ما لم يبح شرعاً إنما هو خارج. عن المال ليس مالاً أصلاً وعندما يستعملون كلمة متقوم وغير متقوم فإنهم يعنون بها ما له قيمة بين الناس كالسلع وما ليس له قيمة بين الناس كحبة القمح، حبة قمح لا قيمة لها،
ولذلك يقول لك فيما يتهاوى للناس فيه: لو أن الشخص ضاعت منه حبة قمح لا يبحث عنها وهو. حامل كيس القمح وتتساقط منه حبات هكذا، لا يوقف الحمولة كي يبحث عن حبة القمح لأنها لا قيمة لها. ماذا يعني إذا سقطت حبة قمح أو حبة عنب من قفص العنب؟ لا يلتفت إليها، ولذلك هذا مال غير متقوَّم. لكن شاع في الكتابات الحنفية المتقوَّم وغير المتقوَّم، يعني المباح. له قيمة وما ليس له قيمة، وهذا سينفعنا في قضية الضمان. فلو أنني دخلت في بيت مسلم ووجدت خمراً، فمن غير استئذانه أمسكتها وسكبتها في الحمام لا شيء عليه.
ولو كانت زجاجة الخمر هذه قد اشتراها هو أو دفع فيها مبلغاً كبيراً من المال لا أعوضه لأن هذا المال لا قيمة له لأنه ليس مباحًا شرعًا فيجوز الاعتداء عليه، لا حرمة له، وهكذا نستطيع أن نتفهم ما أردت أن أقوله من أننا نريد أن نطلع على النظريات، معرفة الشيء تعريفه وأركانه وأقسامه، وأن هذه الإحاطة الكلية مع وجود علائق بينها وبين التصورات الكلية أيضًا تفيدنا في فهم أعمق لما بين. أيدينا عالجنا اليوم نظرية العقل ونظرية الأهلية ونظرية المال، ولا أجد متسعاً لعرض نظرية الملك مثلاً، ولكن أشير إليها بسرعة، وهو أن
الملك عندهم ثلاثة أقسام، وهي علاقة بين الإنسان وبين الشيء: ملكية عامة، وملكية دولة، وملكية خاصة. وهذه ألفاظ حديثة لم توجد في الفقه، ولكنها تقرب لكم ما يعنونه الفقهاء في الملكية الخاصة هي ملكيتنا للأشياء، أنا أمتلك هذا الشيء فهو ملك لي، والملكية العامة هي ملك عموم المسلمين أو عموم أهل البلد يمتلكونها جميعاً. وفي الملكية العامة لا نستطيع أن نمنع أحداً من الاستفادة
منها، فيجوز للجميع أن يصيدوا من البحار، ويجوز للجميع أن يقطعوا من أشجار الغابات. لأنها ملكية عامة وهناك ملكية الدولة. الدولة كمؤسسة معنوية موجودة تمتلك هذه الأشياء فيجوز لها أن تبيعها وأن تشتري فيها مثل محطات الكهرباء مثلاً أو محطات الإذاعة أو نحو هذا من المستحدثات التي نعيش فيها. وهكذا، المهم ليس هذا هو المقصود أن أعطي معلومات جزئية بل المقصود أن أنبه. على أن النظريات الحاكمة للأمر الذي نريد أن ندرسه مهمة جداً خاصة في إدراكها في ذاتها وفي علاقتها مع التصورات الكلية، فإذا
ما انتهينا من هذا الحديث إجمالاً فإننا نرجع إلى ذلك النص الذي بين أيدينا لنتأمله شيئاً فشيئاً ونوجد كيف تتحكم هذه النظريات في فهمه بصورة. أعمى كتاب البيع آخره عن العبادات لأنها أفضل الأعمال ولأن الاضطرار إليها أكثر ولقلة أفراد فاعله ولفظه في الأصل مصدر فلذا افترضه وإن كان تحته أنواع ثم صار اسماً لما فيه مقابلة على ما سيأتي ثم إن أريد به أحد شقي العقد الذي يسمى من يأتي به بائعاً فيعرف بأنه تمليك بعوض على وجه مخصوص ويقابله
الشراء الذي هو الشق الآخر الذي يسمى من يأتي به مشترياً ويعرف بأنه تملك بعوض كذلك أي على وجه مخصوص ويجوز إطلاق اسم البائع على المشتري وعكسه اعتباراً والتعبير بالتمليك والتملك بالنظر للمعنى الشرعي كما سياه وإن أريد به المركب من الشقين معاً بمعنى العلاقة الحاصلة من الشقين انظروا إلى الاتفاق بين إرادتين، انظروا إلى أركان العقد من كونها تتضمن عاقدين وبينهما اتفاق، وهذا الاتفاق إنما هو للباطن، للإرادة القائمة عندهما. العلاقة الحاصلة من الشقين هي اتفاق الإرادتين، علاقة حاصلة بين الشقين، بين البائع والمشتري، بين العقد الأول والعقد الثاني التي
ترد عليها الإجازة. والفسخ، وهنا كان ينبغي علينا في نظرية العقد أن نتكلم عن مراحل العقد، وهذا ما لم نتكلم عنه نسياناً. نسيت أن نتكلم معكم على مراحل العقد. العقد له مراحل أربعة: مرحلة الانعقاد، ومرحلة الصحة، ومرحلة النفاذ أو النفوذ، ومرحلة اللزوم. أربع مراحل. مرحلة الانعقاد عند الحنفية خاصة قد ينعقد العقد. وهو فاسق وقد ينعقد
وهو صحيح فإن كان محل العقل لم يُشرع بأصله ولا بوصفه كان ذلك باطلاً لكن لو كان قد شُرع بأصله دون وصفه فيكون فاسداً فإن كان قد شُرع بأصله ووصفه فهو صحيح ولذلك الانعقاد تحته الصحة والفساد قد ينعقد ولكنه ينعقد صحيحاً وقد ينعقد ولكنه ينعقد فاسداً فالانعقاد دور مرحلة قبل قضية الصحة والفساد وأيضاً هذا قد أخذه جمهور العلماء بطريقة أخرى ليس هذا محل لتفصيلها، لكن حقيقة الربا ما هو بيع وهذا هو الذي جعل المشركين يقولون إنما البيع مثل الربا،
هم يقولونها بصدق، هم يقولون ما الفرق، هذا بيع وشراء، أنا بعتك مائة هذا. هو محل البيع بمائة وعشرة؟ ما الذي هذا؟ البيع بالمعنى اللغوي مقابلة شيء بشيء فهو بيع، ولذلك البيع قد شُرع بأصله. لكن لما كان محل العقد هو النقود، وهو وسيط التبادل بين الناس، لما كان محل العقد شيئاً حرَّم الشرع فيه أن يكون هناك زيادة وتفاضل عند الأخذ والعطاء. أصبح هذا العقد حراماً لصفة قامت فيه وليس لفقده شيئاً من أركانه ولا من شروطه، أصبح باطلاً، أصبح فاسداً لأنه
ولم يصبح باطلاً، ولذلك الربا عند الحنفية فاسد وليس باطلاً، ومن أجل ذلك يجعلون الإنسان يتملك هذا القدر من الزيادة وهو الربا، ولو باعه لآخر أُخذت منك الأموال الزيادة الربا. وصرفتها فإن الآخر هذا لا يطلب رد هذا المبلغ، انتهى الأمر. أما الجمهور فيقولون هذا عقد باطل، وأخونا الذي أخذ العشرة جنيهات الزيادة مني ليست ملكه أيضاً، ولا بد أن يردها لصاحبها الأول. يعني كانت العشرة جنيهات الربوية ملطخة بالسواد وستظل سوداء إلى يوم الدين، لا يتملكها أي من وقع في... يده أي شخص تدخل في ذمته لا يتملكها، هذا مفهوم الجمهور، لكن الحنفية لا، هي مقيدة بقيد هكذا وعليها
كلمة حرام. عندما أخذها هو وأعطاها للآخر، نُقلت كلمة الحرام هذه، فذهبت وأصبحت حراماً، خلاصة أن الحرمة محصورة في الطبقة الأولى من التعامل، لكن عند الحنفية لا، وعند الجمهور لا، هذه. عند الحنفية هذا الكلام، أما عند الجمهور فقد أصبحت هذه الورقة حراماً في ذاتها، وصارت محرمة إلى أن ترجع إلى صاحبها الأول الذي أعطى الربا ودفع هذا من جيبه، وستظل هذه الورقة محرمة لا تدخل في ملك أحد، تبقى هائمة هكذا ولو مرت بعشرين تعاملاً، فهي ما زالت محرمة، لا بد... نعود للأول وهذا في دور الانعقاد تحت الصحة والفساد، إذا خلا من المفسدات كان صحيحاً، وإذا استوفى أركانه
وشروطه كان صحيحاً شرعاً بأصله ووصفه، فيصبح صحيحاً. هذه الصحة تنقسم إلى نوعين: النافذ والموقوف. قد يكون العقد صحيحاً موقوفاً إلى أن يجيز الولي، أو موقوفاً إلى أن يجيز المالك، فهو موقوف على إجازة. من له السلطان الكامل كما قلنا، تصرفات الصبي المميز كما قلنا عند الحنفية، بيع الفضولي، فإن هذه الأشياء موقوفة إلى أن يجيزها صاحب السلطة النافذ. تحته نوعان: لازم وغير لازم، وذلك طبقاً للخيارات: خيار الشرط، خيار الرؤية، خيار العيب. وأنا أبيع وأشتري معك، قلت
لك بعتك بشرط. أن تعطيني فرصة ثلاثة أيام يجوز لي أن أرجع في هذا البيع، قلت: موافق. انعقد البيع وانعقد صحيحاً، وهو لا، نحن الاثنان كبار وكل شيء، وأصحاب مال وهكذا، فهو نافذ لكنه غير لازم إلى أن تمضي الأيام الثلاثة. مضت الأيام الثلاثة، لا اتصلت بك ولا اتصلت بي، لزم البيع. البيع تحول من غير لازم إلى كونه لازما، أصبح لازما، لماذا؟ لأن الخيار قد ذهب. قلت لي: أنا سأشتري هذا لكن لي خيار إذا لم أجد فيه علماً فأرجعه إليك. عندما ينام الناس، عندما يأتيك
شخص يشتري كتاباً كبيراً من عشرين مجلداً، فقل له: أنا سأفحصه أولاً حتى لا تكون فيه ورقة بيضاء وإذا... فرزت فوجدت سليماً كان مباعاً، فما كان سليماً سأرجعه لك، هذا خيار العيب. ذهبت وفرزت ووجدته سليماً، خلاص انتهى الأمر. البيع في الفترة التي بين استلام السلعة وفرز السلعة، هذه الفترة استمرت ثلاثة أيام، في هذه الثلاثة أيام أو الأربعة أيام أو حتى سنة وأنا أفرز في السلعة، في هذه الفترة، فترة الخيار. العيب العقد صحيح منعقد صحيح نافذ غير لازم إلى أن تنتهي الخيارات فيتحول إلى اللزوم. فيقول هنا: وإن
أريد به المركب من الشقين معاً بمعنى العلقة الحاصلة من الشقين التي ترد عليها الإجازة والفسخ، هذه العلاقة بعد الانعقاد يمكن أن يطرأ عليها فسخ لأنها فاسدة، يمكن أن يطرأ عليها إجازة. فتنتقل من دور الصحة إلى دور النفاذ فتجاز مثل ما قلنا أن هذا العقد موقوف فجاء صاحب السلطة وأجازه، إذاً فكلمة الإجازة والفسخ ستفهم فهماً أعمق إذا ما أدركنا أن للعقد أربعة مراحل في تكوينه: دور الانعقاد، دور الصحة، دور النفاذ، دور اللزوم. فيقال له لغةً
مقابلة شيء بشيء على وجه المعاوضة عرفنا أقام العقل وأنه منها معاوضة ومنها تبرع ومنها كذا فيدخل فيه ما لا يصح تملكه كالاختصاص وهنا نظرية أخرى هي نظرية اليد ينبغي علينا أن ندرك نظرية اليد حتى نفهم هذا الكلام فهماً واسعاً نظرية اليد هي إحدى مكونات نظرية الملكية التي لم نتعرض لها سريعاً ملخصها إن الأشياء حتى تكون ملكاً له فلا بد أن تكون حلالاً، لا بد أن تكون طاهرة، لا بد أن يكون منتفعاً بها، وهكذا. لكن
هناك بعض الأشياء التي تكون مختصة بي مثل ما يقول المصريون "خاصتي" ولكنها لا تتوفر فيها هذه الشروط، مثل الروح في البهائم مثلاً، الروح في البهائم. نجس عند الشافعية فلا يدخل في الملك ولا يجوز حينئذ ما دام نجساً أن يقع عليه البيع والشراء، ولكن البهائم بهائمه والحظيرة حظيرتي، وهذا الشيء له منفعة وتسمت به الأرض ويستعمل في الوقود في الريف، فهذا الشيء له منفعة له قيمة والناس تدفع فيه نقوداً، فماذا
نصنع وإذا لم يكن هذا ملكي فما علقت به وملك من هو قال هذا مختص بك مختص بك، ومن هنا جاء أن اليد على الشيء قد تكون يد ملك وقد تكون يد اختصاص، يد ملك وقد تكون يد اختصاص. إن كانت هذه الحاجة طاهرة أو مما من شأنها الملك كان هذا يد. عليها يد ملك، لو كان الشيء هذا ليس من شأنه التملك أو كان نجسًا مثلاً أو لأي علة أخرى فتبقى يدي عليه يد اختصاص وليست يد ملك، وقد لا يكون هذا الشيء ملكي
ولا أنا مختص به، إنما أنا حائز عليه واضع يدي عليه فهي يد حيازة، فتكون اليد. ثلاثة أنواع لليد: يد ملك، ويد اختصاص، ويد حيازة. تقسيم آخر لكي ننتهي من موضوع اليد ونجعلها نظرية قائمة بذاتها هو أن هناك يد ضمان ويد أمانة. هذه هي الألفاظ المستعملة في مصطلح اليد في الفقه. أما يد الضمان فمثالها: إذا أعرتني كتاباً، أو استعرت منك كتاباً، فإن يدي عليه. يبدو ضمان هو ليس ملكي ولا مختصم به ولا أنا واضع يدي
عليه، لكنه في حوزتي. هَلَكَ الكتاب، ضاع، فلا بد عليّ أن أعوّضك ثمنه، أضمن لك، أعطيك ثمنه، وهذه يد الضمان تضمن عند التلف. لكنك لو أودعت عندي هذا الكتاب أمانة، كتاب بلغة لا أقرأها، قلت لي احفظ هذا. عندك حفظته وما قصرت، وضعته في المكتب وأغلقت عليه، فحرق المكتب بما فيه أو سُرق، حُرق أو سُرق، فإنني لا أعوضك شيئاً لأن يدي على الأمانة، على الوديعة، يد أمانة وليست يد ضمان. مفهوم يد الأمانة ويد الضمان،
فهو هنا يشير إلى هذا فيقول: فالروف هذا عندما أريد أن أتعامل. به وآخذ في مقابلته مالاً يقول لك ليس من قبيل البيع بل من قبيل رفع اليد عن الاختصاص، من قبيل رفع اليد عن الاختصاص. مثلاً أنا موظف، كان قديماً يحدث هذا. أنا خطيب مسجد وأنا خطيب مسجد معين في الدفتر. إن خطيب المسجد لا يقولون عليّ في الدفتر، بل يقولون خطيب. المسجدُ الفلانيُّ يَقبِضُ ستةَ جنيهاتٍ ذهباً كل شهر. أنا لديَّ أشغالٌ أخرى، فجئتَ أنتَ تقولُ لي: "لو سمحتَ، أنا أريدُ أن أُعَيَّنَ بدلاً منكَ خطيباً في هذا المسجد لأنني لا أجدُ
عملاً وأريدُ أن آخذَ الستةَ جنيهات". قلتُ لكَ: "أعطني شيئاً وأتنازلُ عن وظيفتي لكَ". هل أنا امتلكتُ الوظيفة؟ أنا لم أمتلكها. الوظيفة لأن الوظيفة في هذه الصورة ليس من شأنها التملك ليس من شأنها أن يقع عليها الملك ولكن يجوز لي باتفاق الفقهاء تقريباً أن أبيع الوظيفة فآخذ منك مالاً وأترك لك الوظيفة وهذا حلال لم يفهمه بعض الكاتبين للروايات فظنوا أن هذه رشوة فقالوا أن العثمانية وما إلى ذلك كانوا يبيعون الوظائف والعياذ بالله تعالى، وهذا ربا وهذا رشوة. لا، هذا من قبيل رفع اليد عن الاختصاص وليس من قبيل الرشوة.
أي رشوة هذه؟ هو يتنازل له عن حقه في أن يؤدي هذا العمل ليتقاضى هذا المبلغ في مقابل مبلغ معين يسير به حاله. ماذا باع وماذا اشترى؟ هو لم يبع ولم يشترِ، هو رفع يده عن الاختصاص، فيقول ما لا يصح تملكه كالاختصاص، وما لو لم تكن صيغة أصلاً كالمعاطاة، والمعاطاة هي أن أعطي وأعطى الشيء دون صيغة، ليست هناك صيغة. وضربنا مثلاً سابقاً في التعامل مع الماكينات الحديثة، نضع فيها العملة وتعطيني جريدة أو تعطيني صفيحة. بيبسي أو تقدم لي شيئاً من المأكولات والمشروبات أو غير
ذلك، أو تقوم ببعض الخدمات مثل تنظيف الأحذية أو مثل الهاتف لقضاء الحاجة أو التصوير وهكذا. كل هذا إنما هو بيع، عقد، إنما هو نوع عقد، لكنه عقد تم من غير صيغة، لكن هناك قرائن تدل على الموافقة: أنا أريد هذه الخدمة. والله وضعها صاحبها وبرمجها على ثمن معين فكان هذا فيه اتفاق ضمني، وعادة ما تكون الأسعار كلها أمامي، فكان هنا اتفاق حدث بيني وبين هذه اللوحة التي وضعها صاحبها، فهذا يسمونه بيع المعاطاة، وهو بين البشر واضح، أني أذهب في الصباح أضع الأربعين قرشاً وآخذ جريدة أمام
الرجل من. غير ما أقول له بعتك واشتريت منك ويقول لي هو بعت واشترى إلى آخره فيدخل فيه ما لا يصح تملكه كالاختصاص، وما لو لم تكن صيغة كالمعطى، وخرج وجه المعاوضة نحو السلام فيها معاوضة السلام له رد، والتشميت له رد، لكنه ليس على سبيل المعاوضة إنما على سبيل التقابل، وخرج. بوجه المعاوضة نحو السلام وتشميت العاطس ورد الأذان، وكل هذه الأشياء فيها نوع من أنواع المقابلة لكن ليس فيها نوع من أنواع المعاوضة، ليس هناك ثمن في المسألة. وشرعاً وتعريفه شرعاً عقد معاوضة مالية، كلمة مالية يعني يدخل فيها العين والمنفعة، تفيد ملك عين أو منفعة، نعم
ما هو مادام. قال مال يجب أن تظهر العين والمنفعة على التأبيد لا على وجه القربة، ومن هنا كلمة على التأبيد. قالوا إن من شروط العقد، من شروط العقد، ألا يكون معلقاً ولا مؤقتاً، أن يكون ناجزاً، لا معلقاً ولا مؤقتاً. هذه من الشروط التي سندرسها في نظرية العقد التي ذكرناها، كان ينبغي أن... نقول هذا الشرط أن العقد ينبغي ألا يكون مؤقتًا وينبغي ألا يكون مؤقتًا وألا يكون أيضًا معلقًا. يعني ماذا معلق؟ كما لو قلت لك: سأبيعك أو بعتك هذا إذا جاء فلان من السفر، لا يصح. علّقت العقد على مجيء فلان من السفر، لا
يجوز. أنا أقول لك: بعتك هذا لمدة. شهر هذا ضد العقد بيع عقد البيع ينبغي أن يكون مؤبداً لا أن يكون مؤقتاً، ولماذا لم نذكر هذا الشرط في نظرية العقد؟ لأنه في بعض العقود فقط، هو أن يكون لعقود خاصة، يعني شروط لعقود خاصة، يعني التوكيل مثلاً، التوكيل، الإجارة مثلاً لا بد أن تكون مؤقتة وتفسد فيما. إذا كانت مؤبدة فهذه العقود خاصة لها شروط خاصة. البيع ينبغي ألا يكون مؤقتاً ولا معلقاً، لكن الإجارة ينبغي أن تكون مؤقتة، فإن فقدت التوقيت لا تجوز. وأركانه
ثلاثة: عاقد ومعقود عليه وصيغة، وهي في الحقيقة ستة، أي أن الأركان قلنا ثلاثة إجمالاً وستة تفصيلاً كما سيأتي، والعقد في التعريف. جنس وشأنه الإدخال في العقد في التعريف، هذه الجنسية سنعالجها في قضية الصياغات المنطقية. أرى أن أكتفي بهذا، ومن كان عنده شيء من الأسئلة فليتفضل. لا توجد أسئلة الآن،
خفف الله عنك. نعم، تفضل. هكذا ثبت تاريخياً ضياع بعض من التراث الإسلامي عندما ألقي في نهر دجلة إبان حروب التتار. والسؤال هنا: هل التراث اللائق كان في مكتبة واحدة؟ إن كان الجواب بنعم، فما هي؟ وإن كان بلا، فأية مكتبة احتفظت بمعجل الضائع حتى وصلت إلينا في عصرنا الحاضر؟ التراث، أله سام؟ حسناً، أقول لا. ولو بعد ذلك، أنت مسجل السؤال، نعم. حسناً، التراث الذي وُضع في دجلة كان
تراثاً. كبيراً، ولكن علماء المسلمين في القرن السابع والثامن الهجري بدأوا في تأليف موسوعات ضخمة في كل الفنون وفي كل العلوم، حاولوا فيها أن يحفظوا هذا التراث. ألّفوا في التاريخ فجمعوا كل ما كان تحت أيديهم من هذا، ألّفوا في الأدب، النويري مثلاً له "نهاية الأرب"، ألّفوا في كثير من العلوم. والآداب والفنون واللغة وجمعوا جمعًا واسعًا ضخمًا حتى يحافظوا على الأمة وللأمة على تراثها، وأنا لا أظن أن الذي ضاع يؤثر
في شيء من نقل التراث، فإن الذي بين أيدينا الآن وهو نحو مليون مخطوطة يعبر تعبيرًا دقيقًا عن الحالة التي كانت موجودة في القرون الأولى، والسبب في ذلك هذان. الأمران: الأمر الأول الموسوعات التي أُلِّفت فحفِظت لنا كتب المتقدمين، والأمر الثاني هو أن هذه النسخ التي ضاعت كانت مبثوثة في الأرض، والذي ضاع هو أصولها والأجزاء التي كانت قد سبق أن جُمِعت. فمثلاً سنن البيهقي وهو معدود أنه علامة لانتهاء الرواية لأنه كان في أواسط القرن الخامس أربع مائة. أربع وخمسين ومائة وكذا اثنين وخمسين وخمسين سنن البيهقي وكتبه
كلها معرفة السنن والآثار إلى آخره. جمعت الأجزاء الحديثية التي كانت متفرقة في البلاد وجمعتها في كتب البيهقي. وكتب البيهقي والحمد لله موجودة إلى الآن، فالذي ضاع من تلك الأجزاء بذاتها بعينها فلم يضع الشيء الكثير الذي نستطيع أن نقول أنه. قد ضيع المصادر أو ضيع فكرة المسلمين في هذا المجال، والأعجب من ذلك أنك إذا ما رجعت إلى مراجع خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي، لوجدت أن بعض ما رجع إليه البغدادي وكان في القرن الحادي عشر الهجري مفقود، ولم نحصل
عليه بعد، لعله في مكتبات أوروبا، لعله قد ضاع من الإهمال عندما نام المسلمون، لعله أنه لم يُفهرس بعد، ولكن كثيراً من هذه القائمة التي أوردها البغدادي وقد رأيتها بعيني ونقلت منها لا يوجد الآن، ونكتشفه شيئاً فشيئاً، كذلك ألَّف قائمة كبيرة المرتضى الزبيدي رحمه الله في تاج العروس شرح جواهر القاموس، وهذا الذي رجع إليه الزبيدي في. تاج العروس ليس موجوداً بين أيدينا الآن في أغلبه، وكذلك ما رجع إليه في شرح الإحياء "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين"، فإن كثيراً منه لم يصل إلينا،
على الرغم من أن الزبيدي مات ألف ومائتين وخمسة، يعني بعد التتار بنحو ستة قرون، فليس... فقط التتار مَن اعتدى وليس أهل الأندلس، وليس هذا أيضًا إعياء الظهر وإهمال المسلمين اعتدى على التراث، ولكن وصل لنا من التراث والحمد لله رب العالمين ما نستطيع أن نوقن بأنه ترجمة صحيحة لما كان. السؤال الثاني، السؤال الثاني عن المخطوطات الموجودة في دار الكتاب المصري والمغربي واللبناني هل... هذه المخطوطات هي نفسها الموجودة في مختلف المكتبات، بمعنى أن المخطوطة الموجودة هنا مثل كتاب "تمييز
الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" الموجودة في المغرب هي نفسها الموجودة في مصر، وإن كانت تختلف فما الحل في حفظ هذا التراث من الأخطاء الشائعة في ما نسميه الآن بالميكروفيلم أو ما شابه. ذلك ثم إن كانت هذه المضبوطات مثل ما رأينا الآن في نظرية الملك وفي الشرط الثاني للعقل، هل هذه المضبوطات انتقلت من صاحبها إلى الدولة حتى صارت ملكاً عاماً أو هي ملك خاص أو هي للدولة؟ وإذا كانت للدولة، هل هي انتقلت إليها وفق ما رأيناه في الشرط الثاني بالوكالة؟
أو بالوصية أو بالولاء كل ذلك لم يكن بل انتقلت إلى الدولة بموجب الأوقاف فإن الذي كوّن ما تسمى دار الكتب المصرية مثلاً هو علي باشا مبارك في عهد الخديوي إسماعيل ذهب إلى المساجد والتكايا والرُبط فجمع ما فيها من كتب وأنشأ داراً اسماها دار الكتب الخديوية ودار الكتب الخديوية كانت عبارة عن أوقاف الواقفين لتلك الكتب، والوقف يخرج فيه ملك الإنسان إلى ملك الله سبحانه وتعالى، وملك الله سبحانه وتعالى هو ما نعبر عنه بجماعة المسلمين أو بالمجتمع أو بالهيئة الاجتماعية، فهذا من الملك العام الذي لا يجوز للدولة أن تبيعه، ويجوز
لجميع المسلمين أن ينتفعوا به دون أن يعتدوا عليه ولكنه ليس ملكاً لأحد بل هو ملك للمسلمين جميعاً لأن الوقف يُخرج ملك الشيء من ملك الإنسان إلى ملك الله سبحانه وتعالى ثم الله يأذن لنا بالانتفاع فيه. المخطوطة من كتاب معين توجد منها نسخ كثيرة، هذه النسخ بعضها أولى من بعض، فالتي بخط المؤلف أولى النسخ ثم. يليها التي قُرئت عليه ثم يليها التي كُتِبت في عصره ثم يليها التي حررها أحد تلامذته ولو كان بعد موته ثم يليها تلك النسخ التي نُقِلت عن تلك النسخ وهكذا للكتاب الواحد عدة نسخ نرسم لها شجرة ونجعل هناك أولوية منطقية. كتب كثير ممن كتب في تحقيق
التراث حول هذه القضية كيف نتعامل مع تلك الشجرة. أول من كتب بالعربية وكان ألمانياً برجسترسن في كتاب له سماه "نقض النصوص" وطبع الكتاب، ثم بعد ذلك ألّف الدكتور الشيخ عبد السلام هارون كتابه "تحقيق التراث الإسلامي"، ثم بعد ذلك ابتدأت المعاهد والأشخاص في كتابة قواعد لفن تحقيق التراث يجيب عن كل ما... لديك الآن أكثر من مائة كتاب تتحدث عن هذه القضية أو عن هذا الفن، سواء أصدرتها مؤسسات أو جامعات أو أفراد اهتموا بتحقيق التراث على جميع المستويات، منهم الدكتور رمضان عبد التواب، منهم الدكتور الطناحي، منهم الدكتور عبد الفتاح الحلو، منهم جامعة الدول العربية،
منها جامعة محمد بن سعود وهكذا كثير جداً من المؤسسات ومن الأفراد أنشؤوا يتكلمون كيف نحقق التراث وكيف نخدم التراث نصاً تعليقاً وتحقيقاً وفهرسة إلى آخره. ما حكم هذه التصويرات المخطوطة ما دامت هي ملكية عامة للمسلمين؟ فيجوز أن أصورها لأن الصورة لا تنقص من قيمتها شيئاً، وهل ليس لأهو، هل على. الدولة رخصة في بيع هذه التصويرات، يجوز للدولة أن تفعل هذا حتى تأخذ قيمة هذه المصورات فتنفق على المادة التي من أجل الورق والمايكروفيلم. هذا له
ثمن، فهي تبيع كهذا ثم بعد ذلك من إيرادها تحافظ على نفس المخطوطات بعمل تجديد لها، تجليد، مواد تحفظها من الرطوبة، من العتة، من... الحشرات وهكذا تستطيع أن تكمل التصوير إلى آخره، ولكنني أشعر في لهجتك أنك تريد أن تجعلها سبيلاً مسبلاً. الدولة فقيرة، ولو كانت غنية لفعلت. نعم، أجل. بإنزال حكم الجمهور عن المال الربا هذا، حيث من يأكله فهو حرام، فهو لا يدخل في ملكه. ليس حراماً، لا يدخل في ملكه إن... علم به، نعم، ما حكم يعني أن تعطينا نحن ويعطي سيأتي إلى غيرنا؟ فما حكم هذا؟ يعني النبي
صلى الله عليه وسلم يقول في أزماننا النكدة التي نعيش فيها الآن، يقول: "سيأتي على الناس زمان مَن لم يأكل الربا يصبه من غباره". فكأنه صلى الله عليه وسلم شعر بما سيشتد. على الناس من أمر الربا فأباح لنا أن نأكل كما يأكل المضطر، فهناك فرق بين ما نقول مما قرره الفقهاء وبين شيوع ذلك شيوعاً انسدت معه أبواب الحلال، وقال ابن السبكي: "وإذا انسد على الناس أبواب الحلال جاز لهم الأكل باتفاق المسلمين". شكراً لكم.