دورة التراث الإسلامي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي جـ5 | 19-2-1995 | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اليوم نتناول عنصراً من العناصر التي تُشكِّل في ظننا أغلب شفرة التراث، وهذا العنصر هو عنصر المصطلحات والتعريفات. عندما نقرأ كتب التراث، لا بد علينا من استحضار قضية المصطلحات، وهذه المصطلحات على أقسام كثيرة. ينبغي علينا أن ندركها، ولكن يمكن أن نجمل تلك الأقسام كلها تحت
ذلك العنوان وهو قضية المصطلحات. حتى نفهم هذه القضية بعمق فإننا نرجع إلى ما يسمى بقضية الوضع، والوضع معناه جعل شيء بإزاء شيء آخر، جعل شيء في مقابل شيء آخر. هذا هو حقيقة الوضع لأن الإنسان يتواضع يعني... كأنه يتفق طائفة معينة تتفق على وضع لفظ معين بإزاء معنى معين، هذه العملية عملية الوضع تمت
في اللغة. فمن الذي أطلق على الحيوان المفترس الألف والسين والدال وبهذا الترتيب فسماه أسد، في حين أننا لو عكسنا هذا الترتيب أو تلاعبنا فيه لكان "داساً" مثلاً، وكلمة "داس" قد وضعت لمعنى. آخر فليس هناك علاقة طبيعية ما بين الحروف وما بين المعاني، بل هي علاقة وضعية. ليس هناك علاقة ما بين الألف والسين والدال وبين الأسد، بحيث أنني لو قلت أسد لفهم كل من على الأرض أنني أتكلم عن حيوان مفترس. لا يمكن أن نتصور ذلك، إذاً فمن
الذي وما الذي... حدث حتى توضع هذه الكلمة في مقابل ذلك المعنى، علماء الأصول يقولون إن الواضع الذي وضع الكلمة بإزاء المعنى اختلفوا فيه، فقال بعضهم أنه الله سبحانه وتعالى، واستدلوا بقوله تعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها"، كان الله سبحانه وتعالى عند ذلك الفريق قد علم آدم أن الحيوان المفترس اسمه أسد، وأن هذه النبتة الخضراء يُطلق عليها شجرة، وأن هذا الحيوان الحلوب يُطلق عليه بقرة، وأن هذا الحيوان الناطق يُطلق عليه إنسان، وهكذا. فالله سبحانه وتعالى هو واضع
اللغة، وكلمة "واضع" هنا أي أنه جعل اللفظ بإزاء المعنى. بعضهم قال إن البشر هم الذين قد وضعوا اللغة، وبعضهم قال إن الله سبحانه. وتعالى وضع الأسس والقوانين فقال أنه إذا ما أردت علم آدم أنه إذا ما أراد أن يعبر عن القائم بالفعل فليقل فاعل فيقول آكل وشارب ونائم وضارب وهكذا لأنه على وزن فاعل بقوانين مخصوصة معروفة في علم الصرف، هو الذي علمها آدم، ثم بعد ذلك أنشأ الإنسان تطبيق هذه القوانين. وأنشأ الإنسان مفردات كثيرة من اللغة بعدما فهم كيف يضع الألفاظ بإزاء المعاني. بعضهم
قال: لا نعرف إذا ما كان الله أو غيره هو الذي وضع اللغة. على كل حال، فإننا لاحظنا أن اللغة التي وُضعت الألفاظ فيها بإزاء المعاني قد جاء الشرع فأخرج بعض هذه الألفاظ من... معانيها اللغوية إلى معانٍ أخرى مخصوصة قصدها الشارع، فكلمة الصلاة في اللغة وضعت للعطف مثلاً، ولذلك فإن الشيء الذي قد انعطف على شيء آخر فإنه يُشتق من تلك المادة، فيقال للفرس الذي جاء ثانياً بعد الفرس الذي جاء أولاً. الفرس
الذي يسبق في السباق أولاً يسميه العرب "المجلي" ثم... الذي يليه أي الثاني يسمونه المصلي، ومن أجل ذلك سموا الدعاء لما كان من طرفين داعٍ ومدعو الصلاة، فالصلاة تطلق أيضاً في اللغة على الدعاء، لأن الدعاء فيه معنى العطف، شيء معطوف على شيء، فيها معنى الانثناء، فيها معنى الثنائية، كذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن فيها دعاء وهكذا، لكن الشرع جاء فجعل هذه الكلمة لها معنى جديد، نعم هو له علاقة مع المعنى القديم وهو الدعاء، لكنه
معنى مخصوص، وهو تلك الأفعال والأقوال المخصوصة المبتدأة بالتكبير المنتهية بالتسليم التي يؤديها المسلم كل يوم خمس مرات بطريقة معينة في أوقات معينة بشروط معينة، حتى إذا ما قلت. لأحد من الناس الآن: "أنت لا تصلي" فمعناه أنه قد ترك هذا الفعل، لا أنه قد ترك الدعاء. الذهن ينصرف إلى ذلك الفعل المخصوص ولا ينصرف إلى أصل المعنى اللغوي. من الذي وضع كلمة الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والبيع وكذا بإزاء تلك المعاني؟ القرآن والسنة. الشارع،
يعني الذي قد... شرع فيمكن أن نقول إن هناك وضعاً لغوياً وأن هناك وضعاً شرعياً. الوضع اللغوي يعني جعل اللفظ بإزاء المعنى عند أهل اللغة، والوضع الشرعي يعني جعل اللفظ بإزاء المعنى عند أهل الشرع، عند الشرع الشريف. ولكننا لاحظنا أيضاً أن هناك شيئاً آخر أزيد مما مر، ذلك أننا رأينا طوائف معينة. قد اجتمعت على معنى معين للفظ معين، فنرى أن الأصوليين مثلاً قد وضعوا كلمة "أصل" بإزاء
المقيس عليه، في حين أن "أصل" في اللغة تُطلق على ما منه الشيء، وما بُني عليه الشيء، وما يحتاج إليه الشيء، على خلاف في اللغة أو توسع في الإطلاق، لكن الأصوليون لا هم يريدون. أن يقيسوا النبيذ على الخمر فيسمون الخمر أصلاً ويسمون النبيذ فرعاً ويسمون الإسكار علةً ويسمون الحرمة حكماً للأصل ويسمون الحرمة التي للنبيذ حكماً للفرع. من الذي وضع كلمة أصل بإزاء المقيس عليه؟ الذي وضع ذلك طائفة معينة من العلماء، حتى إن كلمة أصل تُستعمل عند
غيرهم بغير هذا المعنى. تُستعمل عند الفقهاء مثلاً في قولهم أن الزكاة تحرم على الأصل وعلى الفرع. الأصل هنا هو الأب والأم والجد والجدة. الأصول هنا معناها ما أصول الإنسان: الوالد أو الوالدين. لا يعنون عندما يقولون أصله هنا لا يعنون به المقيس عليه. مَن الذي جعل كلمة أصل بإزاء الوالدين؟ الفقهاء. ومَن الذي... جعل كلمة "أصل" بإزاء المقيس عليه الأصوليون، وعلى ذلك فنجد أن كل طائفة معينة تضع المعنى بإزاء لفظ معين. فالعلماء
أطلقوا على هذه الحالة الاصطلاح، إذاً فالمصطلح هو وضع لفظ بإزاء معنى معين عند طائفة بعينها، وهو ما يسمى العرف الخاص: عرف أهل صناعة أو أهل علم معين أو فن. معين وهكذا وهذا هو الاصطلاح وهناك عرف عام يتعارف عليه مثلاً أهل مصر على أنه لا يتعارف عليه أهل الحجاز أو أهل العراق مثلاً، فكانت هناك أشياء يتعارف عليها كل الناس وليست طائفة معينة،
لكنها على كل حال ليست في اللغة وليست في الشرع، مثل كلمة دابة مثلاً فإن كلمة دابة عند المصريين يعنون بها الحمار لكنها في اللغة كانت تطلق على كل ما يدب برجليه على الأرض بل على كل ما يدب مطلقاً سواء كان في الأرض أو في السماء وعلى ذلك فإن الإنسان من الدواب لغةً لكن لو قال أحد من الناس في مصر واصفاً أخاه أنه من الدواب لكان ذلك سباً وشتماً له لأنه كأنه يصفه بأنه حمار. إذاً، فعندنا أربعة أوضاع: الوضع اللغوي، والوضع الشرعي، والوضع
العرفي العام، والوضع العرفي الخاص وهو الذي يُسمى بالاصطلاح. فلا بد علينا إذا ما أردنا أن نخوض في فن معين من فنون التراث أن نعي وأن نستوعب الاصطلاح والوضع الذي وضعه أهل ذلك الفن بإزاء الألفاظ المستعملة فيه، فإننا إذا لم نفعل ذلك لتداخلت المعاني ولضاع منا خير كثير. لا أستطيع أن أفهم الفهم المناسب إلا إذا عرفت مصطلح الفن الذي أُخِذ فيه. ومثال ذلك في كتاب البيع مثلاً كلمة "جنس"، فكلمة الجنس تُستعمل
باستعمالين مختلفين في المنطق والفقه إذا... ما أردتُ أن أقرأَ في المنطق فلا بد عليَّ أن أعرف كما نبَّهنا مرةً سابقةً إلى أن الجنس هو المقول، مقولٌ كليٌّ مقولٌ على كثيرينَ مختلفينَ في الحقيقةِ في جوابِ ما هو، وضربنا له مثالاً بكلمةِ الحيوان، فإن ماهيةَ حقيقةِ الحيوانِ تحتها أنواعٌ كثيرةٌ منها الإنسانُ ومنها الأسدُ ومنها الزرافةُ. وهكذا في حين أن كلمة نوع في المنطق معناها كلي مقول على كثيرين متفقين في الحقيقة، فكلمة إنسان
هي التي نقصد بها النوع. الجنس أفراده مختلفة والنوع أفراده متفقة، فإن زيداً مثل عمرو مثل زينب مثل فاطمة، كلهم في الإنسانية سواء، ولذلك كلمة نوع في المنطق تُطلق على ذلك الكلي. الذي تكون أفراده متفقة في المعنى، لكن الجنس يُطلق على الأفراد المختلفة في المعنى، في حين أن الفقهاء لم يستعملوا الجنس بهذا الاستعمال، بل استعملوا الجنس في كلامهم في مقابل النوع عند المناطقة. فالجنس
عندهم ما كان متحد الأفراد، فالقمح مثلاً جنس وإن اختلفت درجاته أو ألوانه أو أحجام حبته. أو كذا، إنما هو قمح، منه رطبة أولى، ورطبة ثانية، ونوع جيد، ونوع رديء، لكن كله يشترك في معنى الماهية وهو أنه قمح. ولو دُقَّ وأصبح دقيقاً لأطلق الناس على ذلك الدقيق أنه دقيق قمح وليس دقيق ذرة مثلاً. فالقمح نبات معروف، معروف في النباتات وفي الزراعة ومفهوم هو. عند الفقهاء في حين أننا إذا ما سألنا المناطقة ماذا تسمون هذه
الأفراد المختلفة من القمح لقالوا نسميها نوعاً لأن النوع أفراده متحدة في معنى نوعي والجنس أفراده مختلفة. فهذا ليس جنساً، الجنس الخاص به هو النبات، فكلمة نبات تشمل القمح والشعير والذرة والنباتات السامة والنباتات التي يأكلها الحيوان فقط. أو الإنسان فقط أو كذا إلى آخره، هذا هو الجنس عند المناطقة. لو أن طالب علم قرأ النص الذي معنا وحمل كلمة الجنس هنا على ما قد تعلمه في المنطق، لكان ذلك حائلاً للفهم، فإنه لا يفهم العبارة، وتصبح العبارة التي أمامه غامضة وغريبة،
وهو يتكلم في الربا أو في... البيوع ويقول إن بيع الجنس بنفسه لا يجوز إلا بشرطين: التماثل والحلول. التماثل يعني إذا أردت أن أبيع القمح بالقمح فلا بد أن تكون الكيلة بكيلة بغض النظر عن رطوبة هذا القمح وعن جودته. والحلول معناه الآن حالاً، الحلول من الحال، فذلك مأخوذ من قول النبي عليه الصلاة والسلام. الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر يعني القمح والشعير بالشعير والملح بالملح والتمر بالتمر يداً بيد، هذا هو الحل سواءً بسواء، هذا
هو التماثل، فمن زاد أو استزاد فقد أربى فهو ربا. طبعاً هذه المعاملة معاملة وهمية، معاملة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم سداً للذريعة لأنه ما معنى... أنْ يكونَ معي كيلةُ شِوالٍ من القمح ومعكَ مثله، ثمَّ آخذَ منكَ ما معكَ وأعطيكَ ما معي، ما هذا؟ هذا ليسَ له فائدة. لو اتّبعنا الحديث لأصبحتْ هذه المعاملةُ كأنها لَغْوٌ، كأنه لا فائدةَ فيها لأنني آخذُ منكَ شيئاً وأعطيكَ نفسَ الشيء من غيرِ زيادة، فمنْ زادَ أو استزادَ فقد... أربع نعم، أراد النبي صلى الله عليه وسلم ألا يحدث غرر وألا تعلو الأسعار في الأسواق، فحرم التفاضل والنسيئة في المطعومات وفي وسيط التبادل
وهو الذهب والفضة حينئذ، حتى يحفظ على الناس أسعار أقواتها فلا يضار الفقير في شيء. فقال من أراد منكم أن يفعل هذا فليفعل تلك الصورة التي. لا يفعلها عاقل، ليس أمامك إلا هذا، إذاً فكأنه يقول: لا تفعلوا هذا أبداً، يعني التفاضل أو التأجيل. المهم لو أننا قرأنا أحكام هذه الصور، ربا الفضل وربا النسيئة وهكذا، وقد استقر في أذهاننا أن الجنس هو ما كانت تحته أنواع مختلفة، لظننا أنه لا يجوز بيع القمح بالشعير. متفاضلاً، وهذا خطأ، فإنه يجوز بيع القمح بالشعير متفاضلاً، وفي نفس الحديث: "فإن اختلفت تلكم
الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد". فإن اتفق القمح مع القمح يُشترط الشرطان: التماثل والحلول، أما القمح مع الشعير فيُشترط شرط واحد وهو الحلول. فأعطيتَ كيلة قمح وأخذتُ منك كيلتين شعير، لا مشكلة في ذلك. لو قرأت الفقه دون أن أعي مصطلح الفقهاء في كلمة جنس فإنني سأفهم فهماً خاطئاً أو لا أفهم شيئاً إطلاقاً لأنني حينئذٍ سأعكس الحكم وأقول لا يجوز بيع أفراد الجنس الواحد فلا يجوز بيع النباتات بعضها مع بعض وهذا خطأ بل هو ضد الحديث وكل ذلك جاء لأنني فهمت من الجنس المعنى المنطقي والمقصود به في لغة الفقهاء هو
متحد أفراده في معناه، وهو حقيقة النوع عند المناطقة، إذ لا بد علينا من أن نعي مصطلحات الناس واختلافها من مادة إلى مادة أو من فن إلى فن أو من علم إلى علم. نواجه أيضاً مصطلحات وضعها أهل فن معين. لا بُدَّ من أن نفهمها حتى نفهم باقي الكلام، وإن اختلطت علينا يختلط علينا الباقي أو لا نعرف له معنى. الشافعية
مثلاً، وهو ما معنى من نص، صاغوا كلامهم بصياغات معينة، وذلك أنهم لما قلَّدوا الإمام الشافعي، وكان الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه هو عمدة المذهب، فإنهم أطلقوا على. كلامه الذي صدر منه مصطلح القول، فلو قال في المسألة قولان، يعني أن الشافعي نفسه قد أصدر فتويين مختلفتين في تلك المسألة. إلا أن المذهب الشافعي والمذهب المالكي والحنفي لم يقف عند الأئمة، بل
خُدِم بعدهم خدمة عظيمة، وهذه الخدمة هي التي أبقت هذه المذاهب إلى الآن، فقام مجموعة كبيرة. من العلماء لخدمة كل مذهب حتى قيل في المذاهب التي اندثرت لأئمة المجتهدين كان الليث بن سعد أعلم من الشافعي إلا أن أصحابه ضيعوه يعني لم يجد مدرسة، لم يجد أصحاباً يحملون علمه ويستدلون له ويناقشون فيه وينمونه ويوقعونه على الحوادث الطارئة، ومن أجل ذلك لا نسمع الآن أن هناك مذهباً يُسمى بالليثي مثلاً لأن أصحاب الليث
بن سعد قصّروا في حماية وحمل ورواية وتنقيح وخدمة المذهب. وبناءً على ذلك، فإن أصحاب الشافعي عندما تكلموا وكتبوا، فإن ما صدر منهم يُسمى بالوجه. فهناك فرق إذاً بين مصطلح القول ومصطلح الوجه، وقد يكون في مسألة معينة رأيان، قد يكون في المسألة الرأيان. الإمامين من أئمة المذهب الشافعي فيمن بعد الشافعي يُسمى هذا الرأي بالوجه، فأصبح عندنا يمكن أن يكون هناك قولان، ويمكن أن يكون هناك وجهان. عندما
يكون لدي رأيان، وجدوا العلاقة بين الرأيين أحد أمرين: أن يكون الخلاف قوياً بينهما وحجة كل رأي منهما قوية، إلا أن رأياً منهما أرجح من... الآخر وأعلى من الآخر فرأى حجته أقوى لكن الآخر حجته أيضاً فيها شيء من القوة، ووجدوا أنه قد يكون أحد الرأيين قوياً ولكن الرأي الآخر حجته ضعيفة، فأصبح عندنا الآن أربعة
أشياء: رأيان منسوبان للإمام أحدهما قوي والآخر ضعيف، ورأيان منسوبان لمن بعد الإمام بينهما قوة، ورأيان منسوبان لمن بعد الإمام أحدهما قوي والآخر ضعيف، فأطلقوا على كل قسم من هذه الأقسام مصطلحاً معيناً صار بعد ذلك في كتبهم شائعاً. فلو أننا كنا في الأقوال، فيقولون إن قوي الخلاف الأظهر. الأظهر لا يعنون به معنى لغوياً، بل يعنون به أن هناك رأيين للإمام أحدهما
قوي والآخر أقوى منه، فيقولون. على ذلك القول الأقوى والأظهر، أما القوي من القولين فهو مقابل الأظهر، لأنه دائماً ما دام قيل أظهر فلا بد أن هناك ما يقابله. لماذا؟ لأن الأظهر يُطلق على أحد الرأيين. إذاً، فما هو حال الرأي الثاني؟ فأول ما يُقال لي الأظهر، أعلم أن فيها رأيين وأن هذين الرأيين... منسوبين إلى الإمام وأن أحدهما أقوى فالآخر قوي وأن الأقوى نسميه الأظهر وعلى ذلك فالآخر نسميه مقابل الأظهر. لو ضعف الخلاف يقول المشهور، فأول ما تقع كلمة المشهور في كتب الشافعية فمعناها أن هناك
رأيين منسوبين إلى الإمام الشافعي نفسه، أحدهما قوي والآخر ضعيف، فمقابل المشهور يكون ضعيفاً وأُطلِق. على القول الثالث الأصح، فبمجرد أن أسمع أو أرى أو أقرأ كلمة الأصح، فهناك رأيان منسوبان لغير الإمام من الأصحاب من أصحاب الإمام أحدهما أقوى والآخر قوي، فمقابل الأصح قوي أو قد يكون وهو الأخير صحيح. فأول ما أسمع كلمة صحيح فأعلم أن هناك رأيين منسوبين لغير الإمام أحدهما قوي ومقابله. ضعيف فأصبحت هناك أربع ألفاظ، هذه
الألفاظ جرت في كلامهم، فإذا بك تجد العبارة الآتية في كلامهم: "والأصح كذا"، ويأتي لك بالحجة لكذا، يأتي لك بالتعليل وحجته كذا إلى آخره. والثاني، ما معنى الثاني هنا؟ يعني مقابل الأصح يستعمل كلمة "والثاني" دائماً، ويأتي لك بكلام بعدها إذا لم تعلم أن... كلمة "أصح" لها ثانٍ، ستتعجب أين الأول؟ أين الأول؟ لا أفهم، لا أعرف، وهكذا. لكن لو عرفت أن كلمة "والثاني" هنا نوع من أنواع
الاصطلاح في الصياغة، جاءت لأنه قد ذُكرت كلمة الأصح، والأصح يُطلق على أحد رأيين، ولا بد أن يكون هناك رأيان، فيبقى الأصح هنا لا بد أن... له رأي ثانٍ مقابل الرأي الأصح، وهذا قليل جداً. ما يذكر أن الأصح كذا ومقابله كذا تكون واضحة نوعاً ما، لكن دائماً ما يقولون الأصح أو الصحيح أو الأظهر أو المشهور، وبعد أن يعلل ويدلل يقول: والرأي الثاني للإمام النووي في المنهاج. وفي بداية كتابه علّم الناس هذه الطريقة وقال إنه سيقول كذا حين كذا وسيقول كذا. حين كذا وبين مصطلحات
كثيرة منها هذه الأمثلة التي نضربها لكم الآن وغرضنا فقط هو التنبيه على أن قضية المصطلح تجعلك فاهمًا ليس فقط الألفاظ بل أيضًا يمتد ذلك إلى الأشخاص وإلى الكتب، فمثلا إذا ما قال القاضي فقد درجوا
في علم التفسير على أن يطلقوا ذلك اللفظ على البيضاوي، قال القاضي. إذا ما رأيناها في التفسير فإنهم يعنون بها القاضي البيضاوي، لكنهم إذا أطلقوها في علم الكلام فإنهم يعنون بها أبا بكر الباقلاني، لكنهم لو ذكروها في فقه الشافعية فإنهم يقصدون القاضي الحسين. ولو قالوا الإمام في الفقه فإنهم يعنون به الإمام الجويني،
ولا يكتمل علمك إلا بإدراك ذلك لتوثيق المصدر. لتفهم الحجة ليتسق معك الكلام أيضاً، فإنك إذا كنت تريد أن توثق هذا النقل، فيكون من الظلم أن تذهب إلى القاضي البيضاوي والمقصود القاضي حسين، والجويني معروف أن له أصولاً وله فروعاً. فلو أننا ذهبنا إلى الرازي في بحثنا بدلاً عن الجويني، فإننا
نضل الطريق وتتخبط معنا الآراء الفرعية. على الآراء الأصولية ولا يكون ذلك من قبيل العلم الدقيق، فلا بد إذًا من استيعاب المصطلحات حتى في استعمالات الأشخاص أو الكتب. مثلاً فإن كلمة "النهاية" إذا ما أُطلقت عند الشافعية فيعنون بها "نهاية المطلب في معرفة المذهب" للإمام الجويني، ولو قالوا "المحرر" فهو للرافعي، حتى ولو كان هناك في كُتِبَ اسمُها المُحَرِّر أخرى أو النهاية أخرى، ولو قالوا المجموع فهو للإمام النووي، ولو قالوا الشيخان مثلاً في علم الحديث يَعنُون
بها البخاري ومسلم، ولكن في الشافعية يَعنُون بها الرافعي والنووي، وهكذا. أمرٌ آخر يتعلق بالاصطلاح ونراه عند المتأخرين في كثير من كتب المذاهب وكثير من كتب العلم والتراث وهو. ما شاع بينهم مما يُسمى بالنحت الخطي، وكلمة "نحت" أصلاً تُستعمل في اللغة على استجلاب كلمة واحدة من عدة كلمات. فعندما نقول "بسم الله الرحمن الرحيم" نستنبط منها كلمة "بسملة"،
أو نقول "أدام الله عزك" فإنهم يأخذون منها "الدمعزة"، ويقولون: "قد أكثر من الدمعزة"، يعني في كل مرة يقول له: "أدام". الله عز مولانا، أدام الله عزك، أدام الله عزك، وهكذا. دام عزي، أو لا حول ولا قوة إلا بالله (حولقة)، وهكذا. والصحيح أنها حولقة وليست حوقلة، لأن الحوقلة كما يقول السيوطي وقبله الأزهري هي سير الرجل الضعيف، سير الرجل الضعيف يتهكع، يعني يسير بصعوبة. الحوقلة يقولون أن النحت سماعي، يعني لا يجوز.
لنا أن ننشئ نحتاً، لكن جرت عادة الناس على إنشاء بعض النقود، فيقولون على من تخرج من دار العلوم "درعمي" مثلاً. "درعمي" نوع من أنواع النحت. كان من ينتسب إلى بني عبد شمس يُطلقون عليه "عبشمي"، فأخذوا من "دار العلوم" "دار عمي". وحتى العوام في اللغة العامية، يقول المصريون مثلاً... لا شيء عليه، وهذه مأخوذة من "ما عليه شيء" أي "لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لي ولكم"، شيء من هذا القبيل. فكأن
"ما عليهش" قد أتت من "ما عليه شيء". الأعاجم طردوا النحس بدلاً من أن يكون سماعياً. نعم، معنا نحو ثلاثين إلى أربعين كلمة في اللغة فقط فيها نحس. أو حتى قياسي فيكون معنا أيضاً عشرة أو عشرون كلمة، لكنهم صنعوه في الخط من كثرة كتابتهم واستحسن الناس ذلك منهم فانتشر في أوساط الكاتبين، فأصبحوا يكتبون حينئذٍ حاء فقط وعليها شدة من فوق، وأصبحوا يكتبون، والظاهر كذا، المصنف ميم صاد فقط، يختصرون في الكلمات
التي يكثر تكرارها. فلو أنك قد اطلعت على مخطوطة قديمة وإذا كان الأمر كذلك فاقرأها على الفور أنت، وحينئذٍ والظاهر قال المُصنِّف لا المُصَنَّف: قال مشايخنا إنهم كانوا إذا جاؤوا عند هذه النُّحوت النحس يقرؤونها على ما هي عليه حتى لا ينسى الطالب ما معناها ويحدث تداول بين الناس، ولما أن هذا أتى من. ما هو أن هناك بعض النحوت قد ضاعت فخافوا على الباقي أن يضيع، وبعض النحوت لا يعرفون عنها ماهيتها، ومنها الحاء التي تُذكر في سند الحديث إذا
ما أراد المحدّث تحويله، لو أنني قد رويت عن راويين عن فلان عن علان وعن تركان، وكل من علان وتركان رويا عن شخص. عندما يقول أحدهم: "حدثني فلان عن علان"، سأقول هكذا: "ح"، "ح" هكذا فقط لا غير. "ح" كأنني أشير إلى أنني سأبدأ مرة ثانية للسند. وحدثني ترتان عن تركان قال - اللذان هما هذان الاثنان - أنه حدثني فلان عن فلان عن فلان. فحتى أختصر السند أكتب "حاء حاء". هذه يبدو أنها... كانت تُنطق قديماً ومن أجل ذلك قال
بعض المُحدَثين إذا ما جئنا عندها نقول تحويل وبعضهم قال لا ننطقها كما هي لأنهم وكأنهم قد تناسوا ما أصلها ويُفصّل ذلك بالمصطلح في مقدمته في هذا الجانب إلا أن العلماء لما استحسنوا ذلك هذا النحت الخطي صار عندهم كالمصطلح حتى في الأسماء. الناس وفي أسماء الكتب فرمزوا للبخاري بخاء ولمسلم بميم ولابن ماجة بالتاء المربوطة وللبيهقي بقاف، وبعضهم قال لا نرمز بقاف لما اتفق عليه البخاري ومسلم، وللبيهقي "هـق" نجعلها "هـق" وهكذا. والقاف قد يجعلونها لابن ماجة القزويني، وبعضهم قال لا، دعها هي لابن ماجة، وهكذا.
فالمهم أنهم يستعملون هذا النمط الخطي. للدلالة على أسماء الكتب وهذا نحتاج إليه استعمال السيوطي للدلالة على درجة الحديث في الجامع الصغير، فبعد ذكر الحديث يُعلِّم عليه فيقول: (ص) يعني صحيح، (ض) يعني ضعيف، (ح) يعني حسن، وهكذا. ثم استعملوها أيضاً في أسماء الأشخاص وشاع ذلك في كتبهم كابن قاضي سموه في جامع الفصولين عند الحنفية. أجد صفحتين كبيرتين حتى يفك هذه الرموز للأشخاص وللكتب. وفي الشافعية كثير
من المخطوطات والمطبوعات نجد فيها هذا تماماً، فيسمون مثلاً "قال سم" السين والميم. هذه ليست "قال ابن القاسم العبادي". أين ابن القاسم العبادي؟ ليس مذكوراً أمامي، لا، مذكور لأن السين والميم هي رمز لابن القاسم عندهم. قال... قال الحجر ابن حجر: "م ر" تعني الرملي، وهناك فرق بين "ر م" وبين "م ر". "م ر" يعني محمد الرملي، و"ر م" يعني والده الشهاب الرملي، وهكذا. قال: مثل "هو" الذي يعني الزيادي. فعلينا إدراك هذه الرموز، وعلينا
أيضاً أن نقرأها على ما هي عليه حتى نتجنب النسيان، لكن على كل حال. من ناحية الفهم الدقيق، بعض الناس تأتي إليها ولا تفهم ما هذا، كما في كلمة "سم"، وماذا تعني؟ ويبدأ يفكر تفكيرات منحرفة، يريد أن يوجد علاقة بين ما يقرأه وبين السم الذي يقتل الناس، ولا يستطيع أن يفعل ذلك أبداً. في النهاية، هو يُحدِث فجوة بينه وبين ما يقرأ. ويتضايق ويتركه ويعتبر أن هذه أشياء غير مفهومة، ما علاقة الآن البيع والشراء والجهاد والزواج والطلاق وما إلى ذلك بالاسم وبالزي؟ ما هو الزي الذي يُرتدى؟ وما هذا الأمر؟ وهكذا، فكانت هذه أيضاً من الأمور الهامة
التي ينبغي علينا أن نضعها في جانب قضية الاصطناع أيضاً من تكوينات ما نقول. قضية التعريف والاهتمام به، خذوا عندكم قاعدة اكتبوها فإنها مهمة: التعريفات الفقهية أحكام شرعية. هذا في الحقيقة لعب دوراً كبيراً في الفكر الفقهي الإسلامي، أنهم كانوا يهتمون بالتعريف اهتمامهم
بعرض الأحكام الشرعية. ومن هنا اهتموا اهتماماً بالغاً بعلم المنطق وسموه خادم العلوم. كان عندهم فرق بين ما يُطلب. لذاته وما يُطلب لغيره وأن هذا لا يُطلب لنفسه إنما يُطلب لنحقق تحقيقاً تاماً مسألة التعريفات لأن مسألة التعريفات ستمثل عند ذهن المسلم وعند ذهن الفقيه وعند ذهن المجتهد مجموعة من الأحكام الشرعية، وحينئذٍ فإنه وبمجرد التعريف سيقول: هذا حلال وهذا حرام. ولجلال الموقف، هذا حلال وهذا حرام
مسألة ليست سهلة لأنها مسألة تتعلق بالتوقيع عن رب العالمين كما سمى ابن القيم مؤلفه إعلام الموقعين عن رب العالمين، فكون أن الإنسان سيتكلم عن الله سبحانه وتعالى فينبغي أن يُصاب بالوجل والخوف حتى لا يتجرأ ولا يتكلم بما يعلم بطلانه أو بشيء فيه خروج عن مراد الله ومراد رسوله، فلا بد. من التقوى ولا بد من الخوف من الله، ومن أجل ذلك لا بد أن تكون تلك التعريفات التي سنذكرها للناس على غاية على قدر المستطاع والوسع البشري، فإن الناس قد اختلفت فيها وهي من قبيل الظن، ولا بأس من الأخذ والرد فيها، ولا بأس من القبول والرفض، لكن على
كل. حال لا تصدر منا إلا كما نصدر حكماً شرعياً لأنها ستكون في ذهن الفقيه وفي ذهن المقلد وفي ذهن المجتهد مقياساً ومعياراً به القبول والرد وبه الحكم، وسيقول: هذا ليس في التعريف وعلى ذلك فحلال، هذا في التعريف وعلى ذلك فحرام، أو بالعكس. فتعريف الربا وتعريف البيع وتعريف الجهاد وتعريف... الفرض وتعريفه وما إلى ذلك من التعريفات الفقهية والأصولية هي أحكام شرعية، فمن هنا يتبين لنا أهمية التعريفات. ولقد ذكرنا شيئاً من كيفية الدخول إلى التعريف عن طريق الحد أو
عن طريق الرسم. عن طريق الحد بالذاتيات: الجنس والفصل، أو الفصل فقط. الجنس والفصل، الجنس القريب والفصل، سميناها بالحد التام، الجنس. البعيد والفصل أو الفصل فقط هو الحد الناقص أو بالعرضيات وتُسمى رسماً. الجنس القريب والخاصة يُسمى بالرسم التام، أو الجنس البعيد والخاصة أو الخاصة فقط وتُسمى بالرسم الناقص. وشاع إطلاق كلمة الحد عند الفقهاء بخلافها عند المناطقة. عند الفقهاء كلمة الحد تُطلق على كل التعريفات سواء كانت بالذاتيات أو كانت. بالعرضيات فهي تطلق في مقابلة كلمة التعريف عند المناطقة. لعلنا نكون قد ألقينا شيئاً يفيد. اليوم
درج الطابعون
قديماً، وعلى ذلك فالذي في الخارج هو الكتاب مع شرحه، وفي الداخل حاشيتان: حاشية الشيخ القليوبي وحاشية الشيخ عميرة. فلو قرأنا الخارج: كتاب البيع هو كقوله: بعتك هذا بكذا، فيقول: اشتريته به، فيتحقق. البيع يعني لأننا قلنا لا بد أن نراعي الضمائر أين تذهب بالعاقد والمعقود عليه ولهما شروط تأتي والصيغة، يعني بالعاقد والمعقود عليه والصيغة. انظر كيف
فصل بينهما بجملة، لا بد علينا أن نعي هذا الفصل وأن ننظر في الصياغات اللغوية. لو قلنا والصيغة ذهب المعنى وضاع، لا بد علينا أن... نعلم أن كلمة "الصيغة" معطوفة على "العاقد والمعقود به" و"المعقود عليه"، ولهما شروط ستأتي. والصيغة، حاولنا بعد بدايات القرن أن نستعمل علامات الترقيم، وألّف فيها أحمد باشا زكي الذي كان يُلقب بشيخ العروبة علامات الترقيم، لأن علامات الترقيم تفيد هنا الجملة الاعتراضية. اصطلحوا ووافق علماء المسلمين على ذلك أن توضع. بين شرطتين، فلو
أننا طبعنا هذا الكتاب طباعة جديدة لوضعنا شرطة قبل "أولهما" وشرطة بعد "تأتي"، وأصبحت هذه جملة اعتراضية حتى يتبين للناس أن كلمة "والصيغة" إنما هي راجعة إلى العاقد والمعقود عليه والصيغة التي ذكرناها أن أركان البيع ثلاثة إجمالاً، ستة تفصيلاً، التي بها يُعقد وبدأ بها يعني بالصيغة. كغيره من العلماء لأنها أهم للخلاف فيها، وعبّر عنها بالشرط خلافاً لتعبيره في شرح المهذب كالغزالي عن الثلاثة. بقية الكلام هناك موجود في صفحة ليست معكم، بالأركان في
شرح المهذب وهو المجموعة للنووي، عبّر فيه هناك عن هذه الثلاثة بأنها أركان، لكن عبّر هنا بأنها شروط، وقلنا قبل ذلك أن الأركان والشروط متحدان في كونهما جزءا من الشيء، ولكن الأركان داخله والشروط خارجه. ويبدأ يشرح كلمةً كلمةً، هو كقوله: "انظر في الداخل"، وهو لا يشرح كل الكلمات بل يشرح بعضها فقط. فما في الداخل في مقام ما نفعله الآن من وضعك واحداً ونضع في الهامش تحت اثنين ونحيل في... الهامش تحت
هذا يعني كأننا نقول إن البيع بالمعنى الشرعي المركب مثل قوله بعتك هذا بكذا يمثل أي البيع بالمعنى الشرعي المركب كما مر وعرفه بالمثال لأنه يقول ماذا؟ "ك" "ك"، فالكاف هنا مثال. أنا أطلب منك أن تعرف لي البيع فتقول لي هو "ك"، فالتعريف هنا لم يتم. بالحدّ ولم يتم بالرسم إنما تم بالمثال فقال وعرّفه بالمثال دون
الحدّ. أهو كلمة الحد هي الحد المنطقي الذي هو تعريف وليست كلمة الحد بمعنى حد من حدود الله مثلاً، وإلا لا نفهم العبارة إطلاقاً. دون الحد لأنه أظهر، لأن المثال أظهر من الحد. لو عرّفناها بالحد سنقول إذن... أنه عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين، ثم يعترض عليها المعترضون. والإشارة كالقول، هذا معنى جديد. لو أننا استعملنا علامات الترقيم لوضعنا فصلاً هنا حتى نبين للناس أن المعنى قد انتهى وأن هذه جملة جديدة. والإشارة كالقول، هذه جملة جديدة. إن الإشارة
كالقول، ما معنى هذا؟ هل يبيع الأخرس ويشتري؟ أو لا يبيع ولا يشتري قال يبيع ويشتري يريد أن يأكل يريد أن يشرب يريد أن يلبس وهو لا يستطيع أن يتكلم ولكن الأخرس عنده الإشارة تقوم مقام الكلام ولذلك ستأخذون أحكام الكلام فإذا كان عقد البيع مترتباً على الكلام فإنه أيضاً يمكن أن يتم بالإشارة من الأخرس فيقول والإشارة كالقول وغير لفظ البيع مثله وغيره
انتبه جيداً، قلنا لا بد أن نقرأ قراءة صحيحة ولابد على المحققين إذا ما أرادوا التيسير أن يشكلوا الموهم لأن هذه يمكن أن نقرأها وغير، لو قرأناها وغير لفظ البيع لم نفهم شيئاً، انسد علينا الفهم. هو يقول وغير لفظ البيع مثله لو قلت. لك خذ لو قلت لك هذه لك بعشرة، لو قلت له أعطِ كلمة "خذ"، كلمة "هذه لك"، كلمة "بعتك"، فهي مثل بعضها، أي تتساوى مع بعضها. هو يريد أن يقول هكذا،
وصيغة لفظ البيع مثله مثل لفظ البيع، غير لفظ البيع مثل الأمثلة التي ضربتها هذه كالبيع كما سيأتي لاحقاً. هكذا ولكن انظر هنا إذا ما نطقنا نطقًا خاطئًا أو خطأً فإنه ينسد علينا باب الفهم. وغير لفظ البيع مثله، غير لفظ البيع مثله كما سيأتي. لا يوجد، ليست راضية، فيه، انتهى، انسد، البس، قوله في المتن خارجًا، بعتك إياها، خارجًا، إياها، بعتك. الكلمة الثانية فيها الإسناد إلى جملة المخاطب. إلى جملة المخاطب فلا يكفي الإسناد إلى جزئه كرأسه ليتعمق
جيداً في التصور ويقول له عندما تأتي لتخاطب الشخص في البيع والشراء وكل هذا تم لماذا؟ لأن هذا كلام أُخذ ونزل إلى الأسواق ووجدت كل هذه الحالات موجودة وحدثت منها مشاكل أمام القضاء فوجدت في الكتب، قد يكون العصر تغير وكثيراً. من هذه المشكلات لا وجود لها، لكن المنهج هو تتبع الواقع وجعل الدين حياً فيه. هذا هو المنهج، فعلينا الآن أن ندرك الواقع وأن نجعل الدين حياً فيه أيضاً، حتى لو لم تكن نوعية المشاكل واحدة. نزلوا إلى الأسواق فوجدوا أنه يقول له بدلاً من
أن يقول له: "بعتك"، "بعتك كذا وكذا". الذي هو من أنت، الذي هو من أنت كلك من رأسك من أساسك لرأسك، الأساس الذي هو الرجلين أي الأساس يعني، والرأس معروف، كلك على بعضك هكذا، باعوك، هذا خطبك أنت، لكن وجدوا من يقول باع العينين، باع العينين، هذا الشيء، هذه الكلمة يريد بها المجاملة مثلاً أو يريد بها الشيء من... هذا القبيل قال له: "حسناً، وأنا اشتريت لأجل عينيك أيضاً"، أو أقول له: "أنا اشتريت رأسك أنت فقط، لأن هذا الرأس يساوي كثيراً"،
ويقول له: "وأنا اشتريت لأجل رأسك"، وبعد ذلك يقول له: "هات الآن السلعة"، فيقول له: "لا، أنا لست قائلاً ذلك"، وهيا بنا إلى القاضي. ويذهبان إلى القاضي، فيقول له: "أنا لم أبعه له". أقول له بعتك، أنا قلت له بعت لرأسك، بعت لعينيك، ويا رأسه، هذه العين مستقلة أم غير مستقلة؟ إذاً البيع باطل. الفقهاء عندما رأوا الناس يفعلون هذا، ليس هذا الكلام أتوا به من أدمغتهم هكذا، لا، عندما رأوا الناس يفعلون هذا. قد لا نفعل هذا الآن عندما ننزل لعمرة أفندي ولا عندما... تنزل إلى الواقع الموجود هكذا، نشتري شيئاً لا أحد من البائعين يقول لك من أجل عينيك أو رأسك، ولا يتحدث إليك طويلاً. إذا كان لا بد من أن نعيش وأن نحيي الدين في الناس، وأن ينعكس هذا في ذلك، فلن نستطيع أن ندرك ذلك المنهج
إلا بعد أن نقرأ التراث، فيقول له: فيه الإسناد عرفنا أن... الإسناد هو النسبة، وتكلمنا عن الجملة المفيدة فيها الإسناد إلى جملة المخاطب. كل المخاطب يقال له "بعتك"، ولم يقولوا "بعت رأسك" ولا "بعت عينيك". فلا يكفي الإسناد إلى جزئه، إلى جزء من المخاطب الذي هو الرأس أو الرجلان أو العينان أو اليد. كرأسه، كعينه، يعني يمكن أي مثال آخر مثل هذا. أريد به الجملة حتى لو كنت أقول أريد بالرأس الجملة، جملة الإنسان. أنا أريده بهذا الجزء لأنه أهم جزء فيك. لنفترض أن رأسك قُطعت، فماذا يبقى منك؟ لا شيء، خاصة من الرأس. يعني
لو العين مثلاً فُقِئت أو اليد قُطعت، حسناً هو موجود، لكن الرأس لو قُطعت يبقى المتبقي... ما هي رحمة الله المتبقية إلا أن نقول عليك رحمة الله، لكن لا يجوز إطلاق الجزء وإرادة الكل في هذا الموقف. قد يجوز ذلك في الأدب أو الشعر أو شيء آخر، لكنه في هذا الموقف لا يجوز أبداً، لأنه عقد، ولا نريد النزاع بين الناس ولا الذهاب إلى القاضي حتى يقول لي: هل هذا مقبول؟ ولا لا يصح أن أوقع القاضي في حيرة، فلا يكفي الإسناد إلى جزئه كرأسه، وإن أردت الجملة، وإن أردت الجملة، ومال شيخون الرملي إلى الصحة في النفس والعين عندما يقول له: "بعته
لنفسك قم تمشي، لعينك قم تمشي"، لماذا؟ لأن كلمة نفس وعين من المؤكدات على الذات في اللغة. جاء الرجل. جاءَ الرجلُ نفسُه عينُه، فكلمة "نفس" و"عين" بالذات قال لك احذفها؛ لأنَّ العين هنا لن يكون المقصود بها العين المُبصرة، بل سيكون المقصود بها ذات الشخص أو كيانه. هذا الرملي هو الذي قال هكذا مع إرادة الجملة، وشيخنا كما جاءت هي، وشيخنا الزيادي - شيخنا الزيادي واحد - يقول لك وشيخنا... مثل الصحة، حسناً مثل الصحة، يعني ماذا؟ لا شيء، حسناً، وشيخنا مثل الصحة، مثل الصحة، وهكذا
أشياء عجيبة. انسد الفهم خلاص، غلطة مضيعة. هذا هذا أقرب شيء، يقول لك: لا هذا هنا نقص، أهي ويحرك لك يده هكذا، فف، وهذا يجعلنا لا نتجرأ، كلمة غلطة مضيعة، جهل. أبسط شيء غير الواقع، دع جانباً أي شيء آخر غير الواقع، فذلك يعد جهلاً. وهنا يقول شيخنا الزيادي مشيراً إلى الصحة، أي مال شيخنا الرملي إلى الصحة في النفس والعين مع إرادة الجملة، ومال شيخنا الزيادي إلى الصحة ولو في نحو اليد مع الإرادة المذكورة مع إرادة الجملة. كان الشيخ الزيادي... قال: يعني هذه بسيطة، بعتَ عينك، بعتَ يدك، بعتَ كذا، فلا تجعلها
هكذا. فراجعه، فراجعه هنا مصطلح كان الشيخ لا يُعجَب بالكلام. فراجعه مصطلح يشير إلى أنه لا يُعجَب بهذا الكلام الزائد. حسناً، ومن أين أتينا بهذه؟ من مصطلح يجب أن تدرسه قبل أن تدخل هنا، أي المدخل الخاص به فقه. لا بُدَّ أن تقرأ فيه أن "فَرَاجِعَه" هذه معناها هكذا، لأنه لو لم يكن معناها هكذا، فماذا ستعني كلمة "فَرَاجِعَه"؟ انظر ما هي هذه المسألة. إن "فَرَاجِعَه" هنا مصطلح تداوله الفقهاء الشافعية، ومعناه أنه ليس مسروراً تماماً من هذا الكلام. هل انتبهت؟ ولا يكفي قصد خطاب غير العاقد ولا الإشارة لغيره.
لا يكفي في إيقاع العِلة أن أقصد خطاب شخص غير العاقل ولا الإشارة لغيره أيضاً. وهذا يفعله بعض الظرفاء في الأسواق، إذ يجلس ويوجه الكلام لشخص ما وهو يقصد شخصاً آخر جالساً بجانبه. وإذا كان أحدهم لا يرد، يقول له: "يا أخي، أنا لست أكلمك"، فيرد عليه: "لا، أنت لا تكلمني"، لأن توجيه الخطاب توجيه. الخطاب لم يكن له أنت موقف محدد في هذا الاتجاه، وأنا واقف هنا، فإلى من يتوجه إذن؟ انظر، هو يريد أن يُحدث حادثة يمكن أن يشهد الشهود
عليها، حفظاً لأموال الناس ورفعاً للتنازع والخصام بين خلق الله. فكل الأحكام مترتبة من ذهن فقيه يرى هذا لزومه. ما الذي يعيب الآن ونحن... نُنشئ عقوداً ولا يكفي قصدٌ خطابي لغير العاقد. لو فعلت هكذا وتوجهت بالخطاب إلى غير العاقد فإن ذلك لا يكفي، ولا الإشارة لغيره. أقول له: "ها، لن تأخذها، لن تأخذ هذه السلعة"، وبعد ذلك أقول: "أنا لا أقصدك أنت، أنا أقصده هو". هذا تلاعب، ولا أقصد غيره بالاسم الظاهر أقصد. غير العاقد ولكن باسم أحمد بالاسم
الظاهر، ولا الإسناد لغير المخاطب كقولك: "بعتُ موكلك" ولا "باعك الله"، هذا غير صحيح. "باعك الله" ذلك يعني "بعتني" أم لا؟ "باعك الله". وبعد ذلك عندما تمضي يقول لك: "لماذا مضيت؟ ألم أقل لك باعك الله؟" أي أنني موافق. تقول لي: "لا، ليس هذا وقت المزاح الآن". وقت إنشاء العقد، ولابد أن يكتنف حادثة إنشاء العقد نوع من أنواع التحديد ينفي كل منازعة وكل جهالة، لأنه عقد لا يستقل به المالك، بخلاف نحو العتق، فيمكن أن أقول لشخص: "اعتق عني"، فيعتق وهو سائر هكذا. نعم، هو كناية هنا، ويكفي عن الخطاب اسم
الإشارة كـ"هذا" إلى آخر ما هنالك. نعالج إن شاء الله المرة القادمة حتى نتيح فرصة لمن يريد أن يسأل أي سؤال إذا كان هناك شيء ما يتعلق بأثر التراث الإسلامي في نواحي الحياة كالنواحي الاجتماعية والسياسية. نضرب المثال بالإمام داود الظاهري حيث يحكمون بظواهر النصوص، وأحد أسبابه أنهم يرون الأئمة الذين يعيشون معهم حينئذ يؤولون
كما يشاؤون، يؤولون كما. خطأ ووهم يظنون أن هذا الأمر تقصير للنصوص، هذا أولاً. ثم ثانياً: عقيدة السلفية كما رأينا لها سلسلة، أولها من الإمام أحمد بن حنبل، والثاني الإمام ابن تيمية، ويليه محمد بن عبد الوهاب. لكن رأينا كثيراً في إمامهم الثاني الإمام ابن تيمية قصوراً كثيراً ليس كسابقه، وهذا شكراً. ماذا؟ ما هذا؟ سؤال أخير، ما السؤال الأخير حول هؤلاء الأئمة؟ آه، شيخ الإسلام ابن تيمية، هل تغير كثيراً عن الإمام السابق له كالإمام أحمد بن حنبل؟ ولا بد
إذا أردنا أن نتفاعل مع الواقع الآن، لا بد علينا أن يكون جزء من هذا التفاعل هو التراث، لأن التراث واقعنا. الآن هذا التراث هو واقعنا. ليس هناك في الواقع، في الحياة التي نعيشها، فصل بين التراث ونتاج المسلمين وبين الواقع الذي نعيشه. إن هذا التراث هو المعين الذي نأخذ منه، إنه يمثل مشاعرنا وأفكارنا ووجداننا، وهو جزء منا ومن شخصيتنا كمسلمين، فهو واقعنا، هو نفسه جزء من
واقعنا. هذا أولاً، ثانياً نحن لا نقف عند مسائل التراث ولكننا ينبغي علينا أن نفهم جيداً مناهج التراث، ثم بعد ذلك نقلد هذه المناهج ونفعلها في حياتنا فتكون حياتنا المعاصرة امتداداً لحياتنا السابقة. لا نخرج من أنفسنا ومن هويتنا ومن جلدنا منطلقين إلى عالم مجهول ليس هو عالمنا وإلى عالم لا. نعرف أين نذهب فيه ولا بماذا نذهب فيه ولا كيف نتعامل معه أو إلى عالم تختلف رؤاه الكلية عن الإنسان والكون والحياة عن رؤانا وعن عقيدتنا. هذا ضياع، فلا بد علينا أن
ندرك أننا نتعامل مع التراث من باب أنه واقع علينا الآن، واقع نحن فيه، هو واقعنا الآن. واقعنا هو التراث، فهو جزء من واقعنا، كما أن الحياة جزء من واقعنا، فإن التراث جزء من واقعنا. ثانياً، إننا لا نقف عند مسائل التراث، بل ينبغي علينا أن نستوعب تلك المسائل، وأن نستوعب قبلها مناهج التراث، وأن نزيد عليها، وأن نسعى في تطويرها وفي إكمالها، وفي إكمال المسيرة التي... بدأها السلف الصالح ابن تيمية وأحمد بن حنبل ومحمد بن عبد الوهاب، ليست هذه سلسلة
هكذا. أحمد بن حنبل أحد الأئمة المشهورين المعروفين المقبولين من الأمة وأحد المذاهب المتبعة، وابن تيمية كان من كبار العلماء وكان يجاهد في سبيل الله، إلا أنه اختلف معه كثير من العلماء، لم يختلف أحد. في توثيق الإمام أحمد لكن جمهور العلماء على أن ابن تيمية قد أخطأ كثيراً كما أنه أصاب كثيراً، وهذا لا تجده في الشيخ محمد بن عبد الوهاب فإن أغلب الأمة على أنه على خطأ في كثير مما ذهب إليه. تمكن الإمام أحمد من الحديث لا يمكن أن يقارن
بتمكن الإمام. ابن تيمية من الحديث فأحمد كان أعلم وكان أورع وكان أتقى، وابن تيمية كان له اشتغال بالحديث، وهذا الاشتغال قد يصل إلى مرحلة التمام لكنه لم يصل إلى مرتبة الإمام أحمد. إلا أن محمد بن عبد الوهاب نجد في كتبه كثيراً من الأحاديث الموضوعة، فقد ذكر في التفسير حديث الغرانيق وأقره. وكأنه حقيقة وهذا لا يخفى على طالب في المكتب صغير، طفل صغير، وإن هذا يؤكد أن هذا التدرج الذي حدث إنما هي مواهب ربانية ومنح صمدانية وأمور يفتح الله سبحانه وتعالى بها على من يشاء من عباده، كما أن تكاثر العلوم قد
يصل في بعض الأحيان إلى أنه يعطل. بعضها عن بعض، فالإمام أحمد بن حنبل في عصرٍ لم يكن مطالباً بأن يقرأ في علم الكلام والمنطق وما إلى ذلك، ولكن ابن تيمية قرأ كل هذا فضاع جزءٌ من عمره، ومحمد بن عبد الوهاب قرأ بعده بأحد عشر قرناً فضاع ثلاثة أرباع عمره، وهكذا فهذا أمرٌ يُعصم. الله سبحانه وتعالى يهدي به من يشاء، لكن أرجو أن أكون قد أجبت عن سؤالك لأنني لم أفهمك بالضبط ماذا تريد، لكن حاولت أن أفهم ماذا تريد ولعلي قد أجبت. هل يريد أحد شيئاً بعد
ذلك؟ بعد الشكر الواجب لفضيلة الأستاذ الدكتور، نتوجه بهذا السؤال: إلى أي مدى يمكن تصديق المقولة التي تقول... أن هناك يداً امتدت إلى التراث وعبثت به فأدخلت فيه ما شوهه، وهذه مقولة نسمعها كثيراً من بعض رجالات العلم، ويقولون ذلك خلال العصور الأولى لطباعة التراث، وخاصة أن معظم كتب التراث طُبِع أغلبها في أوروبا. أبداً لم يحدث هذا، هذا لم يحدث أن معظم كتب التراث طُبِع في أوروبا وما حدث قديماً وحديثاً في التلاعب بالكتب كان شيئاً محدوداً جداً. نص الشعراني على أنه قد تُلوعِب بكتبه وهو حي. هناك تلاعب واضح في كتب محيي الدين بن العربي حتى صارت كثير منها من الكفريات، ولكن الذي
رأيناه في كتب كثير من هؤلاء الأئمة في الأصول أنها قد تلعب بها فعلاً ولكن هذا واحد اثنين ثلاثة في كتاب أو كتابين أو ثلاثة، لكن كل الناس في كل التراث في كل مكان في كل زمن، لا الهند ولا أوروبا ولا الكفار ولا المسلمين، يستطيعون تحريف التراث بهذه الكيفية. هذا أمر خرج عن يد البشر، خلاص انتهى الأمر، فليس هناك ومن قال... أنَّ أغلب كتب التراث طُبعت في أوروبا أبداً، الحاصل أنَّ بعض كتب التراث طُبع في أوروبا، وقد طُبع مثله هنا. والحاصل أيضاً أنَّ طباعة الكتب مرة ثانية في بلاد المسلمين أوجد أنَّ كثيراً من الأخطاء - وأغلبها غير مقصود في الحقيقة من المستشرقين - كان من جهلهم
باللغة، ولكن كون أنَّ... شخص حذف ووضع وغيّر وبدّل، هذا نادر جداً، يُكتشف شيئاً بعد شيء. الشيخ زاد الكوثري أو حسام الدين القدسي عندما نشر وقارن فقط لا غير، لكن ما دامت الكتب موجودة والأصول موجودة والعلم محفوظ إن شاء الله إلى يوم القيامة، فليس هناك تشكك في هذه الحالة، وهذا تعميم ساذج لحالة. الخط ساذج جداً لأنه مَن الذي يستطيع أن يغير كل هذا في كل هذا، هذا شيء متسع غير قابل للتلاعب. نعم، بسم الله الرحمن الرحيم. بالنسبة للمصطلحات، هل هي وُجدت في كتب التراث الضخمة بحيث تكون عاملاً مساعداً في مثلاً - بالتحديد - اختصار الأسماء وما شابه، أم كانت موجودة على... أي حال حتى في الكتب الصغيرة
وكذلك، يعني هل يمكن الآن استخدامها ولو مجازًا، يعني إذا أخذنا من التراث حتى نوفر على أنفسنا مثلاً الأسماء المتعددة، فنأخذ منها في الواقع المعاصر، أم أنها غير ممكنة باعتبار هذا الأمر مذكرات وما شابه، وهل لا بد من الرجوع إليها غالبًا في أغلب الأحوال؟ هذه المصطلحات بُذِل فيها جهد كبير بحق، ولابد من الرجوع إليها في الكتب التي تعالجها، فإن هناك كتباً كثيرة. الشيخ السقاف له كتاب اسمه "الفوائد المكية" ذكر فيه كثيراً من المذهب الشافعي. كذلك يوجد في المذهب الحنبلي كتاب "المدخل" لابن بدران عبد القادر، ذكر فيه الشيء الكثير. من هذه المصطلحات وطريقة الكتابة والكتب والمؤلفين وبماذا تبدأ وإلى آخره، إلا أن التراث أوسع من هذا كله ويحتاج منا إلى
مجهودات ضخمة لعمل تلك المداخل التي تسهل على الناس هذه الشفرة التي نتحدث عنها. ولعل هذه الدورة نبدأ فيها إن شاء الله بالتأثير والتأثر بين هذين العالمين، وهو المنطق كما... قلت لك أنه قد سُمِّيَ بخادم العلوم وليس علم الفقه فقط، بل هو قد استُعمل شأنه في ذلك شأن الإملاء وشأن الخط،
استُعمل لصياغة كل العلوم. ففي المنطق نجد أن الجملة المفيدة قد تكون جملة حملية أو جملة شرطية، والشرطية قد تكون متصلة وقد تكون منفصلة، وهناك قياسات وهو ترتيب. أمور معلومة للتوصل بها إلى مجهول وهو حقيقة الفكر، قول مركب من قضايا متى سُلِّمَت سُلِّمَ من أجلها قول آخر لذاته. فهذا القياس الحملي أو القياس الشرطي، أمور قد استعملت في الفقه من الفقهاء دائماً وبسرعة، فيتكلمون عن القياس الشرطي وعن الملازمة، عن المقدم، عن
التالي، عن الاستثنائية، عن... النتيجة كيف تنعكس إذا كان هذا نقيض التالي أو نقيض المقدم إلى آخره يتحدثون عنها وكأنك قد استوعبت كل ذلك. نعم، ينبغي عليك أن تكون قد استوعبته قبل الدخول والخوض في هذا العلم. وفي كل علم قبل ذلك مجموعة من المصطلحات، وهي مجموعة بسيطة، ومن أجل ذلك كتبوا متوناً في... المنطق صغير كمتن السلم أو متن كذا. هذه المتون تجعل هناك هيكلاً للمعرفة بسيطاً وهو الذي قصدناه قبل ذلك في محاضرة سابقة عن الصياغات اللغوية والمنطقية، وهو أن هذه الألفاظ لا بد علينا من أن ندركها حتى ندرك عندما يقول: "ودليل ذلك" ويصوغها في صيغة شرطية ثم يقول: "أما دليل". الملازمة فالذي لا يعلم هذا الهيكل لا يدري أين هذه الملازمة ولا أين كانت، فكذا وكذا وكذا،
ودليل الاستثنائية كذا وكذا وكذا. إذاً فقد سلمت المقدمات فتسلم النتيجة. هذه العلاقة ما بين المنطق وبين كل العلوم ومنها الفقه هي علاقة الخدمة، علاقة الاستعمال، ومن أجل ذلك كان المنطق بمصطلحاته التراثية. وليس المنطق الرمزي أو الرياضي أو غير ذلك من الأمور الحديثة هذه أو المنطق الوضعي، بل منطق الصوري هذا بمصطلحاته التراثية مدخلاً لكل العلوم وليس لعلم الفقه فقط.