دورة التراث الإسلامي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي جـ6 | بتاريخ 28-2-1995 | أ.د. علي جمعة

دورة التراث الإسلامي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي جـ6 | بتاريخ 28-2-1995 | أ.د. علي جمعة - التراث, ندوات ومحاضرات
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اليوم هو اللقاء الأخير إن شاء الله تعالى والذي نلقي فيه بعض الضوء على العنصر الخامس مما أسميناه بالشفرة التي يمكن بمعرفتها والعلم بها أن نطّلع على نصوص التراث الإسلامي. قلنا إن العنصر الأول هو التطورات الفعلية العنصر الثاني، النظريات الحاكمة العنصر الثالث، المصطلحات والتعريفات العنصر الرابع، الصياغات اللغوية والمنطقية والعنصر الخامس هو العلوم
الخادمة. لا بد عند خوضك في علم من العلوم وإرادتك أن تطلع على فن من الفنون التي كُتبت في التراث أن تحيط علماً بهذه الخمسة وأن تستوعب ما يتعلق بالعلم. الذي تخوض فيه، ومن هنا كانت طريقة التدريس في الأزهر الشريف لا تجعل الطالب يقتصر على علم دون علم لأنه محتاج إلى كل ذلك حتى يكون على اطلاع كافٍ بما تحتاجه. إذا ما أردت أن تطلع على علم الفقه فلا بد لك من أن تطلع على
أصول الفقه مثلاً. إذا ما أردت أن تطلع مثلاً على علم أصول الفقه فلا بد لك من أن تطلع على علم الكلام، ولا بد لك من أن تطلع على علم المنطق، ولا بد لك من أن تطلع على علم الفقه، ولا بد لك من أن تطلع على كثيرٍ من مباحث علوم اللغة إذا أردت أن تفهم. فهماً دقيقاً لعلمٍ معينٍ من العلوم فإنه لا بد لك أن تطلع على علومٍ خادمةٍ لهذا العلم. هذه العلوم الخادمة قد تكون من قبيل علوم الوسائل وقد تكون من قبيل العلوم التي استمد منها ذلك العلم مسائله وإسناد ما بين
المبتدأ والخبر فيه. إن اطلاعك على العلوم الخادمة لا يعني أنك ستتخصص فيها فإن مستويات الاطلاع متدرجة ومختلفة، إذا اطلعت على علم معين من العلوم تستطيع به أن تفهم غيره، أمر مختلف عن تخصصك في هذا العلم. كان مشايخنا في الأزهر يحكون عن الأقدمين عن مشايخ مشايخنا، كان أحد مشايخ مشايخنا اسمه الشيخ
العزاوي، كان الشيخ العزاوي فقيهاً شافعياً وكان يدرس الفقه الشافعي لطلاب الأزهر ويأتي في يوم من الأيام وجبته منتفخة واضعاً كتاباً داخلها، فيقولون له: "ما هذا الكتاب يا سيدنا الشيخ؟" فيقول: "هذا كتاب في المنطق، بعد أن أنتهي من تدريسكم في الفقه الشافعي سأقرأ على أبي حسنين"، وأبو حسنين هو الشيخ مخلوف أبو... مفتي الديار المصرية وكان من علماء المنطق، فكان الشيخ العزاوي يدرس الفقه لكنه
ليس متخصصاً في المنطق. رجل عنده ستون سنة يدرس الفقه وكان أستاذاً في الفقه ويعلم من المنطق ما يستطيع به أن يفهم كتب الفقه، لكنه بعد أن ينتهي من الدرس معلماً يذهب إلى درس آخر تلميذاً في فن آخر على شيخ آخر وهكذا مع المحبرة إلى المقبرة، يعني العلم طلبه من المهد إلى اللحد لا ينتهي ولا يعرف الملل والكلل. وهو يريد أن يكون شيئًا في علم المنطق، ولذلك لا بد له من أن يكمل العناصر المختلفة لعملية التعليم: الطالب، الأستاذ،
الكتاب، المنهج، والجو العلمي للقضية بقضية. التلقي بمراحلها المختلفة من التلقي ثم الفهم ثم الحفظ ثم الأداء، إذًا هناك فرق بين أن تعلم شيئًا تستطيع به أن تفهم وبين أن تكون متخصصًا في هذا العلم أو في ذلك الفن، فالأمر على مستويات مختلفة. إذًا، وأنت تدرس علمًا معينًا وأردت أن تطلع على العلوم الخادمة لذلك العلم. فإن اطلاعك عليها لا يعني استغراقك فيها، بل إنك ستطلع منها على ما تستطيع به أن تدرك صياغة ما قد صيغ به في علمك. لا
يمكن أن أتصور لشخص يريد أن يدرس علم الأصول دون أن يدرس مثل هذه العلوم الأخرى، فإنه لا يفهم شيئاً أو على الأقل هو لا... يستطيع أن يفهم بعمق. لا يمكن وهو لا يعلم شيئًا عن علم الكلام أن يدرك كثيرًا جدًا من مسائل علم الأصول. لا يمكن وهو لم يطلع على الفقه إطلاقًا ولا يعرف مسائله ومدارس الفقهاء في صوغ تلك المسائل والأحكام الشرعية أن يدرك كثيرًا جدًا من مسائل علم الأصول. لا يمكن. إذا لم يطَّلع على مسائل علم النحو اطلاعاً
واسعاً، خاصةً فيما يتعلق بالحروف - حروف المعاني - فإنه لا يستطيع أبداً أن يخوض في علم الأصول خوض الواثق من نفسه، الفاهم لنصوص علمه. فالعلوم الخادمة أساسية، وهي تختلف من علم إلى علم، كل علم هناك ما يخدمه من علوم لا بد من... الاطلاع عليه ولكن بالجملة هناك علوم خادمة لكل العلوم ولذلك هي كالأساس. أول هذه العلوم الخادمة هو علم المنطق وكان يسمونه في الكتب قديماً خديم العلوم يعني تصدير
خادم. العلم الثاني هو علم النحو وعلم النحو كانوا يسمونه أيضاً اسماً قبيحاً يسمونه حمار العلوم ويعنون بكون النحو حماراً للعلوم أنه وسيلة لأن الحمار وسيلة للانتقال من مكان لمكان، ويتكلمون عن النحو بالرغم من أهميته بكلام يجعله، وفقاً لطبيعته، بعيداً كثيراً عن القضايا العقلية، لأن النحو مبني على النقل وليس على
العقل. فيقولون مثلاً: "حجة النحوي تُشم ولا تُفرك كالوردة"، يعني منظرها جميل لكنها ليس فيها متانة، ولذلك إذا سألنا النحوي. عن لماذا لماذا لا يجيب بقوة ما يجيب به الفقيه لماذا رفع الفاعل. الحقيقة أنه لا يوجد سبب، ولو توافق أهل اللغة على نصبه أو جره لكان كذلك. لكن هذا السؤال، ولأن النحوي يريد أن يجيب عنه بطريقة أو بأخرى، فإنه يتكلف له فيأتي لنا بأمور
جميلة لطيفة، ولكن هذا الجمال... هذا اللطف ليس له عمق في الواقع، فمثلاً يقول إننا قد رفعنا الفاعل لأن في الضمة قوة، والفاعل هو الأساس، فالفعل لا يكون في الكون إلا بفاعل، والضمة فيها قوة. لماذا يقول أن حركة الشفة التي ينطق بها الإنسان الضم هذه الحركة فيها فعل وهذا الفعل. هناك انضمام، والانضمام يحدث به القوة.
كلام لطيف، لكن في الحقيقة أنه كلام ليس فيه مسح للعقلية، بل فيه محاولة للتبرير. ومن أجل ذلك قالوا: "حجة النحو تُشَمُّ ولا تُفرَك"، وأن النحو بذلك يكون ضابطاً للنقل فقط، ومن أجل ذلك كان وسيلة، ومن أجل ذلك أطلقوا عليه حمار العلوم. ومن أجل ذلك أيضاً كان المنطق وسيلة كالنحو، ولذلك حتى صاحب السلم في المنطق يقول: "ونسبة المنطق للجنان كنسبة النحو إلى اللسان"، ولما عرفوا المنطق عرفوه بطريقة تشبه تعريف النحو، بل إنهم قد سموه بالمنطق والمنطق فيه نوع نطق، فقالوا:
المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في التفكير. هكذا تعريف المنطق: كما يعصم مراعاة النحو اللسان عن الخطأ، فإن المنطق يعصم التفكير وطريقته عن الخطأ، في حين أن النحو يعصم اللسان ونطقه وكلامه عن الخطأ أيضاً في التلفظ بالألفاظ. هذا يدلنا على أن المنطق والنحو بينهما تشابه، وأنهما من العلوم الخادمة، ومن أجل ذلك كان المنطق.
والنحو ونحوه من علوم الوسائل التي تُدرس لكل الناس لأنه لا بد للجميع من أن يدركوا حداً أدنى من المعلومات ليتمكنوا من النطق نطقاً سليماً والتفكير تفكيراً سليماً. ومن أجل ذلك كان النحو والمنطق مثلاً يُدرسان في كلية الحقوق حتى الأربعينات من هذا القرن. كان باشا زغلول يدرس المنطق والنحو، ويدرس في كلية الحقوق مثلاً الخطابة والإنشاء وكيفية إنشاء عبارة سليمة. كل
هذه الأمور كان لا بد علينا جميعاً أن ندركها وأن نتعلمها في التعليم الأساسي الذي نستطيع به أن نفهم كلام الناس. ومع تكاثر المعلومات وثورتها وحدوث الاتصالات والمواصلات، تغيرت طبائع الناس وتغيرت. تغيرت طبائع الخلق وتغيرت طبائع المعلومات حتى صار الآن ما تبثه وكالات الأنباء يومياً مائة وعشرين مليون معلومة لا يستطيع الإنسان أن يحيط بها، فحدث زخم أو تكاثر للمعلومات والعلوم، فطرد بعضها بعضاً، ومما طُرد الاهتمام بقضية المنطق وقضية النحو وقضية الإنشاء وقضية الإملاء وقضية الخط، كل هذه الأمور من الأساسيات. التي
لا بُدَّ لكل أحد أن يدركها وأن يعلمها، إذا نستطيع أن نلخص تلك الفقرة بأن العلوم الخادمة قد تكون من العلوم من علوم الوسائل التي ينبغي لكل أحد أن يعلمها حتى يتعامل مع كل نص وحتى ينشئ شيئًا سليمًا خاليًا من الأخطاء المبدئية، وأيضًا علوم الاستمداد وهي أن كل علم يستمد من علوم أخرى، فمجموعة علوم الوسائل ومجموعة علوم الاستمداد، سواء كانت من الوسائل أو من المقاصد، مجموعة علوم الوسائل والاستمداد نسميها بالعلوم الخادمة التي ينبغي علينا أن ندركها. فمن هنا
سندرك بعمق أكبر ما بين أيدينا، فمثلاً مسألة نحوية ومسألة منطقية ومسألة أصولية فقط نضرب بها المثل. حتى يتبين لنا أهمية العلوم القادمة ومتى ومدى جعلها لمعلوماتنا أعمق كلمة، أو صحيحة كلمة، أو صحيح أفعل التفضيل "أصح". أفعل هي المادة الخاصة بها، "صحا"، "سأصح"، يعني "صحح"، يعني فيها صاد وحاء وحاء. "أصح" يكون
وزنها "أفعل" هكذا في النحو. إذا ما رجعنا إلى النحو وجدنا أن أفعل التفضيل يقتضي... المشاركة هذه الكلمة "أنْ أفعلَ التفضيل يقتضي المشاركة" لا نجدها في الفقه الذي نقرؤه الآن، بل سنجدها في النحو. ما معنى أنّ أفعل التفضيل يقتضي المشاركة؟ أنني لو قلتُ إنّ فلاناً أقوى من فلان، فإنني قد أثبتُّ القوة لكلٍّ منهما ما دمتُ قلتُ أنه فلان أقوى من فلان إذاً. ففلان هذا الذي هو الأضعف الذي هو أقل قوة، لديه قوة،
لأنه لو لم تكن لديه قوة بالمرة لكان هذا قوياً وهذا ضعيفاً، ولم يكن هذا أقوى من هذا، بل إنهما قد اشتركا في القوة ثم فُضِّل أحدهما بمزيد قوة عن الآخر. وعلى ذلك، فإن اسم التفضيل يقتضي المشاركة في بعض الصفة. العبارات الواردة في الكتاب والسنة وأشعار العرب وجدنا أن أفعل التفضيل لا يقتضي المشاركة كقوله تعالى "أحسن الخالقين" و"أليس الله بأحسن الخالقين". هل هناك خالق مع الله حتى يكون هذا خالق وهذا
خالق ثم أن الله أفضل من الآخر بمزيد خلق؟ فأجد في النحو حلاً لذلك أن أفعل التفضيل... قد يأتي قد يأتي على غير بابه، أي على غير ما يُستعمل له. فيأتي أفعل التفضيل ولا يقتضي المشاركة، ويكون هذا الأمر شاذاً، والشاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه. عموماً، أفعل التفضيل في تسعين في المائة من الاستعمال يقتضي المشاركة، وعشرة في المائة يخرج عن بابه، والخروج عن...
بابه مجاز، كل هذا نجده في النحو، لا نجد هذه التفصيلات في علم آخر. طيب، اسم التفضيل نراه في النحو، له هيئة وله مادة. هيئته "أفعل"، هيئته هكذا، هيئته تعني ترتيب حروفه. ميزانه: الألف ثم الفاء ثم العين ثم اللام، هذه الصيغة "أفعل"، هذه هيئته، ومادته ما سوف تأتي. به من أي مادة كانت لتصيغ منها وزنه "أفعل"، فكلمة "أحسن" المادة
"الحسن"، وكلمة "أصح" تكون "الصحة"، وكلمة "أقوى" تكون "القوة". هذه مادة أريد وكأنها قطعة قماش أريد أن أفصل منها قميصاً أو جلباباً أو بنطالاً أو أي شيء، فهناك فرق بين قطعة القماش الخام وهيئة القميص وهيئة البنطال وهيئة. الجلباب وأستطيع أنا كصانع للملابس أن أحول القماش الخام إلى هذه الهيئة. إذاً، فبناءً على النظريات الأولى والتطور الكلي من وجود جوهر وعرض، ومن وجود علل قلنا منها إنها العلة الصورية
والعلة المادية، والتطورات الكلية الضابطة، نظروا إلى أفعل التفضيل وجعلوا منه هيئة ومنه مادة، فهو يدل بهيئته على المشاركة. ويدل بمادته على ما تعنيه من حُسْنٍ من قوةٍ من صحةٍ، فعندما يرى الفقيهُ هنا وهو يفهم بدقةٍ كلمة "أصح"، فإنها بمادتها أو بهيئتها تقتضي قولين: وبمادتها أحدهما قويٌ صحيحٌ، والآخر أصح منه، فإنه مشتركٌ مع الآخر في الصحة لأنه استعمل أفعال التفضيل، فيقول لك إن "أصح"
كلمة "أصح". التي استعملها الفقيه هنا تقتضي المشاركة بهيئتها وتقتضي صحة المقابل بمدتها. المصيبة هي أن يذكر هذا معتمداً على أنك قد أدركته حين درسك للنحو في بعض الحواشي الداخلية، فيقول: "وصحيحه هنا مثلاً تقتضي المشاركة بمادتها وصحة المقابل بهيئتها"، "تقتضي المشاركة بهيئتها وصحة المقابل بمادتها"، فلا تفهم شيئاً إذا لم تكن. مدركة لتلك القضية من علم النحو من علم الخادم، لا تفهم هذه العبارة إطلاقاً، ما هي
الهيئة وما هي المادة، وكيف دلت الهيئة على المشاركة، وكيف دلت المادة على الصحة، وما الذي يقتضيه ذلك في المقابل، وما هو المقابل، كل هذه المعلومات عندما تُحجب عنك فإنك لا تستطيع أن تفهم تلك العبارة. التي تقول وبوضوح دلّت بهيئتها على المشاركة وبمادتها على صحة المقابل، في حين أنك لو كنت مدركاً لهذه المعلومات التي ذكرناها الآن، تصبح هذه العبارة سهلة، بل تستطيع أنت أن تنشئها، تستطيع أن تكتبها، تستطيع لو سألتك ما هذه القضية، لا تجد أحسن من هذه العبارة حتى تلخص بها تلك. القضية مثال
مثل المنطق المناطق قسموا طريقة الاستدلال إلى طريقتين، طريقة أسموها الطريقة الاقترانية أو الحملية، وفيها جمل توضع تحت بعض فينتج نتيجة في منتهى السهولة. يقولون: "العالم حادث" جملة مفيدة. "العالم حادث" يعني مخلوق، أو حادث يعني موجود بعد أن لم يكن موجوداً. حادث يعني له بداية، حدث بعد. إن لم يكن لأننا ننظر فنجد النبات
ينمو والناس تولد وتوجد والشمس تشرق، فإذاً الأشياء لها بدايات، وهذه البدايات معناها الحدوث، فالعالم حادث، وكل حادث يحتاج إلى محدث. هذا مفطور في الإنسان، أنني لو رأيت هذا الشيء هنا فإنني أقول من الذي أتى به، أما كون يتصور... أنه أتى وحده فإن نظرية القصور الذاتي تأبى ذلك، والقصور الذاتي موجود في البشر لمشاهدتين: أنه لا بد لكل شيء أن يكون له إجابة عن من أين هذا، ومن الذي أتى به. فكل حادث يحتاج إلى محدث، العالم حادث،
وكل حادث يحتاج إلى محدث، إذاً فالعالم يحتاج إلى محدث. ترتيب الأمور بهذا الشكل تم عندهم سياسةً استقرائية، ولكن ليس هذا وحده هو الطريق للنتيجة، بل عندهم أيضاً طرق أخرى، وهذه
الطرق... فوضعوا
صياغات أيضاً ووضعوا بإزائها كلاماً، فقالوا كلما كانت... الشمس طالعة فلان ينتج من هذا أن النهار موجود. هذه
مقدمة جملة، جملتين مرتبطتين بعضهما ببعض يسمونها الملازمة. فهذه الملازمة مكونة من جملتين: الشمس طالعة، والنهار موجود. هذه يسمونها مقدماً، وهذه يسمونها تالياً. هذه جملة قد قدمناها، وهذه جملة تلي هذا المقدم. هذه يسمونها استثنائية لأن فيها حرف استثناء أو. استدراكٌ وهو "لكن" والأخيرة يسمونها النتيجة. وقد
شاع في كلام الفقهاء استعمال هذه الصياغة لأنها صياغة منضبطة يستطيعون أن يجادل بعضهم بعضاً وأن يتوصلوا إلى الحق نتيجة دراسة هذه الأمور. موجود لكن الشمس طالعة، إذن النهار موجود. حسناً، واضحة. أنا ذكرتها فقط في صورة مثال بسيط جداً، لكن النهار موجود إذن... الشمسُ طالعةٌ لكنَّ النهارَ غيرُ موجودٍ، إذن الشمسُ غيرُ طالعةٍ. لكنَّ الشمسَ غيرُ طالعةٍ، إذن النهارُ غيرُ موجودٍ. وهكذا. ولذلك إذا كانت الاستثنائيةُ هي عينُ المقدَّمِ، أنتجَ عينَ التالي. وإذا كانت
الاستثنائيةُ عكسَ التالي، ينتجُ عكسُ المقدَّمِ. وهكذا جعلوها أمورًا، ونظروا ما هو اليقينُ وما هو الظنُّ وغير ذلك فيما يطولُ شرحُه. المهمُّ أنَّه... يُسَمِّي هذه ملازمة ويُسَمِّي هذه استثنائية، ويأتي ويصير ويقول: كلما كان الماء طاهراً جاز الوضوء به، لكن الماء الذي معي غير طاهر فلا يجوز الوضوء به. دليل الأولى دليل الملازمة يكون هكذا: دليل الملازمة مِن الذي قال أن الماء ما دام طاهراً يجوز الوضوء به، فدليل الملازمة حديث النبي. صلى الله عليه وسلم هو الحل.
ميتته الطهور ماؤه، أو كذا، أو قوله تعالى: "وينزل من السماء ماء طهورا". وهكذا من قال، لكن هذا ليس طاهراً بالحس والرؤية، أنا أرى أنه غير طاهر، ولغ فيه كلب، وقعت فيه نجاسة. إذا ما سلمنا بالمقدمة الأولى التي نسميها بالملازمة، وبالمقدمة الثانية التي نسميها بالاستثنائية فإنه لا بد علينا من أن نسلم بالنتيجة، فالنتيجة حتمية. ولذلك نحن نرسم هنا جملة ونقيم عليها الدليل، ونرسم هنا جملة أخرى ونقيم عليها الدليل، فإن سلمت الأدلة للجملتين نتج عنهما قول آخر وهو النتيجة، وهو مسلّم حتماً لأن النتيجة مسلّمة حتماً عند جميع العقلاء إذا ما سلمت. المقدمات قد أرفض هذا وقد
أرفض هذا ونختلف سوياً، ولكن إذا ما سلَّمنا سوياً بصدق هذه المقدمة الأولى وبصدق هذه المقدمة الثانية، فلا بد علينا من أن نسلم بصدق النتيجة ولا نستطيع أن ننكرها، وإلا نكون قد دخلنا في إطار الشغب. القضية التي أحتاجها أنني عندما أطلع في الفقه ويتكلم... عن الملازمة لا بد عليّ أن أدرك ماهية الملازمة، ولا أدركها إلا من خلال علم المنطق: ما هو المقدم؟ وما هو نقيض المقدم؟ وما هو التالي؟ وما هو نقيض التالي؟ وما هي الاستثنائية؟ وما معنى النتيجة؟ إذا لم يكن لدي في ذهني هذا التصور، فإنني لا أستطيع أن
أفهم عباراتهم، ولا أن أفهم وهو يقول كلما... كان كذا كان كذا ولكن كذا وأحياناً يحذف هذه ويغتني بها ثم بعد ذلك يقول ودليل الملازمة إذا لم يكن عندي هذا التفور فإنني لا أفهم شيئاً إطلاقاً ويصبح الذي أمامي لا معنى له دليل الملازمة ويبدأ الآن يقول هكذا فإن قيل لقلنا وإن قيل لقلنا وبعد ذلك يقول ماذا ودليل الاستثنائية استثنائية ماذا وأين هي؟ نعم، هذا هو بعد ما انتهى من مناقشة أدلة الملازمة وجلست ربما صفحة أو شيء يتحدث، لا بد عليك أنك تقول حسناً وما دليل الاستثنائية، أنت نفسك تطلبها، فإذا به هو يذكرها ولكن بعد صفحة أو اثنتين لأنه في ذهنه لأنه يتحدث وإلا
كان... الكلام ناقص، ولذلك هنا ينبغي علينا أن ندرك هذا القدر من خادم العلوم أو من حامل العلوم أو ما شابه ذلك إلى آخره من علوم الوسائل التي نستطيع أن ندرك بها كلام العلوم والصياغات التي نريد أن نطّلع عليها. مسألة ثالثة مثلاً، قلنا نضرب المثال بمسألة
نحوية وأخرى منطقية وذلك للخلاف. في دخول المتكلم في عموم كلامه مثلاً وتركني ومشى فلا بدّ عليّ حتى أدرك هذا أن أرجع إلى قضايا العموم عند الأصوليين وأنظر ماذا يعني بقوله هل يدخل المتكلم في عموم كلامه وأدرك هناك أن الأصوليين لهم قولان في هذا
بعضهم قال إن المتكلم يدخل في عموم كلامه وبعضهم قال أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه، وكل منهم أقام الحجج والبراهين والأدلة على هذا. معنى هذا الكلام أن شخصاً أراد أن يوقف شيئاً لله مثلاً، فقال: "هذا البستان وقف لله تعالى، خرج من ملكي إلى ملك الله". الوقف حقيقته خروج الملك من ملك الإنسان إلى ملك الله، لا يأكل. منها إلا الفقراء أو هو وقف على الفقراء. الرجل غني عنده بساتين وأموال وما
إلى ذلك، ووقف وقفاً لله، وبوقفه هذا قد خرج هذا من ملكه إلى ملك الله سبحانه وتعالى. صار الرجل فقيراً هو نفسه أصبح فقيراً. فالذين قالوا إن المتكلم يدخل في عموم كلامه قالوا إن ذلك الرجل يأكل من ذلك البستان هو الذي أوقفه، ومن حقه أيضاً أن يأكل منه. والذين قالوا إن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه قالوا إن هذا الرجل لا يأكل من ذلك البستان، لأنه عندما قال: "هذا البستان وقف للفقراء"، فكان يعني غيره، لأن المتكلم عندما يتكلم لا يدخل هو في عموم كلامه عموماً.
الكلام "الفقراء" هذه الكلمة عامة لأنها جمع معرف بالألف واللام، صدرت من فم ذلك الرجل. هل هو يدخل فيهم عندما يصير بصفتهم أم لا يدخل؟ خلاف بين الأصوليين، وجعلوه خلافاً أيضاً حتى في تفسير كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأمره لأمته. فالنبي عندما يخاطب الأمة ويأمرهم أن افعلوا كذا. هل يدخل هو في عموم هذا الخطاب أو لا يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عموم ذلك الخطاب؟ كلامٌ عند الأصوليين أيضاً. المهم أنني إذا ما أردت أن أفهم الكلام الذي أمامي في الفقه بدقة عن هذه القضايا، فإنني لا بد لي
أن أطلع عليها بعمق أكثر. علمٌ آخر وهو ما نسميه نحن الآن بالعلوم الخادمة، قد يكون العلم الخادم من علوم الوسائل وقد يكون العلم الخادم من علوم المقاصد. لو أننا استطعنا أن نفعل ذلك لسهُل علينا كثيرٌ من الفهم، وبالممارسة والقراءة على المشايخ والأساتذة فإنه من الممكن أن نحصّل شيئاً كثيراً في وقتٍ قليل. وتتكون لدينا من الملكات ما نستطيع أن ندرك به مناهج السلف الصالح وأن نكمل مسيرتهم وأن نجيب عن المسائل التي ظهرت في عصرنا دون
تردد ودون خوف وبفهم أعمق وبسيطرة على الأمور ونختلف لا بأس كما اختلفوا ولكن عن علم لا عن جهل، عن فهم لا عن تعمية، هذا هو. مقصود ما أردت أن أنقله إليكم فإذا ما تأملنا ما معنى من المكة لنقرأه مرة أخرى وإخماء دول كتاب
البيع هو كقوله بعتك هذا بكذا خلاص كتاب البيع انتهى، نعم، فيقول اشتريته به فيتحقق بالعاقد والمعقود عليه ولهما شروط تأتي وصيغة. إذا قلنا لا بد من الصياغات اللغوية أن نأخذ. بالنا منها ونقول صيغتي لأنه عندما قرأناها بشكل صحيح ففهمناها بشكل صحيح، أصبحت شرطاً من الشروط أو ركناً من الأركان التي بها يُعقد وبدأ بها. وقلنا إنه لا بد من مراعاة الضمائر، ومراعاة اسم الإشارة، ومراعاة الاسم الموصول، لنرى إلى أين يتجه. وبدأ بها أي بالصيغة كغيره من العلماء لأنها أهم للخلاف.
فيها لأنه فيها خلاف هل هي الركن فقط أم هي وغيرها وعبّر عنها بالشرط هناك. المصطلحات، قضية المصطلحات والتعريفات مهمة. الشرط غير الركن، الشرط خارج والركن داخل، لكنه عبّر هنا عنها بالشرط، وكأنه أطلق على الركن شرطاً، بخلاف تعبيره في شرح المهذب كالغزالي عن الثلاثة، عن الثلاثة أنهي ثلاثة. العاقد والعاقدين والمعقود عليه والصيغة بأركان البيع واضحة، فإذا تفنن هذا في العبارة أطلق كلمة الشرط على الركن. لماذا أطلق الشرط على الركن؟ لأن كليهما يمثل جزءاً من الشيء، وهذا لن ندركه إلا إذا أدركنا ما معنى الركن وما معنى الشرط. فقال: شرطه
الإيجاب كـ"بعتك" و"ملكتك"، والقبول كـ"اشتريت" و"تملكت". وقبلت أي فلا يصح البيع بدونهما لأنه منوط بالرضا بدونهما، يعني القبول والإيجاب. لابد من توضيح الضمائر، لأنه (أي البيع) منوط بالرضا. "منوط" تعني متعلق. إذا لم ندرك معنى كلمة "منوط"، فلن نفهم المقصود. لا بد علينا من أن نفهم المفردات اللغوية. "منوط" تعني متعلق أو مرتبط بالرضا. لماذا أحل الله البيع؟ لأن... في رضا وليس في ظلم وفي تحقيق لمصلحة العباد، إذاً فهو منوط بالرضا. أنا راضٍ، والرضا أمر خفي مضطرب،
ولذلك حل محله اللفظ الذي يدل عليه، سواءً عند نقل الملكية إليك أو نقل ملكية الثمن إليه. كيف لا يصح البيع بدونهما؟ لأنه منوط بالرضا، يعني هذا من الممكن أن نعبر. عنه تعبيراً حديثاً ودقيقاً بأن نفُكَّ الضمائر ونقول: شرط البيع هو الإيجاب مثل قولنا "بعتك" و"ملَّكتك"، والقبول مثل قولنا "اشتريت" و"تملكت" و"قبلت". لقد اختصر العبارة بدلاً من أن يقول "مثل قولنا"، استخدم الكاف (كاف الخطاب)، اختصر العبارة وقال "شرطه"، استخدم الضمير، وكان من الممكن أن نفكَّه، فلا يصح البيع بدون هذه الصيغة. المركبة من القبول والإجابة لأن
البيع نظرةٌ وتدقيق. أكرر كثيراً، كيف أصبح البيع؟ أصبحت العبارة ركيكة قليلاً، فعبارته هو أكثر رصانة لكنها أكثر صعوبة لأن البيع مرتبط ومتعلق. حسناً، ما هي مرتبطة، هي متعلقة، هي منوطة. لا، أوضّح يعني، فلتكن العبارة فيها شيء من الطلاوة أو الثراء الصحفي الذي تعودنا عليه. لأن البيع مرتبط ومتعلق بالرضا وذلك لما ورد في حديث ابن ماجه وهو هنا لأجل حديث ابن ماجه، انظر كيف وغيره "إنما البيع عن تراضٍ". لابد أن نقول لكي يفهم الناس جيداً ولا يكون هناك إشكال، للحديث الذي أخرجه ابن ماجه وأخرجه غيره عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم. أنه قال إنما البيع عن تراضٍ، وبعد ذلك أقوم بفصل أو أبدأ من أول السطر وأقول: والرضا خفي لأنه قائم في القلب لا يطلع عليه أحد من الناس بالحواس، فلا يراه الشهود ولا يسمعونه، إنما هو شيء في قلب الإنسان. أريد أن أقول ذلك حتى نفهم، لكن نقول باختصار أنه يوجد فيه. صعوبة والرضا خفي، حسناً، إن الرضا خفي لكن معناه هكذا. فاعتبر ما يدل عليه من اللغز. دعنا نتحدث عنها. فكان لا بد من اللفظ حتى يكون دالاً على ذلك الرضا الخفي، واللفظ مسموع لدى الناس، يستطيع كل أحد سمعه أن يشهد بما سمع. أنا القاضي، نريد
أن نقول هكذا. فلا بيع بالمعاطاة وصورتها هي أنني أُسلّم المبيع وأستلم النقود دون كلام منّا، لا أنا أتكلم ولا هو يتكلم. وضربنا مثالاً لها قبل هذا بأننا نضع ثمن الجريدة ونأخذ الجريدة من غير كلام، أو مثل التعامل مع الآلات التي تبيع الأشياء الكثيرة كالأغذية وغيرها إلى آخره، ويرد كل ما... أخذه بها يعني إذا تم البيع بالمعاطاة فإنه ما
دامت ليست هناك صيغة، يرى بعض الفقهاء أن البيع باطل، وأن السلعة التي تحت يدي ليست ملكاً لي، والثمن الذي تحت يدك ليس ملكاً لك. وبناءً على ذلك، فلا بد أن يرد كل منا لصاحبه الشيء، لأنه كيف يتملكه بدون ألفاظ أو بدونها. له أن يتلف ولكنني أكلتها. الشيء الذي اشتريته هذا، أكلته. ماذا أفعل؟ قال: ادفع بدله. وقيل ينعقد بها في المحقر. ومن المصطلحات أن "قيل" للتضعيف، قيل: يبقى القول ضعيفاً بعدها، ويسمونها في النحو صيغة تمريض. تمريض آتية من مرض، شيء فيه ضعف. وقيل ينعقد بها، ينعقد بالمعاطاة. نفك.
الدماير في المحقر نقرها صحيح، والمحقر هو الشيء التافه. "كريطلي خبز، كريطلي خبز"، هذا حد المحقر. فقد كانوا يبيعون الخبز قديماً بالوزن، وما زال إلى الآن معيار الرغيف هو الوزن. مفتش التموين وهو يذهب إلى الفرن يراقب الوزن، وزن العجين أو وزن الخبز، وما زال إلى الآن في لغة العوام يقول... له الدين وقت عيش ووقة العيش عدد معين من الأرغفة. أنا نسيت كم هو الآن، لكن له عدد معين يسمى وقت عيش (أوقية)، يعني الأوقية هذه كانت كيلو وربع تقريباً،
لكنها ليست هناك كيلو وربع. هم يصنعونه بالعدد ويطلقون عليه إلى آخره، وحزمة بقل، حزمة فجل مثلاً أو جرجير وما شابه. لماذا يُعقل أنه شيء بثلاثة أو أربعة أسوار ولا بشلن ولا كذا ولا قليل من الليمون، وبعد ذلك يجب أن أقول له: بعتك واشتريت منك؟ مسألة سخيفة كهذه. ولذلك أجازها بعض الناس قولاً، وقيل أيضاً للتخفيف في كل ما يُعد فيه بيعاً، في كل شيء يعتبره العرف بيعاً بخلاف غيره كالدواب والعقار، كالدواب والعقار. طيب
واختاره المصنف في الروضة وغيرها. الاطلاع على أسماء الكتب: الروضة للإمام النووي وهو مصنف نفس المتن هذا. ويجوز تقديم لفظ المشتري على لفظ البائع: المشتري يقول: "اشتريت كذا"، والبائع يقول له: "بعتك". أو يقول البائع: "بعتك"، والمشتري يقول: "اشتريت". أيهما يبدأ أي واحد [منهما] بحصول المقصود وهو الرضا، فوافق. الرضا لحصول المقصود مع ذلك مع ذلك التقدم، يعني فالمشتري يتقدم في اللفظ، البائع يتقدم في اللفظ في البيان، ومنع
الإمام تقدم قبلته، وجزم الرافعي والمصنف بجوازه في عقد النكاح. الإمام الجويني اطّلع على المصطلحات، من الإمام هنا؟ قلنا أنه الإمام الجويني عندما يُذكر في فقه الشافعية، قال لا يجوز. أن يقول له قبلت قبلت، على أيِّ شيء يبتدئ بكلمة قبلت؟ ما معنى هذا؟ هذا فيه إشكال. قبلت ماذا؟ فلا بد عليه أن يقول قبل ماذا. فما يقول له قبلت، فالثاني يقول له بعتك، هذا لا يصح. عندما يقول له اشتريت منك هذا بكذا وانتهى، فيقول له بعتك، حسناً، وهذه هي الصورة. الصورة الأولى والصورة
الثانية: لم يقل له هكذا، لم يقل له: اشتريت منك هذا بكذا، فقال له: قبلت منك هذا بكذا. قال: هذا لا يصلح. الإمام الجويني قال: هذه الصورة أنا لا أجيزها لأنها مجهلة، وجزم الرافعي والمصنف بجوازه، لكن الإمام الرافعي والإمام النووي قالوا: لا، هذه صحيحة، فما هو معناها هكذا؟ قبلتُ أي قبلتُ، قبلتُ هذا بخمسة، أي قبلتُ أن آخذه بخمسة، أي اشتريته. فلماذا نقف عند الألفاظ؟ وقد جزم الرافعي والمصنف بجوازه في عقد النكاح. حتى في عقد النكاح لو تقدم لفظ الرجل على المرأة فقال: "قبلتُ زواجك"، فقالت: "تزوجتك"، يصح ذلك. فما بالك في البيع والشراء وهو عقد أهون؟ من عقد الزواج
- عقد الزواج هذا فيه نسب وميراث وأسرة وحياة، لكن عقد البيع هذا شيء يعني في الممتلكات أهون. فالذي يجوز في عقد الزواج يجوز فيما هو أهون منه وهو عقد الزواج، والبيع مثله، ليس مثله فقط بل هذا أقل منه أيضاً، وهذا ناظر إلى المعنى الذي أجاز. قال المعنى وارعني وارد رضا ورضا ونريد أن نكشف الرضا وقد انكشف، والأول إلى اللفظ. أما الذي قال لا يجوز، قال هذا اللفظ محير. أنا مع اللفظ، العقود ألفاظ، وأنا مع اللفظ. ولو قال بعني فقال بعتك، من عقد ما لم يقولوا اشتريت ولا قال له قبلت، قال له بعني، كل هذا. على اختلاف الألفاظ، إذا كانت الألفاظ
مهمة، فقد استنبطت من هنا أن الألفاظ مهمة، وأن كلام الناس لا بد أن يكون منضبطًا، وتصرفاتهم لا بد أن تكون واضحة، وأن الشريعة مبناها على رفع الغرر بين الناس حتى لا يقعوا في المنازعة والمخاصمة. انعقد البيع في الأظهر، نعم. أيضاً كلمة "في الأظهر" تعني أن هناك من قال لا ينعقد، وهذا قال "في الأظهر" للدلالة على الرضا لأن كلمة "يعني" كشفت عن الرضا الذي نريده. والثاني ماذا؟ الثاني مقابل الأظهر لا ينعقد، الرأي الثاني لا ينعقد، وهذا معنى الأظهر. إذن هذا الكلام للإمام أم لأصحابه؟ إذن...
للأمام يبقى للأمام، حسناً، طيب طيب. والكلام الذي يخص الرأي الثاني هذا ضعيف أم قوي جداً؟ لأنه لو كان ضعيفاً لعبّر بالمشهور، لكن عندما عبّر بالأظهر علمتُ أن الرأي الثاني هذا رأي قوي أيضاً. لماذا لا ينعقد؟ لماذا الاحتمال؟ يعني لاستبانة الرغبة، يريد أن يرى، يقوم بعرض أسعار، سينظر هل سيشتري أم لا. فيقول لي: أتبيع لي هذا بخمسة قروش؟ قال له: نعم. قال له: حسناً، شكراً، سأذهب وأخبر شركتي أنك ستبيعه بخمسة قروش. إذا لم يأتِ، فهل أمسكه وأقول له: انظر، أنت طلبت مني أن أبيعك وأنا قلت لك بعتك، يجب
أن تأخذه؟ لا يصح ذلك. لا ينعقد العقد عندما نذهب إلى القاضي. يقول إن البيع لم ينعقد لكن لماذا؟ لاحتمال استبانة الرغبة، لأن هناك احتمالاً أنني فقط أُبيّن الرغبة في هذا البيع الذي نسميه في أسواقنا المعاصرة "عرض أسعار". وبهذه الصيغة لاستبانة الرغبة، وبهذه الصيغة تقديراً، وبهذه الصيغة تقديراً للبيع الظني في "أعتق" أو "أعتق عبدك عني بكذا" ففعل. حسناً. نعم
نعم، من الذي يتكلم؟ لا ينعقد الاحتمال، أعني الاستبانة الرغبة بهذه الصيغة. إلى أين ستذهب؟ أعيش وبهذه الصيغة تقديراً البيع الظلمي. جملة جديدة يعني، فيفتح الله عليك. معذرة، نعم،
أي نعم نعم نعم. الأصل أنك تقول لي أنت الذي شرحها لي، شرحتها منذ زمن وقد ندّت عني، خلاص. وبهذه الصيغة يعني بهذه. الصيغة نفسها مثلها، أي الذي هو بمعنى تقديراً حالة التقدير "بع عبدك عني بكذا". انظر، لم يقولوا "اشترِ"، بل قال له "بعني". وأيضاً ثانياً قال له: "أنت عندك عبد، هذا العبد الذي عندك، هذا العبد الذي عندك أريد أن أعتقه، فماذا أفعل؟ هو عبدك أنت، اشتره
أولاً". ثم بعد ذلك بعد ما دخل في ملكي أعتقه، يبقى هناك مرحلتان: المرحلة الأولى أن أشتريه منك، والمرحلة الثانية أن أعتقه. أريد أن أوفر الكلام ونقوم بهذه المسألة مرة واحدة، فأقول لك: أعتق عبدك أنت عني أنا، أعتق عبدك كذا. إذاً هناك بيع ضمني، هناك بيع في السكة، في الطريق. كانت عملية
البيع والعتق قد تمت في لحظة لطيفة، فكأنني قلت لك: كأن الذي صدر من فمي ليس "بعني عبدك"، بل الذي صدر من فمي هو "اعتق عبدك عني". فكلمة "اعتق عبدك عني" تخفي وتتضمن وتشتمل في نفسها على "بعني عبدك"، ثم إنني أوكلك في عتقه عني، فيبقى كأنني قد طلبت منك شراءه. العبد يُباع ضمناً وطلبتُ منك أن تكون وكيلاً عني في إعتاقه، عمليتان مجتمعتان بلفظ واحد هو "أعتق عبدك عني بكذا" ففعل، فإنه
يعتق عن الطالبين. أنا طلبتُ هذه القضية، يُعتَق ويبقى في ذمتي ثمن العبد لازم أسدده لأنني لما قلت له "أعتق عبدك عني بكذا" فهو... في قوّة يعني بعني عبدك بكذا ثم أعتقه عني، في قوة كهذه فإنه يُعتق عن الطالب ويلزمه العوض، يلزم مَن؟ الطالب، كما سيأتي في كفارة الظهار. هناك في باب كفارة الظهار سنجد المسألة هذه مرة أخرى، فكأنه قال: بعنيه وأعتقه عني، وقد أجابه قائلاً: حاضر، ونفّذ الكلام.
ولو قال: خلاص خلطت. الجملة إذاً تكون من البداية وبهذه الصيغة: هذه صورة، ولو قال اشترِ مني فقال اشتريت، فكما لو قال بِعْني فقال بعتك، هذه صورة جديدة. نحن هناك في الأعلى نتحدث عن "بعني" قال "بعتك"، قلنا فيها قولين الأظهر الجواز لما قد نُظِر فيه من المعنى. حسناً، قال له اشترِ مني ما... قالوا له: أبعتَها؟ فقال له: اشترِ مني. فقال: اشتريتُ. قال: هي هي، هي هي. معناها أن فيها قولين أيضاً. "هي هي" معناها أنه فيها قولين. مثلما يكون شيئاً بشيء فيه قولين، يصبح بهذا النمط الجديد فيه قولان. قال: اشترِ مني. فقال: اشتريتُ. فكأنه
لو قال: بعني. فقال: بعتك. وسكت. سكت وهو يعتمد على ذكائك في التمثيل أنه ما دام قد أحال على مسألة فيها قولان، ففي هذه الجديدة قولان أيضاً كما قاله البغوي. ثم إن ما ذُكِر صريح، فالذي ذُكِر هنا "اشترِ مني" و"بعتُك" و"اشتريت" و"قبلت"، كل هذا صريح في البيع، شيء صريح أنها انتهت وقد بعته واشتريت. الكلام هنا صريح وينعقد بالكناية، أي ينعقد بالألفاظ التي ليست صريحة بل فيها كناية، وهي ما تحتمل البيع وغيره. الكلام يحتمل البيع
وغيره، وهنا نحتاج إلى نية. أما الصريح فلا يحتاج إلى نية، فلو ادعى غير ما قال لم نصدقه. ومن الصريح في الطلاق أن يقول لها: "طالق" أو "أنت طالق". حسناً، وماذا بعد ذلك؟ لو قال لها هذا لكان ذلك صريحاً، لكن لو قال لها: "الطفل فوق الجمل، الحقي بأهلك، أنا لا أريد أن أرى وجهك"، فكل هذا كناية لأنه يمكن أن يكون بسبب الغضب، ويمكن أن يكون يريد فسخ العقد الذي بينه وبينها بهذه الكلفة، فلا بد من نية، تحتاج إلى نية. أما لو قال... "طالق" أو "استراح" أو "الفراق" وهي الألفاظ التي استعملها القرآن في فسخ عقد النكاح، لكان ذلك صريحًا
لا يحتاج إلى نية. فلو قال: "أنا قلت لها تطلق صحيح، لكن ليس هذا قصدي"، لا نصدقه، والقاضي لا يصدقه في هذا ويقع الطلاق. هي لا تصدقه في هذا، وهو لا ينبغي أن يقول. هذا بل ينبغي عليه أن يعلم أن الطلاق قد وقع ولو بذلك اللفظ، في حين أنه لو استعمل كناية، هنا نلجأ إلى نيته ونسأله ونقول له: هل كنت تريد فصم عروة النكاح والزواج أو إنك تريد شيئاً آخر؟ فإذا قال: لا، أنا أريد فصم عقدة النكاح، تُحسب طلقة. إذاً فالفرق... بين الصريح والكناية أن الصريح لا يحتمل إلا مراداً واحداً، والكناية تحتمل مراداً وأكثر، تحتمل هذا وأكثر. فالكناية ما يحتمل البيع وغيره، كناية في البيع هي هكذا. الكناية في الطلاق
ما يحتمل الطلاق وغيره. حتى الكناية في البلاغة يقولون لك فلان هذا طويل النجاد، دليل على الكرم، لا يُطفأ له. نارٌ. في الزمان القديم كان الكرماء يوقدون النار حتى يراها الضيف الغريب في الليل، فيعلم أنه في مكان مأهول بالناس فيسعى إليه فيضيفونه، وهكذا إلى آخره. فلا تُطفأ له نار. هذا معناه كثير الرماد، أي أنه كريم. حسناً، قد يكون كثير الرماد يعني الرماد الكثير فعلاً، وربما يكون ذلك، وأيضاً هذا دالّ. وفيه دلالة على كثرة الضيوف وكثرة الطعام وكثرة أشياء أخرى إلى آخره
ما يحتمل البيع وغيره بأن ينويه، فيبقى في لازم النية الكنية. لا بد فيها من، لأنها كنت بمعنى أنها حُجبت عني هذه النية، فلا بد أن أستنبئه بها. مثل ماذا؟ مثل "جعلته لك بكذا"، فكلمة "جعلت" هذه تحتمل البيع. وتحتمل الهبة أو خذه بكذا، خذه، طيب هذا إيجار أم بيع أم خذه؟ خذ هذا الألم بعشرة جنيهات، طيب ماذا يعني خذه؟ المتبادر إلى الذهن أنه بيع وشراء، لكن من المحتمل أن يقول لك: لا، أنت فقط لتكتبه ثم ترده لي، هذا استيباض، طيب جعلته لك. بكذا أو خذه بكذا
ناوياً البيع إذا نوى البيع فإنه يقع البيع في الأصح، ينعقد في الأصح، وهذا مذهب الأصح، فما يكون مقابل الأصح؟ وهل هما قولان أم وجهان؟ صحيح، صحيح، فتح الله عليك وعلى غيرك. هو راجع إلى الانعقاد في الأصح، وهو راجع إلى الانعقاد، والثاني لا ينعقد. بها لا ينعقد بالكناية لأن المخاطب السامع لا يدري أخوطب ببيع أم بغيره. وأجيب بأن ذكر العوض ظاهر في إرادة البيع، فعندما أقول لك: "خذها بكذا"، يكون هذا بيعًا. فإن توفرت القرائن على إرادته، كأن نكون واقفين في محل،
والمحل يبيع ويشتري، وأقول له والقلم معروض للبيع، فهذه كلها قرائن. قرائن، وبعد ذلك قلتُ له: "ما هذه القصة التي لديك؟" فقال لي: "خذها بربع جنيه". وبعد ذلك لم أتردد فقبلتُها. وبعد ذلك، وبعد كل هذه القرائن، يقول لي: "لا، أنا لم أكن أنوي ذلك، هذا لا يصح". قال الإمام: "وجب القطع بصحته"، نعم، وإلا سيتخاصم الناس مع بعضهم، وبيع الوكيل المشروط عليه الإشهاد. فيه لا ينعقد بها جزماً الوكيل. أنا وكلتك، قلت لك: اشترِ لي أو بع لي السلعة الفلانية، لكن انتبه، فالناس أصبحت سيئة هذه الأيام، ولذلك لا بد عليك أن تُشهدها على البيع.
إذاً أنا الآن أمرتك بأمرين، كلفتك بتكليفين: الأول أن تبيع وتشتري نيابة عني وهي الوكالة، لكن ليس... ليس هكذا فقط، بل أضفت إلى ذلك أن تشهد على ذلك البيع لغرض في نفسي لمعرفتي بأهل بلدي أو بأحوال السوق أو بطبيعة السلعة أو بأي غرض آخر. وكلتك عني في البيع لكن بشرط أن تشهدها على ما تبيع فيه وتشتري. لا ينعقد البيع بيننا إذا صدر منك بتلك الكنايات، لماذا؟ لأنك ستحتاج إلى شهود يشهدون، والشهود يريدون أن يشهدوا على شيء واضح
كفلق الصبح، لأنهم سيحلفون أمام القاضي أنهم سمعوا هذا يبيع لهذا. إذاً الكلمات المحتملة لن تنفعنا هنا في هذا الوقت. إذاً فما دامت هناك وكالة، وما دامت هذه الوكالة مشروطة بالإشهاد، فلا بد علينا من أن نستعمل الألفاظ الصريحة في البيع دون الكنايات، لا نستعمل الكنايات لأننا بذلك نعطل في الحقيقة الشهادة، والشهادة مشروطة، والوكالة إذا خرجت عن شرطها باطلة. البيع يعني أنني إذا قلت لك: بِعْ هذه السلعة بعشرة قروش، فذهبت وبعتها بتسعة، فبيعك باطل، لأنك تصرفت في غير ملكك بغير إذن صاحبه، يجب عليك أن تبيع بعشرة. حتى
إنهم قالوا لو بعتُها بأحد عشر، فبعض الناس قال إن هذا باطل وبعضهم قال إنه صحيح. قالوا إنه باطل لأنه قد يكون لي غرض من أن تبيع بعشرة. فأنا مترشح لعضوية مجلس الشعب وأريد أن تصل الكراريس إلى الناس بسعر منخفض، ثم تذهب أنت وتبيع هذه الأشياء، مع أنني لن أحصل على أصوات. بهذا الشكل فلا، إذا قد يكون لدي غرض صحيح للبيع رخيص، أي غرض، لكن المهم أنك يجب أن تلتزم بكلامك. ومن أجل ذلك سأقول لك: لا، هذا باطل، وبيع الوكيل ليس كل وكيل، وليس أنني أنا الذي أبيع. أنا عندما أبيع ما أشتريه، فأنا حر، أشهد أو لا أشهد، أنا حر. لكن الوكيل الذي اشترط عليه الإشهاد يجب أن يلتزم بالإشهاد،
ولذلك فإنه لا يُقبل منه غير ذلك، فلا يُقبل منه إلا التصريح حتى يتمكن الشهود من القيام بوظيفتهم. لأنه لو استعمل الكناية فإنه قد سدّ على الشهود شهاداتهم، فيصبح وجودهم مثل عدمهم، فوجود الشهود يصير كعدم وجودهم لأنهم سيأتون أمام القاضي. قولوا والله يا حضرات الصادقون، نحن لا نعرف ماذا حدث. لقد فعلوا شيئاً غريباً، ونحن لا نعلم إن كان هذا بيعاً أم لا. قال له: "خذها مني"، فأخذها منه. قال: "اسمها تقول له بعت"، قال: "لا، اشتريت". قال: "لا، إذاً هذا لا يصح". فكأنني قد تحايلت وأوجدت الشهود بأكسبهم. ومنعتهم من الشهادة باللفظ الذي صدر مني، فقال: وبيع الوكيل المشروط عليه الإشهاد في البيع لا ينعقد بها جزماً قطعاً لأن
الشهود - وهو هنا يبرر ويعلل - لا يطّلعون على النية. فإن توفرت القرائن عليه، فبفرض أننا أيضاً أحضرنا شهوداً وتوفرت القرائن التي نتحدث عنها، فكل هذه تعتبر محل بيع وشراء. والسلعة معروضة وهذا سوق، فإن توفرت القرائن عليه قال الغزالي: "فالظاهر انعقاده". هذا كلام الغزالي. يبقى هناك رأي عند الشافعية بأنه أيضاً لو توفرت القرائن لأمكن للشهود الشهادة وهم مطمئنون أمام القاضي بأن هذا بيع، وعلى ذلك نمضي الحال. ويشترط ألا يطول الفصل بين لفظيهما، أي لفظ القبول والإيجاب. وأن لا يطول الفصل، ألم أقل إنني بعتك هذا بعشرة قروش؟ فنظرت إلي
هكذا من الأعلى إلى الأسفل وقلت: "نحن لن نشرب الشاي"، هذا نوع، وهذا نوع من الإعراض. وبعد ذلك قلت لك: "حسناً، أحضر لي فنجان شاي"، فشربت الشاي وجلست تنظر وتسهر معي وتتسامر، ثم في نهاية الجلسة قلت: "قبلت ما..." لا يصح أن يطول الفصل بينهما، بين كلمة "بعتك" وبين الكلمة قبلها، يجب أن يكونا بجانب بعضهما. لكن إذا قال لي: "بعتك"، فقلت له: "أصابتني سعلة هكذا"، أو قال لي: "بعتك"، فرن الهاتف، فذهبت وأخذت الهاتف، لأنه من المعتاد أن نرد على الهواتف فوراً، وجلست نصف ساعة أتحدث في الهاتف. أغلقت السماعة وقلت له: قبلت، فهذا صحيح. فالفصل هنا ليس فصلاً فيه إعراض وليس فيه إعراض. ويشترط ألا يطول
الفصل بين لفظيهما ولا يتخللهما كلام أجنبي عن العقد، فإن طال أو تخلل لم ينعقد، كذا في الروضة كأصلها وفي شرح المهذب. والطويل هو ما أشعر بإعراضه. فما هو الطويل؟ هذا الفصل الطويل، أشعر بأعراضه، أخذ يتململ وينظر إلى الأعلى هكذا وإلى الناحية الأخرى، كأنه لا يريد البيع. هذه أشعر بأعراضه عن القبول، ولو تخللت كلمة أجنبية بَطُلَ العقد. يصبح حتى أيضاً هذه قضية الهاتف التي ذكرناها، هذه عند الشافعية أيضاً يُبطل العقد، لماذا؟ لأنه كلام أجنبي. مطلقاً لأنهم أطلقوا الكلام، فليكن الفصل الطويل ألا يكون فيه كلام أجنبي عن العقد ليس له علاقة، فيكون نحو ساعة أو نحوها لا بأس بذلك، لكن أضع الهاتف وأقول له: قل لي ثانيةً،
هل ما زلت مطمئناً على البيعة؟ فيقول لي: نعم بعتك. فأقول له: اشتريت، هكذا مباشرة، والهاتف الذي... نحن مثلنا بها الآن ظانين أنها تجوز أو لا تجوز، عندك عند الشافعية هؤلاء لا تصح، عندي أنا تصح، لكن عند الشافعية لا تصح. والله تعالى أعلى وأعلم. شكراً لكم وكل عام وأنتم بخير، ونلتقي على خير إن شاء الله السنة القادمة. نعم، ها، وخلالها، ويوجد اتساع، لا يمنع، لا يمنع. ما هو انظر إلى هذا الفقيه موجود ليس اليوم لا... حسناً، هل هناك أي أسئلة أي فضيلة؟
كنت حضرتك تتحدث عن قضية الفقه فقط، وأسأله في هذه المناسبة عن العلوم الخادمة للتفكير، فهي كثيرة. أولها اللغة، لا بد أن يتمكن من اللغة العربية تمكناً كبيراً. ثانياً التاريخ ومعرفة أحوال العرب، فهذا شرط. من شروط المفسرين الذي أقرّه الشاطبي وقال إن كلام الله لا بد أن يُفسَّر بما كانت عليه أحوال العرب، ومن العلوم
التي ينبغي للمفسر أن يتمكن منها علم الحديث، ومن العلوم كذلك الأصول، ومن العلوم كذلك الفقه. المفسر بالذات وهو يتعرض لكلام ربنا سبحانه وتعالى لا بد عليه أن يحيط. بجملة كبيرة من العلوم يستطيع بها أن يدرك الكلام على ما هو عليه، كذلك ينبغي عليه أن يطلع على علم القراءات، وعلى علم البلاغة، وعلى علم الإشارات، وعلى علم... وهكذا. هذا بحر لجي، والتفسير من أكبر العلوم التي تحتاج إلى علوم كثيرة وفنون متعددة حتى يتمكن الإنسان من إنشائها. أما... أن تريد أن تفهم التفسير فقط فإن حصيلتك ستكون أقل من هذا. تستطيع أن
تفهم التفسير بفهمك لقضايا لغوية نحوية وقضايا بلاغية وقضايا فقهية وقضايا أصولية. تستطيع أن تذهب إلى التفسير عامة وتفهم ما فيه خاصة بالاطلاع على مقدمات التفسير من ناحية وعلوم القرآن من ناحية ثانية والاطلاع على خمس. أو ستة تفاسير كاملة من أولها إلى آخرها. والتفاسير المقترحة للاطلاع على علم التفسير هي: تفسير القرطبي، وتفسير الرازي، وتفسير الألوسي، وتفسير ابن كثير، وتفسير الطبري، وتفسير السمين الحلبي. هذه
الخمسة تمثل الدر المحصول، وهذه تمثل هيكل التفسير، إذا ما أضفت إليها بعد ذلك تفسير البقاعي مثلاً في تناسب الآيات والسور. إذا ما أضفت إليها بعد ذلك تفسيراً كتفسير الشوكاني أو تفسيراً كتفسير المنار أو تفسيراً كتفسير محاسن التأويل للقاسمي، فإنك بذلك تكون قد اكتملت عندك مجموعة لا بأس بها من التفاسير الجامعة لمعاني كلام الله سبحانه وتعالى. ومن الأمور المهمة هو الاطلاع على نحو البرهان للزركشي ومناهل العرفان للزرقاني وكتاب مثلاً، مثل مقدمة علوم التفسير، مقدمة تفسير محاسن التأويل للقاسمي، ففيها مقدمة للتفسير، كذلك ما كتبه شيخ الإسلام ابن
تيمية في مقدمة للتفسير، وكذلك الإكسير في مقدمات التفسير للدهلوي، وغير هذه مما هي علوم الإنسان بعدها يستطيع أن ينظر إلى هذا العلم نظرة شاملة. من التفاسير المهمة أيضاً تفسير الشيخ الطاهر. ابن عاشور في "التحرير والتنوير" فهو من أبدع وأحسن التفاسير التي تفيدنا،
هذا صحيح فهم التراث الدرجة الأولى هي أن تفهمه لتتعلم لنفسك، والدرجة الثانية أن تتخصص فيه، وأي علم تريد أن تتخصص فيه فلا بد عليك من أن تبذل مجهودًا أكبر وزمنًا أطول. وطريقة أعقد، فهناك فرق بين أن تكون لديك ثقافة طبية تستطيع بها أن تحافظ على صحتك بشكل عام وبين أن تعمل طبيباً.
فهذا التراث كُتب في جانبه للوعظ والإرشاد لعموم الأمة، أما في جانب أحكامه الفقهية والفقه بالذات والأصول وهذه المواد، فهي مواد تخصصية ينبغي على الخائض فيها أن يدرك كل ما قلناه أنَّ كلَّ شخصٍ يكتبُ لأهلِ عصرِه، فلا بأسَ عندما تكتبُ أن تكتبَ لأهلِ عصرِك، حتى لو لم يفهمكَ مَن لم يأتِ بعدُ، فهذا ليسَ ذنبكَ، ليس ذنباً لكَ، بل ينبغي عليكَ أن تكتبَ لأهلِ عصرِك، ولكنَّ المتخصصَ الذي سيأتي من بعدِكَ لا بدَّ له أن يبذلَ مجهوداً. أميل لفهم كلامك الآن. الأدباء ولغة
شكسبير الآن بالإنجليزية غير مفهومة، فهناك مستويان: المستوى الأول هو تبسيط شكسبير، وهذا وارد ويطبعونه مبسطاً. المستوى الثاني هو أن المتخصصين في الجامعة في الأدب الإنجليزي يُرهقون أنفسهم ويحفظون شكسبير على ما هو عليه. هذا شأن كل عصر قد تغير، سواء عند المسلمين أو... عند غيرهم فنحن الآن نتكلم عن الجانب الأول وهو جانب ليس تبسيط، فالتبسيط حدث في الخمسين سنة الماضية، حدث تبسيط لكل الفقه وخاطبت الناس به وهكذا، لكننا نتكلم عن هل نكتفي بهذا التبسيط ونترك خلفنا مليون مخطوطة في فنون مختلفة في أزمنة واسعة قامت
عليها عقول كثيرة في بقاع. شاسعة، هذا ظلم وهذا ضياع لتراث الأمة، بل ينبغي علينا أن نوجد تلك الشفرة وأن نتحمل نحن عبء فهمها، وأن نطلع حتى نكمل الطريق، وأن نطلع حتى نبسط، فهناك فرق كبير بين إدراك التنظير وفعل التبشير.