دورة التراث الإسلامي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي ج2 | بتاريخ 11-2-1995 | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، اليوم نحاول أن نلقي بعض الضوء على التصورات الكلية التي كانت تحكم الكاتبين للتراث الإسلامي عامة بصفة عامة. هذه التصورات الكلية تبدأ عندهم من تصورهم لقضية الوجود، فالإسلام يقر حقيقة وهي أن الإنسان والكون
والحياة مخلوقة لخالق، يقر حقيقة أخرى وهي أن هذه الحياة والكون إلى... فناء ستقوم الساعة سيفنى البشر ثم بعد ذلك هناك يوم القيامة وفي يوم القيامة فيه حساب عقاب وثواب. يفترق الفكر الإسلامي عن أفكار غيره من البشر بهذا الإقرار المبدئي أن الإنسان مخلوق لخالق وأنه مردود بعد ذلك إلى
الله سبحانه وتعالى وراجع إليه للحساب والعقاب. الفلسفات الغربية الآن تنحي هذا. الجانب وهو جانب مهم كان يمثل البنية الفكرية والأفق الذهني للكاتبين لهذا التراث، وكان موقفهم وفهمهم لقضايا الوجود له مصطلحاته وتصوره الكلي، ويمكن أن
نرسم هذا. المسلمون آمنوا أيضاً بأن هناك فارقاً بين المخلوق والخالق، فالرب رب والعبد عبد، ومن أجل ذلك عاملوا الحادث بخلاف القديم، فصفات الخالق خارجة عن التقسيم. فإنهم يجعلون الله سبحانه وتعالى بالرغم من أنه موجود عندهم
إلا أنه خارج عن التقسيم، ثم بعد ذلك عندما يقسمون ويتكلمون إنما يقسمون ويتكلمون على الحادث المخلوق سواء كان مرئياً أو غير مرئي، محسوساً أو غير محسوس، لكنه على كل حال هو مخلوق، ولذا جرى التقسيم على المخلوق فقالوا إن ذلك. المخلوق الموجود وضده العدم، فكأن
الوجود والعدم وجهان لشيء إمكان للمخلوق، فنحن الآن موجودون ومن سيُخلق غداً هو معدوم الآن لكنه قابل لأن يوجد. وهناك ما يسمى أيضاً -لإكمال القسمة- بالمستحيل، والمستحيل معدوم ليس بموجود أصلاً. كانت قضايا
الوجود دائرة بين الوجوب والإمكان، وقضايا العدم دائرة بين الاستحالة والإمكان، فالمستحيل... معدوم في ذاته لا يمكن أن يوجد، والواجب موجود في ذاته لا يمكن أن يعدم، والمخلوق يمكن أن يوجد ويمكن ألا يوجد. هذا السطر الأول: الواجب والممكن والمستحيل اسموه بالأحكام العقلية، فإن العقل عندهم يدرك في نفسه أن هناك واجباً لا يتصور العقل عدمه، وأن هناك مستحيلاً لا يتصور العقل. وجوده وأن هناك شيئًا هو ما بين الوجود والعدم، فهذه يسمونها
الأحكام العقلية. أما الوجود فإنه ينقسم عندهم إلى قسمين: القسم الأول هو المتحيز، والقسم الثاني غير المتحيز. والمتحيز ما كان له حيز في الفضاء. كلمة متحيز معناها أن له حيزًا في الفراغ، وكلمة غير متحيز معناها أنه ليس له. حيزاً في الفضاء أو في الفراغ المتحيز هذا إما أن يكون بسيطاً وإما أن يكون مركباً، متحيز
بسيط كالخلية الأولى وهذا يسمى بالجوهر وبالجزء الذي لا يتجزأ، هذه ألفاظهم "الجزء الذي لا يتجزأ"، وإما أن يكون مركباً من جوهرين أو ثلاثة أو أربعة إلى العدد الكثير فيسمى جسم، فالجسم له حيّز في القضاء قد يكون سطحاً وقد يكون له عمق وطول وعرض فيسمى الجسم الطبيعي، ولكن على كل حال هو مكوّن من جواهر متعددة، هو مركب. وغير
المتحيّز يسمونه العرض. ونجد في علم الكلام أنهم يقولون إن الله سبحانه وتعالى ليس بجسم، ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض لأن هذه الخريطة كانت في أذهانهم، الرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، والله سبحانه وتعالى خارج عن التقسيم، فالله ليس جسماً وليس جوهراً وليس عرضاً. لو قرأنا هذه العبارة في علم الكلام من غير أن نعرف هذا التصور الكلي، لا ندركها على حقيقتها أو بعمقها المناسب لها، ولذلك كانت. التعرض كان التعرض للتصورات الكلية مهماً في إدراك عمق
كلام التراث. إذا عندنا جوهر وهو له حيز، وعندنا عرض وهو ما لا حيز له، فالجوهر كالجسم، ولكن العرض هذا كالأفعال الصادرة من البشر. لو تأملنا في الإنسان ووجدناه قد أمسك بغصن فلواه، فهذا الذي حدث من حدوث التواء في الغصن. يُعبِّر عن الفعلِ والانفعالِ، وكلٌّ من الفعلِ والانفعالِ لا تحيُّز له. لو أننا قد وصفنا الشيءَ أو
إنساناً بأنه ذكيٌّ أو بأنه غبيٌّ، أو بأنه فقيرٌ أو بأنه غنيٌّ، أو وصفنا الشيءَ بالجمالِ والحُسنِ أو بالقُبحِ، فإن كلَّ هذه الصفاتِ لا تحيُّز لها، لكن يمكن أن تظهرَ لنا من خلال المحى لا بد لها من جسم تحل فيه، فالجسم الجوهر هو ما يقوم بذاته، ولكن العرض يحتاج إلى غيره حتى يقوم به. ومن هنا كانت الكيفيات من الأعراض، والألوان من الأعراض، والحالات من الأعراض. فأنا واقف الآن، فهذه حالة كيف من الكيفيات، فهو عرض لم
يؤثر في جسمي لا طولاً. ولا عرضاً ولا وزناً ولا وهكذا هي حالة من الحالات. وقوفي الآن أنتم أمامي وهذه السبورة خلفي، بخلاف وقوفي وأنا مواجه للسبورة وأنتم خلفي. وهذه نسبة. أين هذه النسبة؟ هل هي محيّزة؟ لا، إنما هي معتبرة. هناك اعتبار بيني وبينكم وبيني وبين السبورة. فسمّينا هذه أنها في الخلف وسمّينا هذا. أنه في الأمام هذه الأشياء موجودة ولها حقائق لكنها ليست متحيزة بل تحتاج إلى الغيظ حتى يتم هذا الشيء في الوجود احتجت
إليه واحتجت لكم واحتجت إلى المواجهة حتى تحدث تلك الإمامية أو الأمامية تلك الأمامية حدثت من خلال وجود شيء وشيء آخر ومقابلة بينهما على جهة مخصوصة فحدث من ذلك ما أسميناه بالأمام أو بالخلف أو باليمين أو باليسار، فالأمر نسبي منسوب إلى شيء آخر. فالموجود منه متحيز وغير متحيز. غير المتحيز هذا راعى بعضهم بالاستقراء أنه تسعة أقسام، وهي:
الكم، والكيف، والنسبة، والزمان، والمكان، والوضع، والملك. هذه الأقسام التسعة صارت عشرة مقولات، لأنها مقولة لأننا نقولها ونصف بها كل. الموجودات لأن الموجود لا يخرج عن هذا وبتحديدها يتم التحديد التام للشيء فإننا إذا ما حددنا
ذاتاً معينة لها كيف معين وكم معين بنسبة إلى غيرها معينة في مكان محدد وزمان معين بوضع معروف والملك فيه بفعله وانفعاله تحدد تماماً بمعنى أنني إذا ما أردت أن أحدد نفسي الآن فإنه لا يخرج التحديد عن هذه العشرة، فذاتي هي موجودة الآن لكنها موجودة في زمان معين وهي اللحظة التي أتكلم فيها، هذا حددناها جيداً، لكن أيضاً في مكان معين على حالة معينة بوضع معين فيه وجهي هنا ورأسي هنا وكذا ويميني هنا ويساري هنا وهكذا لو فكرنا في مثلاً أو في أي
شيء يكون في الميكروفون هذا فإنه ذات معينة موجودة في مكان معين بوضع معين في مثل معين بنسبة معينة في زمان معين وهكذا ويقوم بفعل معين بالفعال المعين. لو حددنا هذه العشرة لا يمكن تكرار الشيء عقلاً إذا اتحدت تلك العشرة، فلا يمكن مثلاً وجودي هنا وفي مكان آخر. مع بقاء العشرة يعني في نفس الزمن أنا هنا وفي المكتب مثلاً لا يمكن تصور هذا، لكن يمكن أن أتصور أنه في الساعة الماضية كنت في المكتب. انفك الزمان،
كان واقفاً في جاردن سيتي وكان جالساً في الزمالك، يمكن هذا لأن المكان قد انفك أو الزمان قد انفك، أنا واقف وأنتم. جلوسٌ ممكنٌ هذا لأن الشخص قد انفك الجوهر، قد انفك. ومن هنا كانت العبارة الشهيرة التي يستعملها كثيرٌ من في التراث، نستعملها كثيراً في التراث، وهي: إذا انفكت الجهة فلا تعارض، الجهة
زيد إلى الجوهر الطويل، ويشيرون بها إلى الكم الأزرق، ويشيرون بها إلى الكيف ابن مالك، ويشيرون بها إلى. النسبة في بيته إلى المكان بالأمس إلى الزمان كان متكئ إلى الوضع بيده غصن إلى الملك لواه إلى الفعل فالتوى إلى الانفعال زيد الطويل الأزرق بن مالك في بيته بالأمس كان متكئاً بيده غصن لواه فالتوى. فهذه عشر مقولات سُوِّيت بهذا البيت تشمل التصور
الأساسي لقضية الوجود وهو أمر سنرى. أثره في الصياغة الفقهية التفرقة بين الأعيان بين الجواهر بين ما له حيز وبين المنافع بين الأعراض بين ما ليس له حيز، سنرى أثره في الخلاف فيما يعد مالاً، هل يعد المال كل عين فقط بخلاف ما فيه منفعة، أو سيعد المال هو العين والمنفعة أيضاً، خلاف بين الفقهاء
لكن. التصور الأساسي للوجود أنه ينقسم إلى عين (جوهر) وإلى عرض قائم بذلك الجوهر. يتكلمون كثيراً بعد ذلك عن أحكام ذلك العرض: ما هو؟ هل يبقى زمنين أو أنه دائماً متجدد؟ هل يقوم بمحلين؟ لو أن لي لون معين لبشرتي وله توأم له نفس اللون، هل اللون الذي قام ببشرتي... هذا هو ذات اللون الذي قام ببشرته أو أن هذا شيء وهذا شيء. الأشاعرة من أهل السنة يرون أن العرض لا يبقى زمنين وأنه لا يقوم بمحلين وأن
الإنسان هذا العرض وهو اللون يتجدد خلقاً بمعنى أن هذا اللون الذي ترونه قائماً في بشرتي عُدم الآن وخلق الله سبحانه وتعالى. غيره فما ترونه الآن غير ما كنتم ترونه من لحظة، وعلى ذلك فالخلق مستمر، ولو قطع الله الإمداد لفني العالم، يعني كأنهم يتصورون العالم كأنه شريط سينما على شاشة، وأن الله سبحانه وتعالى يخلق دائماً وأبداً وبصفة مستمرة، فإن هو أغلق سبحانه
وتعالى تلك الماكينة التي منها الإمداد انقطع الخلق. مرة واحدة لم نمت، ولو متنا فإن حزننا سيبقى موجوداً فينا، روحنا هكذا في فناء، ذهبنا كأنها شريط سينما وانتهى. هذا التصور للخلق يؤثر في النفس البشرية، يشعر الإنسان بأنه لا حول له ولا قوة، يشعر الإنسان بمعانٍ عجيبة تؤثر في حياته اليومية، تؤثر في إحجامه وإقدامه على الأعمال والأفعال. هذا التصور أنني في حاجة دائمًا إلى الله سبحانه وتعالى يجعل ذلك المتصور لهذا عندما يقول لا حول ولا قوة إلا بالله يقولها من منطلق معين
ومن ذهن معين ومن حالة نفسية وشعورية ونسق معرفي وفكري معين غير الذي يقولها وليس هناك في ذهنه هذا بل أنه يشعر أنه له. استقلال وأن الله قد خلقه ثم تركه ومن أجل ذلك كان الكلام على أحكام العرض كلام مهم ولهم فيه ما يسمونه بالأحكام السبعة فالعرض هذا
له أحكام سبعة عندهم. المهم الآن قبل أن نعالج هذه الأحكام السبعة أن نتصور جيداً الكون ما بين الجوهر والعرض وأن كل الكائنات دائرة بين الجوهر والعرض، والعرض لا يخلو أبداً الجوهر عن عرض. العرض نفسه لا يخلو عن جوهر لأن التحيز عرض. نحن نقول أن الجوهر ما له حيز. حسناً، والتحيز هذا نفسه، التحيز هذا عرض من الأعراض، فلا يخلو أبداً أي جوهر عن الأعراض. وهذا
الذي جعل بعض الفلاسفة المحدثين يتركون هذا التقسيم. أنهم ينظرون إلى الواقع وما فيه، لكننا الآن في دورة نريد بها أن نفك شفرة التراث لا أن نقومه ولا أن نعترض عليه. هنا نحن نريد أن نفهمه، فكيف نفهمه؟ لا بد أن نفهم هذا الذي صدر منهم من خلال ما كانوا يتصورونه أولاً وقبل كل شيء، فلا يعترضن أحد. منكم على أن هناك أن هذا تقسيم غير مقنع مثلاً أو غير كافٍ، هذا لا نريده الآن. نحن نريد أن نفهم كيف كانوا يتصورون الكون، كيف كانوا يتصورون الوجود، ثم بعد ذلك نقرأ، وبعد ذلك نعترض أو لا نعترض، نوافق أو نكمل.
هذا شيء آخر، فهم كانوا يتصورون الجوهرية والعرضية. بهذا الوضع الفرق بين العدم الممكن والعدم المستحيل أن هذا ليس له إلا وجه واحد. المستحيل ليس له إلا وجه واحد، أما هذا فإنه أحد وجهي العملة وهي الإمكان. الواجب ليس له إلا وجه واحد، والمستحيل
ليس له إلا وجه واحد، لكن الممكن له وجهان. يزيد من فك من ثقل مكمن. زيدٌ ما قام، زيدٌ ما قام من ثقل، من فك.
زيدٌ ما قام من ثقل مكمنا، من فك، لا عدم قديم، لا حنى فيها المكمنا. زيدٌ ما قة يعني العرض زائد زائد عن الجوهر. العرض شيء والجوهر شيء آخر، فهو زائد وليس هو جزء من الجوهر، هو نفسه الجوهر. ليس هذا بل الجوهر شيء والعرض شيء آخر ويستعملون هذا في إثبات وجود الله سبحانه وتعالى بتفصيل
ليس هذا محله الآن. نحن ننظر إلى كيف كانوا يفكرون، كيف كانوا يتصورون، يتصورون الجوهر شيئًا والعرض شيئًا آخر عليه. زيد، زيد أي أنها إشارة إلى أن العرض زائد على، ليس هو عين. الجوهر بل هو شيء آخر غير الجوهر زائد عليه ولا يقوم بنفسه. هل يمكن أن يقوم الفقر بنفسه أو الجمال أو القبح؟ كما قال سيدنا - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته". الكفر والإيمان، هذه الأشياء لا تقوم بنفسها هكذا بحيث إننا نقول هذا كفر، هذا كفر، هذا شيء متميز هكذا. لا يقوم بنفسه في الوجود بل يحتاج إلى إنسان يوصف به، فهو
لا يقوم بنفسه، لا ينتقل، لا ينتقل من جوهر إلى جوهر. فلون بشرتي عندما يخرج ابني مثلي هو غير اللون القائم عندي، هو مثله وليس هو هو، إنما هو شيء آخر لأن هذا العرض لا يبقى زمنين ولا. يقوم بمحلين زيد ما قام ما انتقل ما كمن الكرة وهي تتحرك، الحركة عرض، سكنت الكرة الحركة لم تكمن فيها لم تدخل داخلها بل إنها انتهت ونشأت حالة جديدة تسمى بالسكون، وحتى هذا السكون إنما هو مخلوق دائماً
له نهاية يبقى لحظة ثم ينتهي ويُخلق سكون آخر ويُخلق سكون ثالث. ويخلق سكونًا رابعًا، فهذه الزيادة والقيام والانتقال والانفكاك والكمون هذه
خمسة، هذه الخمسة وصف للأعراض. ثم بعد ذلك يكمل حكمين فيقول: السادس أنه يُعدم ويُنشأ عرض جديد، يُعدم ويُنشأ عرض جديد، ولذلك يقول: لا عدم قديم، لا عدم قديم، يعني القديم لا يُعدم ولكن العرض يُعدم القديم وهو. الله سبحانه وتعالى لا يُعدَم كأنه يشير بذلك إلى أن العَرَض إنما هو الذي يُعدَم، ففيها إشارة لا بد عليه أن ينتهي، أن ينتهي، أن ينتهي. لأنهم يسمونها النحو لأنهم أخذوا كذا كلمة وحولوها إلى هذا الرمز "لاحنى"،
ومعناها ليس هناك حوادث لا أول لها، دائماً الشيء الحادث يكون له. بداية وهذه البداية قد تمتد ولكن امتدادها يكون دائماً في طريق المستقبل، فلو أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الأرض فإنه قادر على أن يخلق أرضاً أخرى وثالثة ورابعة وخامسة ومائة وألف ومليون ومليون وواحد، وهكذا إلى أي حد، إلى ما لا نهاية. ما معنى ما لا نهاية؟ لا تناهي. بل أنه يأخذ في
السير الذي لا نهاية فيه، هل يمكن أن يكون ذلك وقد تصورناه ووافقنا عليه بأذهاننا في قبيل المستقبل؟ فهل يمكن أن يكون ذلك في قبيل الماضي بأن يكون هناك خلق قبله خلق قبله خلق قبله خلق إلى ما لا نهاية؟ لا ضير في ذلك، حوادث لا نهاية لها. ليس عليها حوادث لا بداية لها، والفرق بينهما أن في المستقبل القريب ما من حدث يقع إلا ويعقبه حدث مقدس، لكن في الماضي القريب ما من حدث وقع إلا وسبقه حدث وقع أيضاً، ولا يمكن وجود ما لا يتناهى من الأعداد في الوجود، لا يمكن وجود
ما لا يتناهى. في الأعداد من الوجود كيف أننا موجودون هنا. لو عددنا أنفسنا لوجدناهم هكذا، فإذا دخل شخص يكون معدوداً هو الثاني، لكن في الماضي ولا نهاية لها فليس لها عدد. كيف وهي كلها موجودة؟ الموجودات محصورة، الموجودات واقعة معنا معدودة، فلا يمكن أن نقول إنه لا عدد لها. يمكن أن... أقول في قبيل المستقبل أنه لا عدد له لكن في قبيل الماضي لا يمكن أن نقول لا عدد له. على كل حال، ليست هذه التفاصيل، وإن كنت أريد أن أطوف بكم عليها، هي التي تجعلنا مستكملين للتصور الكلي الذي يجعلنا كذلك أنهم
تصوروا الوجود بأحكام العقلية بين الواجب والممكن والمستحيل. وأن الممكن منه موجود ومعدوم وأن الموجود منه متحيز وغير متحيز، هذا المتحيز هو العين، هو الجوهر، هو الشيء الذي له حيز، وغير المتحيز هو العرض، وهو تسعة أنواع، وله أحكام عندهم يشملها هذا البيت. هذه إحدى النظريات الكبيرة الضابطة للتصور الكامل الكلي الذي يؤثر في كل العلوم ترتباً وتولداً. منها بعض التصورات الأخرى التي ينبغي أيضاً أن نستوعبها
وأن نفهمها، منها قضية القوة والفعل، ما هو بالقوة وما هو بالفعل. وتمثيل ذلك مثّلوه بالسيف. ما دمنا قلنا إن العرب من أحكامه أنه لا يكمل ما كمّنا، فكيف نفسر أن السيف قاطع؟ هل يكون كذباً أن أقول إن السيف قاطع؟ إلا إذا كان يقوم بالقطع فعلاً، فإذا ما انتهى
من القطع انتهت السكين من قطع قطعة اللحم ووضعتها في الدرج، فهي ليست بقاطعة. ما الفرق بين السكين وهي على المنضدة وبين السكين وهي تقوم بعملية القطع؟ قالوا: إذاً هناك ما يسمى بالقوة وهناك ما يسمى بالفعل، فالسكين أثناء القطع هي قاطعة بالفعل لأنها تقوم بالقطع الآن، والسكين وهي على المنضدة هي قاطعة بالقوة لأن من شأنها - من شأنها وليس الآن - إنما هو من شأنها أن تقطع،
من خصائصها أنها إذا ما جُرِّبت في القطع قطعت. والفرق هنا ينبغي أن يكون حاضراً في أذهاننا عند القراءة سهلاً يسيراً، أن هناك فارقاً. كبيرًا بين ما هو بالفعل وما هو بالقوة، وهذا استعمله المتكلمون والفقهاء والنحويون وكل الناس. ما هو بالفعل وما هو بالقوة ينبغي علينا أن نتفكر فيه. مثال السكين وأن نقيس عليه كل ما رأيناه مما نجده مبثوثًا في الكلام لا ندركه على وجهه الصحيح إلا إذا كان معنا ذلك التصور للفرق. بين ما هو بالفعل
وما هو بالقوة قضية أخرى هي قضية مراتب الوجود. فبالتأمل وجدوا أن مراتب الوجود أربعة: وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود على اللسان، ووجود في البنان. هذه المراتب أيضاً وإن اختلفت أسماؤها وما أُطلق عليها، إلا أنه كان أمراً هاماً في تصوراتهم وأدائهم وكتابتهم هناك. وجودٌ في الأعيان ويسمى الخارج،
وهي كلمةٌ قد لا ندرك أن معناها هو هذا: هذا القلم، وهذا التلفون، وهذا الكرسي. هذا خارجي، خارجٌ عني؛ لأنني أملك قدرة أن أغمض عيني وأن أتصور كل هذا في ذهني، فأصبح عندي وجودان: وجودٌ خارجي ووجودٌ داخلي. فسُمّي ما في الأعيان بالخارج وأصبحت. كلمة "الخارج" مصطلح عام في كل العلوم يُستعمل بسهولة ويُقال وذلك لأنه ليس في الذهن بل في الخارج، فإذا لم ندرك معناه البسيط وهو أمر بسيط فإننا نقع في اضطراب في فهم العبارة،
وهو أمر سهل التصور جداً أن هناك شيء خارجي، خارجي يعني خارج عن ذهني، وهناك شيء قائم. في ذهني أن التفرقة أيضاً بين ما هو في الأعيان بالقصد الخارجي وبين ما هو في الأذهان بالقصد الداخلي. تمادَوا في تصورهم وأدخلوا الصياغة اللغوية والفلسفة اللغوية في القضية، فقالوا إن البشر من خصائصهم اللغة، يتكلمون باللغة، وهذه الألفاظ التي تخرج من الفم تدل على صور في الأذهان مطابقة للواقع. في الخارج
وعلى ذلك فهناك وجود آخر هو وجود اللسان. فلو أنني أشرت إليك بما في يدي وانتقل ذلك إلى ذهنك عن طريق حاسة البصر، لتصورت في ذهنك القلم. قلم هو الآن في الخارج، ومن غير كلام بيني وبينك يحدث في ذهنك عن طريق حاسة البصر فتحدث له صورة ذهنية. ويكون الأمر دائراً ما بين ما في الأعيان وما في الأذهان، لكن جاء اللسان يتحرك فينطق بالقاف واللام والميم على هذا الترتيب،
ويخرج الصوت ليهتز الهواء ليصل إلى أذنك "قلم"، فإنني لو كان هذا غائباً ليس موجوداً أمامك وقلت لك "قلم"، فإنه يحدث في ذهنك صورة ذلك القلم حتى مع عدم وجوده في الأعياد وهذه هي مهمة اللغة لأننا استغنينا عن إحضار ما نريد بشفرة بكلام بألفاظ. ما العلاقة بين القاف، بين صوت القاف واللام والميم بهذا الترتيب، وبين عين وذات هذا الشيء في الخارج؟ العلاقة
بين هذا وذاك هي علاقة الدال بالمدلول، فكلمة "قلم" دال وهذا الشيء مدلول وأبتها. بهذه الطريقة مثلاً فإن الذي يدرك الحرف اللاتيني سيقرؤها قلم، والذي لا يدرك الحرف اللاتيني يقع في حجاب حتى لو كان يعلم
القلم ذهناً وواقعاً، لأن هذا مجرد معرِّف، مجرد دال على الشيء. إذاً أيضاً الخط يقوم بمقام الدال، واللفظ يقوم بمقام الدال، وهنا نجد أبحاثاً عندهم لا داعي للدخول. فيها في علاقة اللفظ بما في الذهن وعلاقة اللفظ بما في الخارج وهل وضع اللفظ جعلوه من وضع اللغات سواء كان الله سبحانه وتعالى أو البشر أو الله والبشر هل وضعوه لما في الخارج أم لما في الذهن ويختلفون ويرجحون وينطلقون من ذلك لكن كل هذا ينضبط ويفهم إذا ما فهمنا أنهم قد فرقوا بين
الدال والمدلول وفرقوا بين الوجودات في مراتبها المختلفة لأن هناك فارقاً بين الدال والمدلول وبين تلك المراتب، فأصبح عندنا وجود في الأذهان ووجود على اللسان ووجود في البنان نترجم عن وجود في الأعيان. قد لا تجد هذه الأنقنات مذكورة بوضوح لأن التراث كبير، أعيان أذهان. اللسان والبنان، لا شك أنهما يعبران؛ فالبنان يعبر بالخط، واللسان يعبر باللفظ، ويعبر عما في الأذهان بالعقل أو الفكر أو الداخل أو ما لدى الإنسان، ويعبر عما في الأعيان بالخارج، وهكذا تختلف العبارة. إنما هذه الصياغة الأخيرة التي مارسها العلماء بعد تصورهم عبر القرون، أرادوا
أن يضيفوا إليها لمسة. بلاغية بديعية يكون فيها نوع سجع وجرس موسيقي فيقولون: أعيان، أذهان، لسان، بنان. في حين أن الجميع لم يلتزموا بذلك، فعلينا إذاً أن نتعدى وأن نتجاوز الألفاظ إلى المعاني، وأن ندرك في هذا الإطار أننا في مراتب للوجود متدرجة مختلفة من تصوراتهم
الكلية. أيضاً نحن تكلمنا الآن عن الموجود والمعدوم. وتكلمنا عن الجوهر والعرض وتكلمنا عن القوة والفعل وتكلمنا عن الأعيان والأذهان. طيب لو أننا حاولنا أن نقرأ النص الذي أخذناه بالأمس،
يظل هذا الذي ذكرناه اليوم كتاب البيع آخره عن العبادات لأنها أفضل الأعمال ولأن الاستدارة إليها أكثر ولقلة أفراد فاعله، ولفظه في الأصل مصدر يتكلم عن الوجود في. اللسان وعن الوجود في الأعيان ويشير إلى وجود في الأذهان. كلمة "بيع" هذا لفظ، أما أن يكون مخطوطاً أمامي بخط في البنان أو يكون ملفوظاً بلسان، ولكنه
في مقابل حدث، واللفظ عرض، والبيع فعل وهو عرض، والحدث هو فعل أيضاً، فهو عرض، عرض من الأعراض التي تكون تحت الفعل، فلذا. نفترضه نعم لأنه ذهننا على ماهية واحدة وحقيقة واحدة. ما في الأذهان يسمونه الماهية والحقيقة والمفهوم، كل هذه ألفاظ لشيء واحد وهو ما قام بالذهن، في حين أن ما بالأعيان يسمونه الهوية والمصداق، يعني صدق عليه ما في الذهن. والهوية أتت
من كلمة "هو"، أي هو في الأذهان. هو في الأعيان، فحتى نفس الاشتقاق أتى من التصور. لا بد أنه في تصور شيء في الذهن وشيء في الخارج هو هو. كيف يكون هو في الذهن هو في الخارج؟ لو أننا فقدنا تلك التفرقة لما أصبح لكلمة "هو هو" معنى. فكل هذا وهم يصيغونه في أذهانهم. المسلمات البدهية التي لا تحتاج إلى نقاش أن هناك شيئاً قائماً بالأذهان وأن هناك ما هو قائم بالأعيان، فلذا أفرضه وإن كان تحته أنواع في الخارج لكنني أفرضه من قبيل الذهن لأن حقيقته في ذهن البشر لا تختلف
وهي المقابلة، أما في الواقع فتحته أنواع ولو نظرنا إلى الواقع لقلنا. بيوع لكن لو نظرنا إلى ما في الذهن لقلنا بيع فهو واحد في ذهنه بالماهية وإن اختلفت أفراده. هذا الذي في الماهية يسمى بالكلي وما في الأفراد يسمى بالجزئي. الكلي أمر ذهني فقط لا وجود له في الخارج. الكلي ما لا يمنع نفس تصور معناه من وقوع المشاركة والشركة فيه. كلمة "إنسان" لو أغمضت عيني وتصورت في عقلي إنساناً، لا أنظر
إلى الأفراد حسن وحسين وحسنين، بل أنظر إلى شيء واحد وهو ما قام في ذهني، وهو ذلك المخلوق الرباني الحيوان الناطق، الإنسان، لا الأسد ولا القرد ولا أيضاً حسن وحسين من بني الإنسان. الإنسان هكذا أكون قد تصورت كلياً. لماذا كلي لأنني أنظر إلى القدر المشترك بين كل أفراده ليس عينًا. أين هذا القدر المشترك في الخارج؟ لا وجود له. لا وجود له في الخارج، وجوده في الذهن فقط. أما الذي في الخارج فهو هذا الإنسان مضافًا إليه بعض الأعراض التي جعلته معينًا مشخصًا، مضاف إليه التشخيص، فبدأ
من... أنه إنسان أصبح صابراً، لم يعد الإنسان الذي في ذهني الذي أتحدث عن حقوق الإنسان وكرامة الإنسان. هذا الإنسان الذي في ذهني لا وجود له في الخارج، إنما الموجود في الخارج أفراده بعد أن أُضيف لذلك الكلي ما يجعله جزئياً مشخصاً لا يشاركه فيه سواه، ولذلك كان الجزئي هو ما يمنع تصور معنى من وقوع الشركة فيه ما يمنع نفس تصور معنى من وقوع الشركة فيه، فالكلي هو الإنسان والجزئي هو إبراهيم مثلاً. هذا كلي لأنه لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، فلو تصورته حسن أو حسين أو حسنين جائز، رجل أو
امرأة، كبير أو صغير، ماشٍ، في حين أنني لو تصورت... أبو الأنبياء إبراهيم كان شخصاً واحداً، أبوه آزر، وابناه إسماعيل وإسحاق، وزوجتاه سارة وهاجر، وهو شخص معين بالذات، ليس مكرراً ولا تقع الشركة فيه. لذلك افترض أنه إن كان تحته أنواع. انظروا إلى أننا بعد ما عرفنا شيئاً من التصورات الكلية عندهم، يمكن أن نفهم بصورة أعمق وأكثر عمقاً بكثير. مما كنا نفهم في المرة السابقة فلو فقدنا ذلك أو نحيناه عن أذهاننا حين القراءة أو جهلناه فإننا نقرأ بطريقة أقل فهماً ونحن
إذا ما أردنا أن نكمل أو ننتقد أو نقبل أو نرفض لا بد علينا أولاً أن نفهم، هذه هي القضية التي سأكررها إلى نهاية الدورة ثم صار اسماً لما فيه مقابلة على ما سيأتي صار اسماً إلى ما فيه لما فيه مقابلة، ثم إن أُريد به أحد شقّي العقل المُدخل الاعتبار هنا سيؤثر الجهة، والجهة هنا ستكون من الأعراض. من أين ندخل في التعريف الذي يسمى من يأتي به بائعاً فيعرف بأنه تمليك بعوض على وجه مقصود. ويقابله
الشراء الذي هو الشق الآخر الذي يسمى من يأتي به مشترياً، ويعرف بأنه تملك بعوض مخصوص على وجه مخصوص. ويجوز إطلاق اسم البائع على المشتري وعكسه اعتباراً من اعتبار معين، أي من جهة معينة. وهنا، ولأننا قد استوعبنا أن هناك شيئاً في الأذهان وأن هناك آخر في الأعيان فإنهم بالتأمل وجدوا أن الإنسان يمكن أن يفرق في ذهنه ما قد وحد في الخارج وأنه قد يوحد في ذهنه ما هو مفترق في الخارج،
فالإنسان يمكن أن يفرق في ذهنه بين المسلم والمؤمن، فالمسلم هو الذي يظهر شعائر الإسلام في حين أن المؤمن هو الذي يصدق بأمر الله. ورسوله لكنهما في الخارج واحد لأنه ليس هناك شرعاً مؤمن إلا إذا كان مسلماً، والمسلم عادة في الخارج مؤمن ولو بالدعوة، يعني حتى لو كان منافقاً فإنه يدعي بأنه مؤمن بالله ورسوله. إذاً فالمسلم والمؤمن في المفهوم والحقيقة مختلفان
لكنهما بالذات متحدان، وهنا يصيغون عبارة فيقولون: واحد بالذات مختلف بالاعتبار. كلمة "الاعتبار" تعني الجهة أي ما قام في الذهن، فعندما قالوا عكسه اعتباراً أي في الذهن، يعني من الممكن أن نجعل هذا الذي قدم الشيء (ألف) هو البائع أو هذا الذي قدم الشيء (باء) هو البائع. ما الذي يتحكم في هذا؟ إنه تقسيم ذهني، أما في الخارج فلم يحدث هذا. الخارج حدث تبادل من كلا الطرفين فهما متساويان في الخارج، لا نستطيع أن نطلق على واحد منهما أنه بائع ولا مشتري، إنما هذا الكلام الموصوف أمامنا جاء من ذلك التصور والتعبير بالتمليك والتملك بالنظر للمعنى الشرعي. هذا
سنفهمه بشكل أكثر وضوحاً عندما نتعرض للصياغات اللغوية والمنطقية كما سيأتي. وإن أُريد به المركب من الشقين معاً بمعنى العلاقة الحاصلة من الشقين التي ترد عليها الإجازة والفسخ، فيقال له لغةً مقابلة شيء بشيء على وجه معاوضة، فيدخل ويخرج إلى آخر ما قال. هذه إطلالة سريعة لا ندعي بموجبها أننا قد حصرنا كل التصورات الكلية في ذهن التراثيين، بل نقول... إنها مؤشر يدلنا ويرشدنا إلى وجوب الاهتمام بهذه التصورات الكلية واستخراجها وصياغتها
وفهم النص من خلالها لأنها تؤثر في درجة ذلك الفهم وتؤثر في قدرتنا على فهم التراث والعبارة التراثية باعتبارها أول مؤشر وهو قضية الاطلاع على التصورات الكلية عند الكاتبين في التراث هي المرحلة الأولى أو هي العنصر الأول. والقضية الأولى التي ينبغي أن نهتم بها حتى نبني ما نقول الآن شيئاً فشيئاً: الوجود والعدم، الأحكام العقلية، الجوهر والعرض، الخارج والداخل، مراتب الوجود، القوة والفعل وأمثال هذا. أترك لكم الفرصة للأسئلة إن كان هناك أسئلة،
وأرى التعب قد بدا على وجوهكم والإرهاق قد ظهر على أجسادكم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فالعرض يظهر أثره وإن لم يستقل بضده. في هذا ما قلناه اليوم مثلاً، لأن المسألة واسعة، لكن التصورات الكلية التي ذكرناها اليوم سنجدها في مقدمات علم الكلام، سنجدها مشروحة شرحاً طيباً عند الإمام الغزالي في "الأربعين في أصول الدين"، سنجدها مشروحة شرحاً طيباً عند الرازي في "الأربعين". أيضاً في أصول الدين سنجدها في شرح المقاصد للتفتازاني مع
توسعة عن قضايا العلم، كيف كانوا يفهمون العلم. خريطة العلم، خريطة العلم هذه تحتاج إلى محاضرة أخرى، لكننا نجد قضايا الوجود وقضايا العلم وأشياء من هذا القبيل سنجدها في مقدمات علم الكلام، مقدمات علم الكلام وليس في علم. الكلام لأننا لو رجعنا إلى ما كُتب في علم الكلام نراهم قد دخلوا في الموضوع سريعاً دون التعرض لها، لكن سنجد عند الإمام الإيجي مثلاً في المواقف وفي شرح المقاصد للتفتازاني وفي الأربعين للغزالي والأربعين للفخر الرازي والمباحث المشرقية للفخر الرازي وغيرها من الكتب التي أتاحت مساحة لا بأس بها. المقدمة لعلم الكلام
نجد هذا الكلام فيها الذي ذكرناه اليوم لكنني لا أريد أن أحصرك أيضاً في الحصول على التصورات الكلية في مثل هذه الكتب والمقدمات فقط، فالأمر شائع وواسع وكان يُنقل في الجو العلمي أكثر من نقله في الدرج مما كان يشكل مسلمات بدهية يصدق بها الجميع ويتجاوزونها ويتعاملون. معها على أنها وصف للواقع بأن هناك داخلاً وخارجاً ومفهوماً ومنطوقاً وأن هناك جوهراً وعَرَضاً، هذا ما لا خلاف فيه. فاستيعاب هذه التصورات سيكون بالأساس من علم الكلام، من مقدمات علم الكلام، وبعد ذلك قراءة واسعة في التراث تبين لنا
هذه التصورات الكلية، ثم ستُعزز كما سنراه في الأسبوع القادم. إن شاء الله، سنتحدث عن النظريات الحاكمة، لأن النظريات الحاكمة تتعلق بشيء من التصور الكلي لكنه خاص بمسألة معينة. أما هذا الذي نذكره فهو ليس خاصاً بشيء معين، بل هو خاص بمفهومية الإنسان في هذا الكون. إنه يشعر أنه على الأرض وأن هناك رباً في السماء. وأن... نعم، سيارتي... سيارتي، أنا لا أملكها معي. هذا مع أننا مع أننا، حسناً، عليك أن تحذف هذا الجزء يا عبد الله، وأن هناك رباً خلقه وما زال يخلقه،
وأنه لو قطع عنه الإمداد لما بقي الاستعداد، وهكذا هو يشعر بهذا وهو يمشي وهو يصلي وهو يرتكب المعصية، حتى حتى وهو يرتكب المعصية، ومن أجل ذلك كان هذا التصور. أقرب إليه إلى التوبة يعرف كيف يتوب، ليس موغلاً موغلاً موغلاً. "يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون". وغير راضٍ أن يرجع، "ولا يزيدهم إلا طغياناً وعناداً" وكفراً وتعطيلاً. نعم، نعم، ليس كل الأشاعرة، كل الأشاعرة إلا الفلاسفة. نعم، لكن علماء الكلام هذا عندهم خلق المتجدد هذا. متفق عليه حتى عند من قال إن العرض يبقى زمنين كابن
السبكي في نهاية جمع الجوامع، فإنه مقر معهم على أن الخلق متجدد، لكنه يقول إن العرض يبقى زمنين لأن العرض منه قار وغير قار، فيجعل غير القار مثل الزمان غير قار يجري وهو لا يستطيع أن يمسكه، لكن هذا... سيقول هذا اللون ليس هو لون الأمس، لا تجعلوها باقية زمنين، لكنه يفنى. هل انتبهت إلى ذلك؟ نعم، فهمت. متفقون على الخلق المتجدد، وإن أنكر بعضهم أو ادعى بعضهم أن العرض يبقى زمنين. نعم، وهذا هو مبدأ الصيرورة والتحول الدائم، يعني مثلاً مثل ما بقي لا. ليس التحول الدائم هذا قانوناً آخر، لكن هذا خلق متجدد حتى لو لم يتم التحول، إنه إمداد دائم، ولو انقطع الإمداد فَنِيَ العالم،
ولذلك هذا يشبه "اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين". هو يعتقد، هو لا يدعو بأنه يعني من الممكن أنه لا، هو يقول. اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين حتى لا أفنى، أي معنى هذا كذلك حتى لا أفنى من الوجود، لأنك لو وكلتني إلى نفسي طرفة عين انقطع الإمداد، وإن انقطع الإمداد ذهب الاستعداد، انتهى الأمر، لم يعد هناك استعداد، لم يعد هناك أحد مستعد يفعل شيئاً، أي يُعبّر عنه، أي ما بدأت السيرورة كما يقولون. إنه إن الإنسان لا يستحم في نهر مرتين في نهر واحد، يعني النهر أو البحر مثلاً، النهر المتغير أو تجدد المياه الدائم هذا، هل هو نفسه
تجدد الخلق؟ لا نريد أن ننظر إلى هذا من جانب الخلقية، الإمداد هو الذي تقوله، لكن من جانب الخلقية، ليس من جانب المخلوقية، لأنها في... فارق ما بين الخالقية والمخلوقية، نعم. تصور أن... نعم، يمكن أن نتصور للخلق بداية لكن لا نتصور له نهاية. وبالعكس، يمكن أن نتصور عدداً لا نهائياً في المستقبل. يعني كيف؟ أتيت اليوم بقلم، غداً سآتي بقلم، وفي الغد الذي بعده سآتي بقلم، سآتي بقلم إلى متى؟ إلى
ما... لا نهاية إلى أن تتخذ المادة التي تأخذ منها العَلاقة أو مدة لا يحدث عن جميل جميل، فإن كان هذا من عدم، فإن كان هذا من عدم والعدم لا نهاية له لأنه هو الأصل فلا ينتهي، لكن هذا التصور إذا ربطناه بالعقيدة لابد أن نتصور بأن للكون نهاية وقيامة أنفاس. أهل الجنة، هل تتصورها النفس؟ الذي يخرج من أهل الجنة - نحن نقصد بالكون ذا القيامة والدنيا، وما الدنيا فقط - لا نقصد الخلقية سواء كان في الدنيا أو في الآخرة. هذا لا نهاية له، أنفاس أهل الجنة لا نهاية لها، ولكن هل يمكن أن نتصور عدم النهاية هذا في قبيل الماضي؟ في الماضي
بمعنى أن هذا الكون لا بداية له، لا يمكن أن نتصور هذا، لا بد أن له بداية رياضياً ومنطقياً، لا بد أن كل العقلاء لا بد أن يثبتوا له بداية. هذا الإشكال هو الذي حدث لابن تيمية رحمه الله، قال: الرحمن على العرش استوى، فلا بد أن يكون. هناك عرش مع الله، قالوا: "العرش مخلوق، ولو كان مع الله لكان شريكاً للباري في القِدَم". قال: "لا، هو كان هناك عرش وفني، وكان قبله عرش وفني، وكان قبله عرش وهلك، وكان وكان وكان إلى ما لا نهاية". قالوا له: "أنت مجنون، لا يمكن أن يكون هناك ما لا نهاية في الماضي، ما لا نهاية". كُن في المستقبل ولا
تكن في الماضي، لأن الماضي انظر ما من شيء محقق إلا وقبله شيء محقق، لكن في المستقبل ما من شيء محقق إلا وبعده شيء مقدر. لا يوجد قلم هنا ولا يمكن وجود شيء له عدد في الكون ويكون غير محصور، ما هو محصور فهو لازم من. بدايةً يجب أن يكون محصوراً لأنه موجود، والموجود يمكن عدّه، لكن الذي غير موجود هو الذي يمكن تخيّله وجعله كل مضاف واحد يزيد العدد مستمراً إلى ما لا نهاية، لكن في الماضي لا يمكن تصوره. فابن تيمية وقع في هذا لأنه أراد أن يثبت الصفة، فلما ناقشوه جعلوه يضطر للكلام.
هذا لكن أظن أنه لو امتدت به الحياة لرجع ولوجد مدخلاً آخر لكلامه، لأنه لا يمكن أن يتصور عاقل هذا، فعدّوه من أخطائه نعم بالقوة لا بالفعل، لأنه... نعم... ها نحن بدأنا نستعمل التصور الكلي، لأن الله سبحانه وتعالى لو كان خالقاً بالفعل دائماً لكان العالم قديماً والعالم... هذا قديم لا يرفضه المسلمون، ولذلك فالله سبحانه وتعالى كان خالقاً صلوحياً لا تنجيزياً، يعني بالقوة لا بالفعل. صلوحياً كان، أي أن صفاته تصلح للخلق لأنه قادر ومريد، فهو يصلح
للخلق، يقول للشيء كن فيكون. لا تنجيزياً ليس أنه خالق بالفعل، بل خالق بالقوة. ها ماذا أيضاً؟ نعم، كيف يتم تثبيت هذه الدرجات الخلية على الكتب الدراسية، ومتى وكيف انتهى لنستعمله لفهم الكتابة؟ لا بد أن تكون هذه الأشياء في أذهاننا ونحن نقرأ حتى نفهم الكلام من خلالها. أما متى انتهت، فهي لم تنتهِ بعد لكن اتسع عدم الفهم. العالمين بها الذي يعرف هذه
التصورات أصبح قلة، ولكن علينا مرة أخرى أن نعيدها حتى يعرفها كل الناس، فيكونوا مؤهلين لتلقي هذا التراث وفهمه من المشايخ. ولكن الآن عندما يدرِّس المشايخ ويفتقد الناس هذا، لا يفهم كثير منهم، فنريد أن نجعل الناس تهتم بهذا حتى تكون مهيئة للجلوس والفهم والتعامل. مع الترتيب هل فهمت شيئًا؟ كيف تتحكم في البداية حتى تم التطبيق حتى كل الكتاب يكتبون وحسب هذه النظرية
ابتداءً أو الآن ابتداءً؟ وكيف ينتهي؟ يعني أنا لا أفهم السؤال الآن، هكذا لا أفهم السؤال. هل تسأل عن كيف بدأت هذه النظريات؟ بدأت هذه النظريات في القرنين الأول والثاني للهجرة. بدأت لما دخل المسلمون فأُثيرت أمامهم أسئلة سألها غير المسلمين كانت معهم من ثقافاتهم وتراثهم في مصر في الشام أيضاً فلسفة اليونان. المسلمون فكروا فيها طبقاً لأوامر الكتاب والسنة ولتصورات الدين الحنيف والعقيدة السليمة، كيف يجيبون عن هذه الأسئلة من خلال هذه المصادر
ومن خلال هذه العقيدة فأجابوا عنها وكانت قمة ذلك الانفصال كانت في قضية خلق القرآن التي ضُرب فيها الإمام أحمد بن حنبل وهو يصرّ على ألا ينتقل إلى مصطلحات جديدة وإجابات جديدة. بعد ذلك، عندما خرج، كان كلما يُسأل عن القرآن هل هو مخلوق أو غير مخلوق، كان يقول: "كتاب الله"، فيضربونه: "مخلوق أو غير مخلوق؟" مخلوق كان يقول كتاب الله لما خرج قال له أصحابه شاعت الفتنة فلا بد من الإجابة فقال لهم هو كلام الله صفته
غير مخلوقة والسمع مخلوق والمسموع غير مخلوق والكتابة مخلوقة والمكتوب غير مخلوق ولفظي بالقرآن مخلوق فشاع في وسط الناس أن أحمد يقول لفظي بالقرآن مخلوق هو يقصد الهواء هذا قالوا إذا كلام الله مخلوق فرجع وقال من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر، لماذا؟ لأنه يعامل الناس بمصطلحات جديدة. فلما لم تؤدِ كلمة لفظ بالقرآن مراده انتقل إلى غيرها وعدَّ ذلك كفراً، لأن صفة الله لا يمكن أن تكون مخلوقة. ثم
بعد ذلك جاء أبو الحسن الأشعري والما تريدي والشافعي من قبلهم وأسس كل منهم جانباً، والخليل بن أحمد من قبلهم في النحو، وهذا في الأصول، وهذا في العقيدة، فأسسوا في خلال القرن الثاني الهجري وأوائل الثالث أسسوا كل هذه التصورات، ثم شاعت في الكتابات والتدوين بعد ذلك. وصلنا إلى العصر الحاضر وحدثت ازدواجية في التعليم وحدث أن... محمد علي باشا في مصر وقلَّده العالم الإسلامي جعلوا التعليم نوعين: نوع يدرس التراث والدين، ونوع آخر يدرس العلوم الطبيعية والتجريبية، فنتج من هذا انفصال من
أواسط القرن الماضي وإلى يومنا هذا بين الناس وبين التراث، حتى أصبحت هناك تلك الفجوة وذهبت تلك النظريات الكلية إلا عند قلة قليلة من... المشتغلين بالتراث الذين يقرؤونه ليل نهار ويحرقون أعمارهم وأوقاتهم فيه، هل هذا هو السؤال؟ طيب، هل هناك سؤال آخر؟ نعم، التصورات العاصمة التي كانت سائدة في ذلك الوقت أو في تلك الأوقات السابقة للحكمة عن اقتراح أو استخدام اقتراح، يصبح ارتباكاً. أريد أن أفهم ما الذي تفعله الآن، نوع من. أنواع التقويم لأناس ليسوا معنا تبقى مشوشة. أنا أريد أن أفهم ماذا يقول، لا
أريد أن أُقوّمه الآن. أين الفهم؟ هل أنت فهمت ماذا يقول لكي تعترض أو لكي تُقوّمه بشيء لم يره هو؟ أنا أريد أن أفهم وأريد أن أحل شفرة التراث حتى نصل إلى مرحلة الفهم ثم بعد ذلك... ذلك لنا أن نقول إن هذا التعريف ضعيف وأن هذا التعريف قوي وأن هذا الرأي لا أقبله وأن هذا المنهج أقبله وأكمل عليه بكذا إلى آخره، فلا يمكن أن نحاكمهم قبل أن نفهمهم ولا يمكن أن نحاكمهم بغير ما هناك، فسؤاله إما أن يكون واقعاً خارج الدورة بمعنى أنه هذا الذي تقوله سنلجأ إليه بعد ذلك ونرى إذا ما كان من الممكن أن يكون هناك أشياء قد توصل إليها البشر نستطيع بموجبها أن نسير على
هدي من كلام الله ورسوله تكمل المسيرة أم لا، وهل يوجد أم لا يمكن أن يكون هذا من الكمال والإقناع وفيه من التكامل والنظام ما يغنينا. عن هذا أو تكون مقصودة داخل الدورة فيكون حكمنا عليهم بغير ما يمكن أن نحاكمهم به. فإن كان خارج الدورة فنحن مصدقون معك، وإن كان داخل الدورة فنحن غير مصدقين. حسناً، خارج الدورة. حسناً، يكونون مصدقين. ألست أنت من سأل؟ السلام عليكم.