دورة الطريق إلى التراث | المحاضرة الأولى | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أبدؤكم بهذه التحية التي فُرض بها الإسلام على العالمين، نواجه الناس فنقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وجعل الله السلامة مبدأ عمارة الأرض بعد أدائنا للعبادات، فآخر شيء نقوله في الصلاة: السلام عليكم ورحمة. الله وبركاته تقولها ولو كنت وحدك فكأنك تسلم على الكائنات كلها، وجعله عنواناً للجنة فأسماها دار السلام، وجعله سبحانه
وتعالى عنواناً لما هو ضد العنف وضد الحرب، فالسلام عنوان لهذا السلام النفسي والاجتماعي والعالمي، وسمى دينه مشتقاً منه فسماه دين الإسلام، بل إنه سبحانه وتعالى علمنا أنه أطلق هذا اللفظ. الجليل على ذاته سبحانه وتعالى فاسم من أسماء الله الحسنى السلام فهي صفة بلغت الغاية في ربنا سبحانه وتعالى حتى جعلها بهذا الحال، والشكر موصول لهذه الجمعية المباركة جمعية العلماء لهذه الدعوة الكريمة حتى نلتقي هذا اللقاء
الطيب بكم، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا المجلس مجلس علم تحفه. تتنزل فيه الملائكة والرحمة، وتغشانا السكينة، ويذكرنا الله سبحانه وتعالى فيمن عنده كما ورد في الحديث النبوي الشريف، وأن يجعل هذا المجلس في ميزان حسناتنا جميعاً يوم القيامة، وأن يفتح علينا فتوح العارفين به، وأن يفتح لنا مغاليق العلم، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يمكننا فيما علمنا أن نعبد. به الله وأن نعمر به الأرض وأن نزكي به النفس، والكتاب المختار كانت له قصة، وهذه القصة قد تعيننا على كثير من فهمه.
هذه القصة أننا لاحظنا أننا بدأنا في قراءة التراث ونحن لا نفهمه، فكأن قطيعة وشيكة ستحدث عندما نقرأ كلاماً ولا نفهم معناه، ونحن نريد أن نفهم معناه. ليس على المستوى الأول من الفهم بل أن نفهم معناه فهماً عميقاً يجعلنا ككاتبه حتى يتاح لنا أن نقبل ما هو مكتوب أو أن نرفض
أو أن نناقش أو أن نختار أو أن نبني عليه مثلاً، ولذلك فالفهم على المستوى الأول يؤذن بالتقليد المحض، فأنت تقلد إمامك لأنك لم تفهم. إلا على المستوى الأول وهو فَهْمٌ على المستوى العاشر، ولذلك فهناك فارق بينك وبينه. فإذا كان هناك فارق بينك وبينه فلا بد أن تُسلِّم له القيادة، فإنما الإمام ليُؤتَمَّ به كما أرشدنا سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم. وقال تعالى: "ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر". والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا. وعلى
ذلك فتقليد الأمة للأئمة الأحبار الكبار كأبي حنيفة والشافعي وكمالك وأحمد وغيرهم من الأئمة التي انقطعت مذاهبهم كالليث بن سعد الذي يقول فيه الإمام الشافعي: "كان أعلم من مالك إلا أن أصحابه ضيعوه" فلم ينقل بعد ذلك. وظل مذهب الأوزاعي معمولاً به إلى... القرن الرابع الهجري كان هناك أئمة كبار وصلوا إلى معرفة الحقائق بعمق، وأدركوا الكتاب وأدركوا السنة وأدركوا كيفية فهم الصحابة، ففهموا بهذا المستوى. فلما جاء من بعدهم ولم يجدوا أنفسهم يفهمون هذا الفهم الدقيق العميق، فإنهم قلدوا، وهذا تصرف صحيح
تنفيذاً لقوله تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم". إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً، حتى قالوا: "لا تتحدث بما لا تعرف"، وأن السكوت أولى من الكلام، لأن السكوت معناه أنني لا أعرف، ولكن الكلام الخاطئ معناه أنني جاهل مركب. وهنا يقول الناظم على سبيل السخرية: "قال حمار الحكيم توما: لو أنصف الدهر كنت أنا الراكب". جاهل بسيط وصاحبي الذي يدّعي العلم الحكيم توما جاهل مركب. وصارت هذه الأبيات من أجل أن تخفف
الغلو من طالب العلم وصاحب شهوة المعرفة أن يتصدر قبل أن يتعلم، حتى قالوا: إن من تصدر قبل أن يتعلم كمن تزبب قبل أن يتحصرم، أصبح زبيباً ولكنه في الحقيقة حِصْرِم، العنب. قبل أن ينضج الحصرم، وهو العنب قبل أن ينضج، صنعت منه زبيباً سيكون مُراً. ولذلك فلا بد من الفهم من أجل ذلك. جربت نفسي لمعرفة الإجابة على هذا السؤال: كيف نفهم تراثنا؟ فهذا الكتاب الذي بين يديك محاولة في كيفية فهم التراث، هذا التراث باللغة
العربية في غالبه. هناك صحيح. من كتب بالفارسية وهناك من كتب بالأردو وهناك من كتب بالملايو وهناك من كتب بالتركي وهناك من كتب بالسواحلية في أفريقيا، ولكن في النهاية هم يرجعون إلى المصدرين الشريفين المقدسين: الكتاب والسنة، وهما بلغة العرب، ولذلك سيؤول الأمر كله لفهم هذا التراث بأكمله إلى لغة العرب، فحتى أفهم هذا التراث. بعمق فلا بد علي من أن أدرس لغة العرب، وقد كان بحيث إنني الآن هنا في سنغافورة أتكلم العربية فتفهمونني، إذاً فنحن درسنا العربية وعرفنا ما هي. نريد إذاً أن
نعرف ما هذا التراث، فذهبت أتأمل ما التراث. تحدده بعض القوانين الوضعية الحالية في العالم كله أنه كلما مضى... عليه ما بعد عصر معين محدد في مصر مثلاً عصر الخديوي إسماعيل. الخديوي إسماعيل كان موجوداً في القرن التاسع عشر، وهو الذي بنى القاهرة الحديثة. الخديوي إسماعيل يعود إلى سنة ألف وثمانمائة وسبعين، ونحن الآن في سنة ألفين وعشرين مثلاً، فيكون كأنه منذ مائة وخمسين سنة. إذاً، كأن التراث نحسبه سنة وصدرت
القوانين على هذا الأساس أن كل ما كان من مائة وخمسين سنة فهو من التراث. إذاً سيدنا الشيخ الإمام البرهان الباجوري سنعدّ كلامه من التراث، سنعدّ كتبه من التراث الذي نريد أن نفهمه. فإذا ذهبنا إلى شيخ الإسلام الباجوري الشافعي نجد أنه قد ألّف حاشية ممتعة جميلة سهلة. على شرح ابن القاسم الغزي على متن غاية أبي شجاع، لو قرأنا شرح الشيخ الباجوري على شرح ابن القاسم، نجد أن ابن القاسم في بعض الأحيان أشد عبارة من الباجوري. يفصل الكلام، ولو قرأنا
كلام أبي شجاع، وأبو شجاع كان خادماً للحجرة النبوية، وقيل إنه خدمها أكثر من... مائةٍ وثلاثين سنة وأنه عاش مائةً وستين سنة وأنه دُفِنَ عند الصفا نظراً لملازمته القبرَ الشريف هذه المدة الطويلة. فإكراماً له دفنوه عند الصفا وراء هذا المربع من بجوار سيدنا النبي. انظر إلى هذه الدرجة العالية لمثل هذا المخلص الإمام الفقيه الذي لا نعرف عن ترجمته كثيراً ولكن نعرف أنه من المكرمين الذين ألقى الله القبول
على كتابهم إن شاء الله إلى يوم الدين، فهذا كأمثال أولئك الأتقياء الأنقياء الذين ما زلنا نعيش في ظلالهم، كالإمام النووي والإمام زكريا الأنصاري، وكابن حجر الهيتمي وقرينه الإمام الشمس الرملي، وأمثال هؤلاء. فعندما تذهب إلى بدايات الباجوري، نريد أن نفهم هذا الكلام، فكيف؟ نفهمه، فهذا الكتاب أُلِّف من أفضل ما يخدم هذا الغرض، كيف تفهم ما كتبه الباجوري وأسلافه إلى العصر الأول حتى نصل إلى الكتاب والسنة، وهما المصدران المقدسان الشريفان
اللذان وصلا إلينا بأسانيد منضبطة وبعلوم عجيبة ألهمها الله المسلمين عبر القرون واختصهم بها دون سائر الناس، فليس هناك إمام في الدنيا ولا أديب ولا إمبراطور ولا ملك ولا صاحب سلطان ولا قائد جيوش قد حُفِظَت سيرته وأقواله بمثل ما حُفِظَ سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لأنه رجلٌ مؤيَّدٌ من عند ربه. سيدنا النبي أيَّده الله وهو حي، وبعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى أيَّده بحفظ قبره الشريف وليس... هناك قبر على وجه الأرض مقطوع
بأنه قبر نبي سوى قبر سيدنا النبي، حتى قبر إبراهيم في الخليل ليس مقطوعاً به، وقبر موسى في أريحا ليس مقطوعاً به، ويوسف له عشرة قبور؛ واحد في الشرقية عندنا في مصر، وواحد بجوار جده إبراهيم، وواحد في الأغوار، وهكذا. إذاً النبي الوحيد لماذا؟ الله أمر أن نذهب إليه فأين نذهب إليه إذا كان قد فُقِد أو لا يُرافع؟ قال: "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً".
حسناً، هذه آية لم تُنسخ، إذاً فأين نذهب إليه وقد ظلمنا أنفسنا وارتكبنا المعاصي ووقعنا في الخطأ والخطيئة؟ فلا بد من وجود القبر فكان شيئاً عجيباً غريباً، فالأنبياء ليست هكذا سُنَنُهم، الأنبياء فُقِدَت قبورهم، ولكن هذا النبي موجود. فتفعل هذا، تذهب إلى المدينة، تذهب إلى المواجهة الشريفة: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا سيدي يا رسول الله، جئتك من أماكن بعيدة بذنوب كثيرة، فادعُ الله لي واستغفر الله". لماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يسلم عليّ إلا
رد الله إليّ روحي فأرد عليه السلام"، ثم يستغفر الله. فعّال لما يريد. إذا وجد في خيرًا فالله يستجيب. سيدنا النبي يستغفر لي، وهذا شيء كبير، وإذا لم يجد الله في خيرًا فهذا أمر آخر. استغفر أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم. خلاص، وصلنا إلى النهاية، فالأمر كله لله وليس في هذا شيء من الشرك ولا من غيره. هذا تنفيذ لأوامر الله لنا، فيه من الله سلطان. إذاً، فهذا النبي مؤيد لأنه حفظ الله ذريته، والغريب أن
حوادث... الكون لم يؤيد إلا حفظ ذريته. أولاً: مات أبناؤه كلهم في حياته. ثانياً: ليس هناك عقب بقي إلا من فاطمة عليها السلام. وهكذا يقول الإمام البخاري في صحيحه كله، لا يذكر السيدة فاطمة سيدة نساء العالمين إلا ويقول "عليها السلام". فبقيت العترة، ويقول: "تركت فيكم" فيما أخرجه الترمذي. ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترة أهل بيتي. إذاً المسألة واضحة، كيف انتشر أهل البيت هذا الانتشار بالرغم من أن أبناء سيدنا
الحسين كلهم قُتلوا ولم يبقَ إلا علي زين العابدين هو الذي نجا وحده؟ فالله يقول لك: كان من الممكن أن أقتله لكم أيضاً يوجد من الذي أوحى إلى هذا الإنسان الكامل صلى الله عليه وسلم بأن ذريته باقية، الذي فعل هذا هو الله، مؤيد من الله. وقِس على هذا: القرآن محفوظ، والقبلة محفوظة، والديانة ما زالت. ثم إننا نتكاثر حتى أصبحنا في غضون خمس سنوات أكثر أهل الأديان أتباعاً، كان قبلنا الكاثوليك الآن. أصبح المسلمون... "أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟" قال:
"لا، أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل". إذاً فالعيب فينا وليس في تأييد الله لنا. الله يؤيدنا، وكل هذا تكليف قبل أن يكون تشريفاً. هذا تكليف لا تشريف، هو تشريف لكن يسبق هذا التشريف التكليف، فأنت مكلف أيها المسلم. أن تكون نسخة تعيش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن تعيش رسول الله أي أنك تعيش منهجه وتعيش مفاهيمه وحياته ومواقفه في هذا العصر كأنك رسول الله في هذا العصر. ماذا فعلت؟ أخذنا منه الرحمة وأخذنا
منه الرفق، إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع. ما من شيءٍ إلا زانه، رأيناه كيف كان يتعامل مع المشركين، رأيناه كيف كان يتعامل مع أهل الكتاب، رأيناه كيف كان يتعامل مع المنافقين، رأيناه كيف يتعامل مع كل أصناف الناس في الأرض، وكان كل ذلك بالرفق وبالرحمة، فصدق فيه قوله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم"، وصدق فيه قوله تعالى: إلا رحمة للعالمين، لو عدنا إلى المثال الأتم "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة". هذا هو المراد وهذه هي الغاية من هذا الكتاب ومن غيره، أن نفهم فندرك
فنطبق فنعيش، فإذا بنا ننقل الإسلام بالحال قبل المقال. كل الناس ستحبك، ولكن هم الذين يقولون: "نحن نحب هذا الإنسان". هذا إنسان، هذا معنى الكلمة. هكذا انتشر الإسلام وهكذا تمكن في الأرض، ثم بعد ذلك خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً، نعوذ بالله من ذلك. نلتقي أربع مرات، في كل مرة نأخذ قسماً من الأقسام الثلاثة التي بني عليها هذا الكتاب، وأقسامه تتمثل أولاً في... مداخل إلى العلوم التراثية الإسلامية، والقسم الثاني في نظريات أصول الفقه، رحلةٌ في العقلية العلمية
التراثية، والقسم الثالث معالم للتعامل مع القرآن والسنة والتراث. أولاً في التعامل مع القرآن، ثم مع السنة، ثم مع التراث، ثم قراءة في نص تراثي. في كل مرة نأخذ نحو ثمانين ورقة، والمقدمات والفواصل تأخذ... ثلاثين ورقة فمجموعها مائتان وسبعون ورقة هي حجم الكتاب. نبدأ الدرس برؤية عامة نحاول فيها أن نشرح هذا القسم الذي معنا. ونحن معنا من الساعة الثالثة إلى الساعة السادسة، وهذا معناه أن معنا ثلاث ساعات ستؤول إلى ساعتين
من أجل الإعداد والإدخال والصلاة وما إلى ذلك. ساعة ونصف للشرح ونصف. ساعة لتلقي الأسئلة، فنصف الساعة الأخيرة ابتداءً من الساعة الخامسة والنصف، حيث سننتهي في السادسة، تكون للأسئلة. فمن عنده أي أسئلة يحاول أن نعرضها ونحلها في هذا النصف ساعة. ثلاث مرات ستتبقى مرة. أرجو من سيادتكم قراءة الكتاب، وأي سؤال يخطر في بالكم تجمعونه للجلسات الأخيرة التي ستكون كلها. للمناقشة والحوار حول ما فهمناه أو درسناه أو أشكل علينا مما قرأناه،
وبذلك تنتهي المرات الأربع، ونستودعكم الله في دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، عائدين إلى بلادنا غانمين غير خاسرين. وكنا نتمنى أن نقيم بينكم، ولكن هكذا الدنيا لقاءٌ وفراق. نبدأ الآن في محاولة فهم التراث، أقول إنه حتى نفهم ما... نقرأ علينا أن نميز أولاً بين أمرين، الأمر الأول هو ما يسمى بمسائل التراث، والأمر
الثاني هو مناهج التراث. إذاً أنا لدي مسائل التراث ومناهج التراث. مسائل التراث على نوعين: نوع مطلق ونوع مقيد. ما معنى مطلق وما معنى مقيد؟ فلا بد علينا أن نعرف عامة كل ما يتعلق. بما يقيد وما يطلق وهم أربع جهات كما حددهم الإمام القرافي المالكي، أولاً الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.
هذه الأربعة تحفظها مثلما تحفظ اسمك. أقول لك ما اسمك؟ تقول فلان. أقول لك ما هي المقيدات؟ تقول الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. هكذا هو على الدوام مثل الاسم، تحفظها هكذا لأنها ستكون معنا فهم التراث وفي تجريده تجريد المسائل التي أمامي إسقاط الزمان وإسقاط المكان وإسقاط هذا. التجريد يعني التقييد والتجريد التقييد. أفهم المسألة في زمانها ومكانها مع شخصها وحالها. الإطلاق يعني أزل الأربعة هذه، ارفع الأربعة هذه، ألغِ الأربعة هذه، إذًا فهذا هو التجريد.
أقول لك ما الفرق بين التجريد والتقييد، تقول الزمانُ والمكانُ والأشخاصُ والأحوالُ، يأتي أحدُهم ويقول لي: أنا أريد أن أُجرّدَ التراث. فأقولُ له: إذا أسقطتَ منه الزمانَ والمكانَ والأشخاصَ والأحوالَ... سنستعملُها كثيراً جداً بحيثُ أنها مفتاحٌ من المفاتيح الأساسية للتعامل والتفاهم وفهم وتطبيق التراث. الزمانُ والمكانُ والأشخاصُ والأحوالُ، فهناك مسألةٌ خاصةٌ بزمانٍ معينٍ لا يجوزُ كما يقولُ القرافي. أن نطبقها في زمنٍ آخر وإلا يقول الإمام القرافي وإلا كان ضالاً مضلاً. تخيل أنك
ذهبت وقرأت في الكتاب وجئت لنا بالحكم تريد أن تطبقه دون أن تكون واعياً بأن هذا خاص بزمنٍ معين أو بمكان معين أو بحالة معينة أو لشخص معين أو أشخاص معينين، فالبعيد ضالٌ مضلٌ لأنه يغير شرع الله وهذا هو الذي يفعله المفسدون الذين نسمعهم يذهبون إلى كتب ويأتوننا بعبارات ويريدون أن يطبقوها في غير زمانها ولا مكانها ولا شخصها ولا حالها ويقولون نحن نطبق شرع الله ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج كلاب أهل النار لأنهم يتكلمون
بلغتنا ويذهبون إلى مصادرنا ويتحدثون كأنهم على دراية بحال الإسلام، يدعون إليه بغير ما أراده الله ورسوله. كيف يكون المسلم كلباً من كلاب النار؟ كيف يحدث هذا؟ كنت صغيراً، يعني لا أفهم كيف خرج هؤلاء. فعرفت وتذكرت مسجد ضرار. ما هذا بمسجد إذا كانوا هم المسلمين، هذا مسجد إذا كان المسلمون... لا، هؤلاء أحرقه رسول الله مسجدًا! تحرق مسجدًا يا سيدي يا رسول الله؟ نعم، لأنه
يريد التلبيس والتدليس. لِمَ تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون؟ مسألة سخيفة، مسألة النفاق. إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. هناك منافق عقدي يفعل هذا إغاظةً للمسلمين، وهناك منافق فعلي عن جهل، هو جاهل هو. يَعتقد أنَّ ما هو عليه، وهذا هو حال الخوارج الذين خرجوا يقتلون سيدنا علياً باب مدينة العلم. فهذا حاله، هو يظن أنه يفعل شيئاً لله. عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل سيدنا علياً كان عنده كتاب لتحفيظ القرآن، وكان من تلاميذ سيدنا
معاذ بن جبل في اليمن، فهذا شيء مروع. محفظ القرآن يذهب ليقتل مدينة العلم، باب مدينة العلم. "أنا مدينة العلم وعلي بابها"، يقول: "اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه"، يقول: "الحق مع علي أينما كان"، وأنت تذهب لتقتله؟ إذاً هناك تلبيس. من أين أتى هذا التلبيس؟ من فقد هذه المعرفة التي عرفها العلماء: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. هذا هو الفرق بين التقييد والتجريد في المسائل التي نريد أن ندرسها، ولكن تحت ظل معرفة الزمان والمكان
والأشخاص والأحوال. وهناك مناهج - نحن قلنا إنه توجد مسائل وتوجد مناهج - المناهج نأخذها حسب كيفية تفكير السلف الصالح، وما هو مراد كلامهم. هذا هدفه: كيف نجرده ونطبقه في عصرنا الحاضر والأشخاص والأحوال التي لنا، نعم هكذا ستصل إلى أن تعيش مثل رسول الله وليس أن تجلب زمن رسول الله إلى هنا. لم يكن هناك طرق معبدة ولا سيارات ولا ساعات ولا ميكروفونات، فهل هذه بدعة لأنها أمور مستحدثة؟ لا، فالرسول قال: "من أحدث في أمرنا
هذا ما ليس منه" ولم من أحدث في أمرنا هذا شيئًا فهو ردٌّ، لا من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه. فالمنابر منه، لأنه لما كنا قلة كان المنبر الصغير يكفينا حتى يصل الصوت إلى المجموع. الكثير على المنبر ليس تفخرًا وليس تكبرًا، بل أداءٌ لوظيفة إيصال الخطبة إلى أذهان وأسماع الناس، فكان هذا. منه لأنه لمصلحته عندما فرشنا بيوتنا بالسجاد والموكيت وما شابه ذلك للنظافة، والنظافة من الإيمان. أخرج الترمذي أن الله نظيف
يحب النظافة. إذاً لا يصلح الآن أن أصلي في النعال. أصلي في النعال على الحصباء أو على النجيل أو على النبات، ولكن لا أصلي بالنعال على السجاد لأن هذا من واضحٌ أننا راعينا الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. رضي الله تعالى عن العلماء الذين تأملوا وتدبروا وهم أصحاب تقوى، لم يكونوا قد باعوا أنفسهم لأحدٍ من البشر ولا لأحدٍ من أبالسة الجن. لم يحدث ذلك، فهؤلاء أناسٌ أتقياء أوفياء عند ربنا، منحهم الصفاء ومنحهم الذكاء، فرضي الله
تعالى عنهم. إذاً، فعندما إلى التراث وأريد أن أفهمه يجب أن أضع في ذهني مفهوماً وهو التفرقة بين المسائل والمناهج. المسائل جمع مسألة وهي مصدر ميمي. انظر إلى عمق الأمر، تأمل في مستويات العمق. "مسائل" جمع "مسألة"، والمسألة مصدر ميمي يصلح للدلالة على الزمان والمكان والحدث. إذاً هذه الكلمة مصدر ميمي عميق. أعماق الفهم كون
أن المصدر الميمي يصلح للدلالة على مكان السؤال أو على زمان السؤال أو على نفس السؤال، هذا عمق آخر سيفيدني في فهم الحديث وسيفيدني في فهم القرآن وسيفيدني في التمكن من العربية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا..." قبور أنبيائهم مساجد. جمع مسجد، ومسجد مصدر ميمي يدل على الزمان والمكان والحدث، إذاً فهو يدل على مكان السجود وزمان السجود ونفس السجود. ففهم
بعض إخواننا أن مساجد التي هي الجوامع التي بجانبنا، هذا جامع قاسم، لم يكن هذا ما فهمه العلماء الأكابر أهل اللغة كالبيضاوي أن هذا هو اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد أي سجدوا لها يعني عبدوا من فيها، وهذا بنص القرآن: "وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله". هذا هو النهي لأننا أصحاب توحيد خالص، الرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق. واضحة معالم الكلام، فعندما نأتي لنبني بجوار قبر سيدنا الحسين... مسجد يقول: "هل أصبحتم في النهي؟" لا يا أخي، نحن لسنا
في النهي. هذا المسجد اسمه المسجد الجامع. أما المسجد الذي يتكلم عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أن تسجد لمن في القبر، وليس هناك أحد من الفرق ولا مجنون من المجانين عبد سيدنا النبي في بعض الفرق. عبدتْ عليًا وبعض الفرق من المسلمين عبدتْ الحاكم بأمر الله الفاطمي، وليس هناك أحد - انظر، التأييد - ليس هناك أحد ولو كان مجنونًا عبد محمدًا. إذًا محمد محفوظ من عند الله حتى على المجانين. شخص واحد - حسنًا، دعنا نترك شخصًا واحدًا يريد أن يكيد للإسلام أهلاً وسهلاً، ونحتفل به ونفرح وهكذا،
ولكنني أعبد محمداً؟ ينظر إلينا هكذا حتى نغتاظ، أو حتى يكون هناك شخص وعد وقال أنه يعبد محمداً. تخيل أنه ليس هناك حتى من يفعل هذا ولو بتدبير خبيث. لم يحدث. ما هذا؟ هذه معجزة. يعني حسناً، ولا واحد ولا حتى... لا على سبيل الكيد للمسلمين ولا على سبيل إغاظة المسلمين. يا أخي، ما من أحد يعبد محمداً. ليس هناك عبر التاريخ من قال إنني أعبد محمداً، تخيل! ولذلك عندما جاءت قضية الاستغاثة
"الغوث يا رسول الله"، فذهب ابن تيمية وقال إنكم بذلك عبدتموه، فقبضوا عليه وسجنوه وقالوا: أنحن عبدناه بالاستغاثة؟ ادعُ لنا يا رسول الله، وكما علمنا، يدعو رسول الله وغالباً ما يُستجاب له، ولكن الله غالب على أمره، والله قاهر فوق عباده، يفعل ما يشاء. فالله سبحانه وتعالى يمكن أن يستغفر له النبي فلا يستجيب له، وفي يوم القيامة يقول: "أصحابي أصحابي"، فيُقال له: "صهٍ يا محمد، إنك لا بعدك فالأمر بيد الله وحده، ولكن هذا دعاء "ادْعُ لي يا أخي، ربنا يفرج عني" فدعوت أنت له، فلم يُفرج.
الأمر بيد الله، يفعل ما يشاء ويختار من يشاء، وما شاء فعل لما يريد. شرك؟ من أين أتت هذه الغباوة؟ هذه غباوة نابعة من عدم إدراك أن مساجد... جمع مسجد، وأن مسجد مصدر ميمي يصلح للدلالة على الزمان والمكان والحدث، فوقعوا في هذا العَبَط، في هذه الجهالة. سبب هذه الجهالة ماذا؟ الجهل بالعربية، حتى ظنوا أن بناء مسجد على قبر يوجب الشرك أو يوجب الحرمة وكذا. والله سبحانه وتعالى قال: "قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن
عليهم مسجدا". عليهم وليس لهم، عليهم مسجداً فبنوا مسجداً فوقهم. فعندما تذهب إلى الأردن في فيلادلفيا تجد قبر أصحاب الكهف وفوقه مسجد. إذاً فمن الذي صدق ومن الذي كذب؟ الذي صدق هو الذي تمسك بالعلم، والذي كذب هو الذي تحدث بما لم يعرف، يتكلم بما لا يعلم واتبع ما ليس له به اعلم أنه إذا كنا في حاجة إلى فهم التراث، فالفهم أولاً يجب علينا أن نفهمه. ما مسألة مسائل التراث؟ يعني ما هي المسألة؟ المسألة هي الجملة
المفيدة. تسمعون عن الجمل المفيدة: مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل، جملة مفيدة. هذه هي المسألة. كل التراث مبني على الجملة المفيدة: الصلاة واجبة، الظهر ركعات جمل مفيدة، إذا لا بد عليك وأنت تفهم أن تعرف المسند إليه والمسند. لقد أخذناها في النحو: المبتدأ والخبر أو الفعل والفاعل. صلى الرجل، ذهب التلميذ إلى المدرسة، وهكذا. فالجملة المفيدة تتكون من المسند والمسند إليه، أسندنا شيئاً
إلى شيء، كأننا نصف شيئاً بشيء. هذا الرجل ذهب إلى... هذا المكان، هذا الرجل، يكون هو المسند إليه. ها قد أسندنا إليه ماذا؟ الذهاب أو شيء ما. عندما نقول: "هذا الطالب ذهب إلى المحاضرة"، يكون قد ظهر لدي شيء اسمه "إلى". ما حقيقة هذه "إلى"؟ قال: هذه حرف معانٍ. قلنا له: ماذا يعني حرف معانٍ؟ ها نحن نتعمق، إنه حرف قال: لا توجد خريطة، دائماً نبحث عن هذه الخريطة التي ترسم المسألة، فتضع لنا كلمة بالإنجليزية هكذا يسمونها "بانوراما". البانوراما
تعني هكذا شيئاً ما مع خلفيتها. فما القصة؟ هناك حروف مبانٍ عددها كم؟ ثمانية وعشرون حرفاً مذكورين أين؟ أبجد هوز حطي كلمن صعفص قرشت ثخذ ضظغ. أما الترتيب الذي رتبهم هكذا: ألف باء تاء ثاء جيم حاء دال، فقد قام به عبد الملك بن مروان، حيث جمع كل الحروف المتشابهة وجعل هذه نقطة، وهذه نقطتان، وهذه ثلاث نقاط، وهذه نقطة، وهذه بلا نقاط. فالجيم والحاء والخاء واحدة تحت، وواحدة فوق، والدال والذال والراء والزاي والسين والشين أبجد هوز حطي كلمن عمل هكذا كم حرف أبجد هوز حطي كلمن صفحه قرش اتخذ
انضع ثمانية وعشرين. طيب يسمونهم ماذا؟ حروف المباني. مباني ماذا؟ بناء يعني مباني؟ قالوا لا، مباني لأننا نبني منهم الكلمة. ضرب أكل شرب، يقوم نأتي بالشين مع الراء مع الباء وتصبح شاربا، نأتي بالصاد مع... اللام مع الألف المقصود يكون صلّى وهكذا، وسنقوم الآن بصلاة العصر. فنعم، لقد أذّن مالك. لماذا تستعجل؟ هل أنت معترض على أنه أذّن أم معترض على أننا سنصلي أم ماذا بالضبط؟ حسناً، فحروف المباني نبني منها الكلمة،
أما حروف المعاني فتكون إما حرفاً واحداً أو... حرفان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة وكل واحدة لها وظيفة أتت بدلاً من المفاعيل. زرع الفلاح الحقل، "الحقل" مفعول به، ولكن عندما نقول: ذهب الطالب إلى المدرسة، يوجد في الأصل مفعول به الذي هو الحقل، لكن لا يوجد مفعول إليه، ولا يوجد مفعول منه، ولا يوجد مفعول عليه الكتاب. على المنضدة هذه تكون المنضدة هذه مفعول الكتاب
المنضدة، لكن لا يوجد هكذا في اللغة العربية. يوجد مفعول به ومفعول فيه (الظرف) ومفعول لأجله (له) ومفعول مطلق، لكن لا يوجد مفعول منه، مفعول إليه، مفعول عليه. لا يوجد. فجاءت هذه الحروف بدلاً من المفاعيل. عدد هذه الحروف كم؟ تسعون حرفاً. الفاء من عن إلى وهكذا نوصل إلى لعل أربع حروف لكن خمس حروف ولا تزيد عن خمسة، كل هذه تُسمى حروف المعاني. لماذا هي حروف؟
والحرف ما ليس له علامة. وقِس على ذلك تكن علامة أو سواهما. الحرف كهل وفي ولم فعل مضارع يا ليت لم كيشم وماضي الأفعال بالتمز. وُسِمَ بنون أن فعل الأمر فيه، فحضرتك الآن ما هي "هل" و"في" و"لم"؟ "هل" حرفان، "في" ثلاثة، "لم" حرفان. كل واحدة منها ما تعمل ومنها ما لا تعمل، ولكن كل واحدة لها معنى، وقد يكون لها معنيان، وقد يكون لها تسعة معانٍ. كم معنى لهذه الحروف التسعين؟ يعني لو أحضرنا الحروف التسعين هكذا وكتبناها تحت بعض، كم معنى لها؟ ستة وخمسين معنى.
طيب، الحروف التسعين هذه مذكور فيها من القرآن كم حرف؟ ستة وثلاثين حرفاً، وبقية الحروف لا، ليست مذكورة في القرآن. لكن الذي مذكور في القرآن منها ستة وثلاثين، فيبقى أنا لو درست الستة والثلاثين جيداً جداً وعرفت... المعاني التي تأتي لها والمعاني الحقيقية والمجازية تكون علامة كبيرة، مَن العلامة الكبير الذي ساعدنا في هذا؟ ابن هشام، ألّف كتاباً سماه ماذا؟ "مُغني اللبيب عن كتب الأعاريب". يا سلام! يعني عندما يكون لديك "مغني اللبيب" لا تقرأ شيئاً آخر، لماذا؟ لأنك أصبح معك كل شيء، "مغني اللبيب" جمع ثمانين. حرف منهم الستة والثلاثين التي في القرآن،
طيب، هل قرأت الثمانين حرفاً أو التسعين حرفاً التي أوردها المراد وعرفتها تماماً؟ تقرأ قصيدة امرئ القيس فتفهمها على الفور، تقرأ - لا أعرف - القرآن الكريم فتفهمه، تقرأ القديم والجديد الذي يخص... فتفهم. لماذا؟ لأنك أدركت حروف المعاني. إذن، حتى نفهم التراث ندرس حروف المعاني، يجب أن ندرس الجملة المفيدة المسند والمسند إليه، يجب أن ندرس دلالات الألفاظ لكي نعرف هذه الكلمة "بُرّ"، ماذا تعني؟ تعني قمح. وماذا يعني القمح؟ يعني الحبوب التي نصنع منها الدقيق ونصنع منها الخبز. نعم، فهمت هكذا. فهمت، لكن لو أن كلمة "بُرّ" هذه لم
أفهمها ونطقتها بر يعني ضد البحر، الصحراء يعني. طيب، بر الوالدين يعني أن أبر والديَّ وهكذا. طيب، بر، نعم هو ذاك، هو ذاك القمح لكني لا أعرف ما هذا البر. حسناً، لن تفهم، إذاً لا بد من دلالات الألفاظ. إذا كان لا بد وأنا أقرأ المسألة أن أدرك دلالات الألفاظ، أدرك. الإسناد، أدرك مرجع الضمير، أدرك مرجع اسم الإشارة، أدرك مرجع صلة الموصول الذي وأخواتها، أدرك حروف المعاني. آه، هكذا ابتدأنا نفهم أنه هذا علم، هذا إدراك التراث، هذا علم، والتراث
هذا موجود أين؟ قال: في خريطة ماذا هنا مسلم؟ الآن ماذا يعني؟ قال لي: عندي المصادر، هذه ماذا؟ ادخل. داخل المصادر أجد الكتاب والسنة وتراث الأئمة، فليس هناك فرق بين الكتاب والسنة وبين المجموعة للإمام النووي، لكن المجموعة تراث، وهو تراث محترم ومعتبر، ولكن كيف يكون الكتاب والسنة؟ حسناً، سنسمي هذا المصادر وتلك سنسميها التراث، هذا في هذا الجانب، لكن لا يكفي هذا، بل لا بد عليك أن... تُدرك الواقع، وما الواقع؟ إنه عالم الأشياء، عالم الأشخاص، عالم الأحداث، عالم الأفكار. أربعة عوالم، وهذا لا
يكفي، بل لا بد عليك أن تعرف كيف تربط ما بين هذا المصدر في الكتب وبين هذا الواقع. هذا الواقع متغير متشابك، فكيف تربط بينهما؟ إذًا، المسلم في العصر الحديث يحتاج إلى ثلاثة معرفة المكتوب ومعرفة الواقع والوصل بينهما. معرفة المكتوب هذا الكتاب والسنة، ومن ثمَّ ثانيًا التراث. ومعرفة الواقع بعوالمه الأربعة: عالم الأشياء، الأشخاص، الأحداث، الأفكار. وطريقة الوصل بينهما، ما هي طريقة الوصل بينهما؟ قال: أن تدرك الإجماع، أن تدرك اللغة
العربية، أن تدرك مقاصد الشريعة، أن تدرك مصالح الناس، أن تدرك. مآلات المسألة أنك عندما تهتف أو تقول افعل كذا أو افعلي كذا، إلى ماذا سيؤدي ذلك؟ قد يؤدي إلى فساد، فلا تقله. ليس المقصود أن شخصاً قال لك: تعال نصلي، فسألته: أين نصلي؟ فقال لك: هنا في عرض الطريق، لأنه جُعلت له الأرض مسجداً وطهوراً. حسناً، لكن السيارات ستصطدم بك. هكذا ستدهسك السيارات. كأنه يقول إن رسول الله لم يقل كلاماً صحيحاً! يعني تأتي وتمسك هذا الشخص وتحبسونه، ولماذا؟ لأنه لا يعرف كيف يربط بين النص وبين الواقع. هذا طريق ممنوع فيه الصلاة أصلاً، فأنت تقول: لا، هذا
طريق، "وجُعِلَت لي الأرض مسجداً وطهوراً"، فلا بد أن... أصلاً هنا تتعطل حركة المرور. قال: ما تتعطل، أنا ما شأني! نعم، إن ضحككم هذا يؤكد أن هذا مركوز في النفس البشرية، يعني كلنا نعرف أن هذا خطأ وأن هذا ضرب من الجنون، لكن هذا الضرب من الجنون الآن يدعوننا إليه. هذا الجنون الذي نضحك عليه هم يدعوننا إليه. لكنه يدعونا إليه بطرق أخرى ملتوية، لكنها هي ذاتها إذا حللتها ستجده هكذا. إذن نحن لدينا ثلاثة أمور: المكتوب من مصادر وتراث، والواقع بعوالمه الأربعة،
وكيفية الربط بينهما لمراعاة الإجماع واللغة ومراعاة المقاصد والمصالح والمآلات. هكذا تكون معنا بعض المفاتيح لفك شفرة التراث، الذي كُتب على أساس الجملة المفيدة أساس المسألة الذي كُتب باللغة العربية لأجل مرادات معينة نريد الوصول إليها. وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد
وعليه رحمة الله وبركاته. إذن، حتى نفهم التراث يجب علينا أن نبدأ من الجملة المفيدة، وفي الجملة المفيدة نبدأ. من دلالات الألفاظ ما هذا اللفظ الذي أمامنا. يشتمل معجم لسان العرب على ثمانين ألف جذر، ثمانين ألف مادة،
ولكن القرآن الكريم يشتمل على ألف وثمانمائة وعشرين جذراً فقط. فإذاً القرآن الكريم فيه من لغة العرب على قدر واحد وثمانية من عشرة على ثمانين. إذا وجدت هذه النسبة تجدها كأنها... اثنان في المائة، وبقية اللغة ليست في القرآن. كلمة "أسد" عبَّر عنها القرآن بكلمة "قسورة": "كأنها حُمُرٌ مستنفرة فرت من قسورة". الأسد له سبعمائة اسم في اللغة العربية، لم يُذكر إلا اسم واحد في القرآن وهو
"قسورة". إذاً فاللغة واسعة، اثنان في المائة فقط تجدهم في القرآن، وكذلك السنة. عدد الجذور التي فيها عندما بحثناها وجدناها ثلاثة آلاف وست مئة، يعني كأنها ضعف القرآن، منها الألف وثمان مئة التي في القرآن. فإذا ما تخيلنا معجماً للكتاب والسنة سيكون ثلاثة آلاف وست مئة جذر. أما بقية اللغة التي هي موجودة في لسان العرب فهي كالخادم لهذا الذي موجود في النص. المقدس من كتاب أو سنة، فينبغي
علينا أن ندرك هذه الألفاظ بأعماقها حتى نفهم الكتاب والسنة، أو نفهم هذه الألفاظ بأعماقها حتى ندرك ما في التراث. والتراث يزيد على هذا مصطلحات الفقهاء، وكلمة "مصطلحات" تجعلنا نعود إلى ما ذكره العضد الإيجي رحمه الله تعالى في علم الوضع، وعلم الوضع معناه... وضع الكلمة بإزاء المعنى هذا هو علم الوضع، فأصبح عندنا وضع لغوي منقول عن لغة العرب، وأصبح عندنا وضع شرعي، الشارع هو الذي وضع هذه الكلمة بإزاء هذا المعنى، وأصبح
عندنا وضع عرفي، والعرفي هذا إما أن يكون عرفاً عاماً بين الناس أو أن يكون عرفاً خاصاً بطائفة معينة من. أهل الفنون والعلوم وهو الذي نسميه المصطلح، فهناك مصطلح للشعراء، ومصطلح للغويين، ومصطلح للفقهاء، وللأصوليين، وللمتكلمين، وللمحدثين، وهكذا. حتى نفهم التراث يجب أن نفهم دلالات الألفاظ، وهذا يندرج تحته كل ما ذكرنا. ما معنى هذه الكلمة؟ ولكن انتبه أن معناها في اللغة أو في الشرع مختلف، فكلمة الصلاة في اللغة
العطف، ومعناه أنك تسير هكذا في طريق ثم تحيد. "تحيد" معناها تنعطف، أي تغير اتجاهك هكذا. هو "انعطاف" وليس "رجوعاً"، لأن الرجوع يعني أن تعود مرة أخرى، لكن هذه الحركة تكون هكذا وهكذا، اثنتين فقط، انعطاف وليس رجوعاً. فالرجوع يعني أنك ستعود مرة ثانية هكذا، لكنك تنعطف فقط، فيصبح اتجاهين في طريقٍ ثم سرتُ في طريقٍ آخر انعطفتُ، هذا في اللغة، ولذلك يسمون الفرس في سباق الخيل الذي يخرج أولاً ويفوز أولاً المُجلي، والثاني المُصلي. الثاني
هو المُصلي لأن المُجلي هو الذي أخذ الأول، الثاني المُصلي. إذاً الانثناء هذا هو معنى الصلاة، فجاء الشرع وجعل كلمة الصلاة معناها هذه العلاقة. التي بين العبد وربه، إذن هي بين اثنين لا واحد. الرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق. "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال عبدي: الحمد لله، قلت: حمدني عبدي" وإلى آخره. إذن الصلاة مكونة من اثنين: رب العالمين هو المصلى له، والعبد هو
الذي يصلي لرب. العالمين هذا عنق لغوي صلى صلوا عليه وسلموا تسليما لماذا الصلاة على سيدنا تعني أن هناك سيدنا وهناك مسلم يصلي عليه لا بد للصلاة إذاً من وجود اثنين من وجود اثنين ومن هنا جاءت العلاقة بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي يأتي العرف العام ليطلق الصلاة على الفروض الخمسة هذه أو كذا إلى آخره، إذن العصر، فأخوك يقول لك: ألا تقوم فتصلي، فيقول:
اللهم صلِّ وسلم عليك يا رسول الله. قال: لا، وأنا ما قصدت أنت أن تصلي على النبي، أنا العرف العام يجعلك، أنا أقصد الصلاة التي حلت الآن، العصر، فلا يكفي أن تقول: اللهم صلِّ على النبي، لأنك... تقوم بالصلاة أنت الآن تتلاعب، كيف تتلاعب؟ تتلاعب بين المعنى الشرعي والمعنى العرفي، فالعرف العام أطلق الصلاة على هذه التي هي فروض، إنما من الناحية الشرعية ما تصلي. قلت له: "اللهم صل وسلم عليه". عندما قال لك: "صلِّ على الحبيب"، هل ينفع يا ولدنا ألا نصلي
عليه ونسلم تسليماً؟ ولكن هناك تلاعبٌ بين المعنى العام والمعنى الشرعي، لذا لا بد أن ننتبه إلى أن الكلمة لها معنى في اللغة، ولها معنى في الشرع، ولها معنى في العرف العام، ولها معنى في الاصطلاح. يجب أن نفرق بينها. "اللهم فقهه في الدين" تعني علِّمه، وهذا في اللغة، أما الفقه في الاصطلاح فهو المكتسب من أدلتها التفصيلية هذا اصطلاح ليس معناه مطلق العلم كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس "اللهم فقهه في الدين"، فقهه في الدين، كل الدين
وكل العلم، فسمي بحبر الأمة، لكن ليس هكذا المراد هنا. هل تدرس الفقه؟ نعم أدرسه. ما معنى العلم بالأحكام الشرعية؟ فأنت... عندما تقرأ التراث لا بد أن تميز بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي والمعنى العرفي والمعنى الاصطلاحي، وتعلم أن لكل فن من الفنون اصطلاحه. ثالثاً وأنت تدرس هذه الأمور، درسنا الآن دلالات الألفاظ، درسنا الآن الإسناد، درسنا الآن حروف المعاني، درسنا الآن، لا بد أن تلتفت إلى الحقيقة والمجاز لأن
اللغة ما يُسمى بالحقيقة وفيها ما يُسمى بالمجاز، فعندما نقول "رأيت أسداً في المعركة" يُقصد به الرجل الشجاع وليس معناه الأسد المفترس الذي له لبدة، ذلك الحيوان المفترس. فكلمة "أسد" في الحقيقة تُطلق على الحيوان المفترس، لكن مجازاً تُطلق على الشخص الشجاع. وعندما نقول "رأيت بحراً يدرس في المسجد"، فبمجرد أن عالم كبير جداً كأنه بحر، لكن البحر هو ذلك الذي فيه الماء المالح، لكن بحراً يدرس أو بحراً لا أعرف ماذا أو بحراً كريماً مع الناس وهكذا، نعم هذا بحر الجود هكذا
إلى آخره. فالتفريق بين الحقيقة والمجاز لا بد أن يُرى وأنت تقرأ المشترك، فالمشترك موضع التباس. رأيت شخصاً. يوصي ويقول: "وجعلت العين لابني فلان"، العين قد تكون البئر وقد تكون الذهب، اسمه عين. فأي الأمرين يعني؟ وهنا يذكرنا كلام الإمام الشافعي: "المشترك لا يعم". لا يأتي هذا الولد ليقول: "أوصى أبي لي بالعين"، فيحصل على البئر والذهب. لماذا؟ وقال:
"العين" كل ما يُطلق عليه عين نعطيه. قال: لا، المشترك لا يعمل. وانظروا إلى قولي مثلاً أن الله وملائكته يصلون على النبي، فهنا مشترك لكنه لا بد أن يفسر في حق الإله بتفسير أنه الرحمة والتنزلات والتجليات، وفي الملائكة بالدعاء. يبقى إذاً المشترك، ثم
أمام الجملة المفيدة، ثم أمام حروف المعاني، ثم أمام قضية الحقيقة والمجاز، ثم... بعد ذلك المشترك، ثم بعد ذلك البلاغة ومقتضى الحال لأنه يؤثر في المعنى. وفي كل هذا ننظر إلى المتغيرات الأربعة: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. وفي كل هذا
ننظر إلى قضية الإجماع، إياك أن تفهم شيئاً مخالفاً للإجماع، فهذا خطأ لما هو في إجماع، واللغة كما ذكرنا هي والمقاصد الشرعية. والمصالح الكلية والمآلات المعتبرة، كل هذه الأشياء يجب مراعاتها عند فهم النص، بحيث لا أفهم فهماً خارجاً عن ذلك. هذا مجمل ما نريد أن يصل إلى ذهنك وعقلك في النص. هناك ما هو حول النص، هناك النص الذي أمامك في الكتاب، لكن هناك شيء خارج النص. نفترض أنك... تريد أن تقرأ
في علم الفلك حتى تتعمق فيه، وسوف نراعي كل ما ذكرناه أثناء قراءة كتاب في علم الفلك كتبه أحد علماء التراث كالبتاني أو كابن يونس في زيجه (الذي يشمل) ست مجلدات أو نحو ذلك وغيره. لا بد أن ترى المستوى المعرفي العالي لابن حبيب أو ابن يونس لا بُدّ أن ترى السقف المعرفي، كتبوا هذا الكلام في مخيلتهم، كيف يكون حتى نعرف مصطلحهم، كانوا يتصرفون. هناك عندنا عالم من علماء الأزهر رحمه الله توفي سنة ألف وتسعمائة وأربعين كان اسمه طنطاوي جوهري، فطنطاوي الجوهري ألّف
كتاباً أسماه "بهجة العلوم"، في "بهجة العلوم" هذا يُوضح لك كيف... كان يتصور السلف الصالح العالم، فكانوا يتصورون الخريطة على صورة طائر فمه في الصين وقد يكون في سنغافورة، رأسه في جنوب شرق آسيا، وجناحه الأيمن في اليمن، وجناحه الأيسر في الشام وما بعد الشام إلى روسيا هكذا، وذيله في المغرب. هكذا كانوا يتصورون العالم، وهذا الطائر مقسم إلى
سبعة أقاليم. سبعة أقاليم هكذا: الإقليم الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السابع. إذاً سنرى في هذا التقسيم الكعبة أم القرى، وسنرى في هذا التقسيم أن الكعبة في محل القلب من هذا الطائر، وسنرى أن الشام في الشمال، وأن اليمن في اليمين، لأن منقاره في سنغافورة. فإذاً هذا يمين وهذا يسار، وهكذا. فإذا هذا التخيل فُتحت لك عبارات كثيرة جداً تتحير أمامها في التراث، كان يتكلم عن
وكيف كانوا يفهمون فقال إنَّ هناك ما يُسمى بالنسب العددية، وهناك ما يُسمى بالنسب الهندسية، وهناك ما يُسمى بالنسب التآلفية. العددية تسير بضم عدد معين لما تقول، فتقول مثلاً: اثنين، خمسة، ثمانية، أحد عشر. أربعة عشر ماذا تصنع؟ تزيد دائماً ثلاثة. لكن الهندسية: اثنين، أربعة، ثمانية، ستة عشر، اثنين وثلاثين. هذا أنت تضرب. هناك تضيف ثلاثة في كل مرة، هنا تضرب في اثنين.
إذاً هذه عددية وهذه هندسية. اجمع بينهما فتصير النسبة التأليفية. تقول: اثنين، خمسة عشر، عشرين، ثلاثة وعشرين، ستة وعشرين، اثنين وخمسين. إذاً أنت جمعت بين الاثنين وأن بُنيت على التآلف، بُنيت على المتآلفين، ومن هنا أصبح هناك ما يُسمى بالقرار وهو الصوت المنخفض، وهناك ما يُسمى بالجواب وهو الصوت المرتفع، قرار
وجواب، ومن هنا أصبح رسم تلك المنحنيات رسماً يقتضي المقامات، فهناك مقام البياتي، وهناك مقام النهاوند، وهناك مقام... الحجاز وعندما صنعوها اثنين وسبعين مقامًا وعليه يأتي كلام الخليل بن أحمد عندما اكتشف العروض في الشعر العربي أنه بين الساكن والمتحرك تن حرف متحرك بعده حرف ساكن هي تكون بعض التكوين تن تن أو تن
تن تن تن تن فوجد أن بُنيت أشعارها على هذا الساكن والمتحرك وفي بعض الأحيان تحرّك حرفين ولكن لا تسكن حرفين وهكذا فدخلنا في بحر مما لا نهاية له من نغمات فلو أضفت إلى هذا القرار والجواب، ولو
أضفت إلى هذا المسافات بين كل منها، لخرجت معقدة للغاية، ولذلك اعتبرها الفارابي من العلوم. الرياضية وليست من العلوم السمعية أو الفنية أو ما إلى آخره، بل هذه علوم رياضية، ولذلك هناك فارق بين من يغني ومن يلحّن. الملحّن هذا يعرف هذه الأشياء، لكن المغني لا يعرفها. المغني عنده أذن تلتقط وتقلد في المستوى الأول، لكن الملحّن أعمق، فهو يفهم أن هذا على الساكن والمتحرك مسافات وأن هناك أعداد إلى آخره حتى استطاع الخليل بهذا. دخل عليه ابنه مرة فوجده يفعل هذا "تن
تن تن" فقال: "جُنَّ أبي". خرج للناس قال لهم: "الحقوا الخليل جُنَّ". فالخليل سابغ فأنشأ بيتين وقال: "لو كنت تعلم ما أقول عذرتني، لكن جهلت مقالتي فعذلتني، وعلمت أنك". جاهلٌ فعذرتك، يعني لو كنت تعلم ما أفعله. إنه يؤسس علماً بعد ذلك، وعلماً صعباً اسمه علم العروض. فجاء كله من دراسة الساكن والمتحرك، وبعد ذلك حوَّلها إلى التفاعيلات هذه: مفاعيل، مفاعل، مفاعيل، مفا، فاعل،
مفاعيل، فاعل، مفا، وهكذا حتى ضبط الشعر العربي. وعندما أخذ القياس كشف حالته ومن عنده. الظلام طلبت مالاً. يقول مثلاً: "رِيمٌ على القاعِ بين البانِ والعَلَمِ أحَلَّ سفكَ دمي في الأشهرِ الحُرُمِ" من البحر البسيط. وهذا الرجل امرؤ القيس عندما يقول: "مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ معاً كجلمودِ صخرٍ حطَّهُ السيلُ من عَلِ" فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن، فمن البحر الطويل. وهكذا كل هذا بفضل الخليل الذي ما معنى "تن تن تن" وهكذا؟ لو علمتَ هذا ودخلتَ في دراسة لكنتَ
شخصاً يفهم، ولكن لا بد أن تفهم أبجدية هذا الكلام وبداياته. كان هكذا؛ فما الذي كان حول الخط العربي؟ الخط العربي انطلق من ابن مقلة، وكان ابن مقلة في القرن الثالث الهجري. ماذا أدرك ابن... مقلة شيء غريب، فتح الله عليه هكذا بشيء غريب. فابن مقلة يقول عنه أبو حيان: "لقد أوحى الله لابن مقلة تسديس الخط كما أوحى للنحل بتسديس بيوتها". كيف النحل حينما نفتح الخلية نجد كلها مسدسات، كيف يعني هذا؟ من الذي علمه؟ ربه. "وإذ أوحى ربك إلى النحل" وحي. كوني وليس وحي شرعي،
ليس النحل نبياً وإنما هذا إرشاد من عند الله سبحانه وتعالى. يقول أبو حيان: "فإن هذا ابن مقلة، ربنا فتح عليه وأوحى له بتسديس الخط". كيف يعني تسديس الخط؟ يعني ماذا تسديس الخط؟ أنه جعل هناك ميزاناً للحروف. يعني ماذا؟ أتى بالدائرة، الدائرة يمكن... أن ترسم فيها مسدساً داخل الدائرة اسمه المسدس الدائري لأنه ليس مسدساً خارج الدائرة بل هو داخل الدائرة، وحينئذٍ أمامك ستة خطوط، القطر يمثل الألف حتى قالوا الألف ميزان
الحروف. فعندما تفهم هذا وتأتي تقرأ هذه العبارة "الألف ميزان الحروف"، ما معناها؟ يعني ماذا؟ يعني ما هو المقصود بـ "الألف أو أنَّك درستَ الأبجدية الأولى لهذا، فإنَّ ابن مقلة جعل قطر الدائرة ميزاناً للحروف كلِّها. تفهم العبارة عندما ترسم مسدساً دائرياً، تجد هذا الوتر الذي هو الضلع الذي في الأعلى هنا في المسدس، بينه وبين المحيط مسافة، هذه المسافة جعلها ابن مقلة تُسمَّى بالنقطة. إذا قُسِّم القطر يصبح ثماني نقاط. ثمانُ
نقاطٍ: نقطةٌ فوقَ الخطِّ ونقطةٌ تحتَ الخطِّ، وبينَ الخطَّينِ ستُّ نقاطٍ. ستُّ مسافاتٍ، إذًا فإمَّا أنْ تجعلَ خطَّكَ على هذا الذي بينَ القُطرَينِ الوَتَرَينِ، وإمَّا أنْ تجعلَهُ بكاملِ الثمانِ نقاطٍ. ثمَّ يأتي فيجعلُ هذا الخطَّ هو جزءٌ منَ الحاءِ، ونحنُ نرسمُها هكذا. هذا جعلَها جزءًا منَ الحاءِ وجزءًا منَ... الجيم وجعل الذي بين الحاء والقوس الذي هو الذي بين الحاء جعله نقطة وبنى الحروف هكذا. لم
يفعل هذا، اكتشف أن هناك نسبة إلهية لا تتغير في هذا. الكلام واحد وستة من عشرة، وقال إن الكتاب الكريم نزل من عند الإله يشتمل على نسبة إلهية فاضلة لم نكتشفها بعد. تسمع فتقول: نعم، هذا قرآن، حتى لو كنت لا تحفظ القرآن. تسمع قرآناً هكذا وتقول: ما هذا؟ هذا قرآن. تسمع الحديث فتقول: ليس هو، ليس هو القرآن، هذا كلام سيدنا، وهذا كلام سيدنا. كيف هذا؟ هذا مشتمل على نسبة إلهية
فاضلة، هو سماها هكذا، لكن هذا ليس مشتملاً على... نسبة إلهية فاضلة، فماذا نصنع؟ قال: وما دام الكتاب قد نزل من عند الإله بنسبة إلهية فاضلة، فلا بد أن يُكتب بنسبة إلهية فاضلة، وهو استنباط هذه الحروف من المسدس الدائري الذي يشتمل على نسبة إلهية فاضلة لا تتغير، واحد ستة من عشرة، فأنشأ الخط العربي كثيراً مما كنا. نعرض الخط العربي للغرب فكثير يقول ما هذا؟ هذا فن، هذا تركيب، هذا يعني شيء وراءه شيء، نحن لا نفهم لكن هذا وراءه سر. نعم، إنه
مكتوب بنسبة إلهية فاضلة. ليست كتابة الصين ولا كتابة اليابان ولا كتابة الإنجليز بينها نسبة إلهية فاضلة، لكن كتابة بهذا. الخط فيه نسبة إلهية فاضلة، فحتى تفهم هذا لا بد أن تفهم هذا. فإذا قرأت بعد ذلك في تفاصيل ما هنالك في التراث كيف فعل ابن مقلة، تفهم لأن معك المفتاح. فجزء من فهم التراث أن تفهم هذا المفتاح، جزء من التراث أن تفهم أن ما يسمونه بالمقدمات حتى
تدخل. أي علم لا بد أن تدرس مقدماته، وهذه المقدمات يتحدث عنها الناظم فيقول: من أراد فناً فليقدم أولاً علماً بحده وموضوع تلا ونسبة. ماذا يعني "بحد وموضوع تلا"؟ يعني ما تعريف هذا العلم الذي أنت مقبل عليه؟ ماذا تدرس الآن؟ تقول: أدرس الفقه، فما تعريف الفقه حتى تدخل على بينة. حسناً، ما هو موضوع الفقه؟ يعني ما هو المسند إليه في كل مسائل الفقه؟ عندما نتأمل جيداً، ما هي مسائل الفقه؟
الصلاة واجبة، السرقة حرام، الزواج مندوب إليه، وهكذا. ما هذا إذن؟ الصلاة ما هي؟ المسند إليه الذي هو الصلاة والسرقة والزواج هو الفعل البشري، فإذن... موضوع علم الفقه هو أفعال المكلفين، وهي سهلة، فموضوع كل علم هو ما يُبحث في هذا العلم عن عوارضه الذاتية. الفعل البشري ما حكمه؟ أأفعله أم لا؟ هل هو مكروه أم مندوب؟ مباح أم حرام أم واجب؟ فإذن موضوع العلم - وكل
علم لا بد له من موضوع - مَن علماً بحدِّه وموضوعه، ثم يقول ونسبته، نسبته إلى العلوم، ما هو؟ هذا الفقه من أي علوم؟ يعني أهو من العلوم العقلية؟ من العلوم الرياضية؟ من العلوم الفلكية؟ يعني من أي نوع؟ فنقول إنه من العلوم الشرعية. ما هي نسبته؟ أين خريطته؟ دائماً يبحثون في التراث عن الخريطة لكي يفهموا بعمق. حديث عن ماهية هذا العلم وعلاقته بغيره وما استُمِدَّ منه ونسبته
وفضله، وما استمد فضله من أنه علم فضيل وهكذا. ويسعى الإنسان لمعرفة أحكام الله في البشر إلى آخره. وما استُمِدَّ منه الفقه هذا؟ من أين يأتي؟ فهو يأتي من الكتاب ويأتي من السنة ويأتي من فتاوى الصحابة ويأتي وهكذا منه وما استمد منه وحكمه أو وفضله وحكم معتمد واسم وما أفاد والمسائل فتلك عشر للمنى وسائل وبعضهم فيها على البعض اقتصر ومن يكن يدري جميعها انتصر هذه تسمى المبادئ العشرة أو المقدمات العشرة في كل علم لا بد أن تدرس هذه مقدمات وتعرف
أنت ماذا تدرس كل هذا ما هو حول العلم أيضًا أكّد هنا على قضية تصور السلف هذه التي نقول أنه ذكر كثيرًا منها. الرجل في بهجة العلوم الشيخ طنطاوي جوهري أكّد عليها
كثيرًا وتكلم عنها كثيرًا لأنها في منتهى الأهمية، وقد لا توجد في كتاب، فأراد هنا أن يجمع هذا كله في إمامته هذا. تبقى المناقشة إذا كنتم أو إذا كنت أنا قد عبّرت عمّا في بعض نفسي، فنرجو منكم أن تعبّروا أنتم أيضاً، فأنا أستمع إليكم. ليس هناك أحد يريد أن يسأل؟ ليس هناك أي سؤال؟ يعني كلكم من كبار العلماء، ولستم محتاجين إلى أي سؤال على وجه الأرض! هذا غريب عجيب!
تمام، الحمد لله. بسم الله الرحمن الرحيم. ما رأيكم في دراسة المنطق؟ دراسة المنطق... فابن الصلاح والنووي حرّما، وقال غيرهم ينبغي أن يُعلم، والقولة الشهيرة الصحيحة: جوازه لكامل القريحة مخالط السنة والكتاب ليهتدي بها إلى الصواب. الذي حصل أني رأيت أنه لا خلاف في إجازة المنطق، وذلك أن للمسألة تاريخًا... تاريخ ذلك أن... المنطق كان أحد ما كتبه أرسطو فيما
يُسمى بالأورجانون العظيم (Great Organon)، وهذا الأورجانون العظيم الذي كتبه أرسطو، كتب فيه المنطق لأنه يرد على السفسطائيين الذين كانوا يحاولون إثبات أن عمود الحجر ذهب، وذلك بالمنطق أو بالكلام والخداع. فخاف أرسطو على ضياع الحقيقة فكتب المنطق، لكن منطق أرسطو مكون... من تسعة أقسام: التصور، والتصديق، والشغب، والجدل، والشعر، والخطابة، وكذا فلما اطلع العرب على ما كتبه أرسطو عن طريق الترجمات، اختاروا منه التصور والتصديق، والتصور والتصديق
فقط هو الذي يخدمنا في علومنا. ولما جاؤوا إلى التصور أضافوا من عندهم أشياء كالتصور المركب، وهذا لم يقل به أرسطو. أضافوا إلى التصديق أيضاً أنّ هناك أشكالاً للإثبات أربعة أشكال عند أرسطو، اختاروا الشكل الأول فقط وتركوا الثلاثة، وأضافوا إلى هذا المنطق دلالات الألفاظ المطابقية والتضمنية والثلاثة دلالات، وحذفوا منه بقية التسعة. فالمنطق العربي متفق على
جوازه وهو الذي لخصه الإمام الغزالي ركن المذهب في بداية المستصفى وقال وفي معيار وقال أنه لا يصح علم إلا به وهو صادق، وأظن أن هذا لا يعترض عليه النووي وابن الصلاح، إذ إن النووي يعتمد على منطق أرسطو وليس على منطقنا الذي حذف وقدم وأخر واختار وزاد. والحق أن هذا منطق آخر متفق عليه بين العقلاء، ولا الإمام النووي يقصد هذا ولا الإمام. ابن الصلاح يقصد هذا، إلا أن ابن الصلاح هناك
رواية عنه أنه ذهب إلى أحد علماء المنطق في عصره حتى يدرسه بتعمق، فلم يفهمه من كثرة مصطلحاته وتشعيباته وما إلى ذلك. فالرجل خاف عليه، هذا العالم الذي في المنطق، وقال له: "يا إمام، أنت تُفتي الناس، ثم تقول أنا..." لا أعرف هذا المنطق الذي يهز سورة الفقهاء. قال: فماذا أصنع؟ قال: قُلْ إنه حرام.
فالذي قال عنه ابن الصلاح أنه حرام هو منطق أرسطو وليس المنطق الذي ندرسه نحن، والذي ألَّف فيه الرجل الأخضري "السلم" وما إلى ذلك. فهذا هو الرأي في هذه المسألة، كل هذا موجود في الكتب يحتاج إلى إخراج إلى تنقيح، نعم، ماذا؟ ثانياً، جاءك سؤال ثانٍ، وإنما ما في سؤال هو فقط سؤال المنطقة، نعم، هذا شيء آخر. من الذي يريد أن يسأل سؤالاً أو اثنين
أو ثلاثة إلى أن يمضي الكتاب والسنة غير قابلين للتطبيق في عصر الحضر؟ حمار، هذا حمار، تهمة التي نقول قال حمار الحكيم توما: "لو أنصف الدهر لكنت أنا الراكب، فأنا جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركب". فنحن نضعه في إطار الحمار، وهذا أفضل من أن نضعه في نطاق الحكيم توما. هذا جاهل لأنه يتصور
أننا نريد أن نعيش مسائل النبي، ونحن نقول له: نحن نعيش حياة النبي، وهناك فرق. بين حياة النبي وبين عصر النبي، فهو يتخيل في ذهنه أننا لا بد علينا من أن ندخل المسجد فنجده حصباء، ونجده الطريق غير مرصوف، ونجد أننا لا نلبس الساعات ولا نستعمل الهاتف المحمول حتى نكون نطبق، ونحارب بالسيف، لا تكون عندنا دبابات ولا طائرات ولا كذا، وإذا أردت أنا انتقل من مصر إلى سنغافورة فالحمد لله عن طريق السفينة أو عن طريق الإبل. هو يتصور
هذا وهو مسكين. نحن نعيش في عصر النبي ولا نسحب عصر النبي علينا. فقل له هذا يا أخانا: أنت لا تفهم شيئاً. تشير له بيدك، لا بد أن يدك تفعل هكذا. نعم، أنت لا هو بهدوء، أنت نحن نريد أن نعيش عصر النبي لا أن نسحب العصر علينا فقط وتأتي وتقول خلاص، لأنه لن يفهم ما تقوله لأنه مصمم في عقله أننا نريد أن نعيش عصر النبي. نحن لا نريد أن نعيش عصر النبي، الحمد لله أننا نعيش في هذا العصر. الذي فيه أجر من عمل منهم عشرة
ما أمروا نجوا. الحمد لله، حسناً. فإذا هذا كله، نعم تفضل. ماذا يعني حساب الحكمة والصرامة وليس على سبيل الاعتماد؟ نحن ندرس كل شيء، نحن ندرس البنيوية والتركيبية والسريالية وغيرها إلى آخره من مذاهب البشر. لماذا؟ لأننا مطالبون أن نواجه البشرية،
نواجه... البشرية بما لديهم من آراء ونشرح لهم ما موقفنا منها، هذا الشرح إنما هو بما يسمى في الإنجليزية بالبراديم، وفي العربية نسميه النموذج المعرفي. فنحن لنا نموذج معرفي. ماذا تعني كلمة باراديم؟ باراديم كلمة أتى بها كوين في الثورات العلمية في كتابه "الثورات العلمية"، ويقول أن كل عصر له باراديم هذا البارادايم يختلف مقاييس العلوم، فعندما كان هناك إقليدس، ترك لنا قواعد هندسية بها هذا
البنيان الذي نحن فيه الآن. إقليدس هو الذي قال إن المثلث مجموع زواياه مائة وثمانون درجة. إقليدس هو الذي عرَّف المربع وعرَّف المستطيل وعرَّف متوازي الأضلاع وعرَّف غير ذلك إلى آخره وأوجد فيها. الهندسة الإقليدية منسوبة إلى إقليدس، وكلها صحيحة، ولكن مع تطور الزمان والأفكار ظهر نيوتن. وقد أضاف نيوتن شيئًا آخر غير هذا، لم يهدم إقليدس بل أضاف دائرة صغيرة في دائرة كبيرة. ما الذي أضافه نيوتن؟ لقد أضاف أن لكل
فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه. قاعدة لم يدركها إقليدس لكن أدركها نيوتن، وظلت فلسفة نيوتن هذه أو الحقائق التي اكتشفها نيوتن من كون الجاذبية هذه لو تركتها لنزلت تحت جاذبية الأرض، وما جاذبية الأرض إلا ما استنتجه من التفاحة التي سقطت أمامه فقال إذا سبب هذا كذا وكذا، وتسير إلى الآن إلى أن ظهر أينشتاين، يا جماعة، أنتم حصرتم الأمر في الأبعاد الثلاثة: الطول والعرض والعمق، ولكن ألا تعلمون أن الزمن والكتلة والسرعة
لها أثر فيما تكونونه من الناحية الفيزيائية؟ فأتى بالنسبية وأوجد علاقة غريبة بين كتلة الشيء وسرعته، وأوجد زمنية الزمان التي أشار إليها ربنا دون أن نلتفت إليها، لأن الله لم يفتح علينا تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يوم يزيد بخمسين ألف سنة عندنا. يعني سيدنا النبي انتقل في ثلاثة أرباع ساعة، ويعني سيدنا عيسى رُفع في ساعة واحدة أو لم يكملها، بعد أن "يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون". ما هذا؟ فأماته الله مائة عام.
ثم بعثه قال كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً أو بعض يوم. قال: بل لبثت مائة عام، فانظر إلى... آخره. كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم. قال: بل لبثتم وربكم أعلم بما لبثتم، فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف. ولا يشعرن بكم أحد إذا هذه نسبية موجودة في الزمان، وهذه نسبية الزمان لم نلتفت إليها. إنها معنى لم نصدقه أن الله أمات عزيراً وأحيا عزيراً وما إلى آخره. إنما لم نلتفت إلى هذه النسبية إلا عندما نبهنا إليها أينشتاين، وما قاله إقليدس وما قاله نيوتن وما
قاله أينشتاين. إنما هو اتساع للعلوم، لم ينقض أحدهم الماضي بالبطلان، بل زاد عليه تراكماً معرفياً. نموذجنا يقول لكوين: فهذا له نموذج، وهذا له نموذج، وهذا له نموذج. بعد ذلك أخذ أهل الحضارة هذه الفكرة من كوين وقالوا: إذاً فكل حضارة لها نموذج. فيم تتمثل هذه النماذج في الإجابة؟ عن الأسئلة الكبرى، ما هي الأسئلة الكبرى؟ من أين أتينا؟ ماذا نفعل الآن؟ لماذا نحن هنا؟ ماذا سيكون غداً بعد الموت؟ أسئلة ثلاثة كبرى: ماضٍ،
حاضر، مستقبل. هل لديك إجابة؟ أنا كمسلم لديّ إجابة: من أين أتينا؟ الله خلق آدم وخلق السماوات والأرض في ستة أيام وأتى بآدم من التراب. والقصة موجودة لدينا إجابة على السؤال الأول، والله قادر على كل شيء، والله يقول للشيء كن فيكون. ومعي تفصيل للإجابة على هذا السؤال: "ماذا تفعل الآن؟" عبادة، "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، "إني جاعل في الأرض خليفة"، "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها"، أطلب منكم عمارها، فنحن نعبد الله. نعمر الأرض ونزكي النفس، ماذا سيكون غداً
بعد الموت. لدي تفصيل أنه في يوم يُسمى يوم القيامة والحشر والنشر والصراط والجنة والنار والحساب والعقاب والثواب. لدي تفصيل تام عن ماهية الجنة، ولدي تفصيل للجنة وشكلها والذي فيها، لهم فيها ما يشتهون إلى آخره. ما هي النار؟ لدي فيها أنها سبع في الدرك الأسفل من النار وعذابها شديد مهين عظيم. لا تسأل عن شيء إلا عندما أجيب. لدي إجابة مفصلة عن كل الأسئلة. هذا هو النموذج المعرفي الخاص بي. ماذا تفعل هنا؟ طبقوا التكليف.
أي تكليف؟ أصلاً أنا مؤمن بوحي ربنا. اختار واحداً وكان اسمه محمد بن عبد الله صلى الله وآله وسلم وهذا الرجل أظهر خوارق للعادات في حياته وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى. لن أقول مات، بل سأقول انتقل إلى الرفيق الأعلى لأنها آخر كلمة قالها: "إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى". إن أعجبك فأعجبك، وإن لم يعجبك فعش حياتك، كل شخص يعيش حياته وأنا حياتي هكذا. هذا الرجل ومنوِّر دعانا إلى كل خُلُقٍ كريم. الوارد عنه ستون ألف حديث؛ ألفان في كل الشريعة في كل الأحكام والفقه، وثمانية
وخمسون ألفاً في الأخلاق. "والله لا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه"، "والله لا يؤمن من لم يكرم ضيفه"، "والله لا يؤمن...". ما هذا؟ ما علاقة إكرام الضيف بالإيمان بالله؟ أخلاق مرتبطة بالعقيدة ثمانية وتسعون في المائة من الكتاب والسنة في الأخلاق المرتبطة بالعقيدة. أنا مسرور هكذا يا أخي، أنا مسرور بأنني مسلم وأحمد ربنا على كل شيء وأقول الحمد لله الذي جعلني مسلماً. لماذا أنت غاضب؟ لا تغضب، ابقَ في حالك إذا أحببت أو تعالَ إلى هذا النور، نحن في نور وكل شيء من جوار اسمه النموذج المعرفي. أنت مؤمن بالإطلاق والنسبية؟ قلت له: نعم، مؤمن بالإطلاق والنسبية
معاً. قال لي: أنا مؤمن بالنسبية فقط لأن نيتشه قال لي أؤمن بالنسبية فقط. قلت: والله يكون في عونك، حتى إيمانك بالنسبية فقط هو نوع من أنواع المطلق. فأنت في الحقيقة مؤمن لكن بنيتشه. أنا مؤمن بالله لكن أنت مؤمن بنيتشه. أنت متحيز لنيتشه وأنا متحيز لله. يوجد عندنا وحي، ويوجد عندنا يوم آخر، ويوجد عندنا إله، ويوجد عندنا الإيمان بالوحي وبالواقع. من أين أتيت بالإيمان؟ الوحي والواقع. قلت له: يا أخي، "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، ها خَلَقَ. ها هو الكون يكون كتاب الله المسطور، وبعد ذلك لم يسكت عن
القراءة: "اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم" الذي هو الوحي: "ن والقلم وما يسطرون". إذًا يوجد كتاب الله المسطور وكتاب الله المنظور. المسطور هو الوحي، والمنظور هو الكون، وكلاهما من عند الله "ألا له الخلق والأمر". الخلق هو الذي نحن فيه، والأمر أمر الله تبارك الله رب العالمين. فإذا كان هذا الكون قد صدر من الله خلقاً، وهذا القرآن صدر من الله أمراً، وكلاهما من عند الله، في عالم اسمه عالم الخلق وعالم اسمه عالم الأمر. "يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي". هناك شيء. اسمها أمر الله هكذا،
وأمر الله هذا هو ما بين الخلق، ما بين الحادث والقديم. إذاً أنا عندي إجابة لكلها، إذاً أنا صاحب نموذج معرفي. هذا النموذج المعرفي لو جلسنا مع أحد الناس في العالمين سيكون له رأي آخر، فأقول له: هذا نموذجي، ولكم دينكم ولي دين. أنت تسألني عن... أنت، أنا أقول لك من أنا. موحد بالله، مؤمن بالوحي، مؤمن برسالة النبي، مؤمن بأن القرآن كتاب من عند الله، مؤمن باليوم الآخر وما فيه، مؤمن بالنسبية والإطلاق. مؤمن... بثلاثين نقطة في النموذج المعرفي، مؤمن بالفطرة، أن هناك فطرة وصفاتها كذا وكذا
إلى آخر ما هنالك، إذن... إذا كان النموذج المعرفي هو الإجابة على هذا السؤال، فنحن لدينا نموذج معرفي استقيناه من كتابنا وسنة نبينا وعقيدتنا، وعليه نعيش ونعيش في أي نموذج من النماذج. سيدنا الذي هو أسوة حسنة، والذي أمرنا الله باتباعه في كل حال وفي كل حلٍ وترحال، ترك لنا أربعة نماذج: نموذج مكة أنا. مسلم في وسط كفار يكرهونني، وعلّمنا كيف نتعامل في هذا الموقف، وعلّمنا كيف تكون الأخلاق،
وكيف يكون الوفاء بالعهد، وكيف نرد أمانات المشركين عندما جاؤوا يقتلونه في الهجرة، ويجعل علياً رضي الله تعالى عنه مكانه في الفراش حتى يهاجر هو وأبو بكر. علّمنا أن لا نقاتل وأن لا نؤذي أحداً. وأن نكون مثالاً يحتذى وأن نصبر، إلا أني رسول الله ولينصرني الله. إن الرجل ممن كان قبلكم كان يؤتى به فيوضع المنشار بين عظمه ولحمه، لا يصده ذلك عن دينه شيء. ولينصرن الله حتى تسير الظعينة من هنا إلى الحيرة لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها. علمنا النموذج
الثاني الحبشة، ذهب صحابته إلى الحبشة. عندما ذهبوا إلى الحبشة كانوا مسلمين في بلاد تحترم الإسلام لكنها لا تدين به، تحترم الإسلام لكنها لا تدين به ولا تريده. يا أخي، لم يحملوا الناس على الإسلام حملة ولم يصطدموا معهم، بل عاشوا في أوساطهم وأغلبهم لم يعد. هذه الحبشة هذه من أولاد الصحابة، أغلبهم من أولاد الصحابة، لم يعيشوا في أمان وسلام، والرجل الذي كان عليهم مع بقية السلطة لم تكن مسلمة. وعندما أسلم
النجاشي "أصحمة"، لم يسلم معه بقية الديوان ولا ابنه حتى ولا زوجته ولا أي شيء، هو وحده فقط الذي أسلم. النموذج الثالث. المدينة أولاً: أول ما جاء النبي إلى المدينة كان فيها مشركون وكان فيها يهود وكان فيها مسلمون أنصار ومهاجرون وكان فيها منافقون، فوضع لهم صحيفة المدينة مثل الدستور الذي نملكه الآن. وفي صحيفة المدينة تحدث عن المواطنة وأنني كمواطن لا بد أن أدافع عن هذا البلد، ولا بد أن أدفع لا بد أن كانت مشكلته مع اليهود أنهم لا يريدون
تطبيق الدستور وخانوا الخيانة العظمى أثناء الحرب، وهذا يستوجب الإعدام في كل التشريعات حتى يومنا هذا. فالخيانة العظمى في وقت الحرب تعني الجاسوسية. وهذا ما حدث فعلاً، حيث طُرد اليهود ثلاث مرات: بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير، فتخلصت المدينة عندما أراهم الأخلاق لم يُسلموا كرهاً ولا أكرههم ولا فعل فيهم شيئاً، "لا إكراه في الدين"، إنني أقول: لا أريد منافقين، ولو أكرهت إنساناً على الإسلام لكان منافقاً، يقول له: حسناً، أنا خائف منك، أنا مسلم. هو منافق. في النموذج الرابع، المدينة أخيراً
أو ثالثاً خلصت البلاد إلى المسلمين. من عند الله لا حول ولا قوة للمسلمين به دول عشر سنين، هناك أربعة عشر سنة قضاها في مكة وهنا عشر سنوات، إذاً نحن أمام أربعة نماذج. انظر أنت في أي نموذج أنت؟ أفي نموذج التعددية أم أنك في نموذج آخر؟ انظر إلى الفرق في مصر مثلاً، الحكام مسلمون والغالبية من تسعين في المائة وانظر مثلاً في سنغافورة، المسلمون ليسوا بهذه الكثرة. أينما كنت تسكن: لندن، سنغافورة، مصر، المدينة المنورة، فمعك نموذج من سيدنا عليه الصلاة والسلام. عش كما عاش
وكما عاشت صحابته. كن كما أنت في مكانك، بعد ذلك ماذا فعل؟ أحبهم الناس. ودخلوا في دين الله أفواجًا ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾ ليس واحدًا واثنين، لا، لماذا؟ لأنهم انبهروا بهؤلاء الناس الأمثلة، فكونوا أنتم الأمثلاء. هذه هي القصة، لكنه صلى الله عليه وآله وسلم تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. الحقيقة أنه لم يترك لنا شيئاً يقربنا إلى الله ويقربنا من الجنة ويبعدنا عن النار إلا وقد أمرنا به، وما ترك شيئاً يبعدنا عن الله ويقربنا من النار ويبعدنا
عن الجنة إلا وقد حذرنا ونهانا عنه. أصبحت المسألة في أيدينا نحن، فقم بواجبك، كن مسلماً، وعش كما كان رسول الله، ذكرها الشيخ أسامة قائلاً إنني قلت له هذا الكلام منذ أربعين سنة: "عِشْ كرسول الله"، فهذه هي المعيشة التي تجعل كل شيء ميسراً وتجعلنا نطبق حياة النبي، ولكن ليس بهذا المفهوم أنه غير قابل للتطبيق، وأن أتساءل من أين أحضر إزاراً، أو من أين أحضر ما لا أعرف ماهيته، وماذا لا أَلْبسُ أيَّ شيء. النبي صلى الله عليه وسلم عاش في كل الأجواء وفي كل الأشياء وتركنا على المحجة البيضاء، وكلها
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، كل هذا حتى عندما جاء ليسلم أيضاً قال: "السلام على من اتبع الهدى"، حتى الناس الذين كانوا يحرفون السلام ويقولون: "السام عليك يا محمد" الهلاك عليك يا محمد، قال: "وعليكم"، يعني وعليكم. عائشة تعصبت، فقال: "يا عائشة، إن الرفق ما دخل في..." قالت: "ألم تسمع يا رسول الله ماذا يقولون؟" قال: "أما سمعتِ ماذا رددتُ عليهم؟ وعليكم وخلاص. إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وما نُزع عن شيء إلا شانه"، فصلى. اللهُ وسلمَ على سيدنا النبيِّ، وإلى لقاءٍ آخرَ، نستودعُكمُ اللهَ، والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ. جزاكم
اللهُ خيراً. تعالى ما شاء اللهُ، استغرقنا في البحرِ، فموعدُنا غداً بإذنِ اللهِ في الساعةِ الثانيةِ والنصفِ بإذنِ اللهِ، والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.