دورة الطريق إلى التراث | المحاضرة الثانية | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بالأمس تحدثنا عن كيفية فهم الجملة المفيدة وملخص ما قلناه أننا يجب علينا أن نفهم دلالات الألفاظ التي هي من اللغة وقلنا أن المستعمل من اللغة قليل لأن جذور القرآن ألف وثمانمائة وعشرون حرفاً أو جذراً في حين أن جذور العربية نحو ثمانين ألفاً، فهذا قدر يسير لا يتجاوز الاثنين في المائة، وبقية اللغة لا تُستعمل استعمالاً قرآنياً،
وأن السُّنة على الضعف من ذلك، ثلاثة آلاف وستمائة جذر، وعلى ذلك فهذا قدر يسير جداً يمكن للإنسان أن يحصل عليه. فإذا أضفنا له ما كُتِب في التراث فإننا لا نخرج عن خمسة آلاف جذر مثلاً من ثمانين ألف جذر، وهذا يجعلنا ندرك دلالات الألفاظ. لكن لا بد علينا أن نفهم الإسناد، وأن نفهم قضية الحقيقة والمجاز، وأن نفهم قضية الاشتراك، وأن نفهم أيضاً مع هذا الاشتراك الترادف، وأن الفروق اللغوية: فهناك بعض الألفاظ
في لغة العرب تُستعمل وتكون مختلفة إذا اجتمعت، ومفترقة إذا افترقت. مثل الفقير والمسكين: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ" إلى آخر الآية في سورة التوبة. الفقير عرَّفوه بأنه من احتاج عشرة ودخله ثلاثة، فالفجوة كبيرة بينه بين الاحتياج وبين الدخل، سبعة. يحتاج سبعة وهو دخله ثلاثة. أما المسكين فدخله ثمانية أو تسعة وهو يحتاج عشرة فهو قريب، فيقول: "إنما الصدقات
للفقراء" ليس فقط للفقراء بل أيضاً للمساكين، لأنه قد ترى أن تسعة من عشرة يعني لا يحتاجون إلى صدقة لو أنه عمل أكثر، فإنه يأتي بهذا القدر. الصدقات تُخرج للفقراء شديدي الاحتياج وتُخرج أيضاً للمساكين الذين يحتاجون معونة بسيطة، لكن لو استعملنا كلمة "الفقراء" وحدها دخل فيها المساكين، ولو استعملنا "المساكين" وحدها دخل فيها الفقراء، فهما مترادفان إذا افترقا ومختلفان إذا اجتمعا.
هناك أمثلة كثيرة لهذا النوع من أنواع الكلمات، أنه إذا افترق ترادف وإذا اجتمع افترق في المعنى. أمثال هذه المعلومات في اللغة ينبغي على أن يدركها حتى يفهم التراث، فمع هذه الحقيقة والمجاز والاشتراك والترادف والافتراق والفوارق اللغوية إلى آخره. أيضاً تكلمنا عن حروف المعاني وأنه لا بد منها، حتى ألَّف ابن هشام كتابه الماتع "مُغني اللبيب عن كتب الأعاريب"، يعني كأنك تستغني به عن كل النحو. وأيضاً ما يُسمى بالسياق والسباق واللحاق.
فعندما تذهب إلى الجملة فلا بد أن تقرأها من خلال ما سبقها ومن خلال ما لحق بها ومن خلال هذا السياق كله السابق واللاحق، فهذا يسمونه السباق واللحاق، يعني السباق قبل، واللحاق بعد، والسياق متصل، يعني موصول هكذا مستمر. فالسياق والسباق واللحاق يجب عليك أن تفهم هذه، وقلنا أن الكلمة... قد يكون لها معنى في اللغة ومعنى في الاصطلاح، فإذا قرأت فناً فلا بد أن تعرف مصطلحاته، لا بد أن تعرف كتبه المعتمدة، لا
بد أن تعرف ترتيب هذه الكتب، وكل ذلك والحمد لله وفي كل الفنون ألّف فيه علماؤنا رضي الله تعالى عنهم وجزاهم عنا خير ما جزى علماء. أمة عن أمتهم فإذا ما فهمنا التراث فرقنا بين مسائله ومناهجه، فالمسائل تتعلق بالمتغيرات الأربعة: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وقلنا هذه نحفظها كما نحفظ أسماءنا. أما المناهج فهي تحتاج إلى عملية تجريد بأن نسقط الزمان والمكان والأشخاص والأحوال عن المسألة، ونأخذ كيف كان يفكر هذا الإمام
الكبير مثل سيدنا الإمام. النووي مثل سيدنا الإمام القرافي مثل سيدنا الإمام الشافعي مثل سيدنا الإمام أبي حنيفة، كيف كانوا يفكرون، وهذا ما ينقلنا إلى القسم الثاني الذي نتحدث عنه اليوم، لأن هذا القسم الأول ستفهم فيه التراث وهي خطوة أساسية ولابد منها حتى تتعامل مع هذه الكتب الشريفة التي تركها لنا آباؤنا، تركوا. لدينا كنزاً كبيراً لا يقدره كثير من الناس. فنحن نفهم التراث، لكن بالرغم من هذا الفهم إلا أننا لم نتعمق في فهمه. نحن فهمنا
الكتب، وأصبحت سيادتك نسخة من الكتاب، حفظت البخاري كله وأصبحت تحمل اسمه، ماذا يعني من أنت الآن؟ لا شيء، مجرد نسخة من البخاري، ولدينا عشرون نسخة المكتبة أصبحت واحداً وعشرين. هذا يحفظ البخاري. نعم، هذا فضل كبير، لكنه ليس هو المنتهى، هذه خطوة في الطريق طريفة لطيفة. عندما أراد السلطان عبد الحميد خان، وكان خليفة المسلمين في اسطنبول، عندما أراد أن يتبع صحيح البخاري أتى بالنسخة التي تسمى بالنسخة اليونينية، وذلك
أن الإمام اليونيني وكان إماماً. في الحديث قرأها علي بن مالك صاحب الألفية في مجلس من العلماء فيه سبعون عالماً في دمشق. قرؤوا البخاري في نحو سبعين مجلساً، وعندما يصلون إلى موضع فيه اشتباه أو فيه روايات، كان الإمام اليونيني يعرف الروايات، والاشتباه والتوجيه يعرفها ابن مالك إمام أهل النحو، فيوجهها لهم ابن مالك هذه. تصلح أن تكون مبتدأ وتصلح أن تكون كذا وتصلح أن تكون مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة ولما هي هكذا إلى آخره، فأثبت الإمام اليونيني رضي الله تعالى عنه هذا على هوامش تلك
النسخة، فسميت بالنسخة اليونينية نسبةً إلى الإمام اليونيني، وهذا كان في القرن السابع الهجري، وكانوا يهتمون جداً. حينئذ بالأسانيد وبتحرير العبارات وبالضبط مما دعا الإمام النووي أن يؤلف كتاباً مثل تهذيب الأسماء واللغات حتى يعلم الطالب أن يقول كذا ولا يقل كذا، لا تقل كذا وقل كذا، قل ولا تقل، يصحح لك النطق ويصحح لك الضبط ويصحح لك العبارة، تهذيب الأسماء واللغات حتى لا تنطق اسماً خطأً. ولا تنطق كلمة فيها اشتباه. إذ
أرسل السلطان عبد الحميد هذه النسخة إلى مصر، فشكَّل شيخ الأزهر الشيخ حسون النواوي لجنة برئاسته لأنه شيخ الإسلام، وكان منها فلان الفلاني، رجل من علماء الأزهر لا نعرفه ولا نعرف أي ترجمة له، مشتغل بالبخاري، أي كيف يكون مشتغلاً بالبخاري يعني. حياته كلها هي البخاري فقط، يعني حياته كلها في حفظ هذا الكتاب وفي تحريره. مشتغل بالبخاري، واحد من اللجنة. هذا الرجل يحفظ البخاري. لماذا لا نعرف عنه شيئاً؟ لأنه حافظ
فقط، يعني هو حافظ البخاري، جزاه الله خيراً. فكان حلقة لوصول هذا الكتاب المهم إلى الأمة من بعده. هذا أمر. أي إن شاء الله يكون ثوابه الجنة، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هذا ليس منتهاه، لأنك بعد ذلك تقرأ البخاري، ثم تستفيد منه، ثم تتعلم منهجه في التوثيق، ثم تطبق هذا المنهج في سائر العلوم. هذا هو العلم، والعلم لا يعرف الكلمة الأخيرة لقوله تعالى: "وفوق كل ذي علم عليم، ولقوله تعالى: "وقل رب زدني علماً". يعني كل يوم تقول: "يا رب زدني علماً". هل أنت بلغت الغاية وحفظت البخاري؟ هذه هي الخطوة
الأولى فقط. "يا رب زدني علماً" كل يوم. يعني حتى الإمام الشافعي والإمام أبو حنيفة والأئمة يقولون: "رب زدني علماً". طبعاً العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة، شيء اسمه "الحمد لله انتهيت من العلم، أنا أعلم من في الأرض"... حتى لو كنت أعلم من في الأرض، ففوقك عليم، وقصة الخضر مع موسى تبين هذا. لا يوجد شيء اسمه أنك أعلم من في الأرض، أنت أعلم ممن في الأرض في شيء معين، لكن "وفوق كل ذي علم عليم". علينا أن نعلم أننا نريد أن ننتقل إلى المرحلة الأخرى من الفهم بعمق أكبر مما ذكرناه في اللقاء الأول
بالأمس. العلوم متسعة، فضربنا مثالاً للتعمق في أصول الفقه. كيف نتعمق؟ تخيّل، فكّر، كيف أتى الإمام الشافعي بهذا النظام ومدرسته من بعده. الإمام الشافعي ألّف الرسالة في أصول الفقه وأرسلها الإمام عبد الرحمن بن مهدي في العراق والذي نقلها سُمي بالنقال لأنه نقل الرسالة من القاهرة إلى... القاهرة
لم تكن موجودة حينئذ لكن مكانها كان موجوداً. كان في هذا الوقت المكان الذي أنشأه عمرو بن العاص، ومسجد عمرو بن العاص ما زال في القاهرة إلى الآن، فنحن نقول... القاهرة مجازًا لكن ساعتها لم تكن القاهرة قد أُنشئت لأن الإمام رضي الله تعالى عنه توفي في عام مائتين وأربعة. فالمهم أنه في أواخر القرن الثاني أرسل الشافعي رضي الله تعالى عنه الرسالة مع الناقل، ولكن بعد ذلك رأينا العلماء يكتبون حتى وصلنا إلى أمثال الإمام الغزالي ووصلنا بعد ذلك الإمام الرازي والإمام البيضاوي والإمام الإسنوي
وهكذا، ما الذي وصل إلينا من هؤلاء الأعلام؟ وصل إلينا أن الكتاب الأول في الكتاب القرآن الكريم، والكتاب الثاني السنة، والكتاب الثالث الإجماع، والكتاب الرابع القياس، والكتاب الخامس في الأدلة المختلف فيها، والكتاب السادس في الترجيح (التعارض والترجيح)، والكتاب السابع في الاجتهاد، هكذا قُسِّم. البيضاوي مثلاً والرازي، الرازي قسَّم المحصول هكذا. فوقفنا نتفكر
كيف يفكر هؤلاء الناس. نريد أن نقوم برحلة داخل عقل الإمام الشافعي والإمام الرازي والإمام الغزالي، ما دام هؤلاء هم الحجة عندنا، واطمأننا إلى علمهم ودينهم وفقههم ولغتهم، وشمائلهم واضحة، والله سبحانه وتعالى بارك في علمهم فنشره وجعل الشرق والغرب يتكلم. عنه إذا نريد رحلة يعني كيف فكر هو الإمام الشافعي، عندما كتب لم يكتب كيف فكر. إذاً نحن الآن نتعمق في الفهم كيف فكروا أو ماذا أرادوا.
أن يكونوا على يقين فسألوا أنفسهم أسئلة، وهذا الذي بين أيدينا هو إجابة تلك الأسئلة التي لم يذكروها. إذاً أنا عندما سمعت... الإجابة عرفت أنه كأنه سأل ماذا. عندما تسمعني وأنا أقول: "أنا في سنغافورة اليوم"، يكون المتحدث الخاص بي سألني قائلاً: "أين أنت؟" هكذا أنت لم تسمع "أين أنت؟" وإنما سمعت الإجابة فعرفت منها السؤال. إذن هذه طريقة نستطيع أن نقوم من
خلالها برحلة في ذهن هؤلاء الأكابر، فسألوا أنفسهم. أنا الآن الشافعي أو الرازي أو الغزالي أو أحد الأكابر، فالشافعي يسأل نفسه ويقول: أنا الآن أريد أن أعبد الله سبحانه وتعالى عن بينة، كما قال تعالى: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي". فكيف أعبد الله وليس بيننا نبي؟ عندما كان سيدنا موجوداً كنت أذهب حسناً، توقف.
لا أحتاج، سيدنا غير موجود. أسأل من؟ ماذا أقول؟ إلى أين أذهب؟ كيف أعرف مراد الله؟ هذا سؤال يحتاج إلى إجابة. أريد أن أعرف مراد الله سبحانه وتعالى حتى أتبعه وحتى أطيعه وحتى أعبده، لكن ما مراد الله إذاً؟ هذا الحال يمكن أن نلخصه في سؤال يقول: ما هي الحجة التي عليَّ وبحثوا أبحاثها ونظروا في الأسانيد وفي النقل وفي المنقول
والمعقول ووصلوا إلى أن الحجة هي كتاب الله. كتاب الله إذاً في السؤال الذي يليه من يقول لماذا أن هذا هو كتاب الله؟ نحن معنا المصحف، من قال أن هذا كتاب الله فوجدنا نقلاً متواتراً. يستحيل اجتماع أهله على الكذب عقلاً، لأنني وجدت القرآن الذي في الهند هو القرآن الذي في المغرب هو القرآن الذي في مصر هو نفس القرآن الذي في تركيا هو القرآن الذي في جنوب إفريقيا هو القرآن الذي في أمريكا،
أي ماذا؟ لا توجد نسخة ثانية، لا توجد نسخة أخرى. لا يوجد إصدار جديد مزيد ومنقح، لا يوجد. هو واحد وحيد فريد، والكل يقولون هو هذا كتاب الله. وجدت في الخزانة عند أبي، لا، هذا أنا قرأته على الشيخ. هذا الشيخ معه سند، معه سند وأخبرني به أنه قرأه على فلان، قرأه على فلان على فلان على فلان إلى... منتهاه صلى الله عليه وسلم، إذا احتجت إلى التوثيق، فأول شيء الحجية
في ماذا؟ الحجية في كلام الله الذي وصفه: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". الحجية في كلام الله الذي قال: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول". الحجية في كلام الله الذي قال: "لا يأتيه الباطل من بين". يديه ولا من خلفه الحجة إذا في هذا الكتاب فنسأل السؤال الثاني وهي قضية الثبوت هل هذا الذي بين أيدينا ثابت أم هناك اختلاف بين المسلمين فوجدنا أنه ليس هناك اختلاف بين المسلمين وأن
الله سبحانه وتعالى لم يحفظ الكتاب مرة واحدة بل حفظه عشر مرات شيء فوق خيال البشر في قراءات متواترة عشرة، لست أحفظها مرة واحدة برواية حفص عن عاصم، بل إنني أحفظها عشرين مرة لأن حفص قرأ على عاصم، وقرأ عليه أيضًا... كيف؟ لأن حمزة قرأ عليه خلف وقرأ عليه خلاد. عندما تضع القراءات العشر هكذا
أمامك، ستتعجب والله، وكل واحدة محفوظة على حدة. نعم، هذا لم واحدة أنه حفظه عشر مرات وهذا شيء مذهل أن يحفظ القرآن ليس في كلامه ولا في حروفه بل في طريقة أدائه. فيأتي النحاة كتاب مصدق قالوا يجوز أن نكون مصدقاً، نعم يجوز في اللغة أن نكون مصدقاً كحال، لكن لم ترد في أي قراءة متواترة، هي مصدقة. حسناً، هذه
أفضل فيها شخص يتأمل هكذا ويقول: يا رب، هل الله يأمر بالفسق؟ "أمرنا مترفيها ففسقوا فيها". ففي قراءة شاذة "أمرنا مترفيها" أي جعلناهم أمراء هذه البلد، "ففسقوا فيها". حسنة هذه، جميلة. نقول: "أمرناها" لا يصح لأنها قراءة شاذة لم تتواتر.
قال له الله فقط أحلى. رد عليه: ولو كانت أحلى، لا هذا محفوظ حفظاً، ليس مرة، ليس ثلاثة، هذا عشرة، لا بل هذا عشرون. ما هذا؟ هذه ضربة مثل الضربة القاضية تلك التي في الملاكمة. الأولاد وهم يتشاجرون مع بعضهم يضربون هكذا، يقول ضربة قاضية، فهذه ضربة قاضية. ليس هناك كتاب لا مقدس ولا غير مقدس ولا شعر ولا أدب ولا شيء في العالم حفظ هذا الحكم، والغريب أنه بالأسانيد، يعني بين ابن الجزري محمد بن محمد شمس القراء الجزري وبين رسول الله في القراءات ألف سنة، ليست ثلاثة، ليست عشرة، ليست عشرين،
ليست مائة، ليست خمس مائة، بل ألف سنة. ما هذا؟ هذا: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". إذا كانت لدي نظرية تُسمى بنظرية الحجية، وصدر فيها الكتاب والسنة، من أجل الكتاب، و"ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"، "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" وهكذا، والثبوت وهو التوثيق، فهناك نظرية أتت في ذهن هؤلاء الأكابر تقول ما الحجة بعد. غياب النبي حتى رووا القرآن نبيٌ
مقيم، يعني ما هو سيدنا غير موجود، أذهب لأسأل من؟ أسأل من؟ أنا أسأل القرآن. فما هو القرآن يمكن أن يُحرّف؟ لم يُحرّف، هذا نبيٌ مقيم غير قابل للتحريف، شيء واضح وجلي إلا لمن غشى الله على عقله وقلبه بشيء آخر أو هو في دائماً هذا وضع آخر ولكن الإنسان المعتاد يرى أن هذا عدل وإنصاف، فإذاً النظرية الأولى نظرية الحجية والنظرية الثانية نظرية الثبوت. لقد عرفنا أن هذا المصحف هو كلام الله وأثبتنا
ذلك بطريقة نقلية وعقلية، وعرفنا أن هذا الكتاب يعبر عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه كتاب البخاري. أو مسلم أو كذا أو كذا ثم ماذا نريد أن نفهم هذه النصوص. لما فتحت المصحف وجدته بكلام عربي. حسناً، أنا لا أعرف اللغة العربية، إذاً لن أستطيع فهم أي شيء آخر. إذاً لا بد من النظرية الثالثة التي تسمى نظرية الفهم، لا بد أن تكون معك الأدوات التي تفهم هذه الأدوات في أصول الفقه وضعوا لك دلالات الألفاظ، ووضعوا
لك المطلق والمقيد، ووضعوا لك العام والخاص، ووضعوا لك المجمل والمبين، ووضعوا لك السياق والسباق واللحاق، ووضعوا لك المفهوم والمنطوق، وأخذوا يضعون لك ما تستطيع به أن تفهم هذا النص الذي ورد إليك سواء في الكتاب الذي يجوز. أن تقرأ به في الصلاة أو في السنة التي هي شرح لهذا الكتاب، فإذن الثالث هو الفهم، وضعوا ما يتعلق بالكتاب في ناسخه ومنسوخه، في كذا، في ثبوته، في
قراءاته الشاذة والمتواترة، كل هذا ستجده في مبحث الكتاب في أصول الفقه، وضعوا السنة كذلك، ثم وضعوا أدوات الفهم لهما. يكون أنهم كانوا يفكرون هكذا. بعد ما فهمت وجدنا عندما جئنا نفهم اختلفت معك. ها هو نص في القرآن، ولكن أنت فهمته بشكل وأنا فهمته بشكل آخر. ونضرب لذلك مثالاً عجيباً:
أنا فهمت من الكتاب في قوله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" إلى آخر الآية، قلت إذا... أن أصلي أذهب فأتوضأ وأصلي فالوضوء شرط من شروط صحة الصلاة، فقال لي: "لا، أنا لست فاهماً هكذا". قلت له: "كيف؟ نحن هكذا درسنا في المدرسة ونحن صغار أنك يجب أن تتوضأ قبل أن تصلي". قال: "لكنني فاهم منها شيئاً آخر". قلت له: "ماذا فهمت؟" قال: "قمتم قمتم".
هذه فعل ماضٍ أم مضارع؟ قلت له: "ماضٍ"، أي قمتم إلى الصلاة، يعني أنني صليت بالفعل. الفاء تأتي للتعقيب، شيء بعد شيء، أليس كذلك؟ قلت له: "نعم، الفاء تأتي للتعقيب". فقال لي: "أرأيت؟ فيعني بعد أن تصلي تذهب لتتوضأ". فقلت: "ولكن الإمام الشافعي قال... لا، ليس لي علاقة بهذا الأمر". ولا بالشافعي ولا بأبي حنيفة، أنا ليس لي دعوة بالكتاب. ها أنا أريد أن أتبع القرآن الذي قلت عنه منذ قليل أنه نبي مقيم. اذهب واسأله. قلت له: "هذا صعب، هذا يعني... هذا صعب يا أخي
الذي تقوله". فقمتم أي أردتم القيام. قال لي: "من أين أتيت بكلمة (أردتم)؟ قمتم أنتم جلبتم أردتم من أين فحدث عندهم هذا الشعور أن هذه النصوص لا بد أن تكون تحت مظلة إجماع الأمة، ومن غير الإجماع ستتغير هوية الدين ونصبح في دين آخر غير دين الإسلام. فوجدوا أن الإجماع هو الذي يفرق بين القطعي والظني، فالقطعي مُجمعون عليه والظني نأخذ ونرد مع قلت له
في ذلك: "أليس هذا رأي الإمام الشافعي؟" فقال: "لا، هذا إجماع الأمة شرقاً وغرباً، سلفاً وخلفاً، سنةً وشيعةً. لم يقل أحد من الأمة من أهل القبلة أن الوضوء يكون بعد الصلاة". قال: "أنا قلت". فقلت له: "أنت مخالف للإجماع، فأنت مخالف لما عليه المؤمنون، فأنت خارج الإسلام". فقال: أنا لأننا قلنا لم يكفر أحد أحداً، قلت له: أنا الآن أكفرك أنت لأنك تريد أن تغير معالم الدين وملامح الإسلام وهوية هذا الأمر الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم. لا يوجد
مزاح الآن، أنت هكذا لست مسلماً. قل أنا بعد ذلك: أنا فلان أنا. لديّ ديانة أخرى، أنت حر، "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، "لكم دينكم ولي دين"، ولكن هذا ليس إسلاماً. ياه! إلى هذه الدرجة، إلى هذه الدرجة! كل هذا من أين يأتي؟ من الإجماع. إذاً إذا حدث في عقول هؤلاء الناس مشكلة القطعية والظنية، هناك أشياء محتملة، أتساءل ونحن... نتوضأ لأنه هنا في الآية يقولون: "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم". فالإمام مالك يقول
الرأس كلها هكذا "برؤوسكم" يعني امسحوا رؤوسكم. سيدنا الإمام الشافعي يقول ولو شعرة ولو بعض شعره، يعني فهم أن الباء هنا للتبعيض. لم يكفر بعضهم بعضاً، ولم يقولوا لماذا، لأن حديث المغيرة أنه مسح. على ما ظهر من شعره وأكمل على العمامة، فإذا ورد أنه لم يكمل على الشعر فقط، بل كان يُقبِل ويُدبِر صحيح أغلب الوقت. وعند الإمام الشافعي أن التقبيل والتدبير سنة، لكننا نقول: إذا فعلت شعره، هل يجوز أم لا يجوز؟ فالشافعي قال: يجوز، ومالك قال: لا يجوز، لماذا؟
لا تتخاصموا مع بعضكم، لماذا لم يصطدموا مع بعضهم؟ لماذا لم يُكَفِّر بعضهم بعضاً؟ لأنه ظني. ولماذا هنا نُكَفِّره؟ لأنه قطعي. أشعر برفق أن هذا ظني وهذا قطعي. الإجماع، إذن لا بد من الإجماع. إذن، ماذا وراء هذا الإجماع؟ القطعية والظنية. القطعية والظنية هي التي قد اختفت وراء الإجماع. احتياجنا للإجماع تحويل الذم إلى قطع، تحويل ظن الدلالة إلى قطع الدلالة. إذاً، فبدون الإجماع الذي يدعو بعض المعاصرين إلى التخلي عنه، والتساهل في الأخذ به أو عدمه، ينبغي أن نتساءل: من الأولى بالاتباع؟
الأولى بالاتباع هم هؤلاء العلماء الأفاضل الأكابر المجتهدون الذين كانت كل كلمة يقولونها وراءها معنى، ولا وهكذا "سبهلل" يعني ماذا؟ "سبهلل" تعني دعها على الله، دعها على الله. لا، هذه ليست بهذا المعنى، ليس هكذا يا سعد تورد الإبل. هذه طريقة ليست طريقة سديدة. فكان الأمر الرابع هو القطعية والظنية، فجعلتهم يذكرون الكتاب والسنة والإجماع. لماذا يكتبون الإجماع؟ حتى يضبط الفهم
ويمنع من أن تستنبط تخالف الإجماع فتغير هوية الإسلام وتنقل الدين على غير وجهه فيصبح ديناً شخصياً خاصاً بك أنت فقط. مثال آخر: الخمر، فقد جاءني شخص وقال لي: "على فكرة، الخمر ليست حراماً". فقلت له: "كيف هذا؟" قال: "إن الله لم يقل عنها إنها حرام، بل قال فقط: فاجتنبوه". فقلت له: "ما معنى... اجتنبوه قال لي يعني ضعها بجانبك، هكذا ما معنى "بجانبك"؟ أوه، لكن كون أنك تشربه أو لا تشربه يا أخي فلا عليك. قال: هو ذلك. قلت له: طيب، ما رأيك أن
"فاجتنبوه" أشد من التحريم؟ قال: ماذا يعني أشد من التحريم؟ قلت له: لأن الخمر يحرم شربها وبيعها وشراؤها وعصرها والجلوس في مجلسها وبيع العنب لمن يصنعه خمراً، هذا أشد من التحريم. ثانياً، ما رأيك في الزنا؟ قال: لا، أعوذ بالله، الزنا حرام. قلت: حسناً، لكن لم يقل ربنا في الكتاب أنه حرام، إنما قال: "ولا تقربوا الزنا". ماذا يعني "ولا تقربوا الزنا"؟ يعني حتى النظر حرام واللمس
حرام والخلوة. حرامٌ والقبلة حرامٌ، كل هذا حرامٌ قبل الزنا الذي فيه الحد. فليس الزنا وحده حرامًا، بل إن الله تعالى قال: "ولا تقربوا الزنا"، فاجتنبوه. وهذا يعني أنه ليس شرب الخمر وحده حرامًا، بل الأمر أشد من ذلك وأقوى، وهو أن الخمر قد حُرِّم فيها كل ما يتعلق بها. فتبقى كلمة قال لي: "لماذا أنت مصمم هكذا؟" قلت له: "الإجماع، لأجل الإجماع. الخمرة في بعض أنواعها تكون رائحتها طيبة. الكحول يفعل ذلك لأنه يفوح؛ فالكحول ينطلق هكذا فيفوح
فتكون لها رائحة. وكان بعض الأقدمين يغتسلون بالخمر مثلما يُعرف الآن في عصرنا بالكولونيا أو العطر وما إلى ذلك. هذه الكولونيا..." كحول أيضاً ورائحته طيبة سمّوها الإسبرتو أو الكولونيا أو ما شابه ذلك إلى آخره، فبعض الناس خاصةً العسكريون وما شابههم يحدث عندهم عرق شديد فيستحمون ويغتسلون بهذه الأشياء. ولكن الأئمة الأربعة يقولون إن الخمر
نجس، فلا يصح أن نغتسل بها. والله، يعني مُغلقة من كل جانب، هو فاجأني. لماذا حرم الله عليكم الخمر؟ لو كان حرم عليكم الخمر، فهي حرام شربها وكفى، ولكن هل يجوز أن أغتسل بها؟ لا، لقد فاجأني بقوله: "رجس من عمل الشيطان". ثم فاجأني مرة أخرى بقوله: لا تبقها بجانبك. نعم، ومن أين أتيت بهذا؟ لماذا أنت مصر عليها هكذا؟ دع الناس تشربها. وأخيراً لا، هذا غير مقبول. لماذا؟ لأن هذا محل إجماع لحرمة الخمر وحرمة الخنزير وحرمة الميتة وهكذا. فهذا إجماع، لكن في مسائل أخرى ليس فيها إجماع، مثل: هل يجوز أن
ندفن الرجل وزوجته في قبر واحد؟ فالشافعية قالوا لا، الرجال منفصلون والنساء منفصلات. أما أبو حنيفة فقال يجوز ذلك. حسناً، لماذا تصمم هنا ولا تصمم هنا؟ لأن هذا محل إجماع وهذا محل اختلاف ليس فيه قطع، إنما تحولت هذه الكلمة التي يمكن أن يختلف فيها الناس من الظني إلى قطعي بموجب الإجماع، فكان الإجماع من المهمات الكبيرة. بعد ذلك النظرية الخامسة أو السؤال الخامس، قال: حسناً يا رب. هذا الإمام الشافعي أو الرازي أو الغزالي أو أي واحد من هؤلاء الأكابر يفكر
هكذا: جلس يفكر "يا ربي، نحن الآن عرفنا الحدية وعرفنا الثبوت والتوثيق وعرفنا كيف نفهمها وعرفنا السقف الذي يحميها من معرفة الفرق بين القطعي والظني، لكن القرآن ستة آلاف ومائتان وستة وثلاثون آية عند حفص عن..." الأساس الذي نسير عليه هو شعب متميز. طبعاً هذه نصوص محدودة، ستة آلاف أي خلاص ستة آلاف يعني معي ستة آلاف. لكن الأحداث الجارية يومياً في عصرنا الحاضر فيما يسمى
بوكالات الأنباء العالمية ستة كبار هكذا: رويتر، وأسوشيتد برس، وتاس، ولا أعرف القناة الفرنسية، هكذا ستة. يوزع الكبار في كل يوم - كل أربع وعشرين ساعة - مائة وعشرين مليون معلومة، يعني لو كانت مائة وعشرين مليون جملة فستحتاج إلى مائتي سنة لقراءتها للاطلاع على أحداث العالم. كل يوم يحتاج إلى مائتي سنة، إذاً هذه الأحداث كلها تحتاج إلى أحكام، أو الأفعال البشرية التي فيها تحتاج لله أن أغلبها الإباحة، هل
يجوز أكل العنب الأحمر؟ وهل يجوز أكل العنب الأسود؟ وهل يجوز أكل العنب الأبيض؟ هل يجوز؟ الأمر هكذا: مباح، أغلب الأشياء مباحة، لكن الفعل البشري كثير جداً، والستة آلاف آية لا تكفيه، وكذلك السنة وأحاديث الأحكام ألفان. حديث، يكون إذا، كما يقول الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: "مصادر الشرع محدودة وأفعال البشر غير محدودة"، نحتاج إلى ماذا؟ إلى أداة سُميت بعد ذلك بالقياس. إذاً
النظرية الخامسة هي الإلحاق، أن تُلحق الشيء الجديد بالشيء القديم، وهنا توقفوا وتعمقوا في أنه لا بد أن يكون هذا الفرع الجديد موافقاً في الحكم مع الأصل القديم، يكون لدينا أركان القياس أربعة: أصل له علة، وفرع له علة، تشابهت العلتان، حكم الأصل، فينتج من هذه العملية حكم للفرع. وتحدثوا بتوسع عن كيفية استخراج العلة، والفرق بين العلة المنصوصة والعلة المستنبطة، وكيف توافق العلة، وما هي قوادح التعليل، وما هي
العلة التي لها علة، العلة للأوائل لها علل الثواني ثوالث روابع خوامس عواشر، بكلمة: لماذا؟ يعني ما هو الخمر؟ ما هو حكمها؟ حرام. لماذا؟ قال: لأنها مُسكرة. ولماذا كان المسكر حراماً؟ قال: لأنه يُذهب العقل. حسناً، ولماذا كان الشيء الذي يُذهب العقل حراماً؟ فقال: لأن العقل مناط التكليف. ولماذا كان كذلك أن يكون مناط الحفاظ عليه لأننا أُمرنا بحفظ خمسة: حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال.
إذا جلس، ماذا يحدث؟ كل قليل يجيب على كلمة "لماذا"، فلماذا كانت هذه الخمسة هي مقاصد الشريعة؟ فيجد نفسه أنه أصبح في علم الكلام. خرجنا من علم أصول الفقه إلى علم آخر هو علم الكلام، وهو أن الله من هذا الوجود أن تعبده وأن تعمر الأرض وأن تزكي النفس، وهذا لا يكون إلا باجتماع صحيح للبشر. وهكذا يبقى، إذا كل ما سألنا قد ننتقل من علم إلى علم، وهنا نسمي هذا العلم بأنه يمد هذا العلم. فإذا علم الكلام يمد أصول الفقه، ما استناد أصول الفقه، استناد أصول. الفقه من علم الكلام ومن علم الفقه
ومن علم اللغة، أي ماذا تعني الأسئلة المتتالية بلماذا لماذا نفاجأ أننا قد انتقلنا من هذا العلم الذي هو أصول الفقه - أسس الفهم - إلى هذه العلوم الثلاثة: إما أن نذهب إلى اللغة، وإما نذهب إلى الفقه، وإما أن نذهب إلى إذا فالأمر الخامس هو القياس أو باختصار إلحاق الفرع بالأصل. نُلحِق الفرع بالأصل، والأصل هو الوارد في الكتاب والسنة نقيس عليه. وقد تكلموا في القياس كثيراً. ما معنى ذلك؟ نريد
أن نستفيد وأن نستدل، فوضعوا نظرية اسمها نظرية الاستدلال، وهي النظرية السادسة. نظرية الاستدلال، حيث الألف والسين والتاء تدخل في طلب الشفاء استدانني يعني طلب الدين، استحجر الطين يعني أن الطين أراد كأنه أراد أن يكون حجراً، وهكذا فالألف والسين تأتي لعشرة أغراض كلها تدور حول الطلب، فالاستدلال يعني طلب الدليل، وهنا بعض الناس يسمونه بالأدلة المختلف فيها، وهذه
الأدلة المختلف فيها وصلت إلى ثمانية وثلاثين دليلاً من ضمنها العرف. ومن ضمنها قول الصحابي، ومن ضمنها القول بأقل ما قيل، ومن ضمنها وهكذا. وفي هذا الاستدلال يحدث تعارض وترجيح بين الأدلة، فوضعوا له آلية حتى نستطيع أن نصل بهذه الآلية. سمّوها في الإنجليزية "كرايتيريا" (Criteria)، وتعني مقياساً، أي مسطرة نقيس بها، مثل المتر أو الياردة التي نقيس بها القماش، ونقيس هذه التي هي التعارض والترجيح، كيف ترجح إذا جاءت آية مع حديث، أو تعارض حديث مع حديث، أو جاءت آية مع آية، كيف ترجح؟ ما هي القواعد؟ فكل
هذا تجده في الاستدلال. إذاً هذه النظرية تكمل ما بدأناه من جعل القرآن والسنة حجة، ثبوت وتوثيق هذه المصادر، قواعد الفهم لتلك. المصادر الظنية والقطعية، فظهر الإجماع فيها، ثم الإلحاق الذي يوسع لنا الشريعة ويحفظها أبد الآبدين إلى يوم الدين، ثم الاستدلال، وننتهي بقضية عجيبة وهي الاجتهاد، النظرية السابعة. قال: طيب من الذي يقوم بهذا كله؟ قالوا: العالم. قال: ما العالم؟ قالوا: المجتهد. كيف يقوم؟ قالوا:
بثلاثة أشياء، المجتهد هذا لا... بد أن تتوفر فيه ثلاثة أشياء، الشيء الأول إدراك النص الشرعي من الكتاب والسنة. كلمة "إدراك النص الشرعي" معنا في البداية تختلف عن كلمة "فهم النص" التي هي رقم ثلاثة. ثانياً إدراك الواقع، فالواقع جزء من الاجتهاد، لأنني لو لم أدرك الواقع لا أعرف الاجتهاد. الخمر حرام، لكن ربنا اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه، إذًا، هل أنت مضطر؟ هذا واقع يجب أن نبحث عنه. هل أنت مضطر أم غير مضطر؟ إذًا، يجب عليّ الآن
أن أدرك الواقع، وكما قلنا بالأمس: الواقع مكوّن من عالم الأشياء، وعالم الأشخاص، وعالم الأحداث، وعالم الأفكار، حتى تستطيع أن تتكلم. لا بد عليك أن تدرك الواقع. افترض أنني وأنت اختلفنا في إدراك الواقع، ستختلف أحكامنا وآراؤنا ونصبح مذهبين وثلاثة. مرة ونحن في القرن الثاني الهجري، كان المسلمون قد استولوا على جزيرة قبرص، وكانوا يكتبونها بالسين وليس بالصاد كما نكتبها اليوم "قبرص"، لكي عندما تبحثوا عنها في أجهزتكم الإلكترونية تجدوا. قبرص هكذا بالسين، فهاج
أهل قبرص على الوالي المسلم الذي في الجزيرة وطردوه. فعرضوا المسألة على سبعة من كبار العلماء، منهم الليث بن سعد، ومنهم مالك والليث. بقي الأكابر موجودين، ومنهم سفيان الثوري، ومنهم أبو يوسف. ما زالوا عائشين، كل هؤلاء في القرن الثاني للهجرة. سبعة فاختلفوا على أربعة آراء. إمام منهم قال يقاتل أهل قبرص كلهم وهؤلاء مرتدون. إمام منهم قال لا يقاتل
أصحاب الجيش فقط، أما الشعب فهذا لا يفهم شيئاً، هذا مسكين، هذه السلطة هي التي تقاتل، أما الشعب فمن كف يده نكف أيدينا عنه. إمام ثالث قال لا يا إخواننا، هذه القضية ليست هكذا، القضية أن هذه مسؤولة عندي، شخص واحد فقط يذهب للقبض عليه كالهبوط بالمظلات هكذا. في عصرنا الحالي ينزلون له بالمظلات ويقبضون عليه ويحضرونه، والباقي ليس عليهم شيء أمام الرأي العام. وهكذا كل هذا يذكره القاسم بن سلام في
كتاب الأموال، يمكنكم الرجوع إليه إن أحببتم. اسمها فتوى قبرص. ما الذي حدث؟ الأربعة أدرك أحدهم شيئاً، وتخيل الثاني شيئاً آخر، واطّلع الرابع على شيء لم يطّلع عليه غيره، وهكذا. وطبقاً لإدراكهم للواقع اختلفت فتاويهم. فهذه النقطة مهمة جداً: أن الواقع جزء من الاجتهاد. لا يمكن أن تجتهد وأنت في بيتك هكذا لا تعرف ما الذي حدث حولك، لأننا نريد باجتهادك أو بحكمك أو يُصلح الله بها الحال أي يحقق
مقصد الدين من حفظ الأرواح وحفظ كذا إلى آخره، لكن يمكن لفتوى أن تؤدي إلى الهلاك وتضل أمة بأكملها إذا صدرت بشكل خاطئ، وحينئذ تكون فيما لا تُحمد عقباه. إذاً، فهذه سبعة: الحجية، والثبوت، والفهم، والقطعية، والظنية، والإلحاق الذي هو القياس، والاستدلال، والإفتاء. أو الاجتهاد بهذه السبعة نستطيع أن نفهم بعمق أصول الفقه. لو أننا درسنا أصول الفقه هكذا بهذا الترتيب لاتضح لنا
ما لم يتضح. أن أدرس الكتاب والسنة والإجماع والقياس دون فهم للروابط التي بين هذه الأشياء، فنحن نريد أن نفهم بعمق ما ذكرناه في أصول الفقه موجود في النحو موجود. في الفقه موجود في كل العلوم، يجب عليك أن تتأمل فيها وتنظر ما وراءها. النحو مثلاً، أول شيء نظرية الإسناد، أن هناك كلاماً مفرداً: "شجرة جميلة"، "شمس مشرقة"، وأن هناك إسناد: "الشجرة جميلة" أو "الشجرة
مورقة" و"الشمس مشرقة" و"النار محرقة"، فتكون إذاً جملة مفيدة: مسند ومسند إليه. هذه أول نظرية. تلحظها خلف هذا، إنها نظرية الإسناد. ثم بعد ذلك تجد أن الشمس مشرقة، كانت الشجرة مورقة. يا الله! ما هذا؟ العمل كان يرفع المبتدأ وينصب الخبر، أو ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. توجد شيء اسمه نظرية العمل والعامل، قد يسبب الجر، قد يسبب النصب، قد يسبب الرفع،
وقد يسبب وقد لا. يسبب شيئاً لأنه لا عمل له، والعوامل مائة. سنجد في كتاب الجرجاني الذي اسمه "العوامل المائة"، فيجب علينا أن نذهب لنطلع عليه مع "المغني"، وهكذا تنكشف لنا حقيقة النحو: أن هناك إسناداً، وأن هناك إلحاقاً، وأن هناك عوامل، وأن هناك معاني التي هي حروف المعاني التي ذكرناها بالأمس، وأن هناك ستُّ نظريات، وأنَّ هناك نظرية المحل، أنَّ هذا الكلام كله في محلٍّ، يعني كانت الجملة مكونة من مسند إليه ومسند وملحق، وأين المحل إذن؟ أزلنا
المسند إليه هذا ووضعنا جملة، فكانت هي المسند إليه. صلة الموصول محلها هو اسمه صلة، هذه الجملة لا محل لها من الإعراب، إذن ستكشف. لنا حقيقة النحو بعده نظريات خمس ست نظريات، نجد أنفسنا إن فهمنا النحو بعمق غير أنك تحفظ، لأن "أنا" و"ليت" و"لكن" و"لعل" و"كان" عكس "مال" و"كان" من عمل. احفظ، لكن ما دمت لم تنتبه إلى النظريات الستة الخاصة بالنحو فأنت لست متعمقاً في النحو. نعم ولكن أنا... احفظ الألفية. ماذا يعني أن تحفظ الألفية؟ هل تنتبه؟ كيف تحفظ النصوص من الألفية دون أن يحدث
شيء؟ فنحن هنا لا نحفظ الأشياء هكذا. يقول: والاسم منه معرب ومبني لشبه من الحروف مبني، كالشبه الوضعي في اسمه ائتنى، والمعنوي في متى وفي هنا، أو كنيابة عن الفعل بلا تأثر أو. كافتقار الصلة وكل حرف مستحق للبناء والأصل في المبني أن يسكن ومنه ذو فتح وذو كسر وضم كأين أمس حيث والساكن، ماذا يعني؟ يعني بعد ما أحفظ كل هذا ماذا يعني؟ نعم، لأنه، هذا، أنت عرفت أحكاماً والحمد لله أحكاماً كثيرة، تفضل، حسناً
هكذا هو في. الأحكام هذه بلا ولا من طالب ضع جزماً في الفعل هكذا بلم ولم وجزم بأن وما ومَهْما أين افترض أنك تعرف ماذا يعني ولكن أنت الآن أحسست أنك فاهم تقول لي لا ما هو هذا المال ما هو هذا العمل ما هو هذا العمل الله ما هذه حروف المعاني خلاصة القول، لقد فهمت أنك تُدرك النحو بعمق وليس مجرد معرفة ببعض الأحكام، فهناك فرق بين المستوى الأول والمستوى الثاني. ولو استمررنا في نقاشنا هكذا فما هي نظريات الفقه؟ وما هي نظريات الحديث؟ وما هي جميع نظريات الحديث المتعلقة بالتوثيق؟ إنها واحد وعشرون علماً من علوم
الحديث أنعم الله بها على المسلمين علم الرجال وعلم الدراية وعلم الرواية وعلم الجرح والتعديل وعلم المصطلح، كله مبني على التوثيق. نظرية التوثيق هي: هل الراوي هذا قبل الراوي الآخر؟ وهل الراوي هذا عاصر الراوي الذي بعده؟ وما شكل اللقاء بينهما؟ هل عاصره أو التقى به؟ هذا هو شرط مسلم وشرط البخاري. نعم، يمكنني البخاري الذي وجدوه ويشترط مسلم المعاصرة يعني ماذا، لكن عندما تربطها بقضية التوثيق ستتخيل خيالاً آخر. كان الإمام الذهبي يقول: "والله لو وقف الرواة على تلة، يعني مرتفعة
من الأرض هكذا، ووقفت على أخرى، لناديتهم بأسمائهم وبآبائهم وأمهاتهم". عائشٌ معهم، عارفٌ من هم، ومن الذي قابل من، ومن الذي لم أقابل من أجل ماذا التوثيق، لكن الإمام الذهبي ليس فقيهاً ولا لغوياً أبداً، وإنما الذي وهبه الله له أنه يميز هذا الأمر، فأصبح حجة في هذا الفن ولم يكن حجة في سواه. فالإمام الذهبي هذا اتبع ابن تيمية لأنه إمام في هذا الفن، لكن عندما جاء في هذه المسألة تيمية خوفه وقال له الرحمن على العرش استوى. قال له: حسناً، استوى وذهب وعمل قولاً. قالوا له: لا أعرف ماهية
العزيز الغفار، ما هذا الذهب الذي تصنعه، لأنه إمام في فن لأنه يعرف النظرية الخاصة به، لكنه في فن آخر كعلم الكلام لا يعرف النظرية الخاصة به، فاتبع غيره هذا الخطأ، فليس كل إنسان يمكن أن يكون... طبعاً هناك أناس كبار مثل ابن حجر العسقلاني ومثل ابن حجر الهيتمي أحاطوا بحيث أنهم عرفوا هذه العلوم، هذه قضية أخرى، هؤلاء أفراد خصصهم ربنا سبحانه وتعالى، مثل سيدنا الإمام النووي، هذا شيء آخر، هذا شيء كبير جداً، كل شيء. واضحة أمامه هكذا ويعمل بالعلم، لم يتزوج ولم ينجب ولم يفعل شيئاً، خمسة وأربعين سنة عاشها وكان يأكل من الأطعمة
والفطائر التي تصنعها له أمه في نوى، وعندما تنتهي يذهب لزيارتهم ويأخذ الأطعمة. وكان يصوم الدهر، وفي صيام الدهر اثنا عشر قولاً عند الشافعية أوردها هو في كتاب الروضة، فكنت لم يصم الدهر في نهي عن صيام الدهر فعرفت أنه ليس صائماً الدهر عن فتوى، هو فسيح النفس رضي الله تعالى عنه وألحقنا بهم على الخير. فهذا هو ملخص القسم الثاني، وأرى أن تقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله حتى تصلوا، لأنه يبدو عليكم أن منكم من ينام ومنكم من هو كذا إلى آخره وربنا يعينكم على
ما أقامكم فيه، لكن أنا أحبكم، هيا قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. طيب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عدنا مرة أخرى، وأمامنا فرصة الآن لأن تتكلموا عما سبق من المحاضرة وعما سبق من اللقاء بالأمس، فهل هناك أحد عنده استفسار أو... سؤال أو فيما ذكرنا وفيما لم نذكر، تفضل. حاضر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عليكم السلام فضيلة الشيخ المحترم، ما قولكم في قراءة القرآن
بالمقامات والألحان المعروفة مثل البيات والنهاوند وما شابههما، علماً بأن مصر المحروسة منبع القرّاء من أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ محمد رفعت وغيرهم رحمهم الله. تعالى! إن هناك كلامًا من فئة في مفادها بأن من قرأ بها وقع في المحذور لأن فيها تهزينًا وترديدًا والتمطيطًا التي تؤدي إلى التغيير في محاسن الآيات والقراءات. فما رأيكم في ذلك؟ رأينا في ذلك أنه كما ذكرنا بالأمس أن التطريب قد ورد عن العرب والنبي صلى الله عليه وسلم. يقولُ: اقرأوا القرآنَ بلحونِ العربِ ولا تقرأوهُ بلحونِ أهلِ
الفسقِ والضلالةِ، فبيَّنَ أنَّ هناكَ ألحاناً يكونُ فيها التطريبُ نوعاً من أنواعِ الخروجِ عن الوقارِ والخروجِ عن القواعدِ التي وضعَها أئمةُ الأداءِ جيلاً بعدَ جيلٍ، لأنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ لمَّا سمعَ قراءةَ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ وقالَ لهُ. كما أخرج البخاري - أحسنت - قال: "إذا أردتم أن تسمعوا القرآن كما نزل فاسمعوه بقراءة ابن أم عبد" أي عبد الله بن مسعود. وعبد الله يقول: "والله يا رسول الله، لو أنني أعرف أنك تسمعني لحبرته لك تحبيرا". فهذا
يدل على أنه كان يقرأ بالألحان المختلفة، فمرة يقرأ بلحن لو عَلِمَ أنَّ رسولَ اللهِ يسمعه، لكان قد حَوَّلَ هذا اللحنَ إلى لحنٍ آخر. والتحبيرُ هو التحسين، فكلُّ قُرَّاءِ مصرَ، بل وقُرَّاءِ العالمِ الإسلاميِّ كلِّهِ يقرؤون بالمقامات. وإذا لم تقرأ بالمقامات والتزمتَ القواعدَ وحدَها فلا بأس، ولكن لا يكونُ أداؤكَ مؤثِّراً
كما يقال. ينبغي أن تقولها بصوت لا يؤذي وبنبر يُطلقون عليه في اللغة الإنجليزية "سترس" (Stress). فيقول: "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري". هذا صحيح وهذا صحيح، ولكن الأدب
مع القرآن أنك عندما تقول "إنني أنا الله" تنسبها لغيرك وكأنك. تحكي عن حكاية الله لك أن هذا الذي حدث بينه وبين موسى في الجبل، لكن كونك تتكلم كأنك أنت هو، فهذه قلة أدب وقلة ديانة. فمعروف لدى صاحب الفطرة السليمة أن هذا القرآن له آداب في التلاوة. هذه الآداب تتمثل في أولاً: الامتثال، لقواعد التجويد،
وهي إعطاء كل حرفٌ حقُّه ومستحقُّه، حقُّه بالمخرج ومستحقُّه بالصفات التي هي له. في بعض الألحان تأتي فيرى صاحب اللحية أن يستغني عن هذه القواعد وأن يقرأ كما يشاء، فنحكم بحرمة ذلك ونقول له: أنت تقرأ خارج القواعد المرعية الشرعية، ولذلك فقد أخطأت. لكن لو أنه التزم بالقواعد التجويدية والتزم بطبقة الصوت في... لأداء المؤدب مع القرآن لا وصول إلى الغاية، وهذا
ما عليه الإمام محمود الحصري ومحمد المنشاوي ومصطفى إسماعيل والشيخ رفعت، كلهم على طول أول ما تراهم يقرؤون هكذا "بسم الله الرحمن الرحيم". هذا يأتي فحضرتك ماذا يريد هذا؟ ماذا يقول؟ "بسم الله الرحمن الرحيم"، هذه قلة أدب، يعني أنا أريد يعني ماذا الحرام وما الحلال عندما يقول هكذا، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حتى لا يكون
في مقامات، لا يا أخي، والله لو سمعتك لشرحته لك شرحاً وافياً، هذا هو معنى الكلام، فهل أجبتك؟ هذه أسماء المقامات أتت من علم اسمه علم وهذا... كما قلتُ لك بالأمس بنسبٍ تأليفية، هناك النغم الغربي الذي يُؤلَّف في بيتهوفن وشوبان وموزارت وهكذا على نصف درجة، وهناك
الأوكتاف ثماني درجات، والسلم الموسيقي دو ري مي فا صول لا سي دو، وهو يُسمى بدو الكبير. هذا كله غربي، أما عندنا فهناك درجة ونصف، وعليه وضع زرياب العود، فالعود بين أربعة أوتار، أضاف زرياب الوتر الرابع، وأصبح النغم عليها بينه وبين الفوارق التي بين النغم وأختها واحد ونصف. فهذا نصف وهذا واحد ونصف، فهما مختلفان تماماً، ولا نستطيع أن نأتي على مقاماتها العربية وندخلها في على مقاماتها
الغربية، لأنك كأنك تريد أن تدخل واحداً ونصفاً في نصف، يستحيل. لماذا؟ لأن الواحد ونصف ثلاثة أضعاف النصف، فلا يمكن إدخال الموسع في المضيق دون أن يتسع المضيق أو يضيق الموسع. هذه واحدة من أربعين ذكرها الحكيم الترمذي أنه لا يمكن إدخال الموسع في المضيق دون أن يتسع المضيق أو يضيق الموسع، وآية ذلك من كتاب الله "حتى يلج الجمل...". في سَمِّ الخياط (ثقب الإبرة) - الثقب الذي في الإبرة لا يدخله
الجمل إلا إذا صار هذا الجمل كالخيط، أو صار هذا الثقب كالبيت فيدخل فيه الجمل، لكن الجمل على حاله والثقب على حاله لا يمكن. لماذا؟ لأن هذا فيه جمع بين المتناقضين. ما معنى الجمع بين المتناقضين؟ أنني أقول الجمل أصغر من الثقب وأكبر من الثقب في ذات الوقت، وهذا محال عقلاً، أو أقول: هذا الثقب أكبر من الجمل وأصغر من الجمل في نفس الوقت، فيستحيل عقلاً، ولذلك فلا يمكن أن يلج الجمل في سم الخياط، وهذا كأنه مستحيل، فقال تعالى: "حتى يلج
الجمل في سم الخياط"، يعني لا. قد يكون ذلك لأن ولوج الجمل في سم الخياط مستحيل عقلًا، وذلك بسبب استحالة اجتماع النقيضين، وكذلك يستحيل عقلًا اجتماع لحن العرب مع لحن العجم الغربي. لماذا؟ لأن لحن العرب على واحدة ونصف، ولحن الغرب على نصف، فلا يمكن أن يتفقا. هل فهمت شيئًا؟ جميل، هناك أربعة مقامات، وكل مقام وسبعين بتفاصيلهم وأفضل من كتب في هذا حتى تفهم بعمق هذه المسألة كامل
الخلعي في العربية يعني كتاب العربية لكامل الخلعي تدرس فيه هذه المقامات وترى ما معنى تردد الصوت بهذه الكيفية حتى تكون متسقاً مع النظام الذي اكتشفه فيثاغورس فقالوا إنه إلهي وكان قد آمن. بالله هو أن هذا العالم الذي يحيط بنا فيه تناسق لا يمكن أن يكون إلا من خلق واحد غيرنا، فآمن بالله. كيف هذا؟ قال: كيف أن الدائرة
تكون بنسبة واحدة وهي اثنان وعشرون على سبعة مهما اتسعت أو ضاقت؟ كيف هذا؟ هذا لا يمكن أن يكون إلا أن الذي خلقني غيرنا فهناك إله مفارق يختلف عنا هو الذي خلقني وخلق هذه الدائرة وخلق هذا المثلث وخلق هذه القوانين. ابن مقلة بالأمس قلنا أنه اكتشف نسبة إلهية فاضلة واحد وستة من عشرة في المسدس الدائري وكذا إلى آخره. هذه النسبة موجودة في السمع وموجودة في الرسم، من الذي جمع
بين السمع والرسم والنظر والاستماع من الذي فعل هذا؟ الله. إذاً هذه أشياء نكتشفها في خلق الله الذي خلق من قبلنا. نحن ربنا خلق هذا العالم قبلنا، نحن ما زلنا مولودين منذ ستين أو سبعين سنة، لكن قبل ذلك الله خلق كل هذه القوانين والسنن الإلهية ونحن نكتشفها، فاكتشفوا علاقة بين لم ترتح نفسك إذا ما نظرت إلى زهرة ووردة وتشمئز إذا ما نظرت إلى شيء ليس مرتباً، لأن هذه احتوت على نسبة وهذه لم تحتوِ على نسبة، فأدى
هذا إلى أن فطرة الإنسان التي فطر الله الناس عليها إذا ما تلقت ذا النسبة استحسنته، ومن ضمن هذا ألحان العرب وإذا... تلقت ما هو خارج النسبة لا تستحسنه، ولذلك عندما وضع الخليل أوزان البحور للشعر العربي، كان العربي عندما يسمع هذا يستحسنه لأنه شعر، وعندما تختل هذه الموازين يقول: "هذا بيت مكسور"، هكذا بيت مكسور. كيف يفعلون هذا؟ هذا موجود فيه النسبة، وهذا افتقد النسبة، واستحسنوا كثيراً هذا المعنى.
إذا فهذه أمور خَلْقِيَّة خلقها الله سبحانه وتعالى، فإذا التزمتُ بها في قراءة القرآن فلا يكون إلا أنني قد استعملتُ ما خلقه الله سبحانه وتعالى. فكيف يكون التحريم وكيف تكون الكراهة؟ إذا أردتُ أن أخرج بهذا النظام إلى نظام آخر، فالشذوذ هذا والخروج عن مقتضى التلاوة الصحيحة فيه نوع... من أنواع فقد النسبة، أما تحسين الصوت لحبرته لك تحبيراً بهذه النسب، ففيه امتثال وليس فيه اختلال. هل أجبتك؟ يعني اطمأن قلبك للكلام؟ تفضل.
تحدثتم آنفاً عن الواقع، وواقعنا مثلاً في سنغافورة، نحتاج إلى أن نأخذ القروض بالفوائد البنكية لشراء أشياء كثيرة كالسيارة أو البيوت، لأن البيوت غالية في سنغافورة. سمعنا مرة شرحكم عن الفرق بين الفوائد البنكية والربا، ونسينا، ونرجو منكم أن تفيدونا بذلك بإمكانكم. قال ابن التوزري: اشتدي أزمة تنفرجي، قد آذن ليلك بالبلج، وظلام الليل له سرج، حتى يغشاه أبو السرج. وفوائد مولانا جمل لصروح الأنفس والمهج، ففي بعض الأحيان تشتد الأزمة فتنفك
من شدة لأوائها. وشدتها تنفرج، وهذا ما حدث عندما شاع هذا الأمر بين الناس بعقود جديدة. هذه العقود الجديدة كنا نفتي بتحريمها إلى سنة ألف وتسعمائة وسبعين، ولكن في هذه السنة ارتكب الرئيس نيكسون رئيس الولايات المتحدة مصيبة كبرى من أجل أن تهرب أمريكا من مديونية فرنسا. كانت فرنسا هي الدائن وكانت أمريكا هي المدينة التي
قطعت العلاقة بين الأوراق النقدية والذهب. لم يكن الوضع هكذا قبل ذلك، فعندما نشأت البنوك في القرن الخامس عشر وما بعده، كان هناك ارتباط وثيق بين الأوراق النقدية وبين الذهب بما يسمى بقاعدة الذهب أو برصيد الذهب. فكل العملات في العالم كان لها رصيد من الذهب، الجنيه المصري يساوي خمسة دولارات وذلك أن ما يشتمل عليه الجنيه الذهب المصري كان خمسة أضعاف وزن الدولار الأمريكي. بعد ذلك انقطعت الصلة، قطعها نيكسون، فلامه في ذلك
رئيس البنك المركزي الفيدرالي الأمريكي وقال له: "أنت هكذا تُدخل العالم كله في مصيبة وبلوى عظيمة". قال: "ليدخل العالم وليذهب إلى الجحيم، مصلحة أمريكا، وألَّف الرجل كتاباً صغيراً عندي يحذره فيه من مغبة هذا العمل، فأصبح الآن لا قاعدة للذهب. وأول من لبى ذلك فقطع العلاقة بين البنك نوت وبين الذهب المركزي الكويتي بعد ساعات وليس بعد يوم، هو في نفس اليوم. لكن هناك، نيكسون قطع [العلاقة] الساعة الثانية عشرة في
نفس كانت الساعة الواحدة بتوقيت أمريكا، وكانت الكويت أول دولة قطعت، وآخر دولة قطعت هي لبنان. ولذلك تحملت هذه الحرب، هذه الحرب العشوائية التي استمرت نحو خمسة عشر عاماً. تحملتها لأنها لم تخرج من قاعدة الذهب، فالخروج من قاعدة الذهب يؤدي إلى التضخم (الانفليشن). هذا التضخم أهلك الناس كلما نزلنا إلى ما هكذا، الأشياء ارتفعت، كل سنة ترتفع: ملابس، طعام، شراب، سيارات، ساعات، أشياء، العالم كله يرتفع، في العالم كله بسبب أن هذه الأوراق ليس لها رصيد من الذهب، بل لها رصيد قد يكون من الإنتاج مرة، وقد يكون من
البترول مرة، وقد يكون بقوة السلاح مرة، وقد يكون قد... ولكن. في النهاية ليس لها رابط ولا ضابط، ولمّا كان الأمر كذلك ورجعنا إلى فقهائنا الأربعة الكبار، وجدنا نص الشافعي في الأم أن علة الربا تعبدية، ومعنى أن علة الربا تعبدية أنها قاصرة، ومعنى أنها علة قاصرة أنها على الذهب والفضة ما داما وسيطاً للتبادل، فإذا خرج وسيط التبادل عن الذهبية. والفضية صارت ورقاً (أوراقاً نقدية) فلا ربا فيه، وهذا نص الأئمة عبر القرون،
ولا ربا في الفلوس ولو راجت رواج النقدين. تجد ذلك عند الخطيب الشربيني، وتجد عند ابن حجر الهيتمي، وتجد عند صاحب غيث النفع، وعند الحنابلة تجد عند البهوتي من الحنابلة، وتجد عند الشيخ الدردير من المالكية، وتجد مَنْ عَلَيْنَا بَعْدَ سَنَةِ أَلْفٍ وَتِسْعِمِائَةٍ وَسَبْعِينَ بِهَذِهِ الْمُصِيبَةِ، نَحْنُ فِيهَا مِنْحَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ كُلُّ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي كُنَّا نُفْتِي بِالْأَمْسِ أَنَّهَا حَرَامٌ صَارَتْ مُبَاحَةً. لِمَاذَا؟ لِفَقْدِ الذَّهَبِيَّةِ وَالْفِضِّيَّةِ الَّتِي هِيَ الْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ. وَعَلَى ذَلِكَ فَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ الْبَنْكُ كَمَا يَفْعَلُهُ هُوَ حُرٌّ، وَهَلْ
هذا لصالح البشرية؟ لا. وهل هذا هو الأمثل؟ لا. وهل هذا حلال؟ نعم. ما شأننا بأناس تريد أن تقوم بشيء لم يُحرّم في شريعتنا، وهو أنني سأذهب إلى هذا البنك فآخذ منه مليون دولار سنغافوري لأشتري به سيارة مرسيدس. أنا حر، وسأعيدهم مليوناً ومائتين. أنا حر لأن... الورق ليس من الأصناف الربوية التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً، العالِم الذي يقول أن هذا ربا، ماذا يظن؟ أيظن أننا ما زلنا قبل سبعين
سنة؟ هو يظن هكذا أن الدنيا لم تتغير. هو له حق إذا كان هذا المليون السنغافوري له مقابل من الذهب، فعندها لها ذهب فهو حلال، أما أنا فماذا أفعل هنا؟ لا شأن لي. أنا أقول ما هو موجود في الكتب كما هو مذكور فيها. أنت إن كنت لا تريد أن تذهب وتقول: "لا، ولكن هناك عالِمٌ يقول كذا"، فأنت حر. الورع لا نهاية له. إذا كنت غير مقتنع وعقلك لا يستوعب، هذا لا يغير من حكم الله شيئًا، فحكم الله أنه في هذه الأوراق النقدية لا يجري فيها الربا، ولذلك يجوز فيها الغرر ويجوز فيها الزيادة
ويجوز فيها النقصان ويجوز فيها كل هذا. فيأتي شخص ويقول لي: "هكذا تلغي فيها الزكاة"، فقلت له: "لا، هذا سبب من الأسباب". عدم الفهم بعمق لأن ما تعلقت به الزكاة المالية وما تعلق به الربا النقدي الذي تعلقت به الزكاة المالية هو الغنى والإغناء، ولذلك فُرضت في الماشية وفُرضت في الزروع وفُرضت في الثمار وفُرضت في النقدين، واختلفوا في
العسل واختلفوا في الخيول واختلفوا، فهذا مال غني، وواحد عنده زراعة وماشية يعتبر فيعطي الفقير الآن هذا الذي بين أيدينا من أوراق نقدية مالاً قطعاً، لأنني عندما أذهب لأشتري هذا الكتاب أدفع وآخذ، فهو سبب الغنى، إذ آكل وأشرب وألبس وأركب وأرتدي الساعة وأحضر الهاتف المحمول، وكل هذا بالأوراق النقدية، ولذلك صح أن يكون مهراً لأن المهر متعلق بالمالية، وصح إنشاء الشركات به. لأن المال الذي ننشئ
به الشركات متعلق بالمالية وليس بالنقدية، إنما بالمالية، هذا والله تعالى أعلى وأعلم. أفهمت؟ هل لديك سؤال آخر؟ لا، أعني في هذه النقطة، في هذا الموضوع، هل لديك سؤال آخر؟ هذا هو: أنت ترى أنها حرام، من أين؟ أين آثار العلم التي تقول إن هذا حرام؟ أنت حرام! دعني أسألك سؤالاً ثانياً:
لو نقول بأن الفوائد البنكية حلال، إذن يعني نمشي وفق ذلك. إذا كان معدل التضخم الآن أربعة أو خمسة في المائة سنوياً، بينما زكاتنا هي ربع العُشر فقط، كيف يكون ذلك؟ ما هذا الرابط؟ هل أنت تفهم؟ ما تقول أنا فهمت أن ماذا تفهم، لا الحمد لله أنت فهمت ما أقول. أنا أوافقك بوضوح لأنني واضح، نعم، ولكن سؤالك هذا تلفيق كلام، مرصوص بجوار بعضه لا معنى له. هيا نرَ، يقول الزكاة اثنان ونصف في المائة وهذا التضخم خمسة في المائة، ما علاقة
هذا؟ هذه الزكاة موجودة على الرقم، أنا معي مليون فيكون عليها خمسة وعشرون ألفاً. التضخم شيء آخر، هذا المليون يجلب كم ساعة؟ كم كتاباً؟ كم ثوباً؟ كم سماعة؟ وهكذا. ما علاقة هذا الكلام؟ لا علاقة. تسأل في أي شيء ولا شيء. نعم، الناس تسأل أسئلة. لا معنى لها وأنت غير مدرك أن هذا لا معنى له. كل هذا من أجل أن يمارس معك إرهاباً معي. أما أنا فلن يستطيع أن يمارس الإرهاب معي. لماذا؟ لأنني تعمقت في الفهم. أنا أريد أن أفهم،
أريد أن نواجه ربنا سبحانه وتعالى ونحن فاهمون. أنت ماذا تريد في سؤالك؟ هكذا ما فهمت السؤال، خلاص الإجابة عبث. إذا كنت أنا ما فهمت السؤال فعلى ماذا أجيب؟ على ماذا أجيب؟ هيا نفهم السؤال: ما علاقة الزكاة بالتضخم؟ والله لا علاقة. إذن ما الشيء الذي فيه؟ لا أدري! هكذا عندما تقول حافلة كم، حافلة تذهب إلى أين؟ خذ أي حافلة توصلك إلى ما هو رقم الحافلة التي تذهب إلى أين؟ السؤال خاطئ، السؤال فيه تضليل. "الحافلة رقم كذا تذهب
إلى أين؟" لست أعرف، أأنت تسأل عن رقم حافلة؟ هل لديكم هنا أرقام للحافلات؟ حسناً، وكل حافلة تذهب إلى جهة معينة، فأنت تسأل عن الحافلة التي تذهب إلى الجهة. ماذا تعني؟ أنت تسأل الشرق أريد، الغرب أريد، الشمال أريد، الجنوب أقول لك الحافلة التي توصلك، لكن ما الحافلة التي تؤدي إلى أي شيء؟ خذ أي حافلة ستوصلك إلى الجهة. فهمت؟ فإذا تأمل هذا، ولا يعني أنك تقول أنك متبنٍ لهذا، ولكن الناس تقول: طيب، أين حجة الناس؟ فقط أين الحجة الخاصة بالناس هذه؟ أما الأربعة هكذا فهذه أمور مخاوف. ما هي المخاوف؟ نشأت من
الخلط بين المالية والنقدية. أول ما يسمع هكذا يقول: الله! يعني توجد زكاة؟ يعني هدمت ركناً من أركان الدين؟ أقول له: نعم، إذا خلطت بين المالية والنقدية ستهدم ركناً من أركان الدين، ولكن الزكاة التي هي ركن من أركان... الديون متعلقة بالمالية وباقية إلى يوم الدين وهذا واقع. أنا مليونير ومعي مائة مليون دولار سنغافوري، حسناً. عندما أُخرج منهم مليونين ونصف لا يفعلون شيئاً، يعني ماذا يفعلون؟ لا يُغنون الفقير، يُغنون الفقير؟ لا يطبعون الكتب أو يدعون إلى الله أو يبنون مراكز أو ما شابه ذلك، يفعلون هذا طبعاً. يكون هناك إغناء إذاً، فنخرج هكذا، فهذه هي الزكاة
والصدقات والأوقاف والتبرعات والشيء الذي هو لله، والصدقة حتى التي تجوز على الغني، ما علاقة هذا بالربا؟ لا علاقة، لأن الربا مناطه النقدية، انتفت النقدية. فيسألني سؤالاً آخر: يعني معنى ذلك أن هناك أحكاماً لله لا وجود لها؟ قلت له. نعم، الله أمرني أن أغسل يديّ إلى المرفقين، فإذا قُطعت فهل لا أغسلها؟ هل الوضوء تغير أم لم يتغير؟ "وأيديكم إلى المرافق" وستظل هكذا إلى يوم الدين. حسناً، والذي ليس له ذراع ماذا يفعل؟ لا شيء، سقط
عنه الحكم. ذهاب الحكم بذهاب محله، ذهب الحكم لأن محله ذهب. أمرني أن الخليفة من سنة ألف وتسع مئة أربعة وعشرين إلى الآن لا وجود للخليفة. أطيع مَن؟ أطيع من يحل محله من رئاسة الديانة أو من رئاسة الدولة أو غير ذلك إلى آخره. حسناً، جلستُ في قمة الأرض فلم تغب الشمس ليلاً ولا نهاراً، باقية أربعة وعشرين ساعة، كيف أصلي؟ أقدّر لها الدجال وأن يوماً كسنة فقالوا
أتكفينا فيه صلاة يوم يا رسول الله قال لا، اقدروا لها. يبقى نعمل بالساعة، لكن كل صلواتنا مبنية على ماذا؟ على حركة الشمس وعلى الظل: ظهر، عصر، المغرب، عشاء وهكذا. طيب، وكل هذا ذهب أين؟ تبقى الصلوات الخمس كما هي ولكن ننتقل إلى البدل وهو... التقدير يكون ذهاب المحل منهما نجد تقديراً له ومنهما لا نجد تقديراً له. الرق، أنا ارتكبت ذنباً وأريد أن أكفّر بعتق رقبة، أين الرقبة؟ هل نذهب ونغسل شخصاً ثم نخرجه؟ ما هذا الكلام الذي لا يرضي الله ولا رسوله؟ محل الرقاب انتهى وإلى
يوم الدين، فهل انتهت أحكام الله؟ فيه لا ستظل هذه الأحكام كما هي، ولكن ذهب محلها والمؤلفة قلوبهم. يبقى إذًا المؤلفة قلوبهم واحد من مصارف الزكاة. أين بقي المؤلفة قلوبهم الآن؟ لا يوجد الذي هو حديث العهد بالإسلام الذي أخاف أن ينقلب على الإسلام ويكون مع غير المسلمين وضد المسلمين، لا يوجد. فلما استقر الأمر لسيدنا الفقيه المنوّر الولي وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُعطِ للمؤلفة قلوبهم، أي أنه غيّر شرع الله؟ لا، إنّ المؤلفة قلوبهم هؤلاء غير
موجودين، فماذا نفعل؟ ستظل الزكاة فيها بند اسمه المؤلفة قلوبهم إلى يوم الدين، ولكن ذهب المحل - وبإذن الله - إلى غير رجعة، فإذا رجع فإذا نحن أمام ما يسمى بذهاب الحكم بذهاب محله، وهذا تعبير أغلب العلماء، وسماه الرازي النسخ بالعقل، واعترض عليه بقية الأصوليين بأن كلمة النسخ بالعقل يعني ليست طيبة، ليست حسنة. فلندع نقول ذهاب الحكم بذهاب محله، فهو أحسن من كلمة النسخ بالعقل. نسخ بالعقل قد
يتصور الإنسان أن هناك نسخاً رسول الله وهذا مرفوض. نعم، تفضل عليكم أستاذ. كما تعلمون الآن، أي في هذا العصر، توجد اختلافات كثيرة بين المسلمين، الفرق الأشعرية وغير الأشعرية. كما تعلمون، فإن الأشعرية لديهم طريقتان في آيات متشابهات، وهما التأويل والتفويض، وبعضهم يزعمون أنهم سلفيون. سلفيون. هم يقولون بالتفويض، لكن بماذا يتعارض ما بين الأشاعرة والسلفيين في فهم التفويض؟ أيمكن أن تبين لنا إذا كان خيراً؟ أنا الذي فهمتُ من كلامك أنك تسأل عن الأشاعرة وعن السلفية. نعم، الأشاعرة هم
جماهير الأمة، والذي أفاده غير واحد من العلماء أن أهل السنة يتكونون بعضهم من الأشاعرة. وبعضهم من الماتريدية وبعضهم مما أسماه بأهل الحديث، وهذه السلاسل لا يخرج أهل السنة عنها، وإذا خرجوا إلى فرق أخرى كالمعتزلة والأشاعرة والخوارج والشيعة. وهكذا الشيعة والمعتزلة والخوارج وأمثال هذه الفرق والإباضية والزيدية إلى آخره لهم عقائد مخالفة لأهل السنة والجماعة. سلفيو العصر يقولون إننا
لا نحب التأويل ويريدون. أن يفهموا النص كما هو، في حين أن أكابر الأمة، بل ونفس السلفية هؤلاء، أولوا فيما نسميه بالتأويل الإجمالي. فكل المسلمين أولوا تأويلاً إجمالياً، حتى في قوله تعالى: "وجاء ربك والملك صفاً صفاً"، قال أحمد: "وجاء أمر ربك". أحمد بن حنبل الذي ينتسبون إليه ويريدون أن يتمسكوا ببعض ما... ورد عن سيدنا الإمام أحمد بن حنبل أنه يؤول قوله تعالى "وجاء ربك" بـ "وجاء أمر
ربك"، بإضافة كلمة "أمر" كتأويل، لأن "وجاء ربك" تعني جاء بذاته الشريفة الجليلة سبحانه وتعالى، وهذا المجيء يقتضي الانتقال ويقتضي الحركة، والله جل جلاله لأنه خارج عن هذه الأكوان منزه عن الزمان والمكان، فإنه والانتقال هذه أمور عقلية محضة، فلا يمكن أن نفهم هذا النص من خلال أن ذات الله العليا هي التي جاءت، بل يداه مبسوطتان، بل يداه مبسوطتان. يقول السلف الذين ينتسبون
إلى أهل السنة: أمِرُّوها كما جاءت، تفسيرها تلاوتها. ما الذي فعل أنه أوّل تأويلاً إجمالياً بأنه لا يجوز أن نصف. الله سبحانه وتعالى ليس له يد جارحة كهذه اليد منفصلة عنه، لأن الله ليس فيه انفصال ولا اتصال، وأن هذه اليد الجارحة لا يمكن أن تكون مرادة لقوله تعالى "ليس كمثله شيء". نعم، إذًا فما معناها؟ قال: لا أعرف هذا ولا سلف هذا، وهذا الذي يفعل فوضى هكذا هو فوضى. هو من أهل السنة امتنع عن الإجابة، والثاني
الأشعري قال: بل يداه مبسوطتان يعني قدرته، فاليد هنا هي القدرة. فالأول أوّل تأويلاً إجمالياً، لكن الثاني أوّل تأويلاً تفصيلياً. اتفقا في الإجمال واختلفا في التفصيل، فأحدهما لم يرتكب والثاني ارتكبه من أجل ماذا؟ من أجل أن يجيب على العالِمين. فلو أتاني المسلم وقال: "أنتم تتخيلون أن الله له يدان وله قدمان وله عينان وله كذا، أنتم تعبدون وثناً لكن محله في السماء". قال: "لا، حاشا، نحن نعبد رباً واحداً أحداً فرداً صمداً"، وذهب قائلاً له أسماء الله الحسنى كلها. قال
له: "هو هذا الذي نعبده". قال له: "طيب، لكن أنتم..." تقولون أنه له يدان، قال له: لا، هذه معناها العلم، وهذه معناها القدرة، وهذه معناها العناية والرعاية، وهذه معناها الإرادة، وهذه معناها كذا وكذا فنزَّه الله بتأويل توفيقي. هذا لا يُعجب السلفيين المحدثين، فاضطروا إلى أن يقعوا - حتى يبتعدوا عن هذا - في التجسيم، فقالوا: بل له يدان أي ما حقيقتان التي لا يستطيع الإجابة عنهما فيسكت؟ إنما هو استخدم كلمة "حقيقتان" حتى يبتعد عن التأويل التفصيلي
هرباً لا طلباً. هو لا يريد بذلك معنى جديداً، بل يريد بذلك البعد عن تأويل اليدين بالقدرة، و"لتصنع على عيني" أي بمعنى رعايتي وعنايتي. قال: هذا تأويل، بل الله له عين بما يليق بجلاله وذاته سيعود مرة أخرى من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل، ولا يكون كأنه لم يفعل شيئاً. الرجل الذي أمامه لن يقتنع بهذا الكلام
لأنك تقول إن له عيناً حقيقية لكنه ليس له عين حقيقية. إذاً، إذا كان الأشاعرة هم سادة الأمة وهم الذين أخرجونا الورطة ومن تكذيب العالمين لنا: أنت الآن تقول أنا له عين. قال: لا، أما ليست عيناً، ليست فقط عيناً، بل ليست عيناً. قال له: ماذا تعني إذن عين ليست عيناً؟ قال له: جلّ جلال الله، لا أعرف. قال له: حسناً، إذن أنتم أناس جهلة، ها أنتم لا تعرفون ربكم. كل خلُصنا منه الأشاعرة الكرام بأنه قال لي: إن الرعاية والعناية جائزة في حقه تعالى لعباده. طبعاً قال تعالى: "ولتُصنع على عيني" أي في عنايتي ورعايتي. فأذاً الأشاعرة لا يُقلل
من شأنهم، مع العلم أن الأشاعرة هم المتفردون بثماني مسائل فقط في العقيدة من أصل ألف وخمسمائة مسألة وبالتفصيل. واحد وعشرون وبالإكمال ثمانية هذا يعني بسيطة، لكن المشكلة التي بيننا وبين سلفية العصر هي أنهم أميل إلى التكييف منهم إلى التفويض. عليه مالك وسفيان الثوري والشافعي وكذا. أمِرّها كما جاءت، تفسيرها تلاوتها. مالك يقول فيما أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات عندما سأله أحدهم: "الرحمن على العرش استوى". كيف استوى فأطرق مالك
وقال: الاستواء معلوم في اللغة، والكيف غير معقول، يعني الكيف مرفوض أن يكون له كيف؛ لأنه رب العالمين، والكيف من صفات المخلوقين، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، وأراك رجل سوء. فحملوه من أمامي، فرفعوه وأخرجوه خارج المسجد. كان هذا تصرف الأكابر كما حدث. لابن عسيل وابن عسيل تكلم في هذا: "الرحمن على العرش استوى"، كيف استوى؟ فأرسله عمرو بن العاص من مصر إلى عمر بن الخطاب، فقام عمر بالضرب على رأسه حتى قال: "يا أمير المؤمنين، ذهب
ما كان برأسي". فلما فعل معه هذا، ظل إلى أن مات عمر ورجع يسأل هو نفسه. ابن عُسَيْل هذا هو صفوان بن عُسَيْل، يعني أريد أن أفهم كيف "الرحمن على العرش استوى"، كيف استوى؟ الرجل السفياني والشافعي وغيرهما يقولون: أَمِرُّوها كما جاءت، تفسيرها تلاوتها، كله "الرحمن على العرش استوى"، يعني "الرحمن على العرش استوى" فقط. هذا خطاب المؤمنين، خطاب بيننا، أما خطابنا مع غير المسلمين فماذا الرحمن على العرش استوى أي أنه استولى عليه وقهره. لماذا؟ لقد استوى بشر على العراق
من غير سين. بشر على العراق يعني استولى بشر على العراق. هل يجوز أن نعبر بأن الله يقهر الكائنات؟ القرآن عبر بهذا فقال: "ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين". هذه قضية ثانية. ولكن ائتيا طوعاً أو كرهاً يعني لو لم يُجيبا أو تماطلت السماوات والأرض في الإجابة لاستوى عليهم، ثم استوى إلى السماء فسوّاهن سبع سماوات. إذاً ففي معنى القهر موجود ما يُجرى شيء، لكن لأن هذه الكائنات تعرف جلال ربها وعظمته فإنا أتينا طائعين ولا نستطيع
أن نأتي بغير ذلك. مقهورون لكن الله قادر على القهر وهو القاهر فوق عباده، وهذه الأشياء تعبد ربها بحالها، وما من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم. فكلام الأشاعرة كله متسق مع القرآن ومع السنة ويتماشى مع المعقول والمنقول ويجعل صورة الإسلام في العالمين صورة جيدة، لكن هذه الكلمات التي للسلفي وغيره. والذي لا يدري ماذا وهكذا إلى آخره، كلام يتعارض إما مع كتاب الله، وإما يتعارض مع السنة، وإما يتعارض مع المعقول، وإما يتعارض مع صورة الإسلام للعالمين، وهم لا يبالون بصورة الإسلام في العالمين. وقد ناقشناهم كثيراً فقالوا: أنحن سنغير ديننا من
أجل العالمين؟ يا أخي ليس غيّر دينك، اعرض دينك عرضًا صحيحًا. أنت لا تغيّر دينك عندما تجعله في الصورة التامة. والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر من هذا ويقول: "أيما رجل يتكلم بحديث لا يصل إلى عقول الناس إلا كان فتنة عليه". ويقول: "نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم". فلا بد... أن تراعي الخطاب والمخاطب، أمامك شخص غير مسلم، تنقل له صورة عن الإسلام تجعله ينفر من الإسلام ومن المسلمين، هذه هي يعني السنة أو هذا الأمر الإلهي؟ لا، نحن مأمورون: "بلغوا عني ولو آية"، نحن مأمورون أن نراعي شعور الناس،
"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وعندما جاء... كعب بن مالك تخلّف عن الغزوة فجاءه قوم من الروم كما ورد في صحيح البخاري وقالوا: "يا كعب، عرفنا أن بينك وبين صاحبك نزاعاً، فالحق بنا نُكرمك". فتحدث أحد الناس مع النبي قائلاً: "يا رسول الله، لِمَ لا تقتل هؤلاء المنافقين؟ اقتلهم وانتهِ من الأمر". فقال: "لا، أخشى أن يُقال والفرس
ليس لديهم موقف "ما شأني بالأمر"، أنا لا علاقة لي بالروم والفرس، لم يكن لديهم اعتراض، ولذلك دخلوا في دين الله أفواجًا بعد ذلك. حتى لا يُقال إن محمدًا يقتل أصحابه، لا بأس، اقتل المنافقين، خذ هذا الأمر، أمره الله وأباح له ذلك في سورة الأحزاب: "لئن لم ينته بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً ولم يقتل أحداً. هذه يا صاحبنا نحن مأمورون أن نتبع من؟ أهواءنا؟ أفهمنا؟ أم قال: لقد كان لكم
في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً. فالحق أبلج والباطل لجلج. فالواضح واضح من - يعني واضح - سيدنا تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فالأشاعرة والماتريدية وأصحاب الحديث هم الذين كذا، ولذلك يقول اللقاني في جوهرة التوحيد: "وكل نص أوهم تشبيهاً أوّلْهُ أو فوِّضْ"، أوّله الأشعرية والماتريدية، أو فوض أهل الحديث، ورُمْ تنزيهاً، ورُمْ تنزيهاً في الثلاثة ننزه
الله عن المماثلة وعن التعطيل وعن التشبيه وعن التكسيد، وننزه والخير كله الخير في اتباع من سلف، والشر كله الشر في ابتداع من خلف. نعم، هاتوا أين الأسئلة. نعم، النساء، السلام عليكم يا شيخ. هيا قولي، النساء، هيا قولوا بسم الله الرحمن الرحيم. عندي سؤال. بالنسبة إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" إلى آخر سؤالي يا شيخ، كيف ننشر هذا الحديث في مجتمعنا الحاضر؟ وكيف نتعامل بهذا الحديث؟ وهل... يمكننا أن نضع هذا الحديث من ضمن النماذج
التي ذكرتم بالأمس أن هناك أربعة نماذج، وهي: نموذج مكة، ونموذج الحبشة، ونموذج المدينة الأول، ونموذج المدينة الآخر. هل يمكن أن نضع هذا الحديث في نموذج المدينة الآخر؟ والله أعلم. اقرأ الحديث وستجد شرحه فيه. هيا بنا نقرأ. معًا أمرت، لا ليس أنكم تقولوا ورائي لا أمرت هل في رواية يا أختي في الله أيتها المحبة الأواهة؟ قم هكذا، قم دعني قم ننشط. هل في رواية أمرتم أمرت؟
هل في رواية أمرنا أمرت؟ ما علاقة هذا الحديث بأننا نواجه به العالم ما نواجه به؟ العالمين، النبي صلى الله عليه وسلم أمر وأدام أمره، فيجب علينا أن نذهب لنرى ما الذي حدث. الذي حدث أنه كان في مكة، هل قاتل في مكة أحداً؟ أجيبوني. لا، لم يقتل أحداً. فجاء خباب وقال له: ألا تستنصر لنا؟ قال: إنني رسول الله ولينصرن. الله وأن المرأة الضعيفة كانت
وأن الرجل من قبلكم كان يؤتى فيُفرق بين عظمه ولحمه بمنشار لا يصده ذلك عن دين الله شيئاً، وإني رسول الله لينصرني الله حتى تسير المرأة الضعيفة من مكة إلى الحيرة لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها. حسناً، اكتبوا يا قوم، هل تكتبين؟ اقرأ، أريد أن أناقشك في "إذا أمرت" ولم يقل "أمرتم" ولم يقل "أمرنا"، هذا يقول "أمرته" فما حالته؟ حالته أنه سكت في مكة. حسناً، وعندما انتقل إلى المدينة لم يفعل شيئاً سوى أنهم هاجموه في بدر. هل بدر هذه في مكة أم في
المدينة؟ في المدينة، وبعد ذلك في أُحُد. هل أُحُد هذا من جبال مكة أم من جبال المدينة؟ في المدينة. طيب، والخندق كان في مكة أم كان في المدينة؟ في المدينة. يعني قد يُضرب، يعني قاعدين جائين، لا بدّ أن نقضي عليه وعلى جماعته. طيب، الدفاع عن النفس معروف هكذا. طيب، ربنا يقول ماذا؟ وقاتلوا في... سبيل الله الذين يقاتلونكم. قال: فجر العمارتين في الحادي عشر من سبتمبر. قال: يقتل الناس هكذا بعضهم بعضاً، ونحن لا نعرف من هو القاتل ومن هو المقتول. "فأُمرت أن أقاتل الناس"، أأقاتل أم أقتل؟ أختي في
الله، أأقتل أم أقاتل؟ أقاتل (صيغة مفاعلة) تعني أن هناك طرفين، أي يوجد قاتله، وليس اقتله. هذا معناه قاتله، أي أمرته بالقتال وليس أمرته أن أقتل. الناس، هؤلاء الناس، أنت تفهمها على أننا سنقاتل جميع الناس أم أن المقصود بالناس هنا هم قريش؟ هيا نذهب إلى القرآن. يقول: "الذين قال لهم الناس" وهو نعيم بن مسعود، "إن الناس" وهم قريش باتفاق المفسرين، لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا، فهنا
عند ذلك قال: أنا على فكرة لن أترك قريشًا، وقريش هؤلاء بماذا يسمونهم الناس؟ ما الذي جعل قريشًا [هم] العالمين؟ هل قال أُمرت أن أقاتل العالمين أم قال أُمرت أن أقاتل الناس؟ الناس بموجب القرآن هم قريش، فما الذي أخرجهم من كونهم قريشًا إلى [كونهم] القاعدة وداعش والإخوان المسلمون والإخوان المسيحيون وما شابه ذلك، ماذا يعني؟ أنا أريد أن أفهم ما الذي نقل الناس المذكورة في القرآن لغرض خاص انتقلت هذا الانتقال وأصبح أننا سنقاتل خلق الله. شيء غريب! هذا الحديث يجب أن تكتبوه
بتفسيره هكذا على لوحات وتعلنوها للبشر لأنه حديث يؤكد. سلمية الإسلام في هذا الحديث: "أُمِرتُ أنا يا محمد أن أقاتل الناس - أي قريشاً - حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله". "حتى" هنا تعني "من أجل" وليست "إلى أن". فكلمة "حتى" يمكن أن تكون بمعنى "إلى أن" ويمكن أن تكون بمعنى "من أجل". ما الذي جعلك في ذهنك إلى أن لأجل أن تجعل الشهادة غاية
تقاتلهم لماذا؟ لأجل أن أنشر دعوتي، يتركوني في حالي وأنشر دعوتي، وهذا يؤكده ماذا؟ "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" ويؤيد "لست عليهم بمسيطر" ويؤيد "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" ويؤيد "فمن شاء فليؤمن ومن ويؤكد لكم دينكم ولي دين، ويؤكد أن ما على الرسول إلا البلاغ. ما الأمر يا إخواننا؟ ما الأمر؟ إن القرآن كله يقول له هكذا، ويؤكد أنه جعل المنافقين في الدرك الأسفل من النار. كيف هذا؟ كيف بعد كل هذا يجعله ينشئ طبقة للمنافقين؟ لو أكرهتم شخصاً على الإسلام فماذا سيحدث؟ يكون منافقاً، فالله
تعالى يقول لي احذر واعمل واقتل المنافقين، فهل أترك المنافقين؟ فالأمر واضح، لقد أُمِرتُ أنا يا محمد أن أقاتلهم، لا أن أقتل الناس قريشاً حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وليس إلى أن يشهدوا أن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا. الزكاة والناس، ارفع هذا الكابوس عن الخلق حيث أنهم يقفون عقبة أمام الإيمان. كل هذا ستأخذه من أين؟ من سيرة سيدنا النبي. حاربوه في مكة إلى أن أرسل أصحابه إلى الحبشة، وحاربوه إلى أن
أرسل أصحابه إلى المدينة، ولما ذهبوا حاربوه هناك في الحبشة وأرسلوا عمر وغيره إلى آخره، وحاربوه المدينة بالجيوش ماذا يفعل؟ يقول: "يا جماعة، على فكرة، أنا لست الذي إذا ضربني أحد على خدي الأيمن أعطيه الخد الأيسر، لا، أنا سأقاتل، والذي سيأتي هنا سأقطع له رجله". هذا ما حدث. فرسان نبلاء ولكن "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، يا. سلامٌ. إذاً هو ضربني وقطع يدي، وأشهد أن لا إله إلا الله. خلاص، لا يمكنك ضربه، لا
تعتدِ. قال: فإن ضربته يا رسول الله؟ قال: فأنت بمنزلته قبل أن يقطع يدك، وهو بمنزلتك بعد أن قطع. لا أعرف، يا سلام! يصبح هذا يتطلب ضبط نفس، شخص معتدل على... يقتلني ثم أقول له "خلاص، بما أنني أسلمت، انتهى الأمر"، فـ"إن ألقوا إليكم السلم"، إذًا القضية أن هذا الحديث له تفسير، وعلينا أن نشرح للناس هذا التفسير فينبهروا بالإسلام، ولا يجعلوه كأنه عورة نريد أن نسترها. ومن أين جاءت هذه العورة؟ من فهم المسلمين لهذا الحديث، لأنهم لا يملكون أدوات هذه
أو ليست معهم الزمان الذي نعيش فيه ولا المكان، ولكن الكلام واضح وحديث جميل جداً، وكله فيه هداية للعالم وبيان أنها أمة قوية وليست أمة مخذولة، وستدافع عن نفسها لحق الدفاع عن النفس، حتى في اتفاقية جنيف الأولى واتفاقية جنيف الثانية الخاصة بالحرب والسلام. الدفاع عن النفس حق من... حقوق الإنسان؛ أحدهم يأتي ليقتلني وأتصرف هكذا، أقول له: حسناً، لا بأس. يقتلني؟! ما هذا الاستهتار وقلة التدين؟ إن هذا الحديث حديث مُنير وحديث يحمل كل معاني الرحمة. نعم، تفضل. أنتم كالعالِم
الذي عاش في مصر مكان جماعة الإخوان المسلمين، هل يمكن أن تبين لنا حقيقة الإخوان المسلمين هؤلاء؟ نعم، هل يمكنك أن توضح لنا حقيقة جماعة الإخوان المسلمين كما عايشتهم معهم؟ القضية ليست أن أعيش أو لا أعيش معهم، القضية أن الذي بيني وبين العالمين هو رسول الله. ما الذي يجعلنا؟ أنا لست شيعياً، فالشيعة تتهم الصحابة الكرام، وكأن رسول الله - والعياذ بالله تعالى - قد فشل في الله أعظم صحابته وأعظم أهل بيته ولا أسمح لأي شخص في
العالم أن يمس هذا البيت الكريم ولا تلك الصحبة المباركة. ما الذي بيني وبين المسيحيين؟ أنهم لم يؤمنوا برسول الله نبياً. ما الذي بيني وبين اليهود؟ أنهم لم يؤمنوا بهذا القرآن هادياً. ما كله في رسول الله الذي بيننا. وبين العالمين هو رسول الله، رسول الله ترك لنا المحجة البيضاء وقال: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، كتاب الله وعترة أهل بيتي" أخرجه الترمذي، "كتاب الله وسنتي" أخرجه أحمد. إذاً هو ترك لنا كتاب الله وترك لنا عترة أهل بيته نوقرهم ونعظمهم قل. لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى تعظيماً
لشأنه وترك لنا سنته واضحة. النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتركنا هكذا، فلما حصل عام ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين وانهارت الخلافة، وهو أمر جلل، لأن الخلافة ظلت مستمرة من لدن النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله وإلى ألف. وتسع مائة وأربعة وعشرين لم تنقطع سوى أيام انتقل فيها الخليفة المتوكل على الله من بغداد إلى القاهرة أيام التتار سنة ست مائة وستة وخمسين هجرية. بعد ذلك لم تنقطع الخلافة. انقطعت؟ فعلى الفور اذهب إلى رسول الله وقل له: ماذا
أفعل؟ أأنشئ خلافة مكانها؟ أأسعى في الأرض للاستيلاء على أفعل يا رسول الله، فوجدت رسول الله يقول: "فإن كان في الأرض خليفة فالزم الخليفة ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك". هو الخليفة الذي يضرب ظهري أنا ويأخذ مالي! أنا رجل صالح، يعني رجل من أولياء الله الصالحين. عبد القادر الجيلاني، يعني رجل فاسق، وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلا أخرج عنه تقديماً للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة. قلت له: "صدقتك يا رسول الله، حاضر سلمته". فإن لم يكن في الأرض خليفة فالهرب الهرب. حسناً،
لم يحدث أن كان ليس في الأرض خليفة إلا في السادس من مارس عام ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين، فالنصيحة النبوية ماذا تقول؟ الهرب أعمل جماعة، لكن جاء الأستاذ حسن البنا وأسس جماعة تهدف إلى خدمة المجتمع والناس، فقلنا له: حسناً. وظل من سنة ثمانية وعشرين إلى سنة تسعة وثلاثين وهو يؤسس هذه الجماعة لخدمة المجتمع والناس؛ ينشئ مدرسة، ينشئ مستشفى، يعلّم الناس الصلاة في المساجد والأذكار. كان يوزع شيئاً يُسمى المأثورات وهي الوظيفة. لسيدي أحمد زروق الشاذلي،
وهكذا التفَّ حوله الناس وأحبوه، لكن شيخه لم يحبه. الشيخ محمد عبد الوهاب الحصافي قال: "يا حسن، أرى فيك أنك صاحب فتنة، وما تفعله سيفرق الناس"، لأنه كان في ذهن الدولة يريد الاستيلاء على الحكم. ربنا سبحانه وتعالى يقول: "يؤتي الملك من يشاء"، وليس أنت الذي. تذهب تسعى للحكم، الحكم هو الذي يأتيك، فإذا أتاك فاتق الله، لكن أنت تسعى للحكم فهذا ممنوع، إذ إن هذا الأمر لا نوليه من طلبه. وحينئذٍ لن تستطيع نصح الحاكم لأنك تنازعه كرسيه، لكن عندما لا تنازعه
كرسيه يشعر نحوك بالأمان والإخلاص، وأنك رجل فعلاً نصيحتك لوجه الله تريد المصلحة. فهو جلس إحدى عشرة سنة ورأيناه ذهب إلى المدينة والتقى بالشيعة هناك في المسجد النبوي، والشيعة أقنعوه أن الدولة قبل الأمة، وأنه يجب عليه بدلاً من أن يجعل تربية الأمة قبل الدولة أن يجعل السعي إلى الدولة قبل الأمة، وهذا كان منهج جمال الدين الأفغاني الشيعي، وهذا منهج محمد عبده. المصري وهو كان يسير على نهج رشيد رضا إلى سنة ألف وتسعمائة وأربعين، وفي سنة أربعين أنشأ جماعة سرية تتدرب
على السلاح، حتى من ناحية ظاهرية تقاوم الإنجليز المحتلين، ومن ناحية حقيقية أنه يكون له ميليشيات تستولي على الحكم. وبدأ الخلاف بيننا وبينه من هذا، أنت رجل تقدم الأمة على... الدولة أو أنك غيّرت فقدمت الدولة على الأمة، قال: أنا غيّرت. قلنا له: نحن لسنا معك، نحن نرى أن الأمة قبل الدولة، وكما تكونون يُولَّى عليكم. قال: هذا ليس بحديث. قلنا له: نحن لم نقل قال رسول الله، هذه حكمة "كما تكونون يُولَّى عليكم"، والله يقول: "يؤتي الملك من يشاء". لك تدخل أنت في هذا! جلس بعد ذلك من أربعين إلى تسعة وأربعين
وهو يتلاعب بالناس وبالملك، وجميعهم يعرفون حقيقته، ولكنه دخل في هذا النطاق فقتل المستشار أحمد الخزندار وقتل سليم زكي حاكم العاصمة وقتل النقراشي رئيس الوزراء وقتل علي ماهر. وهكذا، فالإسلام لا يقر هذا الاغتيال والقتل. وقتل المسلمين وبدأت نزعات التكفير، من قال إن أحمد الخزندار مسلم؟ من قال له إن قراش باشا مسلم؟ وبدأنا في مهاترات لا قيمة لها عند أهل السنة والجماعة، فحاربناها وأعلنا التبرؤ منها. وعندما جاء عبد الناصر حاولوا
اغتياله ونجّاه الله، فقبض عليهم وكان عددهم ثمانية عشر ألفاً. شخص من ثمانية عشر مليون إنسان يعني واحد في الألف، عبد الناصر حقق معهم، لكنه كان عنيفاً، لديه تعذيب ولديه أمور أخرى إلى آخره، ما كان يعني... كان عنيفاً رحمه الله. فبعد ستة أشهر أفرج عن ثمانية عشر ألفاً وأبقى في السجون ألفين وست مئة، وتبين أن الثمانية عشر ألفاً يعرفون شيئاً عن هذه الحادثة وأن
الألفين وستمائة يسمعون عنها أو يعرفونها أو يدبرون جزءاً من المؤامرة التي كانت، فأفرج عن هؤلاء ورجعوا إلى حياتهم. ألفان وستمائة إنسان قُدِّموا للمحاكمة منهم مائة هم الذين اشتركوا اشتراكاً فعلياً في مؤامرة الاغتيال، والباقي لم يُقدَّموا للمحاكمة لكن هذا الباقي كان موافقاً. على هذا المنهج وأنه يجب علينا اغتيال الحاكم وأخذ الحكم منه والجلوس على كرسي السلطة حتى نطبق شرع الله. حدث هذا في عام
ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين، وفي عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين أُفرِج عن الجميع إلا نحو ثلاثمائة من القادة الكبار هؤلاء. ثمانية ستة وخمسين أخرج ألفين وست مئة إلا ثلاث مئة في سنة أربعة وستين أخرج الثلاث مئة. هيا نبدأ صفحة جديدة، فكانت الصفحة الجديدة مؤامرة أخرى لقلب نظام الحكم يشترك فيها سيد قطب ويشترك فيها محمد هواش ويشترك فيها عبد الفتاح إسماعيل ويشترك فيها فلان وعلان.
لا شيء فيها، اكتُشفت أيضاً بفعل الله، بفعل الله، يعني لو قرأت كيف اكتُشفت المؤامرة، فهو شيء من عند الله. إذاً فالله لا ينصر هؤلاء، كان قد ستر عليهم، لكنه لا ينصر هذا الاعوجاج عن منهج رسول الله. فلما كان الأمر كذلك، قُبض عليهم مرة ثانية. كم قُبض عليهم؟ الثمانية عشر ألفاً الذين سابقاً وُجد أن أغلبهم لا يعرف شيئاً وأنهم في حيرة، فأفرج عنه، أفرج عنهم سنة ست وستين، وبقي في المعتقلات هذه نحو ألفين من
الثمانية عشر ألفاً، وأُعدم سيد خضب الفتاح إسماعيل ومحمد هواش، وهكذا في أربعة وخمسين أُعدم ستة، وفي خمسة وستين أربعة. في عام ستة وستين أُعدم ثلاثة خرجوا من المعتقلات. وفي سنة سبعين، بعد وفاة عبد الناصر، جاء أنور السادات وأراد أن يصطلح مع كل الأطياف ليعمل مصالحة مجتمعية، فأخرجهم من السجون. فبدأت هذه الجماعة تعمل إما بنفسها وإما بالوكالة، فواحد منهم أصبح في
التكفير والهجرة، وواحد منهم أصبح في الاتجاه وهكذا إلى أن وصلنا إلى القاعدة وداعش وكل هذا من تحت عباءة الإخوان المسلمين. أنا كعالم دين كيف أسير وراء هذا؟ كيف يعني؟ بأي وجه أمام ربنا؟ كيف يمكن أن أتبع أناساً انحرفوا عن المحجة البيضاء وفعلوا من البداية ما أمرنا رسول الله ألا نفعله في رواية البخاري؟ فإن لم... يكن فإن كان في الأرض إمام في رواية أحمد بن حنبل فإن كان في الأرض خليفة فإن كان في الأرض إمام فالزم
الإمام ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك. إذاً لمّا الخليفة يزول ويأتي إمام الملك كان حينها إمامنا، ثم بعد ذلك الرئيس إمامنا إلى اليوم إذ يوجد رئيس للدولة فالزم ضرب ظهرك وأخذ مالك، فإن لم يكن إمام - يعني أنت في جزيرة في المحيط الهادئ وليس هناك أحد - فكن حلساً من أحلاس بيتك. أيضاً لم يقل لك أن تذهب هناك في كاليفورنيا المسماة بكاليفورنيا يعني دار الخلافة وتفعل كذا وكذا. ما هذا الهراء؟ هذه جهالة. يا أخي الذي هو رسول الله، من سار على نهجه سرنا معه، ومن أبى أبينا له، هذا
والله أعلم.