رب لترضى جـ 2 الحلقة التاسعة عشر | التخلق بصفات الله | أ.د علي جمعة

رب لترضى جـ 2 الحلقة التاسعة عشر | التخلق بصفات الله | أ.د علي جمعة - تصوف, رب لترضى
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات "رب لترضى"، ومعنا كما تعودنا مجموعة من الشباب الطيب وعنده.
أسئلة من معه السؤال بليل. حلقت؟ قلت أنا سيدي في حلقة سابقة أن صفات الله سبحانه وتعالى تُقسم إلى صفات جلال وصفات جمال. حضرتك قلت إننا في صفات الجمال نتخلق بها، فما هي الإجراءات أو كيف بالضبط نتخلق بصفات الجمال؟ صفات الله سبحانه وتعالى الجلال والجمال والكمال، وإذا أردنا أن نقول الكمال والجمال والجلال لأن رحمته سبحانه وتعالى سبقت غضبه فنبدأ بالجمال لكن شأنه الكمال ولذلك نقدمه فيبقى الكمال والجمال والجلال إذا أردنا الترتيب. وقلنا إن الإنسان يتخلق بأخلاق الله، وهناك في الحكم الواردة عن السلف الصالح "تخلقوا بأخلاق
الله"، وهو ليس حديثًا ولكنها حكمة جارية على الألسنة أن نتخلق بأخلاق الله سبحانه وتعالى، والتخلق بأخلاق الله قلنا أنه خاص بالجمال. طيب، والسؤال الآن: كيف نفعل هذا؟ هيا بنا نرى معنى الصفة، ولتكن الرحمة مثلاً. والرحمة هي نوع من أنواع انعطاف القلب على الآخر سواء لضعفه أو لحاجته أو لنوعه أو لموقفه.
أو احتياجه إلى آخره ويسمونها الشفقة، تكون شفيقة الرحمة. هذه نريد أن نتخلق بها، فلا بد أن نتأمل ما حولنا من الكائنات. فسنجد أن ما حولنا من الكائنات ينقسم أساساً إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول وهو أعلاها الإنسان، والقسم الثاني الحيوان، والقسم الثالث الجماد. وإذا أردنا تفصيل ذلك الجماد فنقول... النبات لأن النبات ينمو وله حركة، والجماد الذي هو مثل الحائط أو الصخر أو الجبل
أو البحر أو غير ذلك إلى آخره ليس فيه حركة أو نمو أو غير ذلك. يبقى إذاً عندنا أربعة عوالم، لو تأملت أنه لا بد أن تكون رحيماً بتلك العوالم الأربعة. فأهل التصوف يقولون: أول أن الكائنات من حولك تُسبِّح وأنها تعبد الله وأنها تبكي وأنها تسجد لله رب العالمين واستدلوا بآيات وأحاديث كثيرة فيها هذا المعنى، إذاً عندما تدخل فمن الأدب المتصل بالرحمة أنك لا تُغلق الباب بشدة خلفك لأنه يُسبِّح، هذا معنى قد نغفل عنه، لو
أننا نتذكر أن النهر يُسبِّح يصبح... لا نجد فيه الجيفة، ونهى رسول الله عن الملاعن. تعني الأماكن التي يُلعن فيها من يفعل، من يُنجس أو من يتغوط في ظل الناس، أي التي تؤذي الناس. في الجمادات هذه لو كنا نفهم أن النيل يسبح، لدرجة أنه عندما دخل المسلمون مصر كانت لا تزال عندهم عادة. رمي العروسة، بعضهم ينكر هذا وبعضهم يثبته في وفاء النيل. المسلمون دخلوا مصر سنة ستمائة وعشرين ميلادية، فكانوا يأتون بفتاة ويلقونها في النيل. فقال لهم عمرو بن العاص:
"ما هذا الكلام؟ أنتم تقتلون إنساناً! ممنوع هذا الكلام، لا تقتلوا الإنسان". وبعث رسالة إلى سيدنا عمر، قالوا إن القصة أنهم لم يقولون إننا نلقيها من أجل أن يأتي الفيضان، وإذا لم نُلقِها فلن يأتي. فالله يحفظك، أن نقتل شخصاً واحداً أفضل من أن يجوع البلد بأكمله. هذا هو منطقهم. فأرسل إلى سيدنا عمر قائلاً ما هذا الكلام؟ فرفض عمر هذا تماماً وكتب رسالة إلى النيل. سيدنا عمر كتب رسالة إلى النيل. للنيل يَعلم أنه يَسبح، يَعلم أنه مخلوق لله. إن كنت تجري من عند نفسك فلا حاجة لنا
فيك، انظر القوة، وإن كنت تجري من عند الله فاجرِ بإذن الله. فعمرو بن العاص رماها في النيل ففاض. من الضروري أن يكون الناس قد رأوا أشياء مثل هذا لكي تدخل في... دين الله أفواجًا بهذا الشكل لأن هناك ناس مستغربة وهناك ناس لكي تفسر ما حدث فتقول لك إنهم أكرهوا الناس على الدخول في الإسلام بالسيف ولا أعرف بالحربة وبهذه الأشياء، لم يحدث ذلك. هم رأوا أشياء مثل هذا، رأوا أننا نتعامل مع الجمادات وكأنها حية وأننا نرحم الجماد وأن نحن نتعامل مع الكون بقلب شفيق الذي
يرحم الجماد. هذا الذي لا يرحم النبات لا يُمكن أن يرحم. إذا كان سيرحم فهو الجماد الذي لو طرقت عليه يكون مثمراً، فهو لا يقصّر في ذلك، لكنه يرحم النبات. ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "إذا جاءت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ويقول إنه إذا زرعنا زرعاً لا تأكل منه طير ولا دابة إلا كان لك به أجر. كان عندنا هنا رجل اسمه محمد أبو الذهب، بنى مسجداً أمام الأزهر ما زال موجوداً حتى الآن أمام الأزهر هكذا. فإذا نظرت هكذا إلى
الأعلى تجد منارته أربع صوامع غلة، أربع... أربعة. هذه الصومعة يسمونها مثل الزير هكذا كان يملؤها قمحاً من أجل الحمام واليمام والعصافير والجنزورة وغيرها لتأكل منه. قال: يا إخواننا، وعمل لها وقفية. الذي يرحم النبات بهذا الشكل ألا يرحم الحيوان؟ لدينا قصة هكذا، قصة كبيرة حول امرأة دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل. من خشاش الأرض النار. النار!
أين الرحمة؟ وبالمقابل، إن امرأة من بني إسرائيل بغي، أي عاصية وارتكبت كبيرة، نعم كبيرة من الكبائر، دخلت الجنة في كلب وجدته عطشان فسقته. إلى أن قالوا له: "يا رسول الله"، قال: "في البهائم صدقة"، قال: "في كل ذات كبد رطبة صدقة". هذا الحد جاء التعامل حتى قال حتى عندما أحل الله لنا التمتع بالأكل، أكل الأنعام، قال: "إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة". أنت تقتل هذا المخلوق لماذا؟ لأنه ضار، صرصار سينقل لي المكروبات، وسأحضر مبيداً للفأر الذي سينقل الطاعون ويسبب لي
المرض، فأحسنوا القِتلة، أي اقتلوا بقواعد وقوانين، وإذا ذبحتم. الذي هو هكذا الطعام والأنعام، فأحسنوا الذبحة، إن الله قد كتب الإحسان على كل شيء. ها أنا عندما أرحم الجماد وأرحم النبات وأرحم الحيوان، السؤال الآن بعد كل هذا واستقر في قلبك، ألن ترحم الإنسان وتأخذ هذا الأمر؟ إنما أنا رحمة مهداة، قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة" يعني حصراً للعالمين وللعالمين قبل ذلك وبعد ذلك، الكل سيستفيد منه في الشفاعة الكبرى. والبخاري يأتي بالحديث الخاص
بها أن جميع الأمم ستذهب إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى تطلب منهم أن ينتهي هذا اليوم. فاليوم عند ربك كألف سنة مما تعدون. لقد ملوا من الوقوف وهم يُحقق ينتقلون إلى المكان، مكانهم واقفين خمس مائة سنة، فيأتي النبي عليه الصلاة والسلام ويتشفع وينهي هذه المسألة، فتصيب الرحمة منه كل العالمين، المؤمن والكافر، السابق واللاحق، الكل سيستفيد من النبي عليه الصلاة والسلام،
الجماد والنبات والحيوان والإنسان، الكل في الرحمة. إذ السلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كنا قبل الفاصل نحاول أن نعرف كيفية الرحمة، وتكلمنا عن أن المفهوم أو المعرفة أول خطوات كيفية التطبيق، كيفية التخلق، وأنه يجب
علينا أن نؤمن أولاً أنه لا بد من الرحمة بالأكوان، ولا بد من الرحمة بالحيوان، ولا الرحمة بالإنسان، فإذا ترسخ هذا في قلب الإنسان نتج عن ذلك موقف واضح من قضية الرحمة. بعض الناس يعكس القضية ويقلب الهرم. عندما علمونا، جلسوا في "بسم الله الرحمن الرحيم" يشرحونها لنا في ستة أشهر حتى مللنا، وفي النهاية تبين أنهم هم المحقون وأننا كنا متعجلين. بسم الله الرحمن الرحيم كلمة شائعة يبدأ بها المسلم يومه
ويبدأ أكله وشربه ولبسه، بسم الله الرحمن الرحيم يبدأ بها صلاته ويبدأ بها القرآن ويبدأ بها كل شيء، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر أقطع أجذم" كان سيدنا الشيخ أحمد بن الصديق يقول: "لا، ليس ببسم الله، إنها الحمد لله، يبدأ بالحمد لله". فألَّف الشيخ الكتاني كتاباً يقول فيه: "لا، بسم الله أيضاً يعني واردة". فألّف كتاباً اسمه "الرحمة المرسلة في تصحيح حديث البسملة". فالشيخ أحمد ردّ عليه بكتاب "الاستعاذة والحسبلة ممن صحّح". حديث
البسملة، وانتبه، والمتأمل يرى أن المسألة لا تحتاج كل هذا، لأنه يوجد حديث أن كل أمر لا يُبدأ بذكر الله فهو أبتر. فهذا يشمل البسملة ويشمل الحمدلة، فهي ليست خارجة عن الحد، وإنما هو طبعاً يتكلم من ناحية الأسانيد ومن ناحية العلم، يُعلِّم الطلبة أشياء أخرى. بسم الله. بسم الله الرحمن الرحيم، جلسوا فيها ستة أشهر يعلموننا معنى بسم الله الرحمن الرحيم وإعرابها وعلاقتها بالفقه وعلاقتها بالمنطق وعلاقتها بالأصول وعلاقتها... والإنسان يمل، أي أننا
لن نتجاوز بسم الله الرحمن الرحيم. ثم عندما كبرنا ووقعت هذه الفتن ورأينا داعش وغيرها وما شابه ذلك، عرفنا هم. لماذا أصبح هؤلاء الناس هكذا؟ لأنهم لم يدرسوا بسم الله الرحمن الرحيم. وكان مشايخنا يقولون إن القاعدة مهمة جداً، ومع ذلك كثير من الناس لا ينتبهون إليها، لكنها منطقية: إذا صحت البدايات صحت النهايات. إذا سرت بشكل صحيح من البداية فستصل، أما إذا كنت تسير في الاتجاه المعاكس فلن تصل. هذا أنت تبتعد هكذا، إذا صحت البدايات
صحت النهايات. وكانوا يقولون لنا شيئاً ربما أنا ذكرته لكم من قبل، لكن أيضاً أذكره الآن في هذا المقام، وهو أن السيدة نفيسة عندما سُئلت عن الإمام الشافعي قالت: كان رجلاً يُحسن الوضوء. فتعجب الناس، يعني هذا مجتهد كبير، ماذا يعني يُحسن؟ الوضوء الذي يُحسنه كل أحد، قالوا لا ليس المقصود هكذا، بل المقصود أنه إذا صحت البدايات صحت النهايات، يعني ما دام هذا الرجل يُحسن الوضوء فقد قَبِلَه الله، وما دام الله قد وفقه في الخطوة الأولى فقد وصل إلى المنتهى. كان رحمه الله يُحسن الوضوء، إذًا كيف نتخلق بالرحمة؟ نتخلق...
بالرحمة أولاً بأن نفهم الرحمة، ثانياً نمارس الرحمة، ثالثاً نعيش الرحمة. وإذا سمحت احفظ هذه الثلاثة مع كل صفة: العفو، المغفرة، التواضع، أو أي صفة تريد أن تتحدث عنها وتريد أن تتخلق بها، سواء كانت من أخلاق أو من صفات الله تعالى أم لم تكن، مثل التواضع. لا بد أن تعرف ولا بد أن تمارس، ولا بد في الممارسة أن تستمر، ولا بد بعد ذلك أن تنتقل إلى أن تعيش هذا. بمعنى أن يملك عليك جوارحك
وحتى تصير مالكاً لها بتغيير في السلوك. أيها السيد، بعد ذلك يتغير السلوك. يتغير عندما تفعل هكذا إذا وقفت مع بإزاء الحيوان، بإزاء الأكوان، بإزاء كذا، تخيلت أن الباب الذي تغلقه بقوة هذا يسبح، وأنه لا يصح أن ما تفعله هذا. لو تخيلت أنه "الراحمون يرحمهم الرحمن" تبارك وتعالى، "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". لو كنت طبيبًا وجاءك شخص ملحد، فإنك تعالجه رحمةً به، وأنت كطبيب لا تعالجه، ولو أتاك الأسير الذي كان يريد أن يقتلني قبل الأسر بخمس دقائق وهو جريح، لا بد عليّ
أن أعالجه. العالم كله هكذا، أتفهم كيف؟ تفضل يا أحمد. حضرتك، أسماء الجلال: الجبار، المتكبر، القهار. هذه الأسماء عندما يسمعها المرء يشعر بقوة، كيف يمكن أن نفهم هذه الأسماء؟ هذه الأسماء هي أسماء حسنة لطيفة، أي أنها ضمن الأسماء الحسنى، مثل أسماء الجمال، وهي أسماء تمنع أصحاب الشر والشوكة من الاعتداء عليها. وفيما يتعلق بهذه الصفات، فهو قاصم الجبابرة الذين يقتلون الجمال ويقتلون الحب ويعنفون ويقصون، فهو لهم بالمرصاد.
فإذا كان هو بهذه الصفات، يكون ضاغطاً وضابطاً. لهذا فمن هنا تأتي جماليته أيضاً، ولذلك أعطي لك مثالاً واحداً فقط. الشيخ البجوري وهو يشرح أسماء الله الحسنى، وصل إلى صفة الجبار وفهمها فهماً جمالياً وليس فهماً جلالياً، وقال: جبار هنا معناها أنه يجبر الخواطر المكسورة. جبر الخواطر على الله، وفي جبر
الخاطر يتكلمون كلاماً واسعاً حتى قالوا. إنّ جبر خواطر القلوب (جبر الخواطر) يشفي من أمراض قد يحار فيها الدواء والأطباء الظاهرون. نعم، الأمراض الظاهرية أي من الأمراض الظاهرية. كان مشايخنا رحمة الله عليهم إذا كان أحدهم مشغولاً ويريد معونةً من الخادم أو الخادمة، فإنه يرفع صوته قليلاً هكذا، فيشعر الخادم أو الخادمة أنه يعني... يؤدي الخدمة بسرعة عند الحاجة إليها ثم يرجع إلى نفسه ويقول: "يا الله، هكذا أنا كسرت بخاطره،
أنا عند المنكسرة قلوبهم". فيجبر خاطره بأي شيء: بتشجيع، بكلمة طيبة، بمنحة، بعطية، بدعاء. لا بد أن يجبر خاطره بأي شيء. فعندما كانوا يفعلون هكذا وكان لديه مرض القولون العصبي، فإنه يتعافى من هذا أن الناس قد توغلت في المادية لدرجة أنها لا ترضى أن تصدق هكذا، لكن الناس في ذلك الوقت كانت سعيدة وكانت تعيش، والآن يقولون عليه الزمن الجميل، لا أعرف لماذا زمن جميل؟ لأنه كانت الناس مرتاحة ومسرورة ومتعايشة مع بعضها
وجميلة، فجبر الخواطر على الله، فيقول لك الجبار هنا. معناها أنه يُجبر المنكسرة قلوبُهم، وأنه من الجبر لا من الجبروت. ففي بعض الأحيان يسمع الإنسان لفظًا من الألفاظ فيتبادر إلى ذهنه أن الجبار المنتقم المتكبر يتصف بالجلال، وفي بعض الأحيان أنه يُزيل أهل القسوة والشوكة، فيكون ذلك جمالًا. نعم، وعندما تتحدث هكذا، يأتيني شعور بالانقهار، لكنه يقهرنا. لماذا يؤذينا؟ عندما
حدث الانقلاب على أردوغان في تركيا، اجتمع العلماء والأولياء وغيرهم، وأرادوا أن يذكروا اسم الله "يا قهار"، فرأى أحدهم النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له: "لا تستخدموا اسم الله القهار"، والمعنى من ذلك أن الله تعالى هو الذي أجرى هذه الأحداث لحكمة في الكون. شيء هو يريد خلقه سبحانه وتعالى فننتقل من الطلب الخاص أن ينتقي من دم من أتت للتو في
القناة.