رب لترضى جـ 2 الحلقة الثالثة | الذكر أساس الطريق | أ.د علي جمعة

رب لترضى جـ 2 الحلقة الثالثة | الذكر أساس الطريق | أ.د علي جمعة - تصوف, رب لترضى
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات "رب لترضى" مع الشباب.
نستمع إلى أسئلتهم ونعيش معهم تلك اللحظات. أهلاً وسهلاً يا شباب، مَن معنا اليوم؟ نبدأ بالسؤال. السيد محمد، حضرتك تشرح لنا أن المشايخ يبدؤون بفكرة الأوراد. لماذا تحديداً الذكر؟ لماذا لا يقولون مثلاً: "ابدأ بالصلاة في المسجد"، أو مثلاً: "نصلي مائة ركعة"، أو مثلاً: "نتصدق بشيء معين"؟ لماذا تحديداً الذكر يا مولانا؟ الذكر لأن... الطريق إلى الله سبحانه وتعالى أساسه الذكر والفكر، ولذلك قال الله: "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار". ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا
يزال لسانك رطباً بذكر الله، لا يزال لسانك رطباً بذكر الله". هي كلمةٌ قيلت عندما سُئِلَ عن تشعُّب الإسلام واختلاف أنواعه، فماذا نفعل؟ قال: قُلْ آمنتُ بالله ثم استقم. إذًا الذِكرُ هو الأساس الذي سوف تكون منه الصلاة، وسوف تكون منه الزكاة، وسوف يكون منه الصيام، وسوف يكون منه كل شيء. وهكذا لاحظنا في الكتاب الكريم، قال تعالى إن الصلاة... تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
فعرفنا أن الذكر هو الإطار العام الذي لا بد منه لإحداث بيئة طيبة تستطيع الصلاة أن تترعرع فيها. قال تعالى: "وذكر اسم ربه فصلى"، فالصلاة جاءت عقب الذكر. وهكذا رأينا عندما تأملنا القرآن أن الذكر وكأن الله سبحانه... وتعالى يبدأ به العبادة وينهي العبادة به، ولذلك عندما تأملنا في الصلاة وجدنا أن تحريمها التكبير "الله أكبر" وهو ذِكر، وختامها السلام "السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته" وهو اسم من أسماء الله تعالى وذِكر أيضًا. هذا الصيام الذي هو سر بين العبد وربه، وأن الله يجازي على كل عمل، أما لماذا وأنا أُجزى به لأنه سر من أسرار العبودية العالية حيث إن أحداً من الناس لا يعرف إذا ما كنت مفطراً أو صائماً إلا الله. هذا السر تجده في القرآن الكريم، وبعد ما انتهى منه يتكلم عن الصيام، ثم يتكلم عن الذكر، والنبي صلى الله عليه وسلم يضع لنا في إننا بعد أن ننتهي من رمضان نكبّر للعيد، ونبدأ
صلاة العيد بالتكبير، وهو ذكر. ننهي صيامنا بالذكر، وهكذا فالذكر هو الذي ينشئ البيئة التي فيها كل العبادات. وهذا ما نقول عنه بلغتنا المعاصرة: الذكر إطار لكل العبادات. إذاً، فالبدء بالذكر فيه حكمة، وهذه الحكمة تأتيك عندما تتأمل وتتدبر كتاب الله صلى الله عليه وسلم، الجزء الثاني من هذا الطريق إلى الله هو الفكر، كما في آية قال عمران كما ذُكر، فالذكر والفكر هما طريق الله سبحانه وتعالى. نعم، لكن ألا يوجد هنا تعارض بين أن الذكر هو الأساس - الذكر والفكر - وبين أن مصطلح
عماد الدين أيهما أساس أيضاً؟ تخيل ونحن في هذا المكان الطيب في الزراعة وما إلى ذلك أن الذكر هو هذا الأساس، فالأرض ما علاقة هذه الأرض بالشجرة التي خلفك؟ هي التي نبتت فيها. هل تستطيع أن تزرع هذه الشجرة دون أن تمتلك هذه الأرض؟ هكذا هو إذاً، فالذكر هذه هي الأرض، فلا بد عليك أن تكون ذاكراً لله سبحانه وتعالى ثم تأتي الصلاة تطبيقاً في صورة عليا لهذا الذكر. قد يكون باللسان وقد يكون بالقلب وقد يكون بهما، والصلاة هي القمة، هي تاج الرؤوس، ولذلك
فهي عماد الدين وهي ركن الدين الأساس. والمراد هو الصلاة، ولكن الذكر يمثل بيئة تحافظ على الصلاة وتحافظ على... الخشوع فيها وأنها لكبيرة إلا على الخاشعين، الصلاة كبيرة إلا على الخاشعين، ولذلك قال تعالى: "والذاكرين الله كثيراً والذاكرات". إذاً فلا تعارض بين كون هذه الأركان الخمسة: الشهادتين والصلاة والصيام والزكاة والحج أنها هي أركان الدين، وأن من تركها فقد اختل دينه، وبين ذلك المحيط وبين هذا الأرض البيئة التي... تنبت فيها هذه الأركان،
نعم حضرتك سيدي. يعني أنا الآن أسمع حدودك في التلفزيون مثلاً وليس لدي الشيخ، لم أُوَفَّق بعد لشيخ وهكذا، ولا يُذكر بصيغة معينة. أنت ماذا تفعل يعني في السياق؟ قال حضرتك: "إذا لم يكن للإنسان شيخ فهذا يعني" - يقولون فيه: "هداية ربي عند فقد المربي". ليس لي شيء إذا فلا بد علي أن أُكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأقل هذا الإكثار ألف مرة في اليوم، وهنا يعني كما يقول الفقهاء والأصوليون ارتكاب أخف الضررين، يعني حتى نرتكب شيئاً لأن الأكمل أن تتلقى العلم
عن الشيخ وأن تتلقى الذكر عن الشيخ وأن يكون هناك مرشد لك يرشدك في هذا الطريق فيوفر عليك الأوقات ويعالج لك المشكلات ويحل لك الأزمات، هذه هي مهمة الشيخ. فإذا كان هذا الشيخ غير موجود بأن لم تجده أو لم تثق في أحد أو كنت في بلاد ليس فيها هذا النوع من العلماء، فعليك بكثرة الصلاة على... النبي صلى الله عليه وسلم فإنها هي مفتاح الوصول، هكذا يقولون عن الصلاة على النبي أنها مفتاح الوصول. فستجد شيئًا عجيبًا، ستجد أن الله سبحانه وتعالى يوجهك ويرشدك وما إلى ذلك. قد يكون بطريقة
تامة وقد يكون بطريقة جزئية، ولكن على كل حال هي الوسيلة الفضلى عندما يفتقد أحدنا شيخًا. مربيًا عارفًا عالمًا يرشدنا إلى الأدب مع الله سبحانه وتعالى. نعم سيدي حضرتك له ألف مرة، وهي أقل من الكثير. لماذا لا أذكر مرة بألف مرة، بألف ومائتي مرة، بألف مرة أخرى؟ يعني لماذا أبقى ثابتًا عند ألف؟ أليس سبعمائة ثابتًا أيضًا؟ هذه خيارات جاءت من التجريب وكما قلنا. مراراً أن مصدر المعرفة كتاب الله في الشرعيات والأحكام والكون في التجريبيات. حسناً، هيا بنا ننصح أحدهم بأن
يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند فقد الشيء بثلاث مائة مرة مثلاً، فتجد أنه يصلي وكذا إلى آخره ثم لا نتيجة. قلنا له: حسناً، اجعلهم أربع مائة، حسناً اجعلهم تسعاً. مئة؟ حسناً، اجعلهم ألفاً. هناك أعداد عند العرب مثل السبعين والسبعمئة للتكثير لأنها كثيرة، وأنا أريد هذا التكثير. ما هو الرقم المناسب الذي فيه تكثير جداً؟ تكثير السبعين، جداً، سبعمئة ويزيد، هو الألف. حسناً، لماذا لم يكن ألفين ابتداءً؟ لأن الألفين قد يعطله عن عمله، فالألف
مقدور عليه. عند الرجل المعتاد في الحياة المعتادة من غير تفرغ ومن غير أن يؤثر ذلك في عمله، فاختاروا هذا اختياراً، ولا يُقال: الاختيار في أين دليلك؟ لا، الدليل يكون في الأحكام الشرعية، وليس في الاختيارات العملية. رجل يريد أن يصلي كلما توضأ مثل سيدنا بلال، لا مانع، وقته يسمح. بهذا الشكل، الشخص الذي ليس لديه وقت للقيام بذلك، لا تُكلفه الشريعة بهذا الأمر. نحن نقول ألف على الأقل، نعم، شخص قدّم ألفاً ومائة، ألفاً ومائتين، ألفاً وثلاثمائة. والتجربة تقول إن أقل من ألف لا يأتي
بثمر. وبعد الفاصل سنواصل معكم إن شاء الله. بسم الله الرحمن الرحيم، رجعنا من أجل أن نكمل هذا الحوار الشيق. بلال، حضرتك يا سيدي قلت أن أساس الطريق هو الذكر والفكر. حضرتك قلت إن الذكر يكون باللسان وبالقلب، فكيف أذكر بالقلب؟ الاستحضار. تذكر بالقلب بالاستحضار عندما تتكلم بالكلمات العشر الطيبات: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، أكبر، لا حول
ولا قوة بالله، استغفر الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله، وأمثال هذا. توكلت على الله. تستحضر المعنى، تستحضر أنزهك يا الله من كل نقص، فأنت الكامل، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن. كل هذا كأنه حاضر في ذهنك وأنت تتكلم. القلب يذكر بالاستحضار. فإذا قلت سبحان الله سبحان الله سبحان الله وعقلك يفكر في كتاب تشتريه أو في عمل ستلتحق به أو في سير تسير إليه فقد
ذكرت بلسانك. والسؤال: هل الذكر باللسان له ثواب؟ نعم له ثواب. هل الذكر بالقلب أعلى من الذكر باللسان؟ بدون شك، وله ثواب. فإذا جمع الشخص بينهما... بين الذكر باللسان والذكر بالقلب، بعد أن تتدرب على هذا وتركز، وفي هذا يكون ثوابه أكبر وأكبر. فإذن، نبدأ باللسان ثم يعلوه القلب، ويعلو ذلك الجمع بينهما. وهل يكفي اللسان عن القلب والقلب عن اللسان؟ نحن لسنا في مقام الاكتفاء الآن، بل نحن في البحث عما هو الأعلى والأكمل، فذكر... اللسان يُثاب عليه كما ينص الإمام النووي في الأذكار، وفوقه
ذكر القلب لأنه هو المقصود، أن قلبك يخشع وأنه يتحرك للذكر، وأن هذا الذكر يمنعك بعد ذلك من الوقوع في الخطايا أو في المعصية أو في التقصير، وأنه يدفعك إلى فعل الخير للناس، فإذا جمعت بينهما فهو أخير وأحسن، فإذا... هو ليس اكتفاءً بمعنى أن ذكر اللسان يكفي عن القلب أو القلب يكفي عن اللسان، لا، ليس اكتفاءً، هو درجات. نعم، عمل قلبي، والذكر بالقلب عمل قلبي. ما الفرق بين الفكر والذكر بالقلب؟ الفكر يتأتى بإدراك الواقع، والذكر إنما هو موضوعه رب الواقع. فالذكر يختلف
عن الفكر. هو... عبارة عن ترتيب أمور معلومة للتوصل بها إلى مجهول، هو حركة النفس في المعقولات والمحسوسات. في المعقولات يسمونها تخيلاً وفي المحسوسات يسمونها فكراً. هو أنك تتوجه من المطالب أو من المبادئ إلى المقاصد، يعني كأنك تريد أن تصل إلى نتيجة، هذا هو الفكر. هو ربط المعلومات، يعني هذا فكر. أي معلومات متعلقة بذلك المحسوس الذي حولك الذي يسمى بالكون، أو معلومات لهذا الكتاب الذي أنت تتدبره. "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان
من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا". إذا أنت أعملت فكرك وأتيت بمعنى هذه الآية وبمعنى هذه الآية ورأيت الكمال بينهما وليس بينهما تعارض، "هدى للمتقين" هذا. هو الفكر، أما الذكر فموضوعه جل جلال الله سبحانه وتعالى. موضوعه وكأنه هو نوع من أنواع الضراعة، كأنه نوع من أنواع الدعاء. ولذلك، لهذا الاتصال الخفي إن صح التعبير ما بين الذكر وما بين الدعاء، ما الفرق بين أن تقول: "يا الله" بحرف النداء، يعني أدعوك يا
الله، أستغيث. بك يا الله وبين أن تقول الله كما قال تعالى: "قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون"، وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "حيث لا يُقال في الأرض الله الله". فهذا دعاء وهذا ذكر، لكن كلاهما ذريعة لرب العالمين، كلاهما اتصال برب العالمين، أما بالذكر كما قال. تعالى وذكر اسم ربه فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون، وأما بالدعاء ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها. هل
يمكن إذا لم ألحق بالذكر بالقلب، هل يمكن أن ألحق بالتفكر؟ أم أن التفكر أيضًا شيء ثالث غير الذي فيهما؟ هذا التفكر يعني طلب الفكر لأن (تَـ) تدخل للطلب مثل التذكر، فالتفكر فيهم من طلب. أما الذِكر فهو نفس التلاوة، والفِكر هو نفس ربط المعلومات والتوصل بها إلى النتائج. هذا نفس هذه العملية اسمها الفِكر. أما التفكُّر فمعناه أنك تطلب هذا الفِكر. الذِكر هو هذه التلاوة التي باللسان أو بالقلب أو بهما، والتذكُّر هو أن تطلب هذا الذِكر. محمد، عندما
أنا... كنتُ قد ذكرتُ أن الشخص الذي يذكر بلسانه يُثاب. فهل الغرض من خصيصة الذكر أن نُثاب؟ السؤال ممتاز جداً لأنك تتحدث عن الذكر والثواب. عندما نصلي، فإننا نصلي لله سبحانه وتعالى، وعندما نصوم، لله سبحانه وتعالى. وأنت عندما تصلي مطلوب منك الخشوع، ومطلوب منك أن تجعل هذه الصلاة تنهاك. عن الفحشاء والمنكر، والمطلوب منك أن تتم هذه الصلاة على ما كان يفعل سيدنا صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي". لا تلتفت إلى الثواب، يعني لا تمن على الله سبحانه وتعالى أنك قد صليت وأنه "أعطني يا رب ما دمت قد صليت لك"، لأنه في حقيقة
الأمر أن الله سبحانه وتعالى هو الذي وفقك إلى هذه الصلاة في حقيقة الأمر، وأنك إذا شكرت الله سبحانه وتعالى فهو الذي وفقك لهذا الشكر، ومن هنا يلزم منه أن تشكره لأنه وفقك على هذا الشكر، ولن ننتهي. ولذلك فنحن في عجز دائم مع حضرة الرب سبحانه وتعالى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بهذه الصيغة العجيبة الجميلة فيقول: "أحمدك حمداً يوافي نعمك ويكافئ مزيده"، لأنه عندما يوفقني الله سبحانه وتعالى للحمد ويوفقني للذكر ويوفقني للصلاة، فإن
ذلك يحتاج أن أشكره شكراً مزيداً. فأتت هذه العبارة على هذا التكوين، وفي الحلقة التالية إن شاء الله نكمل معكم المسيرة بكلامكم. الطيب الجميل، إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،