رب لترضى جـ 2 الحلقة الحادية عشر | التخلية والتحلية | أ.د علي جمعة

رب لترضى جـ 2 الحلقة الحادية عشر | التخلية والتحلية | أ.د علي جمعة - تصوف, رب لترضى
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات "رب لترضى". كما تعودنا مع شبابنا، نستمع
إلى أسئلتهم ونحاول أن نجيب. كيف حالكم يا شباب؟ الحمد لله. مولانا فضيلة، مَن الذي معه السؤال اليوم؟ تفضل. قلت لك مولانا: كنت حضرتك قد أخبرتنا أن من قواعد الطريق بعد الذكر والفكر التخلية والتحلية. نعم، فهل يمكن أن نعرف ما معنى التخلية وما معنى التحلية؟ التخلية والتحلية ألفاظ وضعوها لتكون موزونة كي نحفظها، ولكنها السلبية والأمور الإيجابية، الأخلاق التي هي مذمومة والأخلاق التي هي ممدوحة. فلكي يوازنها يقول لك الأخلاق الممدوحة والأخلاق المقدوحة. يعني السلبية، يعني النواقص. والإمام
الغزالي عندما جاء ليؤلف كتابًا وجعلها أربعة أقسام، أول ربع سماه العبادات، لأنه بصحة العبادات سنستطيع أن نحضر الكوب الذي سنضع فيه الماء، والمعاملات لكي أحكام الله سبحانه وتعالى في التعامل بين البشر في البيع والشراء والزواج والطلاق والقضاء والشهادات معاملات. ومرة قالوا لواحد صوفي عظيم: ألِّف لنا كتاباً في التصوف، فألَّف لهم كتاباً في البيوع، يريد أن يقول إن معرفة أحكام الله والالتزام بها هي عين الطريق. إلى الله سبحانه وتعالى في صورة طاعته التي هي عبادته والامتثال
لأمره ورؤية الخير، رؤية الخير كل الخير في أحكامه سبحانه وتعالى. الحاصل والمهم هو أنه في الربع الثالث سماه المهلكات والربع الرابع سماه المنجيات، فلا بد أن نخلي قلوبنا من الأخلاق المقدوحة من الأخلاق المذمومة من... المهلكات، يعني مثل ماذا؟ المهلكات، فبضرب المثال يتضح الحال. الكِبْر الذي نرى فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم عنه محذراً بأنه يعني شيئاً سيئاً جداً: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبر"، وحبة الخردل
عندما وزنّاها وجدناها تساوي ستة آلاف خردل تُكوِّن جراماً، فيكون واحداً من ستة آلاف، تماماً مثل الدكتور أحمد زويل عندما اكتشف الفيمتو ثانية، أي شيء صغير جداً لا يساوي شيئاً على الإطلاق. وبالطبع هذا تحذير من الكبر ومن تمكن الكبر في القلب، وأن "الكبر ردائي والعظمة إزاري، ومن نازعني واحداً منهما أخذته". أُبالي، فالكبرياء لله وحده سبحانه وتعالى، فهو في حق الإنسان مذموم وإن كان هو يليق بجلال الله لأنه هو الخالق وهو صاحب النعمة وهو الذي يرزق وهو الذي يحيي وهو الذي يميت، فهو مالك الدنيا
ومالك الآخرة وهو الذي يستجيب الدعاء، فمن حقه الكبر، لكن أنت من حقك الكبر؟ في ماذا؟ فمثلاً الكِبْر، نعمل على تخلية القلب من الكِبْر، فهذا الذي يسمونه التخلية أو يسمونها التخلي. فتبدأ بالتفريق بين الكِبْر والاعتزاز بالنفس، يعني كما نعرف هل هذا كِبْر أم ثقة في نفسي. لكن سيدنا وضع لنا المقياس وقال لنا الكِبْر بَطَرُ الحق، الكِبْر أن تعاند وليس. الكِبْرُ أن تعتزَّ بنفسك لأن العزة لله ورسوله والمؤمنين، فالعزة غير الكِبْر. العزة هي الثقة في النفس، وهي غير إنكار الحق.
الكِبْرُ هو أنك تنكر الحق فكأنك أنت فوق الحق وكأنك أنت الذي تعطي الأشياء أحكامها. أنا أرى أن هذا ليس حقًا، فيصبح كلام من الذي يُطبق؟ كل الناس الذين... ترى أن هذا التصرف أو هذا الفعل أو هذا الأمر حق أو كلامك أنت الذي يمشي، عندما ترى أن هذا ليس من الحق في شيء، وهم هؤلاء الذين بعد ذلك رأيناهم في العالم وهم يقولون بنسبية الأخلاق، وأن الأخلاق عابرة للزمان وللمكان. الكذب كذب والصدق صدق، الكذب قبيح والصدق
شيء من الأخلاق الممدوحة ومن المنجيات، فيأتي شخص ويقول لك: لا، ليس الصدق هكذا. أي من الذي قال لك إن الصدق حسنة؟ ومن الذي قال لك أن الكذب... انظر إلى المصلحة. تكذب عندما تكون هناك مصلحة، وإذا كنت ستُكتشف وستضيع سمعتك فاصدق. فأصبح الأمر مرتبطاً بالمصلحة لا بالثواب، وليس كما ربط الله الأخلاق كلها بالعقيدة، والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جوعان وهو يعلم، والله لا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه. دائماً يربطها بماذا؟ "لا تغضب ولك الجنة"، دائماً يربطها بالله، لكن صاحبها ليس رابطها بالله، بل يربطها بالمصلحة، أهذا هو الكبر. إذاً فالتخلية
تعني التخلي عن. القبيح، حسناً، والتحلي هو عكس ذلك. فما هو ضد الكبر؟ إنه التواضع. فيجب عليك أن تُحلي قلبك بالتواضع لله، ومن تواضع لله رفعه. أتجلس إذاً ليفعل هكذا ويكون هذا من المهلكات، أم تُخلي قلبك من القبيح وتُحلي قلبك بالصحيح؟ سؤال: سيدنا، لو شعرت أن لدي كبراً، ماذا أفعل لكي أعالج أي أنه في بعض الأوقات تظهر عندي وفي أوقات أخرى لا أجدها موجودة. إذا أردت أن تبطل الحق فقم حتى تتغلب على هذا في نفسك. يفعل أهل الله شيئًا يسمى
الموت الاختياري، وهو أن تتذكر الموت، ولذلك تجد الناس عندما تذهب إلى المصالح الحكومية يكتبون عبارات هكذا ربما تذكرهم، "فذكر إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فاعلم أن الله قادر عليك. أي عندما تتذكر هذه الحقيقة، وهي أنك ضعيف وأن هناك من هو أقدر منك، ستتواضع وستلتزم بالعدل وستجعل الأمور تسير بشكل جيد. فأنت عندما تشعر في نفسك بشيء من الكبر، قم بتذكر قدرة الله وتذكر أنه هو منهي عنه وتعتقد أنه [شيء مذموم] وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتقرر في
عقلك أنك ستوقف هذا الأمر وأنك لن تعود مرة أخرى إلى هذا. الصحابة كانوا يفعلون هكذا، كانوا يحررون نياتهم، كانوا دائماً يراقبون نياتهم ويهتمون بها. أحسنت. أما بخصوص مسألة مولانا، كيف يمكن للإنسان، يعني هل نبدأ بالاثنين قبل أي شيء، أو بمعنى آخر، قبل البدء انتبه جيداً، فهذا سؤال جيد. لدينا شيء في التقسيمات يُسمى التقسيم الأكاديمي. ما هو هذا التقسيم الأكاديمي؟ إنه تقسيم نظري لكي نفهم. فيأتي مثلاً المختصون بالإدارة ليقولوا لك: أول
شيء تقوم به هو التخطيط، وبعد أن تخطط تأتي مرحلة التنفيذ، وبعد أن يعني هل الخطة التي وضعتها وتسير عليها عندما تنزل على أرض الواقع تجدها وكأنها كلها دائرة واحدة، لكن عندما نأتي لنرتبها منطقياً ستسير هكذا فعلاً، تخطيط في كذا، لكن وأنا أختار خطتي أختار الذي سيتبعها والذي سيصححها وهي في نفس الوقت، فهناك شيء اسمه التقسيم. النظري الذي كان يسميه أصحاب زماني "النظري"، وأصحاب العصر الحالي يقولون لك "الأكاديمي"، يعني نظري. هذا التقسيم النظري
يبدأ أولاً بالتخلية، وتأتي بعدها التحلية، وبالتخلي والتحلي يحدث التجلي. أيضاً يأتي بعده تجلٍ. ما هو التجلي؟ هو أن تتجلى على قلبك الطمأنينة والسكينة والرحمة، وتنكشف لك الحقائق الكونية التي تعينك على عبادة الله كأنك تراه، وهو الغرض الأساسي. حسناً، التخلي والتحلي يأتيان في الواقع بحيث تجد كلما أخرجت من قلبك شيئاً سيئاً، وفي نفس الوقت وكأنهما وجهان لعملة واحدة، دخل الشيء الجيد. وكلما أخرجت من قلبك شيئاً جيداً، سيدخل الشيء السيء. فهما يتكاملان مع بعضهما في الحقيقة.
يعني ونحن تماماً يقولون أن هناك متقابلات، الكِبر المقابل له التواضع. طيب، أنا عندما أُخلي قلبي من الكِبر، هل هو العالم لا يعرف الفراغ؟ بمجرد ما يخرج الكِبر من قلبي أجد نفسي متواضعاً. بمجرد ما تخرج الشحناء أو البغضاء أو الحقد أو الحسد أو الغل من قلبي أجد في... الحب في الرحمة وفي الرفق وفي كذا، فإذا كان التقسيم نظرياً فما الذي نستفيده منه؟ ندرسه، نحفظه، نرتبه، نتحدث فيه هكذا. ولذلك بدأ بالمهلكات قبل المنجيات لأن هذا هو الترتيب المنطقي النظري. أما عندما نأتي للتطبيق العملي، سنجد أن
الأمور قد تداخلت. نعم يا محمد، حضرتك يا مولانا، في أصحابنا. تجدهم يعني من موقف، مثلاً شيء من الأشياء الحسنة فيها مثلاً صلاة أو حج أو نحو ذلك، يقول لك: أنا عندما أترك هذا الشيء السيء سأذهب للحج، أو عندما أتوقف عن هذا الأمر العلني سأبدأ بالصلاة أو ما شابه ذلك. فماذا نقول له؟ نحن هنا نتحدث عن القلب وعن... التخلي والتحلي القائم في الأخلاق الذميمة أو الأخلاق الممدوحة في القلب، أنت الآن نقلتنا إلى السلوك. هذا السلوك فيه شيء اسمه المعروف وشيء اسمه المنكر. عندما يكون هناك سلوك، لن نأمر أبداً بالمنكر. دائماً يا أولاد لابد أن نأمر بالمعروف، وهذه هي سمة المؤمنين أنهم يأمروننا بالمعروف وينهوننا عن المنكر. لو
تأملنا رجلاً يشرب الخمر ويصلي، ليس قادراً على الامتناع ولكنه يصلي، ماذا تقول له؟ أن يترك الخمر أم يترك الصلاة؟ تأمر بالمعروف مباشرةً وتقول له: اترك الخمر وتمسك بالصلاة. هناك عبارتان، إما أن تقول له: أنت تصلي وأنت تشرب الخمر، اذهب يا شيخ، وإما أن تقول... له، أنت تشرب يا شخص الخمر وأنت تصلي؟ فرِّق بين العبارتين، واحدة منهما تأمر بالمنكر حتى في ثناياها، وتعني أن تترك الصلاة التي تصليها، فهي غير مقبولة. والأخرى تأمر بالمعروف بأن يترك الخمر ويقاوم نفسه. وبعد
الفاصل سأحكي لك حكاية سيدنا نعيمان، فلتبقوا معنا. ابن الفاصل نقول عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: دائماً عندما نرى شخصاً خلط عملاً صالحاً بآخر سيء، دائماً نأمره بالمعروف، نشجعه على الصلاح ونأمره بترك المعصية والمنكر، ونشجعه على هذا الطريق. فكان سيدنا
صلى الله عليه وسلم يقول: "أعينوه على الشيطان ولا تعين الشيطان عليه"، لا مجرد قول: "أنت وأنت تصلي استمر يا شيخ، ليست مقبولة منك [هذه المقولة]. ألم يقل الله تعالى: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"؟ لابد أن يستمر على الصلاة وإلا تكون بلاءً أنه يجمع بين الخصلتين فيشرب الخمر ويخاطر بالله تعالى ويترك الصلاة. شرب الخمر معصية وترك الصلاة معصية، فهل نحن المعاصي قطعاً يقع في مثل هذه المعاصي، فكيف علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواجهة هذا ألّا نيأس؟ ما نيأس. فكان
من الناس الذين هم مع سيدنا رسول الله رجل من الصحابة الكرام اسمه نعيمان، ونعيمان رضي الله تعالى عنه كان يحب الضحك قليلاً، الصحابة يا أبنائي. كانوا مختلفين، انظر كيف أنعم الله عليهم بفضل الصحبة ورؤية سيدنا. لكن كان منهم أبو بكر وكان خافض الصوت، وعمر كان جهوري الصوت، صوته يصل إلى أقصى الدنيا. كان منهم خالد بن الوليد الذي وصفه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هو سيف من سيوف الله". خالد شجاع
نفسه في المعركة هكذا ويطير الذي أمامه، وكان منهم سيدنا حسان بن ثابت، كان يخاف من ظله، طبيعته هكذا. حسناً، ماذا سنفعل له؟ يخاف من ظله. هذا ما نقوله نحن في مصر هكذا، يقول لك: "والله، هذا يخاف من ظله". يعني هو يمشي، فيرى شيئاً يتحرك وراءه هكذا، إنه ظله. فخاف. وسيدنا حسان هذا من هو؟ إنه الذي قال له النبي عليه الصلاة والسلام: "قل وروح القدس تؤيدك". سيدنا حسان هذا هو الذي كان يتولى الإعلام الخاص بسيدنا رسول الله. وقد يقول لي أحدهم: هل كان هناك إعلام في عهد سيدنا رسول الله؟ نعم، كانت هناك وظائف اجتماعية تشبه الوظائف اليوم بهذه الأسماء كانت
هناك شرطة لكن لم تكن تسمى شرطة، كان هناك جيش، كان هناك قضاء، كان هناك تعليم، كان هناك إعلام، كانت هناك كل الأشياء موجودة، لكن المطلوب منك التأمل والتدبر حتى تخرج هذا. إذا كان الصحابة مختلفين، فهناك أناس تضحك مثل نعيمان، فقد كان يضحك. وكان يضحك النبي عليه الصلاة والسلام ويضحكون كثيراً ويصنع المقالب التي نسميها مقالب. كان سيدنا نعيمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه يذهب إلى البقال ويقول له: "على فكرة، أنا أريد كذا وكذا مما لديك للنبي". فيظن البقال أن النبي طلبها، فيعطيه الأشياء المطلوبة بخمسة دراهم.
ستة دراهم لا تكفي للشواء، ويأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو جالس في حلقة درسه، ويضع هذا الطعام في وسط الصحابة ويقول له: "يا رسول الله، هذا الطعام من البقال فلان". فيظن سيدنا رسول الله أن الرجل حصل على هدية أو ما شابه ذلك، فيأكل منه وهكذا. إلى آخره، وعندما ينتهون من الدرس وينتهون من الطعام، يجدون البقال قد جاء لأجل حسابهم: "يا رسول الله، عليك ثلاثة دراهم أو خمسة دراهم" حسب الحال. "ألم ترسله هدية؟" طبعاً النبي لا يقول له هكذا، فينظر إلى نعيمان فيراه وراء عمود يضحك: "ماذا؟ فعلتها بكم!" فيضحك النبي. انظر إلى التعامل. كان يأتي شارباً للخمر،
ضعف ماذا سيفعل؟ شرب الخمر حلال؟ والله حرام، لكننا نكره المعصية ولا نكره العاصي. عندما يستيقظ في الصباح يشعر هكذا برأسه ثقيلاً، فيذهب إلى سيدنا: "يا رسول الله طهرني، أنا أخطأت وأحتاج إلى التأديب". ماذا فعلت؟ يقول له: "شربت خمراً". فيقول له: "حسناً، قوموا اضربوه". أربعون ضربة هكذا، فمنهم من يضربه بطرف ثوبه، يعني يعطيه ضربة هي، يعني الناس تظن أنه سوط سوداني، لا ليس سوطاً سودانياً ولا شيء، هذا الذي يصفعه كفاً يفعل له، يعني كان نوعاً من أنواع التأديب المتعارف عليه في هذا
الزمن الذي سموه بعد ذلك حد الخمر، أربعون ضربة وسيدنا قال: "إنني أشك في تلك الأربعين، فقد قرأت أنها ثمانون، لأنه إذا سَكِرَ هذا وإذا افترى هذا، وحدُّ المفتري ثمانون جلدة، فاختلف العلماء: هل هي أربعون أم ثمانون؟ لا يهم، يقومون بضربه فيذهب ويغيب شهراً أو شهرين، ثم يعود ليشرب ثانيةً وتتكرر نفس الحكاية، ويأتي للمرة الثالثة والرابعة إلى أن ذهب عمر وقال له: "يا رسول الله، دعني أقتل هذا المنافق نعيماته"، فقال:
"لا، إنه يحب الله ورسوله". يا إخواننا، هذه مسألة نتعامل معها بشكل خاطئ. الناس تُخفي الأحاديث التي مثل هذا ظناً منهم أن مخلوق الله سيرتكب المعاصي دوماً. أي بمجرد أن تراه... من الذي قال هكذا؟ من الذي... قال هكذا: إن الإنسان عندما تمنحه حريته وتعلمه الحقيقة يستحي. إنسان ليس مجبراً، ولا أنك أنت من أرسلك الله عليه حفيظاً ولا مسيطراً ولا داخلاً بينه وبين جلده. عظه، فأريد أن أقول لك إننا دائماً نأمر بالمعروف ودائماً ننهى عن المنكر، وأن التخلي والتحلي وجهان لعملة
واحدة، وأن الإنسان إذا ما حدث له خلط أو اختلاط وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فعليه بهذه القاعدة أن يحاول التخلية ثم التحلية، ومن تخلى فتحلى فإن الأنوار عليه تتجلى. نعم يا سيدنا، الحمد لله، يعني هناك بعض الناس مثلاً حولنا، حقاً كلنا نخطئ، لكن هناك أناس أنا أعرفهم. مثلاً سأقول له نصيحة معنا، هو ربما يتضايق أو لا يقبلها أو تكون بالنسبة له مزعجة، فلا أقولها من الأفضل إذا شعرت أن النصيحة في النهاية لن تفيده. لا نقولها، ولكن هناك فرق بين النصيحة والتعيير، وقالوا لكي يزنوها فنحفظها: الفرق
بين النصيحة والفضيحة، هل أنت تنصحه أم... تفضحه... ما الفرق؟ ما الفرق؟ الفرق الأول هو أن النصيحة تخرج من قلبك لا من عينك، فأنت لست جالساً تراقب الناس، لأن الله سبحانه وتعالى لم يرسلنا وكلاء على الناس حتى نفتش عليهم وعلى نياتهم وعلى أفعالهم، وأن نقيم لهم محاكم التفتيش في النوايا وفي الألفاظ، وأن نكون وكلاء عليهم، تخرج النصيحة من قلبك، وما خرج من القلب وصل إلى القلب. ثانياً، ألا يكون فيها نوع من أنواع التعالي حتى لو خرجت من القلب. وفي جانب آخر، أن تقول: "أنت لماذا
هكذا؟" وهذا يظهر في نبرة الصوت. نبرة الصوت نفسها فيها نوع من أنواع التعالي، نوع من أنواع العقاب. ليس العتاب فقط، بل وجدنا قاعدة ثالثة، وهي أنه إذا كانت المعاتبة مخلصة فلا ينبغي أن تكون أمام الناس وكأنها فضيحة، بل تكون بينك وبينه فقط. فقلت لي: "خرجت من القلب"، وأيضاً كان التشديد الخاص بها أو الضغط على الألفاظ أو النبرة التي نسميها "التشديد" بالعربي - أي نبرة النبر إذن نلجأ إلى شيء آخر تماماً وهو ضرب المثال. ليس ضرورياً أن تفهمه الآن. سنكمل هذا الموضوع في حلقة قادمة.
إلى اللقاء، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.