رب لترضى جـ 2 الحلقة السادسة عشر | اسماء الله الحسني 1 | أ.د علي جمعة

رب لترضى جـ 2 الحلقة السادسة عشر | اسماء الله الحسني 1 | أ.د علي جمعة - تصوف, رب لترضى
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات "رب لترضى". ومعنا الشباب، من أين سنبدأ اليوم؟ من بلال،
تفضل. يا بلال سيدي، في حديث يقول أن الله تعالى له تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة، وحضرتك قبل ذلك قلت لنا أن أسماء الله الحسنى أكثر من ذلك بكثير. كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم تسعة وتسعين وورد في القرآن والسنة أكثر من ذلك؟ ويعني ما معنى "أحصاها"؟ عن أبي هريرة بثلاث روايات، والثلاث روايات مختلفة، ولو جئنا وراقبنا الخلاف بين الرواية الأولى والرواية الثانية سنجدها في نحو أربعة وثلاثين اسمًا، وما بين الرواية الثانية والرواية الثالثة أيضًا شيء مثل ذلك، فعندما نأتي لنصفي الكل ونضيف إلى ما نتج ما ورد من أسماء الله على لسان رسوله
صلى. الله عليه وسلم في الأحاديث الأخرى يبلغ مائة وأربعة وستين، فيتضح أننا إذا نظرنا نجد أننا نقرأ متسرعين قليلاً، لأن ربنا سبحانه وتعالى قال: "ولله الأسماء الحسنى" ولم يقل: "ولله أسماء حسنى" أو "أسماء الله حسنة"، بل هو يقول: "ولله الأسماء الحسنى"، فالأسماء الحسنى مختصة بالله، بمعنى أننا لا نطلق أسماء أخرى كأسماء الملوك أو أسماء الأنبياء أو أسماء الأفراد، إنها أسماء حسنة. الأسماء الحسنى مختصة بالله، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها. طيب، إنَّ
لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، مائة إلا واحداً. هل الإحصاء كان على الأسماء أم على التسعة والتسعين من الأسماء؟ لنذهب إلى السنة فيقول إنني أسألك بكل اسم هو لك أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك. تبقى أسماء الله كثيرة، كم اسماً لله؟ أبو بكر بن العربي يقول أن مشايخه قالوا له أنه له ألف اسم منهم تسعة وتسعون من أحصاها
دخل الجنة. فالسؤال التالي... ماذا تعني "أحصاها"؟ أحصاها في اللغة تعني عدّها، ولذلك تجد أنهم يقولون شيئاً غريباً أن الأسماء التي نحفظها هذه، التسعة والتسعين هذه، والتي هي رواية من روايات أبي هريرة الثلاثة، أبو هريرة هو الذي نقلها، يعني النبي عليه الصلاة والسلام كأنه قال ماذا: إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة. إلا واحد من أحصاها دخل الجنة. انتهى كلام سيدنا هذا. قيل هكذا، الشُّرَّاح يقولونه هكذا، وقيل لا، إن النبي هو الذي قالها. النبي هو الذي قالها، فهو يرشدنا إلى هذه التسعة والتسعين بالذات التي يمكن أن نجعلها ورداً، التي يمكن أن نقرأها
كل يوم مرة أو مرتين، ونضعها في أورادنا. والثاني يقول لا، إن أبا هريرة اجتهد وجمعها، ولذلك سنجد أن الرواية التي نحفظها ليس فيها "قدير" بالرغم من أن "قدير" موجودة في القرآن، فهذه فيها "قادر" لكن ليس فيها "قدير". وشخص آخر يقول لك لا، إحصاؤها لا يعني عَدَّها، فهل من المعقول أن الذي يعدها يفعل ذلك بهذه السهولة؟ هكذا يدخل الجنة، ياه! هذه مسألة سابقة. وبعد ذلك، حسناً، أبو هريرة عدّها هو أو النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم عدّها. إذاً ماذا أفعل الآن؟ لقد عرفتها خلاص، فهل مجرد معرفتي لها هكذا تجعلني
أدخل الجنة؟ قلنا له: حسناً، ماذا تريد أن تقول؟ قال: أريد أن أقول تأملت في هذه التسع والتسعين اسماً فوجدت فيها أموراً غريبة جداً، وجدت أن بعضها جمال كالرحمن والرحيم والغفور وهكذا، وبعضها جلال كالعظيم والجبار والمتكبر، وبعضها كمال خاصة الأسماء المزدوجة كالأول والآخر والظاهر والباطن والوالي والمتعال والبر والتواب والمنتقم والعفو، فالمنتقم هذا جلال، إذاً هذه الأسماء منها ما... هو للكمال ومنها ما هو للجمال ومنها ما هو للجلال. قُلْ: نارُهُ خطرٌ. خيرك ملاحظة
في مكانها. أيُّ شيءٍ أحصاها؟ بل قال لي: أحصِها، يعني تخلَّقْ بالجمال. متى ستكون أحصيتَها؟ "الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". فهذا يعني أنك أخذت صفة الرحمة وتخلقت صفةُ العفوِ فاعفُ واصفحْ حتى يأتيَ اللهُ بأمرِه، إنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ. وتخلَّقتَ بها صفةُ الغفرانِ، وتخلَّقتَ بها إلى آخرِه. حسناً، أنتَ تقولُ لي لا تتكبَّرْ ولا تتجبَّرْ ولا تتكبَّرْ، قالَ نعم، هذه صفةُ الجلالِ تتعلَّقُ بها، فتكونُ صفةُ الجمالِ تتخلَّقُ بها، وصفةُ الجلالِ تتعلَّقُ
بها، فتكونُ العبارةُ. على بعضها، الإحصاء معناه التخلُّق بصفات الجمال، والتعلُّق بصفات الجلال، والتصديق بصفات الكمال. فتكون الأسماء ثلاثة أقسام، ووظائفي أُحصي الثلاثة أقسام المختلفة، وهذه الثلاثة المختلفة هي: التخلُّق والتعلُّق والتصديق. بهذا الشكل تكون أحصيتها. ونحن في حلقة سابقة تحدثنا عن التزكية وقلنا: التخلي والتحلي والتجلي، نعم.
عندما تتأدب بالأخلاق، ستحقق التخلي والتحلي، ويحدث لك بالتصديق التجلي. وهكذا تبدأ كل مقالاتي بالارتباط مع بعضها لتشكل منظومة متكاملة، هي في النهاية منظومة تربوية أخلاقية قيمية، غايتها وهدفها أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ولذلك فإن الناس الذين يرفضون التصوف ويحاربونه ويتعالون عليه... هذه المبالغة كأنهم أنكروا أصل الدين واختزلوا الدين في الظاهر وفي الشعائر فقط. قال تعالى: "يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم
عن الآخرة هم غافلون". أصبحت الأمور كأنها أمور سلوكية محضة لا روح فيها ولا معنى فيها، والأمور أبداً لم تقف عند الرسوم أو عند الظاهر. عند الألفاظ أو نحو ذلك، أحمد، حضرتك قلت لنا أن التخلق بصفات الله في أسماء الجمال، فهل نستطيع أن نربط بين أسماء الله وبين صفاته؟ يعني هل هذا شيء وذاك شيء آخر أم هما شيء واحد في النهاية أم ماذا؟ لنرجع إلى اللغة، الاسم هو علم على الذات عندما... أقول "أحمد" فوراً ينصرف الذهن في الجلسة إليك أنت لأنك اسمك أحمد. ما معنى أن الذهن ينصرف إليه
عند إطلاقه؟ عندما نقول "أحمد" تقول لي "نعم". لماذا محمد لم يقل "نعم"؟ ولماذا بلال لم يقل "نعم"؟ انصرف الذهن إزاء هذا على هذه الذات. الاسم هو علم دال. على الذات، حسناً، والصفة، الصفة أن تكون طويلاً، أن تكون قصيراً، أن تكون أبيض، أن تكون أسمر، أن تكون هكذا مصرياً، أن تكون شامياً، أن تكون صفة، حسناً، والصفة ما معناها؟ الاسم علم على الذات، حسناً، الصفة معنى قائم بالذات، انظر: طويل، قصير، أبيض، انتظر، ها، قائم، معنى قائم بالذات، هو علم على الذات، فهذه هي الأسماء وهذه هي الصفات.
لننتقل الآن إلى أسماء الله الحسنى. أسماء الله الحسنى: "الله" هذا اسم، واسم غريب جداً. أما "الرحمن" فصفة، و"الرحيم" صفة، و"الملك" و"القدوس" و"السلام" و"المؤمن" و"المهيمن" و"العزيز" و"الجبار" و"المتكبر" - "الله" هذه كلها صفات. بعد الفاصل تحدثنا عن الاسم علم على... الذات
الصفة معنى قائم بالذات، عندما نتأمل في أسماء الله الحسنى في حديث أبي هريرة مثلاً، سواء كان مُدرجاً من أبي هريرة أو كان أصلياً مرفوعاً إلى سيدنا صلى الله عليه وسلم، سنجد أنه يكاد الاسم يكون واحداً فقط وهو الله، والباقية كلها صفات. سُميت أسماءً لماذا؟ قال العلماء لأن الصفات في حقه تعالى قد بلغت الكمال والغاية النهائية التي ليس فوقها غاية، فهو رحمن رحمة تامة كاملة بحيث إذا أُطلقت كلمة الرحمن انصرف الذهن إلى الله. حسناً، أليست هذه صفة الاسم؟
قال له: نعم، الاسم علامة على الذات، عندما نطلقه "أحمد" قم أنت، تقول: نعم. "محمد، محمد" يقول: نعم. بلال يقول أنا هكذا، فالاسم يبدو أنه إذا أُطلق انصرف الذهن إلى الذات. حسناً، ألا ينصرف الذهن إلى الله عندما يُطلق اسم "الرحمن"؟ وماذا عن "العزيز"؟ هل هو عزيز مصر أم العزيز سبحانه وتعالى؟ عندما تقول "العزيز" هكذا، أو "عبد العزيز"، ينصرف الذهن إلى الله. وكذلك "الجبار" ينصرف الذهن وصفت به أحداً من البشر فإنك تشتبه وتقول هذا فلان هذا جبار والعياذ بالله تعالى، والمتكبر هو الله. وعندما تصف به أحداً من البشر فإنك تشتمه. وهكذا، فلما كانت هذه
الصفات في حقه تعالى قد بلغت الكمال، فإنها عندما تُطلق ينصرف الذهن إلى الذات العلية، ولذلك سميت أسماءً. نستطيع أن نقول إن الصفات تحولت لكمالها في حق الله تعالى إلى أسماء في اللغة. سنسميها صفات في الواقع، وفي الشريعة سنسميها أسماء. في اللغة هي صفات لأنها معنى قائم بالذات، وفي الشريعة هي أسماء لأنها قد بلغت الكمال. هذه هي العقيدة، أي كمال في حقه تعالى بحيث إذا أُطلقت إليه سبحانه كشأن
الأسماء فهي أسماء. طيب مولانا حضرتك، بالنسبة لبعض ما كنا نتحدث عنه، وهو كلامي هذا لله جميل، بالنسبة إلى ما كنا نسميه عن بعض الآيات التي في القرآن الكريم التي يقولون إنها صفات ربنا، مثل: "وقالت اليهود يد الله مغلولة"، "فإنك بأعيننا"، الصفات التي ينسبونها إلى ربنا وتعالى الذي هذه صفته أنه عنده عينان وأنه عنده يد، الآيات هذه يعني بتفسيرها وكلتا يدي الرحمن يمين، كنا نسمع هذه الأشياء، هي هذه صفات ربنا سبحانه وتعالى. فما هو تصحيح المفهوم إذن؟ يعني القرآن نزل بلغة العرب، والسنة كان النبي صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد، ولذلك باللغة العربية سنتعلم العربية جيداً، وسنفهم جيداً. إن لم نتعلم العربية جيداً
سيختلط علينا الأمر، وسيأخذنا كل شخص من أيدينا إلى مكان آخر. هكذا في الدنيا، "الرحمن على العرش استوى"، "بل يداه مبسوطتان"، "ولتصنع على عيني" إلى آخره. لدى العرب شيء يسمى المفردات: أكل، شرب، نام، استيقظ، ذهب، صلى، جاء، وشيءٌ آخر يُسمى المركبات، هذه المركبات هي عبارة عن تعبير سمّوه - كما تعلم - في الإنجليزية "Expression". ماذا يعني "Expression"؟ يعني أنك لا تستطيع تفكيكه أو لا تستطيع فهمه منفرداً، بل هو مركب هكذا بكامله.
ومن هذه المركبات الكناية، شيء يُسمى الكناية، وليس من الضروري أن تكون الألفاظ المكونة لكن هي مجتمعةً هكذا تعطي المعنى، ومعنىً قد لا تكون له علاقة بالألفاظ، أو قد تكون له علاقة بالألفاظ بهذا الشكل أو ذاك، لكنها تُفهم مجتمعةً. حسناً، ما هو المقصود بكلمة "مجتمعة" هذه؟ إن هذا التعبير "مجتمعةً" قد مات واندثر. على فكرة، أول من نطق بها يعني قالوا إنه... أول من نطق بها النبي عليه الصلاة والسلام، مات حتف أنفه. حتف أنفه تعني ماذا؟ مات حتف أنفه يعني وقع على أنفه وجُرح ومات؟ لا، معناها أنه مات على
سريره، مات في مرض الموت. وقيل إن السموءل بن عادياء هو أول من نطق بهذه الكلمة مثلاً. أي أن البعض يأتي ويقول لك ما معنى "عليم بذات الصدور"؟ عندما تأخذها كلمة تفهم أن الله تعالى عالم بنفس الصدر، لكن ليس هذا هو المعنى الصحيح. "عليم بذات الصدور" تعني أنه سبحانه عليم بكل شيء. أين ذُكر "كل شيء" هنا؟ إنه يقول لك "ذات" ويقول لك "صدور". نعم، العمادُ كثيرُ الرمادِ رفيعُ النجادِ يكونُ
كريماً. أين كريم؟ هل هو بيننا كريم؟ ما معنى طويل النجاد رفيع العماد كثير الرماد؟ نعم، فالأصل أنه كريم لأنه يُوقد النار ويشوي عليها المشاويَ والذبائح لكي يُطعم الضيوف، فكثير الرماد قريب النادي، أي أن النادي قريب منه، مثل نادي الجزيرة. ولا نادٍ الذي لا أعرف ماهيته يعني، قريب النادي، قريب النادي معناها أن بيته مفتوح مثل النادي، بيته مفتوح لكل من يدخله، نعم هذا كريم. فإذاً هذه التراكيب لا تستطيع
تفكيكها وتحليلها، وكذلك "بل يداه مبسوطتان" يعني هو سبحانه وتعالى كريم. التصنع على عيني يعني... رعايتي ولا تخف، هو معكم أينما كنتم، يعني لا تخف، إنه معك، إنه عليم بك، إنه يؤيدك، هكذا طمأنك، يعني ينزل السكينة على قلبك. أتفهم؟ ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، يعني معهما هكذا في الغار، أليس كذلك؟ ما هو قادر بعلمه وبقوته على أن يحميهم من المشركين. هذه لغة عربية تبدو
هكذا، وعندما تحللها بأسلوب فيكو أو ريجاردو، تصبح القضية مختلفة ولا تعود لغة عربية. ففي القرآن الكريم، الله سبحانه وتعالى له ما يُسمى بالصفات الذاتية، وله ما يُسمى بصفات الفعل، صفات. الفعل نفيه لا يلزم منه نقص رحمة الرحيم. حسناً، ألا يرحم فلاناً ولا يحدث له شيء، لا يلزم منه نقص صفة الرزاق أو المحيي أو المميت. حسناً، ألا يُحيي فلاناً ولا يقوم بفلان ولا شيء، ولا صفتا الرحمة
والإحياء، نفيهما لا يلزم منه نقص. لكن صفة العليم فهي صفة ذات، لله تقول هذا ليس هذا، عليم مريد سميع بصير حي وهكذا. هل تنتبه كيف أن قدرة وإرادة وسمع وبصر وحياة وعلم وحياة وكلام؟ استمرت سبع صفات. هل تنتبه؟ فإذاً يجب علينا أن ندرس العقيدة من خلال العقل والنقل، ومن خلال أحكامه أو أقسام حكم العقل لا محالة هي الوجوب الاستحالة ثم الجواز الثالث
الأقسام فافهم منحت لذة الأفهام إلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اشتركوا في