رب لترضى جـ 2 الحلقة السادسة | حب الله لخلقه | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات "رب لترضى". معنا الشباب الواعد، نستمع
إلى أسئلته وإلى حواراته سوياً عسى. أن نصل جميعاً إلى الله سبحانه وتعالى في طريق الله. السلام عليكم يا أولاد، اليوم سنبدأ مع من؟ يظهر مع السيد أحمد عبد المنام. تفضل. حقيقةً في الحلقات الماضية كنت قد ذكرت لنا أن ربنا سبحانه وتعالى يحب خلقه كلهم. طيب، أليس إبليس من خلق ربنا؟ فهل معنى... هكذا أن الله تعالى يحب إبليس، وأيضاً حضرتك الآيات التي تقول: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة". فكنت أود إذا أمكن أن أعرف معنى هذه الآيات في ضوء الحقيقة التي ذكرتها أن الله سبحانه وتعالى يحب كل خير موجود فيه أكثر من هذا التصرف في إعطاء إبليس بعدما عصاه في حضرته
فيعطيه هذا العمر المديد، فكِّر وتدبَّر: ماذا ستسمي هذا؟ إن الله سبحانه وتعالى يحب خلقه حتى الكافر، ويحب خلقه من حيثية معينة أن هذا الخلق من صنعته، لكنه مع ذلك يكره لهم صفات معينة. فالله سبحانه وتعالى لا يحب الفساد، والله سبحانه وتعالى الخائنين والله سبحانه وتعالى يكره المفسدين ويكره
الكاذبين، وهكذا إذاً، فعلينا أن نعلم أن لكل شيء جهة. فالحب يتعلق بجهة المخلوقية، والبغض والكراهية وعدم الحب تتعلق بالأفعال أو بتلك أسماء الأفعال التي تدل على الفعل كالخيانة والفساد والكبر إلى آخره. الحب غير الود، فالود فيه قبول وفيه نوع من أنواع... التَّرضية طلب الرضا وفيها نوع من أنواع التملق
إن صح التعبير، والتعبير ليس دقيقًا. فعندما أَوَدُّك يعني أسعى لكسب وُدِّك، فلا بد حينئذٍ أن أُظهر لك عدم الاعتراض وأُظهر لك الموافقة على الأكل والشراب معك، وكأنه ليس هناك أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر ولا إنكار لهذا الفعل الذي تقوم إن كنت قد ابتليتَ به، الله أرشدنا إلى غير ذلك، وجعل الدين النصيحة، وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مقتضيات الدين، وجعل إنكار الفعل السيء من مقتضيات الدين. ولذلك قالوا: اكره
المعصية ولا تكره العاصي. هذا هو المفهوم الأرقى للإنسانية، أن تكره المعصية وتكره الانحراف وتكره الكفر ولا تبغض. ولا تكره أحداً لذاته، فإن هذا الذي تكرهه اليوم عندما يفعل غداً الصالحات والخير وما شابه ذلك، ويوفقه الله سبحانه وتعالى، ستحبه إذا كنت لا تبغضه لذاته ولا تحبه لذاته. ومن هنا قيل: "أحبب حبيبك هوناً ما، فلعله أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، فلعله أن يكون يوماً ما - ولكن يا سيدي -
ربنا سبحانه وتعالى سيعذب الكفار وأصحاب المعاصي لذواتهم، لا يعذب المعصية نفسها. ولهذا قلنا إنه رحمن الدنيا، والدنيا هي التي فيها التكليف وهي التي ندرك حقائقها بالمشاهدة والحس. أما الآخرة فأمر غائب عنا، لا نعرف بالضبط قوانينه، نحاول أن نراها من وراء ستر لكن الآخرة هي غائبة عنا، ولذلك من هو مالك يوم الدين؟ الله وليس البشر، وليس أحد من الأنبياء أو الأولياء أو الأصفياء أو الصديقين أو الشهداء أو أحد من
الملائكة المقربين أبداً. الذي هو مالك يوم الدين هو الله. يوم القيامة له قوانينه الخاصة، واسمع كلام أحد الفلاسفة العظام وهو... محيي الدين بن العربي عندما يتحدث عن كلمة العذاب وأنها من نفس المادة اللغوية للعذوبة، ومن المعروف أن الماء العذب حلو المذاق، وأن الله اختار هذه الكلمة لأن رحمته قد تخللت كل شيء، حتى إنها قد تخللت أثناء عقوبته لمن غضب عليه فعذبه،
حتى صار العذاب له عذوبة، فضرب مثلاً اِفهَم، قال الجمل إذا أصابه الجرب فإنه يرغب في شهوة الحكة، يريد أن يحتك بجسمه، أحد يهرش له في المنطقة المصابة بالجرب، هذا مرض جلدي يصيبه، فيذهب إلى النخلة أو إلى الشجرة الجمل ويجلس يحك جلده فيها حتى يتلذذ بهذا الهرش
لتخفيف الألم، وضرب مثلاً آخر حتى ترى تداخل أشياء وليس إدراكاً لك للحقيقة فإنها لا تُدرك إلا يوم القيامة، لا تُدرك إلا يوم القيامة، ولذلك نحن لا نتكلم عن هذا الجانب، ولكنه يحاول أن يوضح لك أنه ينبغي عليك وقد غابت عنك، غاب عنك يوم القيامة، ألا تطلق الإطلاقات وتتأكد من المؤكدات وأنت لم ترها أصلاً بل
أن... فيها إشارة إلى الذين عرفوا أن الله رحمن رحيم حبيب عفو غفور. والذي نعرفه أنه سبحانه وتعالى خلق هذا الخلق فضرب مثلاً بالمرأة الحامل التي تعاين الموت خاصة إذا ثقل حملها، والغريب أنها في غاية السعادة. يا أخي، وعندما تلد تصرخ وتتأوه وتتألم وتعاين الموت وهي في غاية السعادة بعد هذا الولد من جسدها في التعلق به، هل رأيت أمًا تلعن
ابنها لأنه كان سببًا في إتعابها أو في آلامها أو في مخاضها؟ سيدي، هي تتألم فترة وبعد ذلك تفرح بوجوده، لكن عندما يدخل النار، يعني أنا أشعر في الآخرين، كل هذا يرتكبون معاصي، كل هذه ذنوب، كل هؤلاء يكفرون. بالله يشركون بالله في النهاية كل هذا في النهاية لأنهم سيدخلون النار ويخلدون فيها. لكن المسألة المتعلقة بالمرأة، هو يقول: "فصار العذاب عذوبة". ما رأيك؟ يعني انتبه، هناك بعض الناس يعترضون على هذه الصورة التي وضعها الله سبحانه وتعالى بحكمته الإلهية، وقال: ذلك يخوف الله به عباده. يا عبادي فاتقون يعني لها هدف وهو أن يمتنع الإنسان
في الحياة الدنيا عن المعاصي استعظاماً لهذا. فعندما يقرأ أناس وهم ليسوا متمكنين من الإيمان، ودخلوا المدخل الصحيح، فيقولون: ما هذا؟ ما هذه القسوة والعنف الشديد؟ هذا ماذا نفعل فيه؟ فأخرجنا لهم كلام هذا الحكيم الفيلسوف وقلنا لهم. ما رأيكم في هذه الصورة؟ قالوا إن هذا معقول والله. إن البشر مختلفون وكل واحد له توجهه الخاص، والله واسع، والإسلام أوسع من المسلمين، وأوسع من العالمين، وأوسع من المذاهب، وأوسع من الأجناس، ومن البلاد، وأوسع من المكان والزمان. ولذلك هذا
الإسلام واسع جداً، فما رأيك في ذلك؟ رأي منسوب لأحد المسلمين - رأي إسلامي - يبدو أن الأمر يتعلق بوجهة النظر التي تقول إن الله سبحانه وتعالى وهو يعذب ويعاقب صاحب المعصية أو الانحراف أو الإلحاد أو الكفر، فإنه من رحمته
سبحانه وتعالى يدخِل تلك الرحمة مع هذه العقوبة أو حتى ضمن هذه العقوبة، وضربنا مثلاً كيف إلى عذوبة بذلك الجمل الأجرب وضربنا مثلاً لاختلاط المعاني بالمرأة الحامل الواضح ويضرب الإمام القرافي مثلاً آخر وهو أن المصالح تتداخل مع المفاسد بصورة عجيبة فما من مصلحة إلا وتشتمل على مفسدة يا أخي وما من مفسدة إلا وفيها مصلحة فمن الذي يحدد المفاسد والمصالح وضرب مثالاً لذلك عندما تريد أنْ تُحضِرَ الطعامَ أمامَ قطعةٍ من اللحمِ إذا أردتَ أن تأكلَها كما هي فإنها
تصعبُ عليك ولا تستطيعُ، فتحتاجُ إلى أن تأتيَ بالنارِ والماءِ وترميَ اللحمَ في الماءِ فيصيرَ مرقاً، وتضعَ عليه ملحاً فيصيرَ أطيبَ، وبعد هذا تستطيعُ أن تأكلَها فتتمتعَ بها، ثم عندما تتعودُ على أكلِ اللحمِ كان سيدُنا يقول عمر أن له ضراوة أشد من ضراوة الخمر، أي كأنه يسبب عند سيدنا عمر نوعاً من أنواع التعود والإدمان. بمعنى أن الإنسان الذي يأكل اللحوم لا يستطيع أن يمتنع عنها فجأة، كأن شيئاً بداخله يدعوه إلى هذا الصنف من الطعام، وحتى تصل إليه فإنه لا بد
لك من ذلك. أن توقد النار، وفي أثناء إيقادك للنار تُصاب بحرق، ثم ترفع الإناء من على النار فتُصاب بحرق أيضاً، ولكن لأجل الورد يُسأل عنه. قال: هناك مصلحة للطهي لكن هناك مفسدة بالنار، وبعدما تأكله تتألم أيضاً. مولانا، لو أكثرت من اللحم، يأتيك النقرس، ربنا يُبعده. عن داء النقرس الذي يُسمى مرض الملوك والذي هو حمض اليوريك، حيث يزيد حمض اليوريك -والعياذ بالله- في الجسم وتصبح الأوضاع غير طبيعية. وسأحكي لك قصة لطيفة عن القاضي عبد الوهاب المالكي. نعم يا أحمد، مع شرحك لموضوع أن العذاب مشتق من مادة العزوبة، تذكرت الآيات
التي تتحدث عن... أن الله سبحانه وتعالى ذكر العذاب بصفة أليم أو شديد أو مهين، فكيف يكون هناك عذاب مهين أو عذاب أليم ويكون آتيًا من العذوبة أيضًا؟ يجيبك على هذا علماء النفس بأن هناك بعض الأمراض، وهذا العاصي نقول له كأنك مريض، يتلذذ فيها المريض بتعذيبه، ويسمونها ماسوشية، هذه الماسوشية تعني... مرض يصيب - والعياذ بالله - الناس. فطرتها أنها تكره العذاب، وفطرتها السليمة أنها تبتعد عنه، وفطرتها السليمة أنها تكون كذلك. وإذ بطائفة من الخلق - وكان الله سبحانه
وتعالى يعلمنا أو يرشدنا إلى هذا - تتلذذ بتعذيبها وتنبسط كثيراً. هذا منحرف! طيب، أليس أهل النار ليسوا منحرفين؟ بلى، أهل النار ليسوا أولياء أبداً والله. أهل النار عصاة وأهل النار شيء مقرف للغاية، ولكن في نهاية الأمر نحن نتحدث عن نقطة معينة وهي: هذا الله سبحانه وتعالى كما يريد بعض الملحدين أن يصوروه أن فيه قسوة، أو أنه سبحانه وتعالى في النهاية عندنا
قبل غيرنا من الرحمة والعفو. هو الذي نتكلم فيه، نعم هناك عقوبة، ونعم هناك انحراف، ونعم هناك شدة وألم وعظم لهذا العذاب، ولكن نحن نتكلم على قدرة الله سبحانه وتعالى التي أرانا بعضها في الدنيا من أنه قادر سبحانه على الجمع بين المعاني المختلفة، يقيمها في ذات واحدة من جهات متعددة، هذا هو الذي نريد. أن نركز عليه ضربوا لنا الأمثلة من أجل أن نتفهم أن الله على كل شيء قدير وأن الله سبحانه وتعالى في غاية الحكمة
وأن الله سبحانه وتعالى في منتهى التسمي بأسمائه، كل الأسماء لها صفات وإذ يسميها ولله الأسماء الحسنى، لماذا يجب أن نعرف الفرق بين الاسم والصفة، الاسم عالم. على الذات والصفة معنى قائم بالذات، فالرحمة والعلم والإرادة والقدرة معانٍ قائمة بالذات، لكن من هو الرحمن؟ على الفور ينصرف الذهن إلى الله. إذ صارت كلمة "الرحمن" بالرغم من أنها صفة، صارت اسماً، لأن الذهن ينصرف إليها مثل الأعلام الدالة على الذات، فيبقى علماً وينصرف الذهن إلى رب العالمين. إذن، هذه أسماء ليست في حقيقتها
صفات، ولكنها وصلت إلى مرتبة الأسماء. ما نناقشه الآن هو: هل الله قادر على أن يجمع المعاني المختلفة في ذات واحدة؟ نعم، هو قادر على ذلك. هذه هي المسألة هنا. نعم، يعني أحاول يا مولانا أن أفكر، هل يمكن أن تكون هذه اللذة تأتي من فكرة التسليم، أي أنهم يعرفون قدر ربنا تماماً ومتلذذون بالتسليم له، فبما أنه اختار لهم هذا، فهذا هو الحال. قد تكون اللذة ناتجة من ذلك. أما أهل النار فلا، والكلام الذي نقوله هذا نقوله في الدنيا، أما في الآخرة فستجد الجميع... قد انكشفت له الحقيقة بما يلجم لسانه سواء
كان تقياً أو نبياً أو كافراً أو مؤمناً أو أي شيء، الله سبحانه وتعالى مالك يوم الدين، لكننا هنا في الدنيا نحاول أن نفهم لأن هذا الفهم يرسم عند الناس صورة الدين الذي نحاول أن يصل إلى العالمين، نحاول أن نفهم. ونحاول أن نفهم، فما هي هذه الصورة؟ فبعض الناس يختار أن هذه الصورة صورة مظلمة ويوافق على هذا، لكن الناس لا يوافقون. وأيما شخص أو رجل أو امرأة خاطب
الناس بما لا يصل إلى عقولهم إلا كان فتنة عليهم. ومن هنا نقول: يا جماعة، خاطبوا الناس على قدر عقولهم، خاطبوا. حدثوا الناس بما يفهمونه، لا تكونوا حجاباً بين الخلق والخالق. دعوا الخلق للخالق، ودعوا الخلق يتمتعون بعبادة الخالق، يتمتعون بذكره، بعبادته، بالدعاء له. يعني بالتعبير الذي نقوله: لا تُزهِّق الناس من دين الله، لا تُكرِّه الناس في ربنا بالسلف وبالعبارات التراثية. "أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله"؟ فأحياناً نحن
نرتكب. خطأ فظيع وهو أننا نشوه الصورة بناءً على قصور فهمنا، فندرس ونجد أن هذه أفكار جيدة تجيب على الأسئلة إجابات تصل إلى القلب وإلى العقل، لكن لابد أن تصل إلى القلب والعقل. دورنا ونحن نتناقش الآن هو معرفة إن كانت قد وصلت أم لم تصل، فيجب أن نستمر في الحديث حتى نصل إلى قناعة مقنعة، شيء واضح وشيء منطقي، شيء لا يرفضه العقل فلا يرفضه القلب وهكذا. نعم، أنا هكذا سيدي. فهمت أن ربنا سبحانه وتعالى خلق المعاصي. وجود المعاصي والنار والعذاب
وكل هذا الأمر لها فوائد لكننا لا نعرفها، فهناك أناس يمكن أن تصل إليها وتقتنع بها، وأناس لا. إذا لم نقتنع بها ننتظر حتى الآخرة، ربنا سبحانه وتعالى يعلمنا الحقيقة. هذا هو الواقع: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء". هذا هو الواقع: أنك أنت لا تخلق الهداية والتوفيق في قلوب الناس، الله هو الذي يخلق الهداية والتوفيق، ولذلك وكأنه يخاطبك في. الكلام المنزل على سيد الخلق: "لست عليهم بمسيطر"، "ما على الرسول إلا البلاغ"، "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، "قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون".
إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.