رب لترضى جـ 2 الحلقة العاشرة | الكون يسبح | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات "رب لترضى". نعيش هذه اللحظات في ظلال
طريق الله سبحانه وتعالى مع... شبابنا، من الذي سيبدأ بالسؤال؟ بلال، تفضل سيدنا. وهل توجد علاقة بين الفكر والذكر والتأمل؟ يعني يقولون إن في الأمم السابقة كانوا يصلون إلى الخدر والجذب عن طريق التأمل والرياضات وأشياء صعبة كهذه. فيقولون إنه في التصوف يصلون إلى هذه الدرجة عن طريق الذكر والتفكر الكثير، فتكون الطريق أسهل قليلاً. المسلمون في دراسة الواقع لأننا قلنا إن كتاب الله المسطور وكتاب الله المنظور كلاهما مصدر للمعرفة وكلاهما صدر عن الله. كتاب الله المسطور القرآن صدر عن الله من عالم الأمر فهو ليس مخلوقاً، ولذلك قلنا القرآن كتاب الله ليس بمخلوق،
ولذلك فهو متجاوز للزمان والمكان وكأنه نزل الآن. والذين يدعون إلى تاريخية القرآن يريدون أن يحصروا القرآن في زمن نزوله، وعلى ذلك يتخلصون منه بجملة واحدة وهي أنه لم يعد له حاجة في هذا العصر. كتاب الله المنظور هو مصدر المعرفة أيضًا، أرشدنا إليها الله سبحانه وتعالى بالتدبر وبالتأمل وبالتفكر وبالسير في الأرض. قل سيروا في الأرض. فانظروا فكلاهما مصدر للمعرفة. عندما دخل الناس في دين الله أفواجاً في الشرق والغرب، كانت لديهم تجارب روحية. من ضمن
هذه التجارب الروحية اليوجا، ومن ضمن هذه التجارب الروحية التأمل (المديتيشن)، ومن ضمن هذه التجارب الروحية الزن، ومن ضمن هذه التجارب الروحية تلك التجارب التي كان يقوم بها أهل التبت. عند دخول المسلمين أو البوذيين أو الشنتو أو الهندوس أو غيرهم، كانت الأمور واضحة أمامهم. وعندما دخل هؤلاء الإسلام، كانت الأمور واضحة أمامهم بأن الإسلام يتحدث عن عقيدة واضحة مفادها أن خالق الأكوان هو الله، وأنه ليس كمثله شيء، وأنه لا تدركه الأبصار
وهو يدرك الأبصار، وأنه سبحانه وتعالى فعال. عندما يريد وأنه مفارق للأكوان، فالرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، كلام واضح. وعندما دخلوا الإسلام دخلوا ومعهم تجارب، فعرفوا كيف يأخذون منها تجارب الواقع وكيف يتقيدون بالجزء المعياري - إن صح التعبير في لغة اليوم وأدبياته - من الوحي، حتى قال سيد الطائفة الجنيد: "طريقنا هذا والسنة ما الذي كان يحدث في اليوجا، الذي يحدث في اليوجا أن هناك أماكن معينة كانت تتأثر بالتأمل تسمى
الشاكرات، وهذه الشاكرات قد تُفتح وقد تُغلق وما إلى ذلك، ويتأثر بها، لكن عندهم عقيدة أخرى تخالف عقائد المسلمين وهي أن هناك طاقة كبيرة للكون. هل هذه الطاقة هي الله؟ حاشا لله، هذه طاقة، هذه مخلوق، لكنها في هذا السياق توضع مكان الله، ويأتي التلبيس والتدليس، ومن هنا فلا المديتيشن ولا اليوغا ولا الذِكر ولا غيرها من أنواع التأملات والتدبرات وما شابهها تنفع المسلمين. فقام علماء المسلمين ممن
لهم تجارب بتنقية هذه التجارب، أخذوا الجانب الوصفي، أخذوا الجانب الكوني، أخذوا... جانب التجربة الإنسانية وجعلوها تحت ظلال الكتاب والسنة. ماذا يأمر الكتاب والسنة؟ يأمر بأن نعبد الله مفارقًا للأكوان، الرحمن على العرش استوى. يأمر أن ندعوه بأسمائه الحسنى، يأمر أن نذكره سبحانه وتعالى ذكرًا كثيرًا. لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله. "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون". فصاروا في هذا الطريق. وجرّبوا الأسماءَ الحسنى وجرّبوا كيفيةَ الذكر وبنوا من هذه تجاربَ تحمي العابدَ في طريقه
إلى الله من الانحراف الذي نهى عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. هذه التجربةُ الإنسانيةُ استفادوا من كل شيء إذا وافقَ الكتابَ والسنةَ وتركوه إذا لم يوافق الكتابَ والسنةَ. أمّا فكرةُ أنّ هناك طاقةً وأنّ هذه الطاقة طاقة عظمى كونية يأخذ منها الإنسان هي محل الله حتى هذا الكلام يؤدي إلى الحلول والاتحاد، ولكن في الذنب يقول لك: تريد أن تصفح؟ قم ضع ملاءة بيضاء أمامك. يجدون في السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن شيء مخطط وقالت: شغلتني أعلامها في الصلاة. هيا قم. هكذا لا مانع أن تكون
كما قال الحكماء: "الماء والخضرة والوجه الحسن ثلاثة يجلون الحزن". هذه تجربة إنسانية، إذاً فالمسلم يأخذ التجربة الإنسانية باعتبارها تجربة وصفية، باعتبارها تجربة إنسانية، باعتبارها واقعاً، لكنه يُدخلها تحت ظلال الكتاب أو السنة، فإن اتفقت معها كان بها وكانت من دائرة المباح المتاحة، وإذا... لم تتفق معها، ردت ورفضت لأنها تخالف تلك الأوامر الربانية والمنح الصمدانية والتوجهات النبوية. يقول يا سيدي إن هناك فرقاً، يعني التأمل والطاقة تعالج النفس، لكن الذكر والفكر وما شابه
يعالج الروح، فالروح تتلاقى، فهذه الروح علاجها الفكر والذكر، والنفس علاجها التأمل والطاقة. وكأنهم قد اطلعوا على الروح، وكأنهم قد النفس وكأنهم قد جعلوا هذه الأمور التي يُسأل فيها الأجر. يا جماعة، اليوغا تُعلَّم بمال، والتأمل (الميديتيشن) يُعلَّم مقابل مال، والذِكر يُعلَّم مقابل مال، ونحن لا نسأل الناس أجراً. لقد عرفوا الروح وعرفوا النفس ورتبوا الكلام بجانب بعضه. هكذا عندما تتوغل في دراسة هذه الأشياء فإنها تُعلِّم. الكِبر يعلّم الناس
التعالي بعضهم على بعض، ولذلك فهو طريق مسدود مع الله سبحانه وتعالى. أما هؤلاء فقد جعلوا إخلاص النية لله هو الأساس وهو البداية، وجعلوا اليقظة باعتبار معرفة أن الدنيا فانية، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنه لا يكون في كونه إلا ما أراد هي. البداية الصحيحة، ولذلك فإن التأمل أو اليوغا أو الزن أو غيرها، لأن هناك أشياء كثيرة أيضاً من هذا القبيل، هي وعاء ولكنه وعاء دنيوي، وعاء دنيوي، لكن هذا ليس وعاءً دنيوياً، هذا
مقصده رباني، هذه هي القصة. فنعم، الشيء عندما يكون تابعاً لقوانين الدنيا هو في الدنيا وإذا لم يخالف. أيضاً الكتاب والسنة فهو مقبول حتى هذا، وهذا هو القدر الذي بعض النابتة يعترض عليه. يقول لك: "أنتم من أين تأتون بهذا الكلام؟ تأتون به من الواقع. ولماذا تأخذون من الواقع أصلاً؟ نحن لا نريد هذا الواقع إطلاقاً". إذاً المعرفة تختل وسنسير بالوحي فقط، وهذا ما لم يأمر به الله لم يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم يفهمه الأئمة العظام، فهموا أن أموراً تثبت بالشرع
وأموراً أخرى تثبت بالتجربة وتثبت بالوجود. فإذا هذا المبحث يصفو عندما تثق في تجربة المسلمين، ولذلك ترى البيروني يؤلف كتابه الماتع "تحقيق ما للهند من مقولة مرذولة في العقل أو مقبولة". بالطبع الكتاب يدرس حضارة الهند ويقبل ويرفض وينقد وينقض ويتفاعل معها بأي أداة؟ بالإسلام. هذه الشاكرات السبع التي تحدثت عنها اليوجا، عندما بدأ
أهل الذكر يذكرون ويتبعون الذكر الإسلامي بالكلمات العشر الطيبات وأسماء الله الحسنى والأدعية وما إلى ذلك، والوظائف المختلفة وما إلى ذلك، وجدوا ما يسمى باللطائف الخمس، فليس... شكرات تحتاج طاقة كبيرة تختلط مع بعضها بإيماننا بالله، ولا تحتاج كلها، وإنما هذه اللطائف هي لطيفة القلب والروح والسر والخفي والأخفى، وسمّوها ووضعوا لها أسماء، وهذه الأسماء موجودة في القرآن، وبعد ذلك عن طريق
التجربة الروحية أيضاً جعلوا الخمسة هذه وكأنها في عالم الملك، وأن هناك الملأ الأعلى. في عالم الملكوت تنعكس هذه الخمسة فيبقى هناك القلب الملكوتي وكذا إلى آخره حتى نصل إلى أنهم عشر درجات، لكن هذه الشاكرات تحدثوا فيها على أنها خمسة وليست سبعة. ما هذا؟ هذا استمرار للتجربة الإنسانية تحت ظلال القرآن والسنة. يعني يا سيدي هكذا الذكر والفكر ليسا بديلاً عن التأمل وما
الذكر والفكر طريق آخر، والتأمل وضعية، ثم عدنا من الفاصل، وكان محمد يريد أن يسأل قبل الفاصل سؤالاً عن سقف الإنسان، يعني فكرة علم الطاقة وكيف أن الشخص يمكن أن تتأثر طاقته على من حوله، وهذا يعني علم يتحدثون عنه، فهل هذا متعارض مع ما كنا نتحدث عليه؟ لا، الذي... نحن نتحدث عنه وهو نوع من أنواع السلوك إلى الله سبحانه وتعالى بالعبادة والذكر والدعاء والقرآن، لكن الطاقة الإنسانية التي في جسم الإنسان وكوامنها التي
تصل في بعض التدريبات إلى ما يشبه الكهرباء الاستاتيكية هذه موجودة في كل إنسان بغض النظر عن كونه مسلمًا أو غير مسلم، وهذه الطاقة وهي مؤلف فيها كثيراً ولها تدريبات إذا درَّب الإنسان كإنسان جسمه عليها فإنه يصل إلى هذا الحد، وهكذا نجد في عبَّاد التبت وفي عبَّاد الهندوس من يدرب نفسه على أن ينام على المسامير أو يدرب نفسه على أن يأكل الزجاج أو يدرب نفسه على أشياء خارجة عن المألوف،
وهذا من خصائص وليس له علاقة بالعبادة كعبادة، لكن ما الذي يريده الإنسان؟ يريد صفاء الذهن، يريد الشفاء من المرض، يريد استقرار الحال. يريد لنا طريقاً لهذا، وهذا الطريق رسمه لنا الكتاب والسنة، ورسمه لنا أولياء الله الصالحون، ورسمه لنا أولئك الذين دخلوا الإسلام بتجاربهم الروحية، فنظموها وجعلوها تحت الكتاب والسنة وأهدوها إلى... الناس نعم يا مولانا، إن صح السؤال: هل للذكر تأثير على المجتمع؟ يعني هل تأثير الذكر يقتصر فقط على الشخص
الذاكر أم له أيضاً تأثير على المجتمع المحيط به بشكل أو بآخر؟ كل الطاعة والعبادة والذكر وقراءة القرآن لها أثر في الجو العام للمجتمع، وكل المعاصي لها أثر معاكس في... المجتمع إذا كنت تسأل عن الدليل الشرعي لهذا ستجده موجوداً في ذلك الرجل الذي تحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قتل تسعة وتسعين نفساً ثم ذهب إلى عابد فسأله هل لي توبة فقال له تسع وتسعين نفساً ويبقى لك توبة فقتله فأتم به المائة ثم ذهب إلى عالم فقال
ما الذي يمنعك من التوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى. ثم تنبه العالم إلى معنى فساد المجتمعات وأثرها السيئ على هذا المجتمع فقال: ولكن أراك بأرض قوم سوء، يعني كيف تركوك تقتل تسعة وتسعين نفساً؟ نفساً؟ غير عقوبة ومن غير، لا بد أنهم يظنونك على باطل ويتركونك ويُعينونك على هذا الفساد وهذا البلاء،
لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عنه ولا فعلوه. إذاً فأنت في مجتمع تأثر بالمعصية، ارحل إلى أرضي كذا فإن فيها أقواماً أو قوماً يعبدون الله، لأنني تبت من قتل المائة، تعلم لو... صرت في الوسط الموبوء، من الممكن أن أعود مرة أخرى، فأراد العالِم أن ينتزعه من الوسط الموبوء إلى وسط مساعد، يساعده هذا الوسط الجديد على الاستمرار في التوبة وعلى الخروج من الظلمات في المدينة الأولى أو القرية الأولى إلى النور في القرى الأخرى.
وبقية الحديث يمكن أن تعرفونه جميعاً، إذاً هذا السؤال، نعم، الذكر والقرآن والدعاء والعبادة والصلاح والخير يؤثر في المجتمع ويؤثر في ذرات الكون. لدينا عقيدة في الإسلام أن هذه الكائنات التي حولنا تسبح، وأن "ما من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم". والنبي من معجزاته أن سبح الحصى بين يديه، سمعه الصحابة، وحنَّ له الجذع. الذي كان يقف عليه في الخطبة بعد أن فارقه فاحتضنه لما سمعوا له
نحيباً، نزل من المنبر واحتضن الجذع فسكن. قيل إنه تكلم معه كلاماً، فقالوا: يا رسول الله، ماذا قلت له فسكن هكذا؟ فقد كان يبكي وسمعناه في أرجاء المكان. فقال: قلت له: ألا يرضيك أن تكون معي فما هذا؟ لقد كنا الذين حولنا بنص القرآن والسنة، سواء في اتجاه العبادة، فهو يسجد ويركع ويذكر ويخاف ويبكي، فما بكت عليهم السماء. وعندما تتتبع هذا المعنى في القرآن: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن
يحملنها". هي تأبى أن تحملها. وإشفاقنا هي تُشفق منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً. إذاً نحن في وسط عالم ربنا لا يقول لي نعطيه مجموعة من الجمادات هكذا، لا، هذه أشياء تفاعلية. هذا التفاعل يتفاعل مع الذكر، ويتفاعل مع الحب، ويتفاعل مع البغض، ويتفاعل مع الكبر والفساد والإلحاد، ويتفاعل مع الإيمان ومع العبادة عندما. اسجد فإنني مع طيار الكون الذي يسجد لله رب العالمين. عندما أتجبر وأتكبر فإنني ضد تيار الكون، في صدام يؤدي في النهاية إلى المعيشة
الضنك كما قلنا في حلقة ماضية. تأمل القرآن تجد أنه يصف الأكوان وكأنها معك تسبح، الريح والطير والجبال "يا جبال أوبي معه والنا له". الحديد ما هذا؟ وأي جبال هذه التي تنقلب؟ إذاً، إذا كان ربنا سبحانه وتعالى... انظر إلى كلام سيدنا: "أُحُد جبل يحبنا ونحبه". أُحُد جبل يحبنا، وما زلنا الآن ونحن نزور سيدنا حمزة ننظر إلى جبل أُحُد ونقول هكذا: "أُحُد جبل يحبنا ونحبه". هل أُحُد يحب؟ نعم، هو النص هكذا. فالنبي والسلام يعني
دلنا على ما وراء هذا المنظور وأن كل ما هنالك إنما هو في عبادة الله. نعم، الذكر والصلاة والعبادة وكل هذا يؤثر تأثيراً مباشراً في ذرات الكون، في ذرات الكون. فلما يؤثر، إما أن يؤثر في تلك البيئة التي رضيت بأن يُقتل مائة نفس وإما أن يؤثر في... هذه البيئة الصالحة التي تستقبل التائبين وتساعدهم على التوبة وعلى العبادة، حضرتك تتحدث معنا يا مولانا، أحسنت هكذا. لقد أسمعت الكون هكذا، لقد أسمعت الكون. وإلى لقاء آخر،
نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.