رب لترضى جـ 2 الحلقة (24) | القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً وأهلاً بكم في حلقة جديدة من حلقات "رب لترضى". ومعنا كما تعودنا الشباب
والأمل في الشباب. نبدأ بمن تفضل. ما العلاقة المفترضة بيننا وبين القرآن؟ هل نحن مثلاً يجب علينا أن نقرأ القرآن دائماً؟ وإذا لم نقرأ القرآن هل نحن مبتعدون عن القرآن؟ هو كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "حبل الله المتين"، هو جد وليس بالهزل، ووصفه فقال: "لا تنتهي عجائبه ولا يخلق من". كثرة الرد، المرء عندما يرتدي أي ثوب تجده بعد مدة أصبح بالياً أو قديماً، لكن هذا القرآن كلما قرأته كلما انفتحت لك أبواب جديدة، وكلما ربطت بين آياته ومعانيها، وكلما شعرت أن
هناك مستوى آخر للمعرفة أعمق من المستوى الذي قد وصلت إليه، وكلما يدخل هذا القرآن. في دمك ولحمك ولذلك شأنه غريب، هذا القرآن هو فريد في نوعه، أي ليس هناك ديوان شاعر ولا خطب خطيب ولا أدب أديب في هذه الخصائص في كل اللغات. العجيب الغريب الذي لا يعرفه الناس أن القرآن يصل إلينا من غير تحريف على مستوى الأداء وليس على مستوى الكلمة وحسب.
يزيد الإعجاز في هذا النقل فإن الله سبحانه وتعالى قد أنزله على سبعة أحرف وليس على حرف واحد، وسبعة أحرف نتج منها عشر قراءات كلها متواترة. ماذا تعني سبعة أحرف يا مولانا؟ سبعة خلافات بين كل قراءة وقراءة كما يقول ابن الجزري شمس الأئمة، فترى في قراءة هناك تقديم لكلمة. وفي قراءة أخرى هناك تأخير لهذه الكلمة وترى هناك كلمات مختلفة وترى إعراباً مختلفاً وهكذا في مواضع اتفق
عليها القراء العشرة ومواضع اختلف فيها العشرة بالرغم من أن المواضع التي اتفقوا عليها يجوز في اللغة أن تُقرأ قراءة أخرى لكن كما يقول الكسائي: "القراءة سنة متبعة" يعني لا نستطيع أن فبدلاً من أن تكون هناك معجزة واحدة وهي أن يُنقل القرآن بقراءة واحدة مضبوطة، إذ به يُنقل بعشر طرق مختلفة وكلها صحيحة ولم يتغير فيها همسة، فكان عشر معجزات. عندما طُبعت المصاحف، طبعوها برواية واحدة. القرّاء عشرة، سبعة مشهورون
وأربعة تؤول قراءتهم إلى السبعة، ولذلك بعض الناس يقولون عنها. قراءة سبع هي عشرة، إنما قراءة أبي جعفر مثل قراءة قالون عن نافع هي قراءة خلف مثل قراءة حمزة هي قراءة يعقوب مثل قراءة الكسائي هي فإذاً هذا الذي جعل بعضهم يختصرها، يعني يعمل مختصراً ويقول هم سبعة. حسناً، ما هي سبعة مرات واحدة؟ كل قراءة من القراءات العشر برز فيها هذا الإمام، فكان هناك رجل يسكن في المدينة اسمه الإمام نافع، وكان مع نافع هذا رجل آخر، وكان أستاذه هو أبو جعفر، فأصبح هناك قارئان في المدينة: نافع وأبو جعفر. عندما تذهب إلى مكة
تجد ابن كثير هو إمام أهل هذه المنطقة، وليس ابن كثير المفسر هكذا لا، هذا ابن كثير هذا متقدم كان في القرن الثاني أو الثالث الهجري. عندما تذهب إلى الكوفة تجد عاصماً وتجد الكسائي وتجد حمزة، هم هؤلاء الكوفيون. عندما تذهب إلى الشام تجد أستاذ القراءة شيخ المقارئ في هذه المنطقة ابن عامر وأبو عمرو. وهكذا هذه اختلافات، هناك اختلاف لهجات لا واردة كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان هشام مع عمر فقرأ بطريقة، فقال له عمر: لكن النبي لم أقرأ على النبي هكذا. فذهب إلى النبي فقال: "اقرأ يا
هشام"، فقرأ، فقال النبي: "هكذا نزلت". ثم قال: "اقرأ يا عمر"، فقرأ، فقال النبي: "هكذا نزلت". فالقرآن نزل على يقول لك وضَّح والآخر يقول وضّحه حاء وحيث، هذه هي التي تُسمّى لهجات، لكن ما هي اللهجة أيضاً؟ العربية تقرأ "قد جعل ربك تحت سريرك". اسمها الكشكشة ويحولون كاف التأنيث التي نخاطب بها الأنثى إلى شين، لكنها لم ترد من ناحية العربي. يمكن أن تسمع عربياً فصيحاً يقول "قد جعل". ربطٌ، تحديدٌ، سِرِّيٌّ، لكن لم تَرِدْ، إنما الذي ورد "فتلقى آدم
من ربه كلمات"، "فتلقى آدم من ربه كلمات"، وكل ما هو متلقٍ فأنت متلقٍ. "لا ينال عهدي الظالمين" تكون "الظالمين" مفعول به، و"عهدي" لا يذهب إلى الظالمين، وليس "الظالمون" فاعلاً و"عهدي" هي المفعول به، فلا ينال الظالمون عهدي يعني. ابن مسعود يقرأ هكذا، أراها هكذا، فالصحابة الآخرون قالوا له: "لا، أنت أخطأت في هذا الموضع: لا ينال عهدي الظالمون"، ليست واردة في العشرة، ليست واردة. الشافعي مرة أخطأ في القرآن. غالب لا مغلوب، ولذلك مشايخنا كانوا يقولون لنا: "القارئ
حالب والسامع شارب"، يعني الذي يحلب يكون يبذل مجهوداً، فعندما يأتي ليقرأ، من الممكن أن القرآن غالب لا مغلوب، يخطئ فسيدنا الإمام الشافعي جاء ليقرأ وهو يقول: "عذابي أصيب به من أساء" وهي "من أشاء"، فلما وقعت عينه على المصحف، ولم يكن هناك نقص في المصحف الذي معه، قام وقال "أشاء"، ولو كانت منقوطة لكان عرف أن يقول "أساء"، فواحد الذين حاضرون للقائها من الطبع كان حافظًا للقرآن جيدًا وكان ينهيه بسرعة، فكل ثلاثة أيام تجده قد ختم ختمة، وأكثر من ذلك أيضًا، لكن غلطة واحدة لم أذكرها. هل عذابي
أصيب به من أساء، يعني معناها خطأ؟ أبدًا، معناها صحيح، لكن لم أذكرها. أبو حنيفة يرى إنما... يخشى الله من عباده العلماء، ليس المعنى أن الله يخشى العلماء، بل المقصود أن الله يعطيهم مكانتهم ويحترمهم ويُقدمهم، كما في قوله تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات". هكذا، وهذه هي القراءة الصحيحة: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، فالعلماء هم الذين يخشون الله. تفضل. حسناً، مولانا، الآيات التي فيها خلاف أو التي فيها تغيير في اللهجات، سيدنا جبريل قال لسيدنا محمد هذه اللهجات كلها. طبعاً قالها كلها، وبعد
ذلك حمل الرواية كل راوٍ من العشرة اثنين، فمثلاً عاصم الاثنان التابعان له حفص وشعبة، مثلاً ابن كثير، البزي أخذ عن ابن كثير، والدوري وهكذا عندما تأتي لترى كم ستكون العشرة، ستكون العشرة عشرين. وبعد الفاصل أخبركم ماذا حدث في الطباعة وكيف علاقتنا مع القرآن
الكريم. والقرآن الكريم كتاب معجز وهو معجزة الرسالة، ففي معجزة رسول يراها من شاهد الرسول وتكون قاصرة على هؤلاء، وتأتينا بالخبر أن الحصى سبح بيده. النبي تسبيحاً سمعه الناس أن القمر قد انشق حتى صار جزأين على الصفا، وأن الدابة كلّمت رسول الله، أو أن الجذع حنَّ لرسول الله. هذه أخبار لم نرها، وإنما الرسول المقيم فينا هو القرآن الكريم، فناسب أن يُحفظ: "إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون". وقد يستهين بعضهم بذلك. الحفظ فجاءت القراءات من فوائدها أن تُضخّم المعجزة وأن تكون معجزة شديدة القوة، ولذلك ترى الأعداء الذين يريدون أن يشككوا في الإسلام لا يروق لهم هذا الواقع أن القرآن لم يُحرَّف، وأنه ليس لدينا نسختان منه، وأنه مضبوط ضبطاً تاماً على مستوى الحرف وعلى مستوى الأداء. عندما كنا نقول للشيخ: لا. خطأ. وضح، ما الفرق يعني أن الحاء هنا مرققة وهي صحيح ليست مفخمة لأن الحاء ليست من التفخيم؟ وقد
ظهرت علوم للصوتيات وعلوم للحروف لتخدم الكتاب الكريم إذ هو معجزة الرسالة وهو نبي مقيم فينا، ومن أجل هذا كان لا بد أن نتمسك بحبل الله المتين. وأن نعيش مع كتاب الله لأنه هو النبي المقيم وأن نتدبر وأن نتأمل فيه ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ فأمرنا سبحانه وتعالى أن نتدبر. أول أمر كان أن نتدبر الأكوان وأن نقرأها قراءة صحيحة وأن نقرأ أيضًا كتاب الله المسطور، يعني كتاب. الله المنظور وكتاب الله المسطور،
اقرأ باسم ربك الذي خلق، فإذاً تقرأ ما خلق، ثم بعد ذلك يقول في الآية الثانية: اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم، علّم - الذي هو القلم الذي هو الوحي - علّم الإنسان ما لم يعلم، والقلم وما يسطرون. هل هذا يفيد الترتيب أم لا؟ يفيد الترتيب أن ننظر إلى كتاب الله المنظور أولاً، وبعد ذلك ننظر إلى كتاب الله المسطور. ولكن الله سبحانه وتعالى في القرآن تفنن في هذا، فحيثما تنظر فإن أحدهما سيوصلك إلى الآخر. ففي سورة الرحمن بدأ بالخلق ثم بعد ذلك بالقرآن، لكن في بعض المواضع الأخرى في سورة الرحمن عكس فقال الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان، فقد بدأ بالقرآن
وثنى بالإنسان. لكن هناك بدأ بالقرآن وثنى بالأكوان، وهنا بدأ بالقرآن وثنى بالأكوان. فيقول: "ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين". فهي واحدة لأن الكتابين صدرا من عند الله، له الخلق وهو الكون والأمر. من عند الله هو القرآن لأن القرآن ليس من الخلق إنما القرآن هو من الأمر أو من عالم الأمر. القرآن الكريم إذاً يجب أن يكون لنا بيننا وبينه علاقة تبدأ بالقراءة والتلاوة. والذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع الكرام السفرة البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه فله أجران. نعم حضرتك، بالنسبة
لقراءة القرآن كنا نسمع شيئاً اسمه ترتيل وشيئاً اسمه تلاوة وشيئاً اسمه تغنٍّ وشيئاً اسمه لحن، فهل يمكن لحضرتك أن توضح لنا الفروق بينهم؟ القرآن مكون من ثلاثمائة وخمسة وسبعين ألف حرف، ومكون من تقريباً ستة وستين ألف كلمة، ومكون من ألف وثمانمائة وعشرين جذراً لغوياً. ما هو الجذر يا مولانا؟ يعني مثلاً "ضَرَبَ" هذا هو الجذر، لكن عندما نقول "يضربون في الأرض" "يضربون"، أتلاحظ كيف؟ هذا فعل، و"ضارب" و"مضروب" و"ضرّاب"، ماذا تكون هذه؟ إنها كلمات. وكذلك "عِلْم"
هي علم واحد، لكن عندما تقول "علماء" و"عليم" و"عالِم" و"عَلَّم"، فهذه تصبح كلمات، لكن جذرها واحد. هو عبارة عن ألف وثمانمائة وعشرين جذراً إذا قمت بتفكيك القرآن إلى جذوره، وهي المصادر، أي "مظلومة" مصدر الكلمة التي هي المادة التي تبحث عنها في القاموس. فالجذر معناه هكذا، وهذه الكلمة "جذر" موجودة حتى في كل اللغات، ففي الإنجليزية يقولون "روتس" أي جذور أيضاً للكلمات. أي أن الكلمة التي ستبحث عنها في المعجم مكونة من جذرها، وتحتها توجد الاشتقاقات الكثيرة المتنوعة. فكم جذر في القرآن؟ أي كم كلمة مادة لغوية؟ ألف وثمانمائة وعشرون. حسناً،
كم كلمة إذن معدودة؟ يعني لفظ الجلالة "الله" وارد آلاف المرات، ألفين وتسعمائة وبضع مرات في القرآن إذا عددنا هكذا. كل كلمة، كل كلمة، سيخرج ستة وستين ألفاً، الذين من ضمنهم ألفان وتسعمائة مرة كلمة "الله"، ومن ضمنهم عدة مرات كلمة "الأرض"، وعدة مرات كلمة "السماء"، وهكذا "الجنة" و"النار" تكررت في القرآن. إذاً ألف وثمانمائة وعشرون جذراً، ولكنه ستة وستون ألف كلمة، وعدد الكلمات التي لم تتكرر فيه فجاءت... مرةً واحدةً فقط ألف وستمائة وعشرون كلمة، وهذا غريب
جداً. لا يوجد كتاب في العالم هكذا، ولا يوجد مؤلف يؤلف بيده هكذا إلا إذا تكررت الكلمات من حصيلته اللغوية. أتذكر أن بعض الناس كانوا يذكرون هكذا في محاضراتهم ولقاءاتهم أن تولستوي، أديب روسي مشهور، وجدوا له كتاباً كبيراً هكذا، رواية. اسمها "الحرب والسلام"، فكانوا مسرورين جداً أنهم وجدوا أربع كلمات لم تتكرر في هذا الكتاب. هذه معلومة كنا نسمعها ونحن صغار، فعندما اكتشفنا بالإحصاء أن القرآن فيه ألف وستمائة وعشرون كلمة تتكرر، قلت: "الله، هذا لا تنتهي عجائبه". يعني من الذي ينتبه إلى هذه
النقطة أن... القرآن في كلمة مثل "قسورة" مرة واحدة فقط، و"ضيزى" تلك، إذا قسمة ضيزى مرة واحدة فقط، وهكذا ألف وست مئة كلمة، ألف وست مئة وعشرين، وصاحبنا الثاني أخرجوا به السبع لأجل أربع كلمات. حسناً، قل القرآن يكون فيه ثمانية، حسناً، ثمانين، لا، إنه ألف وست... انظر إلى الضربات القاضية، فالحقيقة القرآن هذا عجيب لأنه في كل حين نكتشف فيه شيئاً حتى السابقون حتى السابقون لم ينتبهوا إليه. يجب علينا أن نتلو القرآن. الحرف ثلاثة آلاف وسبعمائة، هكذا هي الحروف. الأبجدية خاصتنا ثمانية وعشرون حرفاً، كل حرف منها له مخرج، فهناك
حروف تخرج من الحلق وهناك حروف تخرج من الوسط. اللسان فيه حروف تخرج من بدايته، وهناك حروف تخرج من الشفتين، وهكذا. وكل حرف له صفات، له صفة، فلكي يخرج الحرف من مكانه بشكل صحيح ويأخذ صفاته بدقة، يكون ذلك إعطاء الحرف حقه ومستحقه. حقه يعني مخرجه الصحيح، ومستحقه الذي هو الصفات الخاصة بنفس الحرف، فقاموا بعمل هذه الحكاية. هذه وتتبعوا المخارج، قال لك كيف تعمل المخارج. مثلاً، إذا أردت أن
أرى من أين تخرج الباء، ضعوا قبلها ألفاً وانطقها: "أب". ها هي تخرج من الشفتين، أم من الشفتين، أو من الشفتين، فتكون هذه هي الشفوية. لكن الغين من أين تخرج؟ "أغ"، الله! هذه تخرج من الداخل، من الحلق. صحيح، وقد أطلقوا على ذلك ترتيلًا، فإذا أضفت إلى هذا الترتيل حسن الصوت، فهناك قوم سمّوه تجويدًا. وإذا أضفت إلى هذا التجويد نوعًا من أنواع السرعة في القراءة، فهناك قوم يسمونه الحَدْر.
فإذا أخطأت فسيصبح