رب لترضى جـ 2 الحلقة (25) | علاقتنا بالقرآن جـ 1 | أ.د علي جمعة

رب لترضى جـ 2 الحلقة (25) | علاقتنا بالقرآن جـ 1 | أ.د علي جمعة - تصوف, رب لترضى
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون وأيضاً الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات "رب لترضى"، ومعنا "الشباب يسألون" ونحاول الإجابة.
من معه السؤال حضرتك؟ كنا نريد أن نستزيد من حضرتك في موضوع علاقتنا بالقرآن الكريم، يعني ما المفترض أن يكون الكمال فيها أو الصواب فيها. القرآن الكريم كما ذكرنا في حلقة سابقة هو النبي المقيم، محفوظ، وصل إلينا بدرجة عالية جداً. أمرنا الله سبحانه وتعالى بتلاوته، وجعل بينه وبين الليل سراً "إنا أنزلناه". في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ومن
الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلاً أو زِدْ عليه ورتل القرآن ترتيلاً، في سرٍ بين القرآن وبين الليل. لا بد على المسلم أن يراجع هذا النبي المقيم، لأن هذا النبي المقيم هداية وهدى وحبل الله المتين. فلا بد علينا أن يكون لنا حصة من القرآن، نستمع إليه، نتدبره، نحفظه ونحفظ رسومه حتى يساعدنا هذا في... القيام به في الصلاة كل هذا هو من الأمور الطيبة ولم يفرضها الله سبحانه وتعالى علينا، قال
تعالى: "فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى" إلى آخر الآيات. فقراءة القرآن وإن لم تكن هي فرض الصلاة إلا أنه لا بد علينا أن ننشئ علاقة بيننا وبين القرآن الكريم. حتى تتم لنا المعاني، قال تعالى في وصفه: "هدى للمتقين". على فكرة، في القرآن وصف نفسه بسبعة وخمسين صفة، سبعة وخمسين صفة: بأنه شفاء، بأنه هدى، بأنه رحمة، بأنه سكينة، يعني سبعة وخمسين صفة للقرآن في القرآن. أنا استغرابي إلى
هذا الحد اعتبرته شخصية اعتبارية، يعني هو وصف نفسه هو. وصف نفسه، وهذه الصفات ليست موجودة في السنة مثلاً، أو ليست موجودة وأنا لم أتتبعها في السنة، أو لم أتتبعها في كلام الناس. هو نفسه وصف نفسه بذلك، فإنه الكتاب أُحكمت آياته، إنه الكتاب فُصلت آياته، وإنه يشتمل على السبع المثاني، وأن... هو سبحانه وتعالى جعله - أي القرآن - ذا صفات كثيرة، منها أنه نذير وبشير. والقرآن الكريم لا تنتهي عجائبه، لذا لا بد لنا أن نقرأه. والقراءة مع مخارج الحروف كما قلنا تُحدث
ترتيلاً، فإن حسّنا الصوت وراعينا المقامات الصوتية - والنبي كان يقول: "اقرؤوا القرآن بلحون العرب ولا تقرؤوه بلحون أهل الفسق". والضلالة تعني ألا تغني فيه أغاني تخرجه عن جلاله، فعندما تستمع إلى الشيخ المنشاوي تجده، والشيخ محمد رحمه الله، مؤدباً مع القرآن عندما يتلوه هكذا. وعندما تستمع إلى الشيخ رفعت تجده كما كان سيدنا الشيخ البغدادي يقول: "أحيا شباب الإسلام"، وكان عبد العزيز ذو العيون السوداء في الشام، مفتي الشام، يقول هكذا. أحيا شباب الإسلام هذه القيثارة العجيبة، عندما تسمع
القرآن تسمعه غضاً طرياً، تسمعه وهو مؤدب معه، تسمعه وهو يصل وكأنه يخرج من القلب فيصل إلى القلب، تسمعه كأنه مفسر، يعني الكلام يكون مفسراً معروفاً، وذلك بمراعاة الحروف ومراعاة الوقوف، يعني تراعي النطق السليم وتراعي أيضاً كيف تقف. سؤالك ما علاقتنا. مع القرآن هي علاقة الإنسان عندما يحصل على النبي المقيم، هذا النبي في بيتك. وعندما سُئلت عائشة عن سيدنا رسول الله فقالت: "كان خُلُقه القرآن". كان خُلُقه القرآن، كان قرآناً يمشي على الأرض صلى
الله عليه وسلم. ومن هنا، فإنه ينبغي علينا أن نجعل لأنفسنا حصة في الطريق إلى الله. تجد أنهم يأمرون بهذه الحصة، فمنهم من يجعل قراءة سورة معينة في الورد اليومي، فيجعلون مثلاً الإخلاص أو المعوذتين أو الفاتحة، أو يجعلون سورة طه أو سورة تبارك أو سورة يس، وهكذا. لابد أن نقرأ هذه بالتجويد يا مولانا، ما دمت قادراً على ذلك فينبغي عليك أن تلتزم بالتجويد، ولكن. إذا لم يكن الشخص قادراً على هذه القراءة فليقرأ، لأن القرآن
فيه خاصية عجيبة جداً وهي أنه يلين لمن أكثر قراءته، يعني من يكثر قراءته يتقنه ويتكلم به باستمرار هكذا، وتجده قد أصبح على لسانه. نعم، يعني هل يجب على المرء أن يذهب ليتعلم أحكام التجويد قبل أن يقرأ، أم يقرأ مباشرة اعتماداً؟ على أن القرآن سهل في القراءة ومع الوقت سيعرف كيفية قراءته. لا، القرآن ليس سهلاً في القراءة، القرآن يسهل بعد التكرار، لكنه في حد ذاته هكذا ليس سهلاً، ولا الصلاة سهلة. قال تعالى: "وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين". من الذي قال لك أن هذا سهل؟ لا، ولكن هو... يسير على من يسره الله عليه لكنه في ذاته ليس سهلاً، نعم. حسناً، لو أن الإنسان - أي فكرة القراءة - قلبه
ليس متفاعلاً معها أو ليس منسجماً مع حاله، فماذا يفعل؟ يذكر الله. القراءة فرضها الله علينا في الصلاة في الفاتحة: "فاقرؤوا ما تيسر". من القرآن، لكن عندما تحدث عن الصلاة قال: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر". فالذكر هو أكبر بكثير منها، ولذلك كان النبي يذكر الله على كل حال، سواء كان طاهراً أو كان جنباً أو كان غير ذلك إلى آخره، ويقرأ القرآن إلا أن يكون جنباً. إذاً الذكر... أوسع من القرآن، عندما نقوم بالشيء الأوسع نصل به إلى الشيء الأقل. فلو ذكرنا الله كثيراً
ستجد روحك تُقبل على الصلاة، ولو ذكرنا الله كثيراً ستجد روحك تقرأ القرآن. فلا تترك العبادة إذا وجدت نفسك عازفاً عن القرآن الكريم، اذكر الله ولن تشعر بنقص أبداً، ولا تهتم بأي نقص. في تسليم ورضا، لست مذنباً في شيء كهذا، ولست مذنبة، لأن قراءة القرآن حتى الذكر ليست من الفرائض التي إذا تركتها عوقبت عليها أو أثمت، كالصيام والصلاة والحج على القادر إلى آخره. ما هو الهجر يا سيدي؟ الهجر هو أن تخاصمه، أي أن أنت... تضع وراء ظهرك وتعني تستهين بالاتصال به تمامًا نهائيًا، يعني
نحن نتحدث هنا عن قضية أخرى، قضية أنني لا أشبع منه، يعني أقرأ ولكن لست منتظمًا، ليس كل يوم، لكن الهجر هذا المصحف موجود في البيت وعليه تراب وبعد ذلك أنت لا تعرف أين هو، نحن في عصرنا الحاضر وقد تداخلت الأمور وكثرت أوقات المواصلات لكن في نفس الوقت رزقنا الله سبحانه وتعالى بالراديو والكاسيت والأقراص المدمجة وكذلك أستمع دائماً للقرآن مما أنعم الله به علينا من محطات القرآن الكريم. فمحطة القرآن الكريم تبث ختمات بحيث أنك ختمت مع الشيخ الحصري أو ختمت مع الشيخ المنشاوي أو ختمت مع الشيخ عبد العظيم زاهر أو غيرهم. يقوم بإحضار ختمة مرتلة
في خلال أسبوع وختمة ثانية مجودة وختمة ثالثة تعليمية وهكذا إلى آخره، بحيث أنك لو استمعت إلى إذاعة القرآن هذه ستجد نفسك قد ختمت القرآن في الأسبوع ثلاث مرات من خلال الاستماع فقط. فإذا كان وقت عصرنا قد ضاق على أن يجلس الإنسان ويتصل مباشرة في حلقات علم فعلية بالسماعة،
وبعد الفاصل كان بلال يسأل: حسناً، وماذا يعني هجر القرآن إذا كانت تلاوة القرآن ليست فرضاً؟ هو في الحقيقة هجر القرآن معناه تركه كلياً، ولكن الهجر المقصود في النهي هو هجر أحكامه. يعني القرآن يقول: "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل" وحضرتك لا تقيمها. الصلاة، القرآن يقول: "كُتِبَ عليكم الصيام كما كُتِبَ على الذين من قبلكم"، وأنت لا تصلي ولا تصوم. القرآن يقول: "لمن استطاع إليه سبيلاً" في شأن الحج، وأنت لا تحج مع الاستطاعة، فهذا هو الهجر. وقال الرسول: "يا ربي إن قومي
اتخذوا هذا القرآن مهجوراً"، ما معناه أنهم لم يطيعوه. الرسول يعني أحكام القرآن، فهذا الهجر الذي ورد فيه النهي أو الذم أو القدح أو أنه لا ينبغي، ليس المقصود به التلاوة، إذ ليست هي التلاوة، لأنه في الحقيقة أن الأمة المحمدية واسعة، فمنها الأعجمي ومنها البدوي ومنها الأمي ومنها غير ذلك إلى آخره، فمسألة القراءة لو أنها فُرضت مثل الصلاة. هكذا كان سيكون فيها مشقة بالغة. تفضل. حسناً، أليس هناك يا مولانا هجر للتدبر في معاني القرآن؟ هجر للتدبر في معاني القرآن. حالة هجر الأحكام تأتي من مراحل من ضمنها هجر الهجر
بهذا المعنى وهو هجر التدبر. عندما نهجر التدبر ونترك أمر ربنا بالتدبر، ماذا يحدث؟ يحدث أن القرآن... يتحول من عبادة إلى عادة، الألفة ترفع الكلفة، فتقرأها ولا تخشع لي مثل الببغاء، تقرأ وأنت لست فاهماً شيئاً، وهذا لا يأتي أثره، وبعد القراءة لم تستفد منه الهداية حتى لو كنت استفدت منه الثواب، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أنه لنا بكل حرف عشر حسنات، فالتلاوة
في حد. ذاتها تهيئ الإنسان لأن يتدبر، تدعوه لأن يتدبر. إن لم يتدبر اليوم سيتدبر غداً، وإن لم يتدبر غداً سيتدبر بعد غد. نعم مولانا، أظن أن جزءاً من أسئلتنا آتٍ من فكرة أن المفهوم الذي كان لدى الشخص أو لدى العامة عموماً هو فكرة أن أقرأ القرآن أو أن... أنا أحفظ من القرآن أو أن أفتح القرآن في رمضان، هذا يعني عمود رئيسي أو معلم رئيسي في الطريق إلى الله، فهل هذا صحيح أم خطأ؟ لا، انتبه أنه ليس كل مهم واجب، وهذه نقطة مهمة، فليس كل شيء مهم هو واجب. وليس كل شيء لأنه ليس واجباً يكون غير مهم، ليس هناك
شيء كهذا. بل قد يكون الشيء في غاية الأهمية وليس بواجب. يعني أيضاً، يعني في بعض الحالات، يعني الناس على المنابر ونحو ذلك، يضعون بعض المعايير للإنسان، مثل: لكي تتقرب إلى الله يجب عليك أن تقرأ. قراءة القرآن وأن تذهب لتصلي في المسجد وتفعل، يكون له ضغط معين من بعض الناس يعني على هذا الأمر كذلك. جميل الأمر بالعبادة، طيب حسناً، ولكن تغيير ملامح الأحكام هذا الذي ليس حسناً. السؤال: هل قراءة القرآن فرض؟ الإجابة: ليست بفرض. هي لنا هكذا الآن مولانا، هل قراءة القرآن... عمل من أعمال الخير قطعاً هي من أعمال الخير. هل قراءة القرآن بلا تدبر يثاب
عليها الإنسان؟ نعم يثاب عليها الإنسان. هل قراءة القرآن بتدبر لها ثواب أعلى؟ أعلى بكثير من قراءة الحروف. هل قراءة القرآن تكون في بعضها واجب؟ نعم قراءة القرآن فيما فيها الفاتحة مثلاً هي واجب وركن. من أركان الصلاة، هل إذا لم يقرأ أو لم يحفظ أحدنا القرآن يكون آثماً؟ الإجابة: لا، لا يكون آثماً. حفظ القرآن في الأمة من أي نوع هو من أنواع الفروض، من فروض الكفايات التي إذا قام بها البعض سقط عن الآخرين، فإذا ما وجدنا في المجتمع المصري مثلاً في كتاتيب... وفي
ناس يحفظون القرآن في كل مكان، وحفظ القرآن يعني أننا قمنا بالواجب لأنه واجب كفائي وليس واجب عيني. هل لا بد على كل قارئ حافظ للقرآن أن يحفظه بالقراءات العشرة؟ الإجابة لا، في اليوم سهلة للغاية، وهناك أشياء كثيرة يقع
فيها العوام، ننبه عليها، مثلاً حرف الذال الذي يقرؤونه. مثل الزاي أخت الراء فهذا خطأ عندما يقول "اللزينة ابن اللزينة" مثلاً، لا، هي "الذين الذين". عندما يقول مثلاً "أنعمت"، حسناً وأنت الذي أنعمت، هي "أنعمت" وليست "انعمت". فهناك أخطاء هكذا، لا، مثلاً عندما يقول "مالك" ويسكن الكاف، لكن هي ما هي السكنة، أو مثلاً عندما يقول "الرحمن الرحيم" فهو... بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن
الرحيم. الرحمن ليس الرحمن وأشياء مثل ذلك، الصاد والضاد والظاء يتداخلون في بعضهم أيضاً، هذه تُعتبر خطأ. الصراط المستقيم هذه أيضاً، هل هذه لا تُعتبر من الأخطاء؟ هذه ليست من الأخطاء أم من الأخطاء؟ ما يُسمى بالقاف المعقودة، فعندما نسمع بعض... لهجات العرب وهي تنطق القاف وكأنها جيم مصرية، فـ"اهدنا الصراط المستقيم" صراط الذين أنعمت عليهم، يقول "صراط المستجيم". هل انتبهت كيف أن هذه ليست من الأخطاء أيضاً؟ هذه وردت وردت، فليست من الأخطاء، ويسمونها القاف المعقودة أو القاف العربية
لأنها نُطقت بالطريقتين، ولذلك تجد أهل الصعيد عندنا يقول لك. لماذا تحولت القاف إلى هذا؟ لكن أهل السودان تحولت القاف عندهم إلى غين، فيقولون "غنة" و"غالوا" وهكذا. وعندما يأتي أحدهم ليقول لك "صراط الصراط المستغيم"، لا، هذا خطأ، يجب عليه أن يتعلمها. أو مثلاً أهل لبنان، وكذلك في النهاية الذين يليهم أهل القاهرة ينطقون القاف همزة، يقول لك... المستقيم لا، هذا غير صحيح. لابد أن تكون هذه المستقيم أو المستجيم، لكن لا يصح إلا ما ورد. لا يمكن أن تكون من عند
نفسك. مثلاً الجيم في كلمة "جنة"، يجب أن تُنطق هكذا، من وسط اللسان. المصري يقول لك إن كلمة "جنة" خطأ. هل وردت كلمة "جنة" في لغة العرب بهذه الجيم المصرية؟ وَرْدَة لكنها ليست واردة في القرآن، يعني تلاوة القرآن وهي جائية قد تكون مخالفة للعرب، فالجنَّة هذه لازم نقولها هكذا ونعوِّد أنفسنا حتى لو كنا نحن متعودين على الجنَّة في لغتنا الدارجة، لكن ونحن نقرأ القرآن نتعلم هذا، والسؤال هو: تعلُّم هذه الأشياء واجب، واجب على من يستطيع أن يفعل. هذا يعني ألا يكون العلم أمامك وتقول: لا، هي ليست واجبة، ولكنها ليست واجبة على من هو بعيد عن المعلم، لكن
أن يكون المعلم أمامك وأنت معه ليلاً ونهاراً وأنت غير راضٍ أن تتعلم، فهذا ممنوع. أحمد: حضرتك يا مولانا، هل يمكن أن يحدث خلط في القراءة بتعمد أو بدون تعمد وفي... الصلاة وبر الصلاة يعني عندما يقرأ شخص مثلاً بطريقة حفص عن عاصم، هل يصح في نفس السورة وفي نفس الوقت أن يكمل بقراءة ثانية؟ حسناً، هذا سؤال جيد سنتناوله في الحلقة القادمة لأنه في غاية الأهمية. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.