رسول الله يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم | أ.د علي جمعة | 2008 - 09 - 15

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أتقدم بخالص الشكر للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وعلى رأسه أمينه العام الأستاذ الدكتور محمد الشحات الهندي عضو مجمع البحوث الإسلامية على هذه الدعوة الكريمة في هذه الليلة المباركة من ليالي شهر رمضان المعظم الذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون قد رحمنا برحمته وأن يغفر لنا بمغفرته وأن يعتق رقابنا من النار آمين وكذلك أشكر حضور فضيلة الشيخ محمد عبد المجيد زيدان الوكيل الأسبق الأول
لوزارة الأوقاف والداعية العالم العامل جزاه الله خيرا في الدنيا وفي الآخرة أخرج الإمام مسلم في صحيحه وصحيحه ينقسم إلى قسمين، قسم يسمى بالمقدمة قدم فيها كيف نقلوا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقسم هو الصلب والمراد وبه بدأه بحديث عن سيدنا عمر بن الخطاب أن جبريل عليه السلام دخل في يوم عليهم ويصفه عمر رضي الله عنه ورضي الله عنه بأنه
كان شديد بياض الثياب، شديد بياض الوجه، شديد سواد الشعر، لا يعرفه أحد منا وليس عليه أثر السفر، فهو غريب لا يعرفه الناس، لكنه كان على هيئة جميلة نظيفة، فدخل فوضع ركبتيه إلى ركبتيه صلى الله عليه وسلم، ووضع يديه على فخذيه على هيئة المتعلم. فجبريل جلس متعلما من رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الخلق، جلسة المتأدب المتعلم الذي يريد أن يتعلم، وجاءنا أمرنا بالعلم وبتحصيله حتى قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يلتمس فيه علما يسر الله له طريقا إلى الجنة، وربنا سبحانه وتعالى يجعل شأن المتعلمين والمعلمين وأهل العلم أعلى من أولئك الذين لم يتعلموا، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، ويقول ابن جني في الخصائص أن الله سبحانه وتعالى قد أطلق هنا فلم يقيد فقال قل هل يستوي الذين يعلمون، ماذا؟ يعلمون في أي شيء مما يوصف بأنه العلم؟ وما ذاك الذي يوصف بأن العلم هو هذه المعلومة التي توصلك إلى الله، هذا هو العلم سواء
كان في الطب أو في الفلك أو في الحياة أو في الاجتماع البشري، في أي تخصص كان، ومن ضمن هذه التخصصات الشريعة الحنيفة الكريمة، فإنك تكون من أهل العلم في أي مجال كان، ولكن بشرط أن يوصلك العلم إلى الله وإلا فهو علم لا ينفع والجهل به لا يضر ولذلك رأينا المؤلفين يؤلفون الطب محراب الإيمان لأن الطب يرى فيه الطبيب ربه في جسد الإنسان وفي صحته وفي شفائه يرى الله سبحانه وتعالى وهو يجري العملية الجراحية يرى الله سبحانه وتعالى على حد قول الشاعر
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد سبحانه وتعالى، كل شيء في الكون ينطق بوحدانية الله وبوجوده وبحكمته وبرحمته وبأنه هو سيد هذا الكون على حد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "السيد الله" وفي رواية "السيد هو الله" فهو سيد هذه الأكوان سبحانه وتعالى. جاء جبريل وعندما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون من هذا قالوا الله ورسوله أعلم فهم يتشككون فيه ولا يعرفون من هذا وهو غريب عليهم إلا أنه ليس عليه أثر السفر شديد بياض الوجه شديد سواد الشعر شديد بياض الثياب هذا أمر جعلهم
يقولون الله ورسوله أعلم فقال صلى الله عليه وسلم هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم وفي هذه المقولة من سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أن الصحابة الكرام كانوا لا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نهوا عن ذلك نهى الله الصحابة أن يسألوا وأنزل سورة بكاملها هي سورة المائدة وكان من الممكن أن يسميها سورة أصل الخلق أو سورة آدم أو سورة موسى أو سورة بني إسرائيل أو سورة، يعني أي اسم آخر، ولكن الله سبحانه وتعالى من أجل أن يلفت أنظارنا إلى
قصة البقرة وأنها عليها مدار الحياة ومدار الدين فإنه قال سورة البقرة، وفي البقرة يسأل قوم موسى عن البقرة الامتثال للأمر وكلما سألوا كلما عتب الله عليهم وهذا شأن يتعلم منه المسلم يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها ثم يقول بعد ذلك قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين والنبي الله عليه وسلم يقول اتركوني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم
لأنبيائهم وكثير من الناس عنده شهوة السؤال وهو بذلك ينحرف عن المنهج الرباني ولا يفهم مراد الله سبحانه وتعالى من جعل سورة البقرة هي في صدر السور بعد الفاتحة وأول سورة في القرآن بعد الفاتحة وهي من الطوال وهي إحدى الزهراوين البقرة وآل عمران، إذ ينبغي علينا أن ندرك مراد الله في تقليل السؤال وأنه ليس من الظاهرة الصحية أن نسأل وأن نفتش بمثل هذا التدقيق ثم لا نفعل شيئا، فكان الصحابة يتدبرون ويقرؤون ويحفظون الآيات الخمس ثم بعد ذلك وبعد
إتقانها ينتقلون إلى خمس أخرى. وأخرج البيهقي في سننه من قرأ القرآن خمسة لم ينسه، ورفعه حديثا للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. ولذلك كان من أنواع تحفيظ القرآن قديما أن يحفظ الطالب والتلميذ القرآن خمس آيات خمس آيات من أجل هذا الحديث، ومن أجل تجربة شاعت في الحفظ أن من قرأ القرآن خمسة لم ينس كما ورد فيما أخرجه البيهقي رضي الله تعالى عنه في حديث جبريل عليه السلام يعلمنا أمر ديننا، وهذا جدير بأن نرى ما الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم من
خلال جبريل في إجابته عليه الصلاة والسلام. سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان فأجابه رسول الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ولذلك إذا ما سألنا علماء الكلام وأهل فن العقائد عن أركان الإيمان قالوا أركان الإيمان ستة: الإيمان بالله واليوم الآخر، الإيمان بالملائكة وبالرسل والكتب، الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره ستة،
وذلك من حديث جبريل. ما معنى الإيمان بالله؟ لا تصلح المجتمعات ولا الاجتماع البشري ولا نحقق كبني آدم رسالتنا في الكون إلا بالإيمان بالله، ولذلك نرى كثيرا جدا من أنظمة العالم تتجه نحو منع الإلحاد وأنه من هوادم المجتمع وأنه يؤدي إلى الفوضى وإلى العبثية وإلى الفساد في الأرض، ونراهم ينصون في قوانينهم على النهي عن الإلحاد فالإيمان بالله حتى عند العقلاء حتى من غير المؤمنين نراه أنه أصبح
ركنا من أركان الاجتماع البشري، دفع ذلك أحد الفلاسفة الكبار هكسلي إلى أن يقول لو لم يكن هناك الله لاخترعنا للناس أن هناك الله لأن الحياة بدون الله لا طعم لها ولا معنى لها، حياة يأكل فيها القوي الضعيف ويتسلط فيها الأعلى على الأدنى وييأس فيها الإنسان من نفسه وممن حوله، ولذلك كان الإيمان بالله بل وشهادة ذلك باللسان ركنا راسخا في المنظومة الإنسانية. الإيمان بالله ليس مجرد تصديق بل الإيمان بالله سوف
يستلزم الإحجام والإقدام، فإنني أحجم عن المعصية لأنني أخاف الله وأقدم على فعل الخير لأنني أحب الله سوف يتعلق بالرضا بالمقدور وبالتوكل على ربي، هذه الأمور سوف تتعلق بعلاقتي مع نفسي وعلاقتي مع كوني وعلاقتي مع ربي وعلاقتي مع العالم. الإيمان بالله ليس مجرد انطباع أو تفكير عند الإنسان بقدر ما هو ضرورة إنسانية واجتماعية وهو حقيقة واقعة والكفر بالله كذب
يقول إنه ليس هناك إله، هذا كاذب يضاف إلى المفاسد التي يفسد بها كونه كاذبا، لأن هناك الله. من الذي ندعوه فيجيب؟ ومن الذي جمع هذه القلوب؟ ومن الذي أرشدنا إلى هذا السبيل الذي هو سبيل العدل والإنصاف؟ هل من المعقول أن تكون الصدفة قد جاءت بهذا العقل المفكر والنفس إن هذا هراء وفوق أنه هراء إن هذا فساد وإفساد للناس وللمجتمع ولعمارة الدنيا الأركان الستة للإيمان لو جلسنا فيها لا يكفينا الوقت لكن
ننتقل إلى السؤال الثاني الذي سأله سيدنا جبريل عليه السلام لسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام قال له ما الإسلام قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن تقيم الصلاة وأن تؤتي الزكاة وأن تصوم رمضان وأن تحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ومن هنا لما نسأل الناس عن أركان الإسلام يقولون خمسة أخذوها من حديث جبريل الذي جاءنا فعلمنا فتعلمنا وأصبح المسلمون يعتبرون هذه الأشياء أركانا للإسلام على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم بنى الإسلام على خمس وسردها صلى الله عليه وسلم، هذا هو الإناء الذي نضع فيه مقصود الدين، هذا هو الإناء الذي لا
بد منه وهو فرض على كل مسلم ومسلمة بعد البلوغ وعند العقل، أسقط الله التكليف عن من ذهب عقله بنوم أو بمرض أو جنون. ولذلك فإن ذلك الشخص الذي لا يصلي يدرج نفسه مع قليلي العقل، ولذلك نقول له كن عاقلا وصل فإن الصلاة بركة والصلاة صلة بين العبد وربه وهي إناء يملأ بكل خير ويقيك من كل شر ويجعلك عبدا صالحا. إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون الإسلام مبني على خمس والإيمان مبني على ست سأله السؤال الثالث وهو أعقد
من الأول والثاني قال له فما الإحسان يعني كأنه يتحدث في دائرة صغيرة ثم يتوسع ثم إذا به وصل إلى البحر اللجي الذي لا ساحل له فيقول له صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك أن تعبد الله كأنك تراه وكأن هذا هو غاية الدين هو حقيقة الأمر هو منظومة الأخلاق والقيم التي يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق والنبي صلى الله عليه
وسلم كان قرآنا يمشي على الأرض وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها يحلو لها أن تصفه صلى الله عليه وسلم فتقول كان قرآنا يمشي على الأرض كان خلقه القرآن وربنا سبحانه وتعالى يمدح خلقه فيقول وإنك لعلى خلق عظيم والذي يقرأ سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يعلم أنه كان كذلك صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام عندما نعد الأخلاق الواردة عنه في مقابل ما تحدث فيه عن الإسلام نجد خمسة في المائة فقط يتحدث عن جميع أحكام الإسلام وخمسة وتسعين في المائة في
الأخلاق المرتبطة بالعقائد لدينا نحو ستين ألف حديث بصحيحها وضعيفها ألفان فقط في جميع الفقه الإسلامي والباقي يبقى ألفان على اثنين على ثلاثين وثلاثة في المائة وسبعة وتسعين في المائة في الأخلاق والعقاب، لدينا ثلاثمائة آية يستنبط منها الفقه كله تسمى آيات الأحكام، ألف فيها المؤلفون وبقي القرآن ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين آية برواية حفص وستة آلاف برواية حمزة، أي اقسم ثلاثمائة على ستة آلاف تحصل على خمسة في المياه والباقي كله في الأخلاق والحقائق فلا بد علينا أن نعرف مرتبة الإحسان وأين هي من الإسلام والإيمان فإليك
الحقائق التالية يعني خذ الحقائق التالية أولا أن النبي صلى الله عليه وسلم حدد أركان الإيمان وأركان الإسلام ولم يحدد أركان الإحسان فعلى كم يبنى ركن الإحسان ومن أجل ذلك اختلف الناس فقالوا هناك إحدى عشر خلقا، هذه الأخلاق هي أم الأخلاق، وبعضهم قالوا لا بل واحد وعشرون خلقا، وبعضهم قالوا لا بل هي مائتا خلق، وبعضهم قالوا مائة، وبعضهم قالوا مائة وواحد، وهكذا. وسبب اختلافهم أن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لم ينص كما نص في حالة الإيمان
والإحسان للأخلاق من الأشياء التي ذكروها أن الصدق ركن من أركان الأخلاق لأن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مالك في الموطأ وغيره في غيره يقول وهو يسأل أيسرق المؤمن قال نعم يعني يضعف ويسرق ويرتكب المعصية الخبيثة هذه أيزني المؤمن قال نعم قالوا أيكذب المؤمن قال لا المؤمن لا الكذب ما هذا ما هذا الوضع هذا يعني أن السرقة والزنا فيهما حدود وهما من الكبائر قطعا ويأنف منهما كل الناس وفي كل دين ولكنه يشدد على الكذب ويقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ
مقعده من النار الصدق إذا ما افتقدناه في حياتنا افتقدنا إتقان العمل افتقدنا استقرار العقود بين الناس افتقدوا العشرة الحسنة بين الزوج وزوجته وبين الابن والأب، لقد افتقدنا أشياء كثيرة، ولذلك فإن الأخلاق تمثل خلفية ما هنالك من إيمان وإسلام، فالإيمان والإسلام لا يظهران إلا إذا نهت الصلاة عن الفحشاء والمنكر، الصدق فيه نجاتك ولو ظننت فيه هلاكك، وهذا كلام سيدنا عمر فيما أخرجه السري في الزهد واستند
إليه والكذب فيه هلاكك ولو ظننت فيه نجاتك ومن قصص الصالحين التي قد يتعجب منها بعضهم وقد ينكرها آخرون أن الشيخ علي الخواص وكان من الصالحين وكان من أهل القرآن يحفظ القرآن وكان في غاية التواضع والرفق والحياء فكان يغسل مساقي الكلاب هناك خلف سيدنا الحسين عند بيت القاضي بالليل حتى يشرب الكلب الضال منها في الصباح وكان بالليل يذهب إلى مراحيض المساجد لينظفها تواضعا لله وعملا بأن النبي كان يحب النظافة صلى الله عليه وسلم
وهو الذي يقول فيما أخرجه الترمذي أن الله نظيف يحب النظافة إلى هذا الحد أن يصف ربنا جل جلاله بالنظافة وأنه يحب النظافة كان الشيخ علي الخواص صادقا مع ربه صادقا مع نفسه متوكلا يرضى ويسلم ووثوقه بالله شديد وليس وثوقا عابرا كان الشيخ علي الخواص رضي الله تعالى عنه جاءه وهو يصنع الخوص ويصنع الحصر التي تفرش بها المساجد شخص يجري وآخرون يتبعونه حتى يؤذوه فقال له يا سيدنا ما أليس لديك مكان أختبئ فيه؟
قال له: التف بهذه الحصيرة، فلف نفسه في الحصيرة حتى يختفي من هؤلاء المعتدين، فجاءوا فقالوا له: هل مر عليك شخص صفته كذا وكذا وكذا؟ قال: نعم مر علي، قالوا: أين هو؟ قال: هو مختبئ في الحصيرة، قالوا: يبدو أن الدرويش هذا جالس مختبئ في الحصيرة وانطلقوا فخرج الرجل وقال له: يعني هكذا كنت ستضيعني، دللتهم علي. قال له: والله يا أبي لو لم أقل ذلك لفتشوا المتجر، وصدقني نجاك من شدة الثقة بالله سبحانه وتعالى. بعض الناس لا أستوعب مثل هذا ولكن هكذا كانوا وبهذا وصلوا إلى القرب من الله
سبحانه وتعالى ونحن قضية الصدق قضية أساسية لا بد لنا أن نؤمن بها وأنها من أركان الأخلاق، كانت من أركان الأخلاق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. الرحمة والرحمة هي أساس كل الأخلاق الكريمة، وإذا لم تكن هناك رحمة في قلبك فحاسب نفسك قبل أن تحاسب. وفي حديث الأولوية الذي يرويه المحدثون لتلاميذهم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وفي رواية: يرحمكم من في السماء بشرط أن ترحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء، إن لم ترحموا من في الأرض فلن
يرحمكم من في السماء في السماء أما يرحمكم من في السماء بالضم فهذه على الدعاء ارحموا من في الأرض ربنا يرحمكم يا رب ارحمهم وسواء كان على الشرط أو على الدعاء فكلاهما له معنى وكلاهما له مدخل والمهم أن الرحمة هي الأساس ومن هنا رأينا قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم وهذا ليس مقصورا علينا بل إنه كان في كتاب سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم فالبسملة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى والتي كرر فيها الرحمة مرتين صفة له وفي المرتين هي من صيغ المبالغة رحمن
ورحيم وذلك يدلنا على الحقيقة الثانية الحقيقة الثانية ارتباط منظومة الأخلاق بأسماء الله الحسنى أسماء الله الحسنى في القرآن مائة واثنان وخمسون اسما وفي السنة مائة وأربعة وستون اسما وعندما نجمعهما ونحذف المكرر يصبح مائتان وعشرون اسما منها تسعة وتسعون في حديث أبي هريرة الذي رواه الترمذي بروايات ثلاث استخرجنا منها عددا كبيرا من المائة والأربعة والستين اسما أسماء الله الحسنى يقول فيها رسول الله صلى الله وسلم اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك إذا هناك أسماء
نزلت في الكتاب وهناك أسماء علمها لرسول الله وهناك أسماء استأثر بها سبحانه وتعالى في علم الغيب عندما نرى ارتباط منظومة الأخلاق بأسماء إن لله الأسماء الحسنى، وقد وضع في هذه الأسماء أسماء جمال وأسماء جلال، فمن أسماء الجمال الرحمن والرحيم والعفو والغفور، ومن أسماء الجلال الجبار والمنتقم. ولم يجمع بين الجمال والجلال أو الجلال والجلال فقط، فلم يقل "بسم الله الجبار المنتقم" وإلا لخفنا على أرواحنا، ولم يقل "بسم الله الرحمن الجبار" هكذا لا طمأن القلوب له وقال بسم الله الرحمن
الرحيم تخلقوا بأخلاق الله يا جماعة ربنا قدم الرحمة وكررها فكونوا رحماء فالرحمة هي أصل هذه القضية الخلق الثالث المحبة كان رسول الله طاقة حب لا تتناهى كان يحب الجماد ويحب النبات ويحب الحيوان ويحب الناس من باب أولى وكان الناس كلهم يحبونه كان أبو بكر وهو في الهجرة يتقدم خوفا عليه أن يأتي أذى من قبل وجهه، ثم يسير خلفه خيفة يحمي ظهره أو عن يمينه أو عن شماله يتدلل فيه تدلل الأم بولدها كان يحبه، وكثير من الناس يقرؤون نصوصا الآن في البخاري ومسلم
لا يفهمونها لأنهم لا يعرفون كيف كان يحبون هؤلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت أم سليم بنت ملحان أم أنس أول ما يأتي إلى المدينة تأتي بولدها أنس بن مالك وتجعله خادما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا هناءة أنس أن خدم رسول الله ورأى الأخلاق تتجسد والرحمة تتجسد والحب يتجسد والصدق يتوضأ كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحافظ على خائنة الأعين وفي فتح مكة لما جاءه المرتد عبد الله بن سعد بن أبي سرح وأراد عثمان أن يشفع له وألح على رسول الله حتى عفا
عنه فقال ألم يكن فيكم رجل رشيد يقوم إليه فيقتله قالوا يا رسول إلينا بعينك قال بعيني ما كان لنبي أن تكون له خائنة بالعين إذا الرجل صدر ضده حكم بالإعدام وهذا الحكم بالإعدام من أجل إيذاء المسلمين وسب نساء المسلمين وارتداده وفساده في الأرض وتعاونه مع العدو أيام الحرب كلها تهم تستوجب الإعدام ولكن عثمان ومن هو عثمان ذو النورين يتوسل إلى رسول الله ويتشفع به في النهاية عفا
رسول الله لكنه عفا وكان يتمنى أن يذهب هذا الإنسان لكن على كل حال ربنا قدر هكذا ولكنه لم يستعمل إشارة بعينها وكان قادرا على أن يشير والكل يلتمس هذه الإشارة وينظر إلى وجهه الشريف حتى يأخذ منه أي إشارة إنما غلبه لأنه طاقة محبة كاملة صلى الله عليه وسلم، ولو جلسنا نذكر أخلاقه الكريمة ومحبته وصدقه وكيف أحب هؤلاء الناس حبا عظيما فداه بأنفسهم، وهذه المرأة التي تأتي في أحد فلا تسأل عن زوجها ولا عن أولادها ولا عن إخوتها وهي تسأل دائما ماذا عن رسول الله، ماذا عن
رسول الله أبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم فمنظومة الأخلاق ثالثا مرتبطة بالعقيدة أخلاقنا ليست هكذا وإنما أربعون خصلة أعلاها لا إله إلا الله العامل بواحدة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها أدخله الله بها الجنة فهناك دائما الله وهناك دائما صدق وإخلاص وهناك دائما عمل صالح مفيد للنفس ومفيد للغير مهمة في الأخلاق رابعا هي أساس النجاح الشخصي فأنت ناجح في مجتمعك إذا كنت ذا خلق حسن ولذلك روى الحسن عن أبي الحسن عن جده الحسن أن أحسن الناس خلقا الحسن صلى الله عليه
وسلم ونحن بجوار أخيه الحسين نجاح الشخصية يتأتى بحسن الخلق وهذه هي الوصية التي أوصى بها يذهب إلى اليمن عليك بحسن الخلق وخالق الناس بخلق حسن في هذه الأخلاق نجاح المجتمع وفي هذه الأخلاق نجاح الأمة بأكملها صورة الإسلام أمام العالمين في أخلاقه انتشر الإسلام في أفريقيا وفي آسيا من غير أي شيء سوى الأخلاق سوى الكلمة التي كانت صادقة والقلب الذي كان رحيما والفعل الذي كان مخلصا لوجه الله سبحانه وتعالى، جاءنا جبريل يعلمنا
أمر ديننا فلنتعلم كما تعلم آباؤنا وأجدادنا وسلفنا الصالح فنجحوا ووصل إلينا الدين غضا نقيا، كل عام وأنتم بخير، اللهم يا ربنا اجعلنا على هدي نبيك المصطفى وحبيبك المجتبى صلى الله عليه وسلم وخلقنا بأخلاقه الكريمة، شكرا لحسن استماعكم أيها الصحابة كان أحدهم إذا قدم له سؤال أحاله على أخيه تورعا وخوفا من الفتوى، حتى يعود السائل بعد ما يسير على الصحابة الكرام في المسجد إلى الأول. وكان الصحابة الكرام إذا صدرت منهم الفتوى
يستمهلون السائل ويقولون له: اذهب إلى فلان فاسأله، ثم عد إلينا بالجواب لنراجع المسألة. وكانوا إذا ما سمعوا فتوى مضادة للفتوى التي صدرت منهم فإنهم يرجعون إلى الفتوى التي قالها الصحابي الآخر وهناك كثير من الكتب منها الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ومنها آداب الفتوى لابن الصلاح كتب كثيرة ألفت في هذا المعنى الإفتاء تكليف وليس بتشريف فالذين يظنون أن درجة الإفتاء تعني درجة فيها تشريف لهم هم المخطئون في الإفتاء يحملون مسؤولية عظيمة، والإنسان يحمل
هذه المسؤولية وينبغي عليه أن يعلم أنه مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى، ولذلك لا بد أن يتأكد من الواقع ولا بد أن يتفهمه ويتعمق فيه ولا بد أن يكون قادرا على استنباط الحكم الشرعي من أدلته ولا بد أن يكون مدركا للواقع على الوصل بين المصدر القرآن والسنة وبين الواقع المتغير ولا بد أن يكون رحيما ولا بد أن يكون واسع الأفق واسع الصدر إلى آخر ما هنالك مما يصعب اجتماعه في شخص واحد ولذلك فإن هناك مؤسسات تقوم بهذا من ناحية العلم ومن ناحية الإحاطة ومن ناحية الدراسة ومن ناحية أن جماعة أفضل من تفكير فرد ولدينا
في مصر مؤسسة مجمع البحوث الإسلامية وبها اللجان الفقهية الكبرى والوقت الكافي لدراسة الأمور وتحريرها على أحسن ما يكون ولدينا دار الإفتاء المصرية وهي كل لا يتجزأ من مجمع البحوث الإسلامية لا تخالفه ولا تعارضه وإذا حدث شيء من المعارضة يتم التصحيح على ما كان يفعله الصحابة الكرام وهكذا دائما نفهم الإفتاء على أنه تكليف وليس تشريف انتهينا من موضوع معرفة زكاة الفطر مجمع البحوث الإسلامية قال خمسة جنيهات على الأقل فمن أراد أن يزيد فبها ونعمت وإلا فهي خمسة جنيهات امرأة مصابة بالإيدز والعياذ بالله تعالى لأي سبب كان وتريد
الإجهاض في أصله حرام ولكن عند هذه الحالة القائل هو الطبيب فالطبيب هو الذي يقرر فيما إذا كان هذا المرض سينتقل أو أن فيه ضررا عليها أو على حياتها أو على صحتها إلى آخر ما هنالك والطبيب هو الذي يفعل هذا ونحن لدينا في الشريعة أن الإجهاض لا يجوز إلا إذا كان بسبب يعود لمصلحة المرأة من حفاظ على حياتها أو حفاظ على صحتها، هل توجد أوقات مسموحة للكذب في الإسلام؟ ليس هناك ما يبيح الكذب الحقيقي في الإسلام، لكن هناك في اللغة العربية ما يسمى بالتورية، والتورية ليست كذبة. الكذب
قد يطلق على الخطأ في لغة قريش عندما جاء في الفتح قال كذب سعد عندما قال اليوم يوم الملحمة، قال كذب سعد يعني أخطأ سعد فاليوم يوم المرحمة، ففتح مكة كان مرحمة وليس كما يراه سعد رضي الله تعالى عنه وأخطأ في كلمته وكذب، كذب يعني أخطأ بلغة قريش فليس هناك كذب في الحقيقة مباح، نحن ما التورية لما سألوه ممن أنت؟ قال أنا من الماء، وجعلنا من الماء كل شيء حي. فقال والله لا أدري أمن الأعراب أم من الماء، أمن مصر أم من ماء العراق، فذكر الماء الذي هو النيل مثلا أو الفرات. فهذا
يعلمنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في هذا الموقف فإنه يعني يكون كذلك الكذب أيضا هو مخالفة الاعتقاد أو مخالفة الواقع، خلاف عند البلاغيين طويل، ولذلك الذي يقول إنه خلاف المعتقد فلو أنه أخطأ وهو معتقد هذا الاعتقاد لا يسمى كذبا حقيقيا لأنه يعتقد هكذا، حصل عنده خطأ لكن هذا كذب بلغة قريش أي هو خطأ، فهناك كذب شرعي هذا لا فسحة فيه أبدا ولا وقت له أبدا، كل الكذب حرام بأنواعه ودرجاته، إنما يأتي بعد ذلك فيقول لك: كذب الرجل على زوجته، ما هذا لا يسمى أصلا كذبا، هذا في الصورة فقط لكن في الحقيقة
ليس بكذب، عندما يقول الرجل لزوجته الدميمة: أنت أجمل الناس أنا أجمل الناس عندي وليس فيه كذب والجمال نسبي أو عندما يقول في الحرب أنا لا أعرف شيئا نعم لأن أمور الحرب واسعة فكل هذه تورية أو عندما يقول لك وهو يصلح بينك وبين أخيك أن أخاك يمدحك ويذكرك بخير لم يقل لك يوما السلام عليكم وهذا من الخير فكل هذا ليس بكذب حقيقة وإنما هو من قبيل الإصلاح بين الناس أو تطييب الخاطر أو حفظ الأسرار المتعلقة بالأمة فهذا ليس بكذب إن شاء الله شكرا لكم لحسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته