رسول الله ﷺ هو الإنسان الكامل | أ.د علي جمعة

رسول الله ﷺ هو الإنسان الكامل | أ.د علي جمعة - تصوف, سيدنا محمد, ندوات ومحاضرات
كان هذا الإنسان خلقه الله سبحانه وتعالى على حد الإنسان الكامل، والإنسان الكامل كما أراده الله سبحانه وتعالى عابداً لله، "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، معمراً للأرض، وكم عمّرها بالحب وبالجمال، مزكياً للنفس. وكانت نفسه صلى الله عليه وآله وسلم قد بلغت من الشفافية والنقاء ورؤية الحق إلى المنتهى. والله سبحانه وتعالى فيما أخرجه الحاكم في المستدرك في حديث آدم عليه السلام
حيث خرج من الجنة وتوسل إلى الله سبحانه وتعالى في تلك الكلمات التي قال فيها ربنا فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه منها اللهم إني أسألك بحق محمد فقال وما أدراك يا آدم بمحمد قال لما خلقتني ونفخت فيّ من روحك التي خلقتها، يعني نظرتُ إلى قوائم العرش فوجدتُ مكتوباً عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلمتُ أنك ما قرنت اسمه باسمك إلا لأنه أحب الخلق إليك. قال: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إليّ، ولولاه ما خلقتك. وهذا الذي أخذه
بعضهم وقالوا متدلهين. في رسول الله لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك، بعضهم قال إنه حديث موضوع، ونحن لم ندع أنه حديث أصلاً، ولكنه ترجمة لما أخرجه الحاكم في مستدركه: "ولولاه ما خلقتك يا آدم". النبي إذًا خُلِق على حد الإنسان الكامل، والإنسان الكامل هو الإنسان الذي أزال الله سبحانه وتعالى من على ظهره. الحُجُب وأزالت الحُجُب مِن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أزالت المذمومات فلم يعد عند رسول الله رغبات مخالفة ولا شهوات
ترده إلى الحالة الترابية، كل ذلك تهيئة لأمرين: أولاً للوحي، وثانياً للعلوم. وهذه العلوم تدرجت حتى كلَّم ربه في ليلة الإسراء والمعراج، فأوحى الله إليه كفاحاً ما أوحى. فأوحى إلى عبده ما أوحى، النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرنا الله أن نتخذه مثالاً يُحتذى وأسوة حسنة: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾. أمرنا باتباعه: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾. أمرنا بأن نأخذ كل ما أتانا به وما آتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول. أمرنا سبحانه وتعالى بكل ذلك وجعله نبراساً ودليلاً لنا بلا شك وباتفاق كل المسلمين من أهل القبلة أن النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم هو بابنا إلى الله وهو وسيلة إليه وهو. الهادي لنا إلى سواء السبيل النبي صلى الله عليه وسلم وضع الله عنه وزره أي الحجب التي تحجبه، ومن هنا لما نرى قوله تعالى: "ووضعنا عنك وزرك" نفهم أنه قد أسقط الحجب. إسقاط الحجب جعله يرى الأمر على حقيقته، جعله داركاً
لله سبحانه وتعالى دائماً، والإنسان في قلبه بابان. فما يتكلم عن ذلك الولي بابان: باب على الخلق وباب على الحق. فباب الحق كان في قلبه صلى الله عليه وسلم دائماً مفتوحاً، وباب الخلق مفتوح بأمر الله سبحانه وتعالى له بالتبليغ. "ما على الرسول إلا البلاغ". فالرسول صلى الله عليه وسلم من شدة شوقه لربه وأنسه به في بعض الأحيان... كانت تدخل أنوار شديدة من هذا الباب الذي هو باب الحق فتحاول أن تغلق باب الخلق يأنس بربه ويشعر بعدم راحة
الخلق لكنه يستغفر الله في اليوم مائة مرة من أجل فتح باب الخلق وليس باب الحق سيدنا أبو الحسن الشاذلي أشكل عليه ما ورد في صحيح مسلم أنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم مائة مرة فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول يا مبارك غين أنوار لا غين أغيار، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بابه إلى الحق مفتوح يدخل منه الأنوار، تحاول أن تغلق باب الخلق وهو مكلف بفتح باب الخلق فكان يستغفر. الله من عين الأنوار لا من عين الأغيار، هذه عقيدتنا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد إسقاط
الحجب عنه وإسقاط الجينومات من حوله. والوحي الذي تلقاه، هذا الوحي الذي تلقاه، أذن الله أن يشق صدره الشريف كما يقول ابن حذر ثلاث مرات، مرة في مضارب حليمة السعدية. وكان طفلاً صغيراً شُقَّ صدره الشريف ومُلِئَ من طَسْت من الذهب يعني إناء من الذهب مُلِئَ حكمةً ونُزِعَ من قلبه حظ الشيطان منه. بعض القاصرين يظن أن قلب النبي المصطفى خُلِقَ فيه مضغة يستطيع الشيطان أن يدخل إليه منها، والأمر ليس كذلك والله أعلم بما هنالك، بل هذه المضغة هي التي كانت في قلبه
ترحم الشيطان والشيطان شأنه الرجم والطرد، ولذلك رفع الملك من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المضغة التي هي حظ الشيطان من الرحمة، فالله تعالى يقول عنك: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، ويقول الله تعالى عنه: "وإنك لعلى خلق عظيم"، ويقول الله تعالى عنه. ويقول عنه ويقول عنك ورفعنا لك ذكرك ويقول عنه إنا أعطيناك الكوثر، ربنا سبحانه وتعالى ينبهنا في غير موضع على فضله وعلو مقامه الذي حفظه من الخطأ ومن الخطيئة معه.