رمضان شهر الانتصارات | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون وأيضا الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رمضان شهر الانتصارات انتصر فيه المسلمون في بدر وكان هذا الانتصار قد شكل مدرسة في قضايا كثيرة في قضية الدفاع عن النفس وفي قضية الدفاع عن الوطن وفي قضية الدفاع عن القضية وفي قضية الدفاع من أجل صد العدوان ورفع
الطغيان وهذا مثل جانب القتال في سبيل الله ولا بد أن يكون القتال في الإسلام في سبيل الله ليس في سبيل شهوة ولا في سبيل استعمار ولا في سبيل مصالح ولا في سبيل أموال ولا في سبيل عدوان ولا أي شيء من هذا إطلاقا وإنما يجب أن يكون في سبيل الله، بدر وكانت في السابع عشر من رمضان كانت أول صدام عسكري بين المسلمين وبين المشركين، أهل بدر أصبحوا أولياء لله
تعالى، أهل بدر هم الذين نصروا الدعوة التي كان من الممكن عقلا إلا بإذن الله التي كان من الممكن واقعيا أن تنتهي وأن لا يسمع عنها أحد، وإذا ما انتهت الدعوة الإسلامية في هذا الوقت وأذن الله لها أن تنتهي، لم يكن أحد أبدا في العالمين سوف يذكرها في التاريخ، لم يكن العرب أهل تدوين ولا أهل علم. وإنما كانوا في جاهلية جهلاء وكان لا يلتفت إليهم لا من أمة الروم ولا من أمة الفرس، ولكن بدرا حمت الإسلام
والمسلمين وبينت للعالم كله أن هناك أناسا آمنوا ولهم رؤية لهذا الكون والإنسان والحياة وأن لهم قضية يريدون أن تسمع، فبدر هي التي نشرت الإسلام حتى وصل إلى الأندلس. غربا وإلى مشارف الصين شرقا وحتى أصبح المسلمون الآن مليارا ونصف المليار في عالمنا اليوم كلما أسلم ودخل في الإسلام شخص عن طريق الولادة من أبوين مسلمين أو من أب مسلم أو عن طريق الدخول في
الإسلام والانتقال من دين آخر إلى دين الإسلام كانت موازين الحسنات ومثاقيل الحسنات والأجر والثواب يضاف إلى أهل بدر من الصحابة الكرام فتصور أن واحدا في قبره وجالس كل يوم يرد إليه ثواب من أقطار الأرض لأنه هو كان السبب والدال على الخير كفاعله ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم الدين فتصور أن هؤلاء الناس كيف أصبحوا ويقول فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم وقال اعملوا ما شئتم هذا يقوله لحاطب بن أبي بلتعة وقد
ضبط وهو يراسل قريشا وكأنه يتجسس على المسلمين لكنه كان مؤمنا ولكنه كان ضعيفا كان مؤمنا ضعيفا فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعتبر هذه الحادثة حادثة تجسس وإن كانت هي كذلك لسابقة وقوفه في بدر ولأنه لم يفعل هذا إلا من ضعف وإلا من خوف من أن ينتصر المشركون بعد ذلك والحمد لله تاب الله على حاطب وحسن إسلام حاطب بن أبي بلتعة واستقام على الصراط المستقيم بعد أن عرف خطأه وهكذا كان نبي الله يستوعب الناس، والجاسوس
في الفقه يجوز أن يقتل عند المصلحة، فللحاكم أن يصل بهذا إلى درجة جريمة الخيانة العظمى ويقتله. الحاصل أن بدرا مدرسة كبيرة جدا بينت قوة الترابط بين المؤمنين، بينت أن القليل قد يفوز ويتغلب على الكثير إذا كان القليل صاحب همة، بينت أن الهمة هي الأساس ولذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين والله على كل شيء قدير وكان
يمكن أن يهزم النبي وحده بإذن الله المشركين حتى من غير حرب كما حدث في الخندق قامت ريح وضرب المشركون بعضهم بعضا وانسحبوا من دون حرب أي أن الهزيمة جاءت من الله وحده لكنه وقد خلقنا في عالم الأسباب يعلمنا أن الاعتماد على الأسباب شرك بالله وأن ترك الأسباب جهل لا يرضيه، لا يرضي الله سبحانه وتعالى ولا يرضى عنه الله سبحانه وتعالى. فجاءت القاعدة التي صاغها العلماء ليعبروا عن هذه الحقيقة: الاعتماد على الأسباب شرك وترك الأسباب جهل، وذلك أن الله سبحانه وتعالى علمنا أن الأمور إنما
نتوصل إليها بأسبابها التي ارتضاها وخلقها فينا، فجعل قوله تعالى "هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين"، فالمؤمنون هم الذين نصروا، كانوا سببا في النصر. لا بد أن ننتبه إلى هذا، لا يجوز لأحد أن يقول يجب علينا أن نحارب بالدعاء فقط، هذا أمر غير شرعي ما أراده الله سبحانه وتعالى بل أنه كتب علينا القتال وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن
انتهوا فإن الله غفور رحيم وبعد ذلك يقول فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين إذن نحن أمام دستور للقتال تقرر بداية في بدر الكبرى هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أبدا لم يترك الأسباب بل فعلها وتوكل على الله ولما سأله أحدهم يا رسول دابتي خارجة من المسجد، أأقيدها وأربطها بالحبل وأتوكل، أم أطلقها وأتوكل؟ قال: اقيدها وتوكل، اقيدها يعني ضع القيد يعني الرباط في رجليها واربطه وتوكل على الله حتى لا تضيع ولا تمشي، لكن إن تركتها حرة طليقة فستذهب تبحث عن شيء تأكله وشيء تشربه وستخرج
من المسجد فلا تجدها، اقيدها وتوكل قاعدة ومبدأ جميل نعتمد عليه حتى بعضهم يقول هذا حديث ضعيف وكذا لا تلتفت إليه لأن هذا الذي دون في دواوين الإسلام أصبحت له قواعد في التعامل معه حتى لو كان السند ضعيفا ولكنه يلخص خبرة المسلمين ويلخص مبادئ القرآن والسنة ويلخص حياة النبي صلى الله عليه وسلم بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم، حقيقة أن ألفة القلوب هي من عند الله ولذلك تحتاج إلى شيء من التقوى، فإذا كنا غير أتقياء وكان بعضنا كافرا وكان بعضنا
ملحدا وكان بعضنا مسلما وكان بعضنا فاسقا فإن الألفة لا تستمر ومن هنا كانت قضية دعوتنا للتمسك بالدين وبالأخلاق وبالقوة وهكذا فربنا سبحانه وتعالى لما جاء المشركون كانت المدينة فيها اليهود وكانت المدينة فيها المشركون وكانت المدينة فيها المسلمون ولكن ليس جانب التعدد هو الذي يمنع الألفة، لا الألفة تتم حتى مع التعدد يقول ربنا وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم، هذا يحتاج من البشر أن يكونوا
على كلمة سواء، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، هلموا تعالوا نضع المشترك الذي بيننا وبين الخلق. ويعلمنا ربنا سبحانه وتعالى في هذا المعنى كثيرا، ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا سبحانه وتعالى في بدر علمنا أن المدد من عنده ولكن عندما ندعوه، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في بدر يناشد ربه ويلجأ إليه.
ويرفع يده إلى السماء ويقول يا رب إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض، ويقول له أبو بكر كفاك مناشدتك ربك فإنه ناصرك، وكان يدعو الله ويرفع يده حتى تسقط العباءة من على كتفيه الشريفين. الحرب في الإسلام ليست عدوانا ولا طغيانا وإنما هي في سبيل الله وتصد العدوان. وترفع الطغيان فإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله يدل على ذلك قوله تعالى وتخيل الموقف في بدر إذ تستغيثون وواحد يستغيث يعني هو في ورطة يعني هو لا يذهب للحرب
وهو محب للحرب ومتفائل بالحرب ويريد إراقة الدماء ويرجع وهو يضحك كما نراه في بعض الأعمال الدرامية في الرومان ولا في جانب غيرهم لا لم يكونوا كذلك إذ تستغيثون ربكم تستغيثون بيقول يا رب أنجدني فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وهكذا كان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه وإلى لقاء آخر في ظلال بدر الكبرى أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته