سبيل المبتدئين في شرح البدايات من منازل السائرين | المقدمة و باب اليقظة | أ.د علي جمعة

سبيل المبتدئين في شرح البدايات من منازل السائرين | المقدمة و باب اليقظة | أ.د علي جمعة - تصوف, منازل السائرين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سيروا سبق المفردون". قيل: يا رسول الله وما المفردون؟ يعني ما حالهم، هم لا يُسألون عنهم، هم هم. يسألون عن حالهم فقالوا: "وما المفردون؟" لو كانوا يسألون عن أشخاصهم لقالوا: "ومن المفردون؟" قالوا: "وما المفردون؟" يعني ما حال المفردين الذين
يستهترون في ذكر الله، والمستهتر في ذكر الله يعني الذي انجذب إليه، وفي رواية: "المهترون" الذين يهترون في ذكر الله، يعني المنجذبين أو من طلب الانجذاب إلى... ذكر الله يضع عن الذاكرين أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافاً، وهذا حديث حسن لم يروه عن يحيى بن أبي كثير إلا عمر بن راشد
اليماني، وخالف محمد بن يوسف الفريابي فيه محمد بن بشر العبدي، فرواه عن عمرو بن راشد عن يحيى بن أبي سلمة عن أبي الدرداء موقوفاً والحديث. إنما هو لأبي هريرة رواه ابن دار بن بشار عن صفوان بن عيسى عن بشر بن رافع اليماني إمام أهل نجران ومفتيهم عن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم مرفوعاً، وأحسنها طريقة وأجودها سنداً حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مخرج في صحيح مسلم، ولفظة "المستهترون" في صحيح مسلم، وروى هذا الحديث أهل الشام عن أبي أمامة مرفوعاً، قال في كلها: سبق المفردون. وأخبرنا
في معنى الدخول في الغربة حمزة بن محمد بن عبد الله الحسيني بطوس، قال: أنبأنا أبو القاسم عبد الواحد بن أحمد الهاشمي الصوفي قال سمعت أبا عبد الله علان بن زيد الدينويري الصوفي بالبصرة قال سمعت جعفراً الخالدي الصوفي قال سمعت الجنيد قال سمعت السري عن معروف الكرخي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال طلب الحق غربة وهذا حديث غريب ما كتبناه غالباً إلا من رواية علام وأخبرنا في معنى الحصول على المشاهدة محمد بن علي بن الحسين الباساني حدثنا محمد بن إسحاق القرشي حدثنا عثمان بن سعيد الرازي حدثنا سليمان بن حرب عن حماد
بن زيد عن مطر الوراق عن أبي بريدة عن يحيى عن ابن يعمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في حديث سؤال جبريل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وهذا حديث صحيح غريب أخرجه مسلم في الصحيح، وفي هذا الحديث إشارة. جامعة لمذاهب هذه الطائفة إذا كل ما تقدم إنما يؤكد أن هذا الطريق مقيد بالكتاب والسنة وأنه ليس من عندهم وإنما هو من استنباطهم ومن تطبيقهم لشرع الله كتاباً وسنة وأنهم يستدلون بالأدلة ويذهبون إليها ويقفون عندها ويروونها جيلاً بعد جيل ويصححون ويضاعفون ويقبلون
ويرفضون شأنهم في ذلك شأن أهل الحديث وأهل التوثيق الذين قيدوا كلامهم وحركاتهم وسكناتهم بالكتاب والسنة، وفي هذا الحديث إشارة جامعة لمذاهب هذه الطائفة: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك". فلخص المسألة: طلب الحق غربة؛ يعني لأن أكثر الناس يطلبون الباطل، فإذا طلب واحد من الناس الحق كان كأنه غريب. وسط الناس ولكن يقول القابض على دينه كالقابض على الجمر، يبقى لا بد من الصبر على الحق ولو كنت وحدك، ويقول ويأتي النبي يوم القيامة نبي من الأنبياء ولا أحد معه، وإنما
يُعرف الحق بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال، إنما تُعرف الرجال بالحق، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نتمسك بالحق حتى ولو كنت وحدك وأن نتمسك بالعمل وقال وأن أناساً قد غرهم بالله الغرور يقولون نحن نحسن الظن بالله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل يقول وفي هذا الحديث إشارة جامعة لمذاهب هذه الطائفة لأن الإحسان هو عنوان أهل التصوف وأهل الله وإني مفصل لك درجات كل مقام منها لتعرف درجة العامة منهم ثم
درجة السالك ثم درجة المحقق ولكل منهم شِرعة ومنهاج ووجهه هو موليها وقد نصب أو نُصب له علم هو إليه مبعوث وأُتيح له غاية هو إليها محثوث يعني سريع إليها وأنا أسأل الله تعالى أن يجعلني في قصده مصحوباً محجوباً وأن يجعل لي سلطاناً مبيناً. إنه سميع قريب، واعلم أن الأقسام العشرة التي ذكرتها في صدر الكتاب هي: قسم البدايات، ثم قسم الأبواب، ثم قسم المعاملات، ثم قسم الأخلاق، ثم قسم الأصول، ثم قسم الأدوية، ثم قسم الأحوال، ثم قسم الولايات، ثم قسم الحقائق، ثم قسم النهايات. فأما قسم البدايات فهو عشرة أبواب وهي اليقظة. والتوبة والمحاسبة والإنابة والفكر والذكر والاعتصام والفرار والرياضة والسمع،
إذاً فطريق الله عنده مقسم إلى عشرة مراحل، وهذه المراحل كل مرحلة منها مقسمة إلى عشر مقامات، وفي كل مقام من هذه المقامات سيفصل لنا تفصيلاً مثلثاً في كل خطوة من هذه الخطوات، ويبين لنا كيف يترقى الإنسان من معنى إلى آخر حتى يصل إلى مقصوده من عبادة الله سبحانه وتعالى والطريق هذا لا نهاية له فنهايته نهاية العمر فهو طريق عبادة ولكن يصحح الإنسان فيه نيته مع الله سبحانه وتعالى من المهد إلى اللحد ودائماً وأبداً إلى أن يلقى الله فليس له نهاية ولا حد ولا توقف بحيث أنه يقول إنني قد وصلت فانتهى الأمر وسقطت
العبادة، أو إنني قد وصلت واتصلت، وبهذا الاتصال يكون الأمر قد انتهى. هذه أفكار بوذية لا يعرفها المسلمون. البوذي هو الذي أراد أن يصل إلى النيرفانا وأن يرتاح، فلم يصل إلى شيء، فالحظ وأنكر الله لأنه بحث عنه فلم يجده في ظنه الكاسد. الفاسد واتبعه هؤلاء الذين هم على شاكلته إلى يومنا هذا. واعلم أن الأقسام العشرة التي ذكرتها في صدر الكتاب وأشار إليها هي قسم البدايات. فيكون الأول البدايات، وأول البدايات اليقظة. فيكون عندنا عشرة وعندنا مائة. العشرة هي البدايات، هذه مرحلة مكونة من عشر مراحل.
المرحلة الثانية الأبواب بعدما سرت. لمدة عشرة كيلومترات تأتيك البوابة التي للطريق الإسكندري، ولكن هنا طريق الله. هذه البوابة تدخلها ثم تذهب فيها إلى عشر درجات هي أيضاً، ثم قسم المعاملات. بعد الأبواب تدخل وبعدها تبدأ تعامل ربنا. فيكون بعد مرحلتين: البدايات والأبواب، تبدأ في المعاملات. إذا فعلته وبدأت في المعاملة، فلا بد أن تتخلق بالأخلاق. الحسنة فيأتي قسم الأخلاق تجعل قلبك خالياً من كل قبيح وتُدخل فيه كل صحيح. إذا فعلت ذلك،
فقد بدأت والحمد لله. نظفت الأرض وستبدأ في البناء. كل هذا لم يتم بناؤه بعد. انتبه إلى ما فعلته: البدايات ثم الأبواب ثم المعاملات ثم بعد المعاملات الأخلاق. أربع مراحل، أي أربعين درجة بعد. ما مضيت أربعين درجة وسرت في طريق الله تبدأ تؤسس، ولذلك يبين لك قسم الأصول، الأصول يعني الأسس. قال ثم قسم الأدوية، بعد ما أسست وبنيت ابتدأت في منازعات، لن تتركك لا الدنيا ولا النفس ولا الشيطان ولا الهوى، لن يتركك
هكذا سالكاً وتبني وخلاص، تبدأ المنازعات فتحتاج إلى أدوية أخذت الدواء وتعلقت تأتيك قسم يعني مثل مبشرات الله سبحانه وتعالى يبدأ يريك أشياء في نفسك حتى تتأكد وتتيقن ويطمئن قلبك وهذه اسمها الأحوال لكنها عارضة وتقلب وتذهب وتأتي فإذا دخلت في الأحوال وانتهيت منها جاءتك الولاية فتدخل في قسم الولايات مقام الولاية بدأنا في المقامات حدث لك أنك دخلت في المقامات تكشف لك الحقائق،
وبعدما تنتهي من كشف الحقائق تجد نفسك قد انتهيت من هذا، وتظل في هذه المرحلة في النهايات إلى أن تلقى الله سبحانه وتعالى، فلا نهاية له، بل إن الحقائق لا نهاية لها، حتى الحقائق لا نهاية لها، لأن كل يوم تتعلم حقائق عن... عن الملك والملكوت تزيدك أدباً مع الله أو تكملاً في تربية الخلق أو رضا وتسليماً بقضاء الله سبحانه وتعالى وقدره. هذا هو الطريق: البدايات ثم الأبواب ثم المعاملات، وبعد المعاملات حين تفتحها يأتي لك الأخلاق، وبعد هذه الأخلاق الأصول
فالأدوية فالأحوال فالولايات، ثم بعد ذلك تنكشف الحقائق فتصل إلى النهايات. من أين أتى بهذه الألفاظ من أنه طبَّق كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه ثم استبطنها ونظر ما الذي حدث فيها، كيف انتقل من حالة القلب الغافل إلى حالة القلب الذاكر، كيف ترقى من لطيفة القلب إلى لطيفة الروح إلى لطيفة السر إلى لطيفة الخفي. فالأخفى كيف انتقل من مرحلة إلى مرحلة ومن حالة إلى حالة، ولم يكتفوا بأن
كان ذلك من واحد أو اثنين أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة، بل من جملة كبيرة من البشر، ثم سجلوا كما أشار هو في أول الكتاب إلى أنه تتبع كل ما قيل ونظمه ونقحه وبين المقصود. دون زيادة ولا نقصان وبين الأساس الذي يمكن أن تتعلمه حتى تعرف رأسك من رجليك وأساسك من رأسك، الأساس الذي هو الأساس، رجلك يعني حتى يعلم عظام يديه من عظام رجليه، هكذا. إنما هذه التجربة التي جربوها، يقول عنها السيوطي في تأييد الحقيقة العالية، يقول تشييد الحقيقة العالية في تأييد الطريقة الشاذلية: يقول السيوطي رضي الله تعالى عنه أن السالك
يرى نفس ما كتبوه، وهذا يؤكد صدقه، ويؤكد أنهم كانوا خبراء بهذا الطريق، وأن الأمر إنما جاء عن تجربة، وإنما كانت تجربة من الكتاب والسنة كما أمر الله ورسوله بإخلاص النية وبإعمال الفكر وبالتربية وبالذكر وبالخلوة وبغير ذلك إلى... أن وصلوا إلى وصف ذلك الطريق جماعة لا فرادى، فهذا مثل علماء النحو عندما ذهبوا إلى اللغة العربية تدبروها وتأملوها واستخرجوا منها هذه القواعد التي تجري على ألسنتنا
الآن، بالرغم من أن هذا لم يكن على عهد رسول الله كقواعد، أما كنطق وكتنفيذ فالقرآن حجة في النحو وفصيح ما يخرج من لسان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفصح العرب فهو فصيح حجة في هذا النحو وفي اللغة، وإنما كان أمر الناس من بعده هو استخلاص القواعد مما هو موجود. الفعل في قسم البدايات سنبدأ في الخطوة الأولى، والخطوة الأولى هي اليقظة، يعني قم من غفلتك يا غافل، ما هو. لا يستطيع أن يخاطبك ولا أن يهز وجدانك إلا إذا استيقظت، لأن خطاب الميت أو
خطاب النائم لا فائدة فيه. سماه أهل الأصول خطاب المحال، يعني أن هناك حائلاً بيننا وبينه، ومن المحال والمستحيل أن يستجيب النائم والمُغمى عليه والمجنون والصبي الصغير إذا خاطبته وقلت له: "قم فصلِّ"، لا يستجيب لك هناك. حائل بينك وبينه، فأول شيء اليقظة. فإذا لم تتيقظ وظلت الدنيا جالسة في قلبك ومتربعة على عرشه وآخذة بوجدانك وعقلك وتصرفاتك كلها، إذاً فلا فائدة من هذا الكلام الذي سوف يتلوه فيما بعد. يُشترط اليقظة، فأول خطوة من الخطوات هي اليقظة. فمن
تيقظ فبها ونعمت، ومن لم يتيقظ فلا فائدة فيه. البتة تصحيح البدايات يؤذن بتصحيح النهايات. أخذناها هو قال هكذا في الأول، فيجب أن نمشي بشكل صحيح. إذن أول شيء نفعله هو أن نتيقظ. اليقظ؟ حسناً، لست أريد أن أتيقظ، أريد أن أنام يا أخي. خلاص لا توجد فائدة، لا تأت لتبكي الآن. والله أنا أذكر ولا توجد فائدة، أنا أذكر لكن ليس... أجد لذة للذكر هذا، أنا أذكر وما زلت أرتكب الخطأ ولا توجد فائدة. حسناً، أنت غير راضٍ أن تستيقظ. كيف تستيقظ إذاً؟ استيقظ، اعلم الحقيقة، افهم، شغِّل عقلك واعرف شيئاً بسيطاً جداً أن الدنيا إلى فناء. حسناً، أنا أعرفها، نعم، لكن لا أعيشها، ونحن هنا كله
معيش لا يكفي. أتعلم أنك تدرك أن هناك موتًا، ونحن ما زلنا نصلي على جنازة اليوم؟ ألا يكفي ذلك؟ ألا يكفي أنك تعلم أن الموت علينا حق؟ نعم، كلنا نعلم هذه الحقيقة، مؤمننا وكافرنا يعلم أن الموت علينا حق، لكن لابد أن تعيش هذا الأمر وتعيشه. ماذا يعني هذا؟ يعني أن تستحضره في تصرفاتك. واستحضاره بالكتاب والسنة ليس استحضاراً باليأس والكآبة بحيث يسيطر على عقلك فتترك الدنيا والدين بمجرد أنك ستموت ويأتيك اكتئاب نفسي، لا، ليست السنة كذلك. السنة تدعوك للعمل لأن هذه دار عمل، وأن معرفتك لهذه الحقيقة وعيشك فيها يجعلانك تعمل ليل نهار ولكن لله، فتكون كل أعمالك مخلصة. لله، فاليقظة
نوع من أنواع الإدراك والمعرفة، بيدك أن تتيقظ، بيدك أن تقنع نفسك أنه كفى، هيا لنبدأ من اليوم، من الآن، نبدأ ونستيقظ. اليقظة أول درجة، وسنقف عندها قليلاً لكي نوقظ النائم، ونوقظ الناس التي لا تريد أن تستيقظ، والتي لا فائدة فيها سنة واثنتين وثلاثة وعشرة ولا فائدة. فائدة سيستيقظون إن شاء الله، والتروس صدئت ولا توجد فائدة، وكلما توغلنا في علم الظاهر وابتعدت عنا اليقظة، كلما صدئت التروس أكثر، وتحول العلم حتى العلم الشرعي إلى حجاب الذي يتكبر به والذي يجعله حجاباً بينه وبين
الله. هل هذا مقصود؟ يعني أنا ذاهب لأتعلم الفقه والحديث والقرآن لكي هذه الأشياء تكون حجاباً بيني وبين الله، فيكون غير مقصود. المقصود أن هذه الأشياء تعلمنا الأدب مع الله، فلو علمتنا الغرور مع الله، فهذا ليس صحيحاً، يكون سيئاً، يكون قبيحاً، فهذا ليس جيداً. قال: قسم البدايات، باب اليقظة، كل قسم يحتوي معنا على عشرة أبواب. في عشرة بالمائة، فنجلس إذًا نَعُدّ الأبواب ونرى في أي باب نحن. كل هذا للعلم. كل هذا الكتاب من أوله لآخره الآية للعلم. يعني هل رأيت هذا الطريق في التلفاز؟ رأيته وهو
ينقلك من القاهرة إلى الإسكندرية ويريك إياه على التلفاز. لم تسافر إلى الإسكندرية أبدًا، ولم تتحرك من مكانك أبدًا، ولذلك بعدما سنقرأ كل الكتاب. ما فائدة ذلك؟ لا شيء علمك، فقط أراك الطريق إلى الإسكندرية، ربما تحب أن تزورها، يعني عرّفك الطريق، ربما تحب أن تسير فيه. وإذا لم ترغب في السير فيه، فحسناً، ستنام مكانك. ناموا ولا تستيقظوا، ما فاز إلا النوام، وتثبتوا في جهلكم، فالخير أن تتعلموا. طبعاً هو يسخر منهم، والشاعر يقول له: حسناً، نَمْ. يا إخواني، ابقَ في مكانك، فأنت غير راضٍ بالتحرك. لقد أريتك الطريقة، وكيف شكله، وما حلاوته، وما مخاطره، وعلمته لك. قم وامشِ الآن دون شيء. يا إخواني، لن تذهب إلى الإسكندرية ولو رأيته مائة
مرة ودرسته دراسة دقيقة جداً، فهو يقول لك هذا علم فقط ولكن ليس هناك شيء. عملٌ، والأمر هذا مُقيَّد بالعمل لا بالعلم، لا بد من العمل. قل إنما قال الله تعالى، انظر أول شيء يصدر بقال الله تعالى، قال الله تعالى، قال الله تعالى. ماذا يقول لي؟ أيبعث لي رسالة؟ أبداً، هذا ليس رسالة، هذا صريح مريح، طريقنا هذا مُقيَّد بالكتاب والسنة، ما نحن. يمكننا أن نفعل أي شيء بأي طريقة لكن ليس مع أهل الله، وليس مع المسلمين، ولكن الكتاب والسنة هم المسلمون. قال الله تعالى: ﴿قل
إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله﴾. انظر إلى هذه الكلمة ﴿أن تقوموا لله﴾، قرأناها ألف مرة، ألم يخطر ببالك أن معناها أن تقوم لله عملاً وأن تستيقظ؟ بذلك من غفلتك، ماذا يعني أن تقوموا لله؟ هل فكر أحد قبل ذلك ما معنى أن تقوم لله؟ بعض الناس يظنون أن تقوم لله يعني أن تعمل شيئاً لله، كلام عام هكذا. إنه يعني أن تستيقظ، قم من نومك يا أخي، كأنه في نوم، في غفلة، في إعراض بالقلب عن الله، والله أراد. أن تقوموا لله، لله هنا
معناها أي يعني من أجل الله. تصلح أن تقوم من أجل الله، يعني ليس من أجل غيره، فيكون إخلاص النية لله هنا. أن تقوم لله يعني في اتجاه الله، يعني تفعلون الأشياء التي يرضى الله عنها. كذلك تصلح أن تقوم لله يعني في سبيل الله، تصلح. أيضاً ما هذا؟ ولذلك عندما جاؤوا ليحللوا كلام القرآن وجدوه معجزاً، عجزوا عن مجاراته. كيف كان أحدهم يخرّ ساجداً لله من هذه المعاني كلها؟ هذا الكلام عندما نطبقه ونتعمق هكذا في الكلام، في شعر امرئ القيس يظهر بخلاف ذلك، والقرآن يظهر هكذا. فآمنوا به بقلوبهم وأجلّوه وعظّموه.
وخضعوا له وسجدوا لله سجودهم لله، هذا كان عن خضوع وخشوع وخبوت حقيقي لأنهم القرآن كسرهم وأعجزهم، يعني جعلهم عاجزين، ليس بمعنى أن أحدهم جاء يحاول أن يصنع مثل القرآن ثم لم يستطع، فلا، لا، لا، إنه معجزة لأنه عند التحليل تظهر أشياء عجيبة الشكل، يقول لك "قفا نبكِ من ذكرى حبيب". ومنزلي بسقط اللوى بين اللوى بين الدخول فحوملي فتوضح فالمقرات لم يعف رسمها. وجلسوا يتحدثون ما معنى هذا الكلام. قال: والله هذا شيء عظيم جداً.
لماذا؟ قال: وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والدار في شطر بيت "قفا نبكِ". وقف ووقف صحيح. "قفا نبكِ" نبكي جماعةً، فيكون بكى واستبكى. "قفا نبكِ من". كمن يذكر الحبيب ومنزله، فيذكر الدار، ثم يقف ويستوقف، ويبكي ويستبكي، ويذكر الحبيب والدار. ما هذا؟ إنها بلاغة جميلة جداً. حسناً، "بسقط اللوى بين الدخول في حومل"، ماذا يعني هذا؟ لا شيء، لا شيء. "سقط اللوى" هذا مكان، و"الدخول" مكان آخر، و"حومل" مكان ثالث، أو أي شيء من هذا القبيل. قال له: "جيزا باب عتبه"، ما هذا؟
ما هذا الذي "قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل"؟ وإذ فجأة لم يقل شيئاً بعد ذلك. "بسقط اللوى بين الدخول فحومل"، "فتوضح فالمقراة". ما هذا؟ ولم يقل شيئاً. "هلضم" بعد ذلك. يا عيني! كأنه يعني جلب آخر ما عنده، لكن القرآن لا. يا إخواننا، ولذلك شعر الجاهلية هذا مهم لأن هذه المعلقات علقوها على باب الكعبة، فعندما سمعوا بدايتها انبهروا، فماذا حدث لهم عندما سمعوا القرآن؟ سجدوا لأنهم وجدوه وقالوا: "والله ما هذا كلام بشر، لا، لا، لا، لا، لا، هذه لا تصلح هكذا، كلام بشر بالكاد يأتي بالذي..." آخر ما لديه أنه لا يعرف كيف يكمل. هذا كلام البشر
الذي اعتادوا عليه. أرقى الكلام عندنا "قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقطِ اللوى بين الدخولِ فحوملِ". وبعد ذلك ماذا يقول بعدها؟ أترى بعر الأغنام في عرصاتها وقيعانها كأنه حب الفلفل؟ ما هذا؟ حب فلفل؟ ما هذا يا امرؤ القيس؟ هذا كأنه حب الفلفل. نحن سنضع توابل هنا. أي كلام. امسك الآن. أي أي. قل قل. يعني هناك من يأمر ومن يتلقى. يعني هناك خالق ومخلوق. يعني هناك إله وإنسان. هذا له معنى وله معنى عميق. قل إنما للحصر تفيد الحصر. إنما أعظكم.
إذاً هذه موعظة، وهذه الموعظة موعظة حسنة، وهذه الموعظة الحسنة من. شأنها أن تؤثر في القلوب، فالمخاطب هنا ما دام موعظة، ليس أمركم، ليس أنهاكم وأزجركم، أعظكم. الموعظة خطابها للقلب. الله عز وجل يقول: أنا سأخاطب. رب العالمين يخاطب عباده المؤمنين ويحصر خطابه لقلبهم. انظر إلى الكلام، كل كلمة لها معنى، بواحدة وواحدة. واحد يصبح اثنين، يصبح واحدة هنا معناها ماذا؟ معناها أنها أول شيء، وأول الغيث قطرة ثم ينهمر. أولها ماذا نفعل؟
أن تقوم لله، نعم. يصبح إذاً أول الطريق هو اليقظة. انظر من أين أتى بها، كلام معجز، كلام له معنى. أما "بسقط اللوى بين الدخول فحومل فتوضح فالمقراة" فليس له معنى مثل أغاني الهبوط التي في هذه الأيام: "عتب عتب عتبا باب". عَتْباً وكفى، ما هذا العتب؟ أتنتبه؟ أرأيت ماذا فعل القرآن في الناس؟ القومة لله تعالى هي اليقظة من سنة الغفلة. انظر الآن كلام أهل الله، ربما تجد في التفسير معنى آخر، لا مانع، اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد. هذا يصلح وهذا يصلح وهذا يصلح، وهذا هو
الإعجاز الذي لا يبلى. مِنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ لَا تَنْتَهِي عَجَائِبُهُ، لَا يَبْلَى وَلَا يَخْلَقُ، أَيْ لَا يَتَهَالَكُ مِنْ كَثْرَةِ اِرْتِدَائِهِ. يَذُوبُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْقُرْآنَ فَلَا يَذُوبُ، وَكَأَنَّهُ نَزَلَ الْآنَ. هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ: إِنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، خَارِجَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَكَأَنَّهُ نَزَلَ الْآنَ. هِيَ الْيَقَظَةُ مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ وَالنُّهُوضُ مِنَ الْوَرْطَةِ. الفترة الفترة عندما تقول ماء فاتر يعني مياه كانت تغلي ثم أصبحت ساخنة قليلاً هكذا بشكل بسيط، أي ذهبت حدتها وقوتها. وفي حديث أم سلمة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر، فحملوا عليه المخدرات لأن
المخدرات تفتر قوة الإنسان، أي تخدرها وتفترها، يعني تذهب حدة نشاطها. وقوتها تذهب القوة والنهوض عن ورطة الفترة بالتهب، إذاً فداء العجز والكسل كان يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم منها: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال". إذاً سنة الغفلة، غفلان غفلان عن أي شيء؟ هو جالس ليس غافلاً عن. الدنيا إلا الدنيا، يعرفها جيداً جداً، ويعرف من أين تؤكل الكتف، ويفتخر بذلك، لكنه غافل عن ربه وعن أوامره
ونواهيه وعما أمره به من التخلق بالأخلاق الكريمة والتعلق بالأهداف الكريمة التي أمره بها. إنه في غفلة، والقومة لله تعالى هي اليقظة من سنة الغفلة والنهوض عن. ورطة الفترة وهي أول ما يستنير قلب العبد بالحياة لرؤية نور التنبيه، أول بصيص نور في القلب. إنك تدرك هذه اليقظة أول ما تفتح عينك هكذا على الحقيقة: الله، أين أنا؟ ماذا أفعل؟ كل هذا الهرج والمرج الذي نحن فيه، والخصام والنزاع والخناء وما إلى ذلك،
ما هدفه؟ أين؟ الله فيه أين المقياس الذي أقيس عليه، قم يبدأ شعاع نور يدخل من هذا التنبيه لرؤية نور التنبيه، عندما تنبهت للحقيقة قم يدخل في شعاع، فماذا عندما تنفتح عليك الشمس ستفعل وتشعر بلذة لهذا الشعاع. اليقظة هي ثلاثة أشياء، نحن الآن نتكلم في الدرجة الأولى، نريد أن نمضي في. الدرجة الأولى، الكيلو الأول، الدرجة الأولى، المرحلة الأولى، الباب الأول من مائة باب. أول شيء للاستيقاظ. ما هو الاستيقاظ إذن؟ قال: ثلاثة أشياء يريد أن يعلمني إياها. ما
هي اليقظة؟ لأنه أيضاً مهما قلنا إنك تعلم حقيقة الدنيا، إنك تلتفت إلى الله، إنك تنتبه إلى أن هذه الدنيا زائلة، أيضاً يقول لي. أيضاً أريد أن أعرف ما هي اليقظة، ويختطف لك الولد من هؤلاء هكذا، فقال: اليقظة ثلاثة أشياء، يعني إخواننا هذا الدليل الخاص بالثلاجة الذي يقوم به، هذا الدليل الذي هو المرشد، أليس هناك دليل ومرشد؟ ها هو الدليل، هذا عمل ودليل، ها هو نمسك ونرى ونطبق، فلنبدأ بتطبيق الدليل الذي... سنسير عليه، ماذا نفعل؟ كيف أستيقظ؟ حسناً، أنا أريد أن أستيقظ، كيف أستيقظ؟ يعني هكذا، شخص يأتيك ويقول لك هكذا، ماذا تقول له؟ ثلاثة أشياء: لفت
القلب إلى النعمة، لابد أن يلتفت قلبك إلى النعم التي أنت فيها، وابدأ إذن، هل لديك عينان أم ليس لديك؟ لدي عينان، إذن هذه نعمة، ونعمة كبيرة، تتحرك. على هواك من غير أن تحتاج لأحد يرشدك ويدلك ويقيك الاصطدام بالأشياء والأشخاص وما شابه، وما أحوج الضرير أو الكفيف الحبيس داخل نفسه، حبيس يحتاج إلى من يأتي ليرشده، فتجد الشيخ سيد في الصباح واقفاً أمام الباب هنا، وعلى بُعد
خطوات، لا يستطيع التحرك، منتظراً أحداً من إخوانه ليأتي ويأخذ بيده، هذا هو النظر. أنعمة أم ليست نعمة؟ إنها نعمة. فإذا كان لدي عين واحدة والعين الأخرى قد فُقدت، فهذه نعمة لأن العين الواحدة الباقية تُبصر، والعين الأخرى سيكون عليها ثواب. فأكون بذلك قد جمعت بين الاثنين وأكون سعيداً. وإذا كنت ضريراً؟ حينها أكون في غاية السعادة، لأن مَن أخذ الله منه حبيبتيه فصبر على ذلك البلاء دخل الجنة. الجنة الله... طيب، ونحن الذين سيصلي... نحن فيها، هذه كلها هذه لأجل أن ندخل الجنة، ونحن جالسون ونذاكر ونقول ونعظ
ونعمل ونجتمع ونذهب ونأتي، إنما هو لأجل الجنة. وصاحبنا الآخر ضمن الجنة، ما عليه فقط إلا أن يلتفت إلى تلك النعمة. قالوا: الواحد الحمد لله أنك أصبحت ضريراً. قال: الحمد لله لأجل... ما أراكم يعني هل أنا سأراكم لأعمل بكم شيئاً؟ فإذاً سبحان الله هكذا يتحول الضرر - وهذا يسمى ضريراً من الضرر - إلى نعمة، نعم، نعمة من الله أن اختارك أيها الضرير الكفيف لتكون بصيراً. عندما تذهب العينان تتيقظ الحواس الأخرى، فتجد عندما يأتينا هناك في يوم الجمعة الشيخ إبراهيم. يحيى أول ما أقترب عليه يقول لي
تعال يا مولانا، الله! طيب وهذا عرفني من أين؟ هذا كما تقول يحس بالحرارة، يحس بالصوت، يحس بطول الإنسان، يحس بماذا؟ الله! ها هو الذي حصل هكذا. فإذاً هناك نعم ثانية تأتيه لم تكن موجودة في الأول، يعني يتيقظ، يعني يبدأ قلبك يلاحظ النعمة. نعمة التنفس، الذي عنده ربه يعرف معنى نعمة التنفس، يَتخنق كل قليل. نعمة التذوق، نعمة السمع، نعمة الصحة، نعمة الأولاد. وإن لم يكن عندي أولاد فهي نعمة كبيرة، نعمة كبيرة في هذا الزمن النكد الذي فيه الابن ضرب الأم وضرب الأب
وفعل ما لا أعرف وغير ذلك. وإن كان عندي أولاد فهي نعمة رزقني الله بها. بالأولاد وبارك فيهم وجعلهم نشأوا صالحين وهداهم وهكذا إلى آخره. ابدأ إذن وانظر إلى النعم التي حولك، وتأمل "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها". ففي النهاية ماذا تفعل؟ تلاحظ المنعم. فيصبح إذا ملاحظتك للنعمة ليست في ذاتها وإنما ستوصلك إلى ملاحظة المنعم، لأنك ستجد نفسك محاطاً بالكثير منها: فالسماء نعمة، والأرض نعمة، والبحر نعمة. والهواء نعمة لن تنتهي، فتقول: "آه ماذا سأذكر أو ماذا هذا الذي يُغرقني"؟ والنبي عليه الصلاة والسلام يُرشد في هذا الأمر ويقول: "انظروا إلى من هو أدنى منكم، فإن ذلك أحرى ألا تحقروا نعمة الله
عليكم". أهل الدنيا دائماً متبرمون، تعطيهم ما تعطيهم فلا فائدة، يريد... الأكثر ينظر إلى من هم فوقه، وكلما نظر إلى من فوقه كلما تألم، وكلما عرف أنه لا شيء ويتعالى على من هم دونه، ثم يتحسر من الذين فوقه، فيعيش في حالة بؤس لأنه نائم لم يستيقظ بعد. إذاً إذا كان لدينا شيء محدد، فسنبدأ نلاحظ بقلوبنا النعمة فتوصلنا إلى المنعم. اليأس من عدّها بعد أن تبدأ، ماذا تفكر هكذا مع نفسك؟ لا، فهي كل حين
يظهر لك عشرون أو ثلاثون نعمة لم تكن منتبهاً إليها وأنت تعدّها. والوقوف على حدها يعني ماذا نعمة؟ لئلا تظن أن النعمة معناها الطعام فقط أو الشراب فقط أو العين فقط أو العلم فقط أو... الهدوء فقط؟ لا شيء آخر؟ لا، بل يجب عليك أن تعلم معنى النعمة، ولذلك ستجد أشياء كثيرة جداً لم تكن ملتفتاً إليها. أنت في نعمة، والعلم بالتقصير في حقها. حسناً، ماذا فعلت لهذه النعم كلها؟ إن شاء الله كان ينبغي أن تقول: الحمد لله على كل نعمة. عندما قال تعالى: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"، فهل يعني ذلك أن نجلس
طوال النهار دون عمل ونقول: "الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله"؟ وفي النهاية فإن الحمد نعمة تستلزم الحمد من الذي وفقك فجعلك تحمد الله. هيا يا أخي، اشكر الله على توفيقه لك بالحمد فتقول: "الحمد لله، الحمد لله". الحمد لله أن وفقني على هذا الذكر، الحمد لله أن وفقني على أن أشكر حمدك على نعمتك، الحمد لله على أن أشكر حمدك على حمدك على حمدك على نعمتك. الحمد لله، حسناً، ألن ننتهي من هذا؟ في كل مرة أنت تستدين تصبح مديناً، وليس دائماً، كل مرة، كلما حمدت، كلما... سبحان الله، تجد نفسك
مديناً بنفس الحمد، وبعدها يشعر الإنسان أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، وأنه سبحانه وتعالى بيده الخير. لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. وارحم ضعفنا، ليس هناك إلا هذا. ماذا ستقول إذن؟ يظهر أن جنسك أصلاً ضعيف. في ذاته ومقصر في ذاته، أهل الدنيا دائماً يقول لك: "الحمد لله". فلا يصلي الجمعة ولا هو هنا. لا يصلي. كيف تصلي؟ أنا لم أرك تصلي الجمعة. يعني أعرف أصلي يعني لا إله إلا
الله. هذه النعم تستوجب الشكر، والشكر لن نستطيع أن نشكره، فيشعر الإنسان بالعجز أمام الله. ما هو العجز أمام مَن؟ أمام الله. يقوم يحمل في قلبه "منا لله"، يعني يقول له: أنا... ما أنت كريم، ماذا أفعل هكذا؟ فقط أستحي. لكن الدكهة، لا، هذه الدكهة، يحقق معه: "والله كسرت رجلي، لماذا يا ربنا؟ ماذا فعلت لك؟" هذا... أنا أسير مستقيماً هكذا، ليس هناك إلا السيجارة والكأس هذا وانتهى الأمر. نعم حدث هذا ونراه ليلاً نهاراً في الناس، غفلة والعلم بالتقصير في حقها، والتفرغ إلى معرفة
المنة بها. يعني يجب أن تشعر في قلبك بقولك: "يا ربي أنا لا أعرف ماذا أقول". هكذا يعني، تقولها هكذا باللهجة الريفية أنا. يا ربي، لا أعرف ماذا أقول. هكذا هو، نعم، أنت قاهر، أنت طيب، يعني تسليم لله، ماذا سنفعل؟ والثاني، نحن ذكرنا ثلاثة أشياء، اليقظ ثلاثة أشياء. أمسك إذًا، افعل الشرط الأول: قلبك يلاحظ النعمة حتى يصل إلى المنعم بالشروط التي ذكرناها هذه. لكي تصل إلى ذلك، يجب أن تعرف ماذا. يعني النعمة يجب أن تُقاس من جوانبها، يجب أن تعمل وتعرف أنك مقصر في شكرها، وهكذا،
وتشعر بالمنة في النهاية لصاحب المنة سبحانه وتعالى. أمر آخر، هل بهذا انتهينا؟ أيكون تيقظنا أن القلب التفت إلى النعم؟ كلا، بل مطالعة الجناية والوقوف على الخطر فيها، والتشمير لتداركها، والتخلص من رِقّها، وطلب النجاة بتمحيصها. مطالعة الجناية تعني المعاصي. إذن، نحن هناك في النعم الكونية الذاتية التي خلقها الله لك وحولك. أما هنا، فماذا عن قصورك وتقصيرك؟ مطالعة الجناية والوقوف على الخطر فيها، والتشمير (رفع ساعد الجد) - أي: استعد ونفذ - لتركها،
لتداركها، والتخلص من رقها. الذي يدخن ولا يستطيع الإقلاع عنه لأنه مستعبد له. للدخان، أصبح الدخان سيداً له. الذي يرتكب ذنباً يتمادى فيه ولا يستطيع تركه. لا بد أن تقف وقفة مع نفسك ويكون لديك همة، وهذه الهمة لا تأتي بالأذكار. كثير من الناس يقولون: "يا مولانا، أليس هناك ذكر يقوي الهمة؟" لا، لا بد أن تأتي الهمة منك لأنك مكلف، لا بد أن تأتي الهمة من داخل قلبك. الهمة هذه هي التي ستجعلك تبتعد عن الجناية وعن المعصية، يجب أن تقف والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم. فحاذر
النفس والشيطان واعصهما وإنهما محضاك النصح فاتهمهما، ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً، فأنت تعلم كيد الخصم والحكم. فإذا النفس كالطفل إن تهمله شب على. أحبّ الرضاعة وأدمن عليها ولم يرضَ بتركها، وأنت افطمه ولم ينفطم. افطم نفسك واجعلها تحت القدم. سيقول لك: كيف لا تحترمه؟ ماذا تعني النفس تحت القدم؟ سيذكر الأمم المتحدة ويضع نظارته هكذا. ماذا تعني؟ أنتم بلاء بالفعل، لقد أفسدتم الدنيا، أفسدتموها وأصبح العالم مجنوناً. مجنونًا، عالمٌ مجنون لأنه لم يضع نفسه لله تحت قدميه.
نحن نريد الإنسان المصلح لا المفسد، الإنسان الطيب لا الشرير. وهم أوجدوا إنسانًا شاذًا في تفكيره، مفسدًا في أرض الله، متكبرًا، متعنتًا، عنيدًا. والثالث الانتباه لمعرفة الزيادة والنقصان من الأيام والتنصل عن تضييعها، معرفة قيمة الوقت وأن الوقت عرض غير. قال إن الساعة التي تمضي تضيع، وإذا فوجئ المرء بذلك وعلم أن الزمن يتسرب منه وأن الأمس لن يعود مجدداً، يصيبه الهلع سريعاً، لأن الساعة التي مضت لن تعود أبداً. لذا يجب عليك
استغلالها في شيء مفيد، فإذا لم تستغلها في شيء مفيد ضاعت منك. يقول الإمام... قال الشافعي: "صاحبت الصوفية فاستفدت منهم أن الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك". ولكن ما هي اليقظة هكذا؟ هذا جزء منها، هذا هو أول اليقظة. إذن اليقظة مكونة من كم جزء؟ من ثلاثة. ما هي الثلاثة؟ أول شيء: لحظ القلب إلى النعمة حتى تعرف المنعم. ثاني شيء: الاعتراف بالجناية وتركها. ثالثاً... إدراك حقيقة الوقت وأن الدنيا إلى زوال. إذا عملنا هذه الأمور تكون قد بدأت تنتبه إلى معنى اليقظة. وكل هذا نريد أن نعمل به
وليس أن نتعلم فقط. لو كان التعلم فقط لكان الأمر سهلاً، خلاص عرفناها وحفظناها. يمكن لأحدهم أن يحفظ هذا الكتاب أو يسجله على شريط كاسيت ويردده طوال النهار فيقول: علمٌ، خلاص صرت عالماً بكل شيء، والحمد لله. ذهب إلى الإسكندرية، ما زال مستلقياً أمام التلفزيون فاتحاً فمه للذباب يدخل ويخرج. والثالث الانتباه لمعرفة الزيادة والنقصان من الأيام، والتنصل عن تضييعها، والنظر إلى الظن بها لتدارك فائتها وتعمير باقيها. فأما معرفة النعمة التي هي، فإنها تصفو بثلاثة أشياء. وأما مطالعة الجناية فإنها تصح بثلاثة أشياء. الله هو كل شيء. من الثلاثة سيفصلها لنا في المرة القادمة والله تعالى
أعلى وأعلم. إذاً، إذا بدأنا باليقظة، لابد أن تتيقظ، وقد عرفت اليقظة فابدأها مباشرة بالالتفات إلى المنعم، وبمعرفة حقيقة الدنيا وأنها إلى زوال، وبتقصيرك في الجناية فانخلع عنها، واعمل لنفسك نقطة وجملة مفيدة، وتوقف عن السير وراء النفس التي نشأت في حب الرضاعة.