سبيل المبتدئين في شرح البدايات من منازل السائرين | باب الإنابة | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: باب الإنابة. فبعد أن قدم أن اليقظة هي أول الطريق وأنه ينبغي للمؤمن أن يعلم حقيقة الدنيا وأنها فانية وأن الذي يبقى هو وجه الله سبحانه وتعالى وأن من غير يقظ فليس للسالك أن يسير في الطريق إلى الله لأنه لا
تكليف على النائم لأنه خارج عن نطاق التكليف. فإذا أردت أولاً ما تفعل وأنت تريد طريق الله والسلوك إليه والفرار إليه سبحانه وتعالى فلا بد عليك من اليقظة. واليقظة هي أن تلتفت. إلى حقيقة تلك الدنيا وأنها زائلة فانية لا تبقى لأحد ولم تبق لأحد، قال لسيد المرسلين: "إنك ميت وإنهم ميتون"، "كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام". إذاً، فهذه الدنيا ينبغي أن نفهم فيها أنه لا حول ولا قوة إلا
بالله إذا تيقظت وعرفت حقيقة الدنيا. وأنها إلى زوال، عرفتُ أيضاً أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، فلا قوة لنا إلا من الله، ولا حول لنا إلا بحول الله، ولا عمل لنا إلا بتوفيق الله، ولا هداية لنا إلا بهداية الله. فالأمر كله لله من قبل ومن بعد، ثم تكلم بعد ذلك عن أول خطوة. تستمر مع الإنسان إلى منتهاه وهي التوبة، فإذا كانت اليقظة أول الطريق، فالتوبة أول خطوة تخطوها في هذا الطريق، وبين شروطها
وأحوالها وأنواعها وما يساعد عليها. ثم بعد ذلك أردفها بالخطوة الثالثة: المحاسبة. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا. الله بعد ذلك واليوم يقول الإنابة وهو الباب الرابع من الأبواب المائة، قسّم الطريق إلى عشر مراحل، كل مرحلة إلى عشرة خطوات. فنحن الآن في الرقم أربعة من مائة، يعني أمامنا كم؟ ستة وتسعون أسبوعاً معاً إن شاء الله. والأسبوع القادم لا يوجد لأنني مسافر، فيكون سبعة وتسعون. وتسعين أسبوعاً توكلنا
على الله في يوم الجمعة، ولكن معنا ستة وتسعون مسافراً. إلى أين؟ وهكذا مسافر إلى الإسكندرية يوم الجمعة في السلطان حسن. كل يوم جمعة في السلطان حسن، أم أنت حديث عهد بالجلسة؟ حسناً، ماشٍ. إذاً صلوا على النبي عليه الصلاة والسلام. قال: "باب الإنابة" الخطوة الرابعة، قال وجل وأنيبوا إلى ربكم، هذا هو الشاهد. أي أنهم لم يكونوا يتعاملون مع القرآن كلمة ويقفوا عندها ويرون ماذا تعني. حسناً، كيف ننيب إلى الله؟
كيف نضع برنامجاً حتى ننفذ أوامر الله؟ لأن الله يقول: "أنيبوا"، وهي ليست كلمة سهلة هكذا، ليست شيئاً تقرأه مائة مرة ومع ذلك لا قال تعالى "وأنيبوا" من غير أن يقف الإنسان مع نفسه ومع ربه فيضع برنامجاً لكيفية الإنابة: كيف تنيب؟ كيف تطيع؟ قالوا: الصلاة دليل الإنابة. عندما تقول هذا، يقولون: ماذا؟ الصلاة دليل الإنابة إلى الله؟ هذه العبارة ما معناها؟ تبين أن معناها عميق جداً ونحن غير منتبهين: الصلاة. دليل الإنابة يعني
ماذا؟ الصلاة دليل الإنابة، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في شأن هذه الصلاة أنها عمود الأمر وذروة سنامه وأهم شيء فيه. يعني من غيرها الخيمة تنهار، ومن غيرها لا تستطيع ركوب الجمل. فهي عمود الأمر، وعمود الأمر يعني عمود الخيمة الذي فرشها وأعلاها. بيت وذروة سنامه، يعني لو لم يكن هناك سنام للجمل لما استطعت ركوبه ولا وضع الرحل عليه ولا وضع الهودج عليه. فما معنى ذلك؟ يعني هذه الصلاة التي يقول في شأنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تركها فقد كفر". لم يقل "كافر"، بل قال "كفر". أي أن ترك أعمال الكفار رقفه بالأمة. ماذا؟ لم يقل "فهو كافر"
أو "كان يخرج من ملة الدين المسلمين"، لكن قال: "فقد كفر". أي ارتكب عملاً فظيعاً شنيعاً من أعمال الكفار. إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، فالذي لا يجعلها كتاباً موقوتاً يكون شأنه كأنه فعل فعلاً خارجاً. إطار الإيمان يعني أن الصلاة عظيمة جداً وأنها لا تثقل إلا على الخاشعين. شأن الصلاة وتعظيم شأن الصلاة هو عنوان كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث كلها التي تتعلق بتعظيم شأن الصلاة. وبعد ذلك، إخواننا هنا من أهل الله يقولون لك: الصلاة دليل الإنابة. ما هذه القصة؟ ما الصلاة دليل؟ الإنابة كيف؟ قال: ما الإنابة؟
سألني يعني محب لله. سألوا واحداً ثانياً: منيب يعني ماذا؟ قال: يعني خاضع لله هكذا ومستسلم، فاهم من الإنابة هكذا. سأله واحد ثالث: منيب يعني ماذا؟ قال: يعني مقبل على الله بسرعة وبفرح وبشوق. سأله واحد رابع: منيب يعني ماذا؟ قال: يعني مدبر عمن سوى الله يعني واضعٌ ما سوى الله خلف ظهره لا يراه، وضار كلامهم، كل كلامهم
ضار. كلهم، كل أهل الله على الأربعة هؤلاء: المحبة والخضوع والإقبال على الله والإدبار عما سواه. والله هذه حقيقة الإنابة هكذا، عناصر الإنابة هكذا: المحبة والخضوع والإقبال والإدبار. قالوا: طيب، حسناً، ما علاقة الصلاة؟ بذلك قال له: وأنت واقف في الصلاة، ماذا تفعل؟ قال له: مستقبل الله. هذا يكون الإقبال. أي مستقبل القبلة، فيها دلالة تذكرك على الإقبال. يعني وأنت واقف في الصلاة مقبل على
الله، وأنت واقف في الصلاة ربنا جعل لك جهة تتوجه إليها، لا تصلي في أي مكان، كان من الممكن. نبني مساجدنا بأي شيء ونصلي نحو الشرق ونصلي نحو الغرب ونصلي نحو الجنوب ونصلي نحو الجنوب الشرقي، ألم يكن ممكناً أن نقول "فأينما تولوا فثم وجه الله"؟ حسناً، كان يمكن لربنا أن يتيح لنا هذا، لكنه جعلنا جميعاً "ومن حيث خرجت فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم ولِّ وجهك شطر المسجد الحرام، وهكذا جعل هناك إقبالاً على علامة. أي علامة هي هذه؟ أن "أول بيت وُضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى".
يبقى إذاً هذه العلامة فيها إشارة ودليل. ماذا يعني الدليل؟ ما يوصل إلى الشيء. الدليل هكذا، عبد الله بن أريقط كان دليلاً لرسول الله إلى... المدينة يعني يوصله إلى المدينة، والدليل هو الذي يوصل إلى الشيء. فالصلاة دليل الإنابة لأنها تلفتك إلى الإقبال، وفي نفس الوقت وأنت مستقبل القبلة تكون مستدبراً للعالم، أليس كذلك؟ تكون مستدبراً للعالم. وعندما تقول "الله أكبر"، تسمى تكبيرة ماذا؟ تُحرِّم عليك ماذا؟ الكلام والأكل والشرب والعبث واللعب، وقوموا لله ماذا؟ قانتين يعني ساكتين، يعني لا يصلح في هذه الصلاة من كلام الناس،
إنما هي تهليل وتحميد وتسبيح وتكبير وهكذا. هذا كلام سيدنا رسول الله. فتقول ماذا؟ "الله أكبر" من ماذا؟ من كل عظيم ومن كل الدنيا ومن كل شاغل ومن كل الشواغل والمشاغل. إذاً ففيها إقبال وإدبار حقيقة الحب. ماذا قالوا؟ الحب عطاء. احفظوا: الحب هو عطاء، ليس الحب بالتمني، ليس مجرد ميل القلب فقط. لا، سيدنا أبو بكر كان يحب سيدنا رسول الله كثيراً، ففي الهجرة كان يتقدم عندما يعرف أن هناك شيئاً قد يأتي من أمامه، ثم يتأخر ليحمي ظهره، ثم يأتي عن يمينه، ثم يأتي عن... شمائله ولا خوف الأمة على ابنتها وابنها الصغير، وعندما
دخل الغار دخل قبله، وعندما وجد جحراً وضع عقبه فيه، ليس معه شيء فوضع كعب قدمه في الجحر حتى لدغته عقرب أو ثعبان، فبكى فنزلت دمعته على خد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم. كل هذه الأمور تدل على الحب، فما هو الحب؟ ليس أنه يحبه في قلبه ثم يقول له: "لا يا صاحبي، اذهب وهاجر وحدك قبل أن يقبضوا علينا". إن الحب هو العطاء، بدأ العطاء حين عرض عليه صلى الله عليه وسلم الراحلتين مجاناً، فرفض رسول الله حتى تكون هجرته خالصة لله. وقال له إلا بالثمن عليه الصلاة والسلام: الحب عطاء، وأن أناساً قد غرهم بالله الغرور، يقولون:
نحن نحسن الظن بالله. لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. تعصى الإله وأنت تظهر حبه، هذا لعمري في القياس بديع. لو كنت حقاً تحبه لأطعته، إن المحب لمن يحب مطيع. فالحب عطاء والصلاة عطاء ولا. كسل، عطاء، يصبح، تشير، ها هي، إلى ركن ثالث من أركان الإنابة في الصلاة. هل تقف أم تجلس على الكرسي؟ ها، نحن لا نجلس على الكراسي في الصلاة. افهموا إذاً، نحن لسنا جالسين على الكراسي هكذا ونجعل الإمام يصلي ونحن نتفرج عليه. فالبعض يفعلون هكذا. لا، سبحان الله، لا.
إله إلا الله، يكون الفرد منا طويلاً بحجم الباب مثل الرجل الضخم، ويأتي هاوياً ساجداً لله، وليس جالساً لابساً الخوذة ويتفرج على مَن يعبد ربنا. هذا هو الذي يقول أو يرتل أو ما شابه ذلك. لا، بل كل واحد ينزل من فوق هكذا ويأتي خاضعاً لله، فتكون إشارة إلى... الخضوع أم لا؟ أشارت إلى الخضوع، فالصلاة أشارت إلى المحبة بالعطاء، وأشارت إلى الخضوع بالسجود، وأشارت إلى الإقبال بالاستقبال، وأشارت إلى التبري مما سوى الله بالإدبار. إذن الصلاة دليل للإنابة أم لا؟ إن الله هو الذي جعلها دليلاً للإنابة، لكن علينا أن
نفهم الإنابة ونفهم الدليل ونفهم الصلاة، فكل هذا لا نستطيع فهمه إلا إذا فهمنا هكذا، نقف عند الصلاة ونتأملها ونتدبرها. العجلة ترفع الكلفة، فلأننا متعودون على الصلاة، والصلاة، طوال اليوم جالسين نصلي، فقد تحول معناها من عبادة إلى عادة، فلم تعد تحقق أثرها الفعال، لكن لو رجعنا مرة أخرى نتأمل ونتدبر ونهدئ أنفسنا هكذا ونعيش معها. ستجدها جميلة وسترجع إلينا مرة أخرى. اذهب إلى الصلاة مرة ثانية. الصلاة محبة وصلة بين العبد وربه، ولذلك قال: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي".
الحديث مشهور معروف. هناك صلة وحب في الصلاة. في اللغة، الصلاة هي الدعاء، تدعو ربك فيقوم ربنا بالمنّ عليك ويستجيب. أعطاك إياها، إذن فهو يحبك ويقول الكافر، نعم، حسناً، أليس هو يحب الكافر ويحب هدايته، لكنه سيستمر على رأسه (عناده) حتى يموت على كفره، فيكون هو الذي أضاع نفسه. "وما ربك بظلام للعبيد" و"وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون". فربنا كريم رحمن، قالوا: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، يعني "وكان بالمؤمنين رحيماً"، لكن هنا الرحمن حتى للكافر. يرحمه صنعته في الحب. العطاء
والخضوع سجود، والاستقبال إقبال وإدبار، تبرؤ عما سوى الله، وهي حقيقة الإنابة. ثلاثة أشياء، أريد الآن أن تحقق هذا المعنى: الرجوع إلى الحق إصلاحاً كما رجع إليه اعتذاراً. تكون هي المتممة للتوبة، فالتوبة هي العهد والإنابة تنفيذ العهد. التوبة هي النظر والإنابة هي العمل. تندم على الذنب كما رأينا أنك تعاهد ربنا بأنك لن
تعود إليه مرة أخرى، وأنك تنفصل عنه، وأنك ترد حقوق العباد. حسناً، نوينا وتبنا، ولكن يقولون: تاب وأناب. فالتوبة شيء والإنابة شيء آخر. التوبة هي التصميم على ترك الذنوب، والإنابة هي الفعل، أي اعمل إذاً. لا بدّ عليك أن تعمل لله، تُعطي شيئاً. الحب عطاء، والإنابة حب الرجوع إلى الحق سبحانه وتعالى إصلاحاً، أي بالعمل. تشتغل إذن، تُبنا خلاص، تُبنا والحمد لله، قَبِلَ الله توبتنا. ماذا
نفعل؟ ننيب إلى الله. كيف؟ تعمل، تصوم، تصلي، تذكر، تدعو، تتلو، تكف أذاك عن الناس، تنتهي عن المناهي والمنكرات. وهكذا تفعل وتترك لله كما رجعت إليه اعتذارًا، يعني في التوبة تقول له ماذا؟ متأسف يا رب، متأسف، يعني ماذا؟ يعني نادم، يعني أنا مخطئ. حرَّمْت. هذه هي التوبة. لا يكفي العمل باللسان، لا بد أن يتبع ذلك إنابة والرجوع إليه وفاءً كما رجعت إليه عهدًا. التوبة هي عهد بينك الله كان مسؤولاً أم ليس مسؤولاً؟ عهد الله مسؤول، ستُسأل عنه. فيجب أن ترجع إليه سبحانه وتعالى بالوفاء كما عاهدته،
لأن هذا العهد الغدر فيه نوع من أنواع النفاق والخيانة. وما هي علامات المنافق؟ أربعة، وهناك في رواية ثلاثة. نعم، في رواية ثلاثة. نعم، فعلامات المنافق كم علامة؟ أربعة. هذا هو النفاق العملي وليس النفاق الاعتقادي. النفاق الاعتقادي - والعياذ بالله - يؤدي من الدار إلى النار مباشرة، وهو الذي يجعل المنافقين في الدرك الأسفل من النار. أما النفاق العملي فنُصاب به جميعنا، وهو أنه إذا حدّث كذب، وإذا
اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. يا لطيف! أيضاً كان يعرف حقوق الناس، فإذا حصل طلاق بين الزوجين أيضاً، وبعد ذلك سمع أنها مريضة، يرسل إليها الورد، وليس يرسل إليها شيئاً بواسطة محضر. عندما وجدنا وثائق الطلاق التي كانت موجودة في الأوقاف قديماً، كانت مكونة من ثلاثة مقاطع: المقطع الأول حمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه والشهادتان هكذا هي شيء جميل يعني نحن مسلمون. المقطع الثاني مدح فيها، عندما تقرأه تقول له إنه مجنون أن يطلقها. يقول: لا، أنا لم أرَ منك يوماً سيئاً، أنتِ كنتِ مريحتي وجزاكِ الله
خيراً، وهي أيام سعيدة قضيناها معاً. ما هذا! هؤلاء أناس طيبون وليسوا أناساً أوباشاً. اشتبكوا مع بعضهم هناك في مركز الشرطة وتبادلوا الضربات ليسجلوا ضد بعضهم أشياء، وهذا يقول لها: "حسناً، والله عندما ترين حلمك، أذنك لن تجدك". وجعلوا الناس تمل من بعضها. لا يا إخواننا، لا، لم أرَ أسعد من هذه الأيام، كنتِ خير زوجة وكنتِ وفية. الله، أما المرحلة الثالثة فقد بدأت. نصيب والسلام، لأنه ماذا؟ أراها العذاب، وهي أرته العذاب أصلاً، لكن من أدبه لابد أن يقول هكذا، فهذا عيب. هو يظن أنه لو أخبركم لماذا طلقها! طلقها لأنهما لم يتفقا، تعبا معاً، ولا يحدث شيء.
ليُغنِ الله كلاً من سعته، ولكن بدون قلة حياء، بدون الخروج عن الأصول. هكذا الأمر، إليه وفاءً كما رجع إليه عهداً لأن هذا من صفات المؤمنين، لا تُخلِف العهد الذي بينك وبينه، وأنت كنت قد أخذت بينك وبينها عهداً موثقاً وغليظاً. والرجوع إليه حالاً كما رجعت إليه إجابةً مثلما استجبت إليه وتبت، يجب عليك أن تغير حالك معه. عوَّدنا هو أن يأتي بثلاثة. ثم يمسك الأولى ويوضح لنا مثلثاً، وإنما يستقيم الرجوع إليه إصلاحاً بثلاثة أشياء. النقطة الأولى، ما هي هذه الأشياء الثلاثة؟ بالخروج من التبعات. فيجب
عليك إذا كانت عليك صلاة فائتة أن تؤديها، فإن دَين الله أحق أن يُقضى. صيام فائت تؤديه. إذا قصّرت في شيء ما، فهذه حقوق الله التي سنة تخرجها ولو بالتقسيط، ديون الله في ذمتك فلا بد أن تخرج من التبعات، تسدد شيئاً فشيئاً. مع كل صلاة تصليها، صيام الاثنين والخميس يعادل لك مائة يوم في السنة، يعني ثلاثة أشهر، يعني ثلاث سنوات. يعني لو كنت مفطراً عشرين سنة تحتاج إلى سبع سنوات لقضائها، واحد وعشرين. سنة تخلّصهم، وهكذا تستمر العملية. هذا يومي الاثنين والخميس فقط، أنا لا أقول لك أن تصوم كل يوم. فالخروج من التبعات هو الذي سيجعلك
تعتاد على العمل، لأن هذا العمل هو الذي يولّد الإيمان الحقيقي والحلاوة الحقيقية في قلوب العباد. أما حقوق الناس فهي على نوعين: أرض أنا مغتصبها أرجعها غششت في الميزان لمدة عشرين سنة في الزيت الخاص بالتموين، وكنت أعطي كيلو تسعمائة جرام. من أين أحضر هذه الأموال التي أخذت مني؟ قيل لي إما أن أتصدق أو إذا كان هناك شخص أخذت منه شيئًا - لا تأخذوني في الكلام - ومات وليس له ورثة، فعليَّ أن أتصدق على
التبعات لماذا؟ لأنه تعذر أن أردها إلى صاحبها، أما لو كان حياً فلا بد من ردها إليه بأي طريقة. قال: حسناً، أنا كنت أعمل في المخدرات وتبنا إلى الله، أين أضع هذه الأموال المتجمعة؟ قلنا له: اجعلها لله على قدر ما تستقيم به حياتك. وامرأة تسأل: أنا كنت من التائبات ملايين من الرقص، حسنًا وإلى أين نأخذه؟ سنعيد التذاكر، وسنجعل الناس تأتي في حفلة تبرعية، ونعيد الأموال أم ماذا نفعل؟ كذلك خذي ما يكفيك بالمعروف. حسنًا، يكفيني ثلاثة ملايين. نعم، فنحن نقول رقص ثلاثة ملايين من المائة والخمسين مليونًا التي لديها، هذا يكفي،
والباقي يبقى لله. وهكذا يقول العلماء. أحدهم جاء وقال لي: "حسناً، أنا لدي حق في ذمتي لجاري، ماذا فعلت؟" قال: "زنيت مع زوجته، فأنا أريد أن أذهب لأحج وأذهب لأقول له: على فكرة سامحني". انظر إلى الوقاحة، انظر إلى الغباء والبلادة. ألست تقول خروجاً من التبعات؟ أليس هذا حق آدمي؟ سأذهب لأقول له سامحني لأنني فعلت مع زوجتي فيقتل زوجته، يقتله ويكون يعني يكون قليلاً عليه، لا بالطبع هذا الستر أولى والتوبة عند الله هكذا تكون، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يغفر الله للجميع إلا للمجاهر". قالوا: "ومن
المجاهر يا رسول الله؟" قال: "يفعل الذنب بالليل يستره الله ثم يصبح فيقول فعلت كذا وفعلت كذا". حرامٌ هكذا، فهذا يستلزم الستر، لا يصح هذا الكلام لأنه يوجد، أي يوجد، ما الذي عند المسلم من شعور؟ أنت تُبتَ، تاب الله عليك، انتهى الأمر، انسَ هذا الذنب كما قلتُ، لكن لا تفضح الناس، فإن الستر هنا هو المأمور به، لا تتجاهل الأمر، فتكون التبعات هي الخروج منها. كل بحسبه: مال الله بقضائه، ومال البشر وهو قائم بردّه، ومال البشر وقد انسد وانقطع الطريق لرده بالصدقة، ومال البشر من حقوق تورث الحقد والضغينة
والفتنة يبقى بالستر وهكذا. والتوجع للعثرات دائماً عندما ترى أحداً يرتكب ذنباً، تحزن كأنك أنت الذي ارتكبته، فتكون عطوفاً عليه ولا تتكبر عليه. هناك أناس يتكبرون بالطاعة ويتيهون بها كثيراً، لكن المسلم لا يتكبر بالطاعة ولا يتيه بها، وكلما رأى ذنباً في الناس تحسّر. والإمام أحمد بن حنبل عندما عُرض بوله على طبيب، قال: "هذا بول رجل فتّت الحزن كبده". الحزن فتّت كبده، أي أصاب كبده وأصبحت مثل
ورقة بالية، كبد الإمام. أحمد فقصر هذا في لون البول يعطي لونًا بنيًا، فقالوا له: "ما بالك حزينًا؟ هذا الرجل يقول إنك حزين جدًا من الداخل". فقال: "من بدع الناس من الذنوب وهو كاتب يا عيني في روحه، هو يراه ساكتًا لكنه من الداخل حزين عليهم، واستدراك الفائتات يكون إذن الخروج من التبعات". واستدراك الفائتات يعني الفائتات التي بينه وبين الله، والخروج من التبعات بالكلية بينه وبين العبادة. وإنما يستقيم الرجوع إليه ووفاء الذي هو رقم اثنين بثلاثة أشياء:
بالإخلاص، أو بالإخلاص من لذة الذنب. يريد أن يخرج من لذة الذنب. يُفعل، أما عندما تجده سيئاً فإنك ما زلت مؤمناً وفي داخلك وأما عندما تجده جميلاً جداً، فهذا يعني أن المصباح قد انطفأ، وأننا نحتاج إلى أن ينير النور مرة أخرى من الداخل. لذلك يجب أن تتخلص من لذة الذنب. إذا وجدت نفسك هكذا تشتهي الذنب، فاعلم أن الداخل لم ينر بعد. وبماذا ينير هذا؟ بالصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم، كثرة الصلاة على النبي تنير القلوب وتترك استهانة أهل الغفلة تخوفاً عليهم مع الرجاء لنفسه. احذر أن تقول سلامة لرأسي، المهم أن أنجو وحسب، فلا يحترق الخلق
وما فيه. اهتم بهموم صاحبك كما تهتم بهموم نفسك، وبلا استقصاء في رؤية علل الخدمة دائماً وأنت تخدم ربنا. تخدم الناس وتقول لنفسك هل أنا في شيء خاطئ أم لا، ولكن بعيداً عن وسواسك. كل أسبوع هكذا تجلس مع نفسك وتقول: هل أنا أعبد الله صحيحاً أم خطأً؟ وتبحث وتنظر لئلا يكون هناك شيء غير صحيح أنت تفعله. وإنما يستقيم الرجوع إليه سبحانه وتعالى فوراً، وهذه هي النقطة الثالثة. بثلاثة أشياء بالقياس من عملك، لا تلتفت إلى عملك، فعملك لن يدخلك الجنة. هذه شيء عظيم جداً، لكي تدخلها
اسجد الآن طوال النهار، أعِنّي على نفسك بكثرة السجود. حسناً، أسجد طوال النهار، فمتى أصلي إذاً؟ لا أعرف. الآن فهمت أنك لن تدخل الجنة بعملك. إذاً متى آكل؟ وأنا عندما هكذا أربعٌ وعشرون ساعة لا يستوعب عقلي كيف سيشتاق. حسناً، وبعد ذلك ليس لها شيء. استحيي الآن. ما اسم عملك؟ العمل الذي تقدمه لربنا تافه، فأرجو رحمته. يا رب، أنت تعرفني، ألست أنت الذي خلقتني؟ أدخلني الجنة هكذا بلطف. اعرفوا كيف تخاطبون ربكم. الرجل الشجاع اسمه الحجاج كان... سفاك الدماء كان من كثرة قراءته للقرآن، كان يُكمل القرآن كل سبعة أيام. الحجاج
سفاك الدماء كان يُكمل القرآن كل سبعة أيام. كانت المصيبة في حظنا الشديد، قتل سعيد بن جبير من أهل الله. مرض سعيد ودعا عليه قائلاً: "اللهم لا تمكنه في أحد من بعدي". قُتل اليوم وهو يوم الثلاثاء أصيب الحجاز بمرض الموت فهو يدعو ربنا، لقد أدرك فقال: "ما لي وما لسعيد؟ ماذا كان الذي أدخلني مع سعيد؟ ليتني تركته. أنت ذهبت ووقفت أمام القطار يا حجاج، أهذا كلام معقول؟" يعني أصبح يشعر بالله والفعلة فيه، يعني عندما
مرضوا فهم أن هذه من... دعوة سعيد ليست مغلقة تماماً. من أين هذا؟ من قراءة القرآن يا إخواننا. سفاك للدماء هو وكذا وكل هذا باطل وكلام فارغ وهو إلى آخره، لكننا نرى كيف أن هذا الرجل الطيب جاء بهذه الدعوة؟ هذا توفيق من عند الله. لماذا يوفقه ربنا؟ لأنه يقرأ القرآن كثيراً فيقول ما لي سعيد هلا تركته فتركني ثم يقول يا رب. هذا الكلام لا يصلح إلا إذا كان الله علمه له. يقول يا رب أن الناس تقول إنك لا تغفر للحجاج. اللهم اغفر لي. الذي يتأمل هذا الرجل عرف كيف
يخاطب ربه: "يا رب، هؤلاء الناس يقولون أنك لن تغفر". لي شأن هيُقال عليك، اغفر لي إذن كي تغيظهم، اغفر لي حتى يعرفوا أنك فعّال لما تريد، اغفر لي لأنك أنت القاهر فوق عبادك، اغفر لي الآن وانتهى الأمر، فقد اعترف بذنبه وجاء نادماً وفهم عن الله مراده وخَبُتَ وعرف كيف يخاطب ربه، إن الناس تقول إنك لا تغفر للحجاج، اغفر لي، وإنما يستقيم الرجوع إليه حالاً باليأس من عملك وبمعاينة اضطرارك. اعلم
أنك مضطر إليه، هو ليس في حاجة إليك وأنت في حاجة إليه. لازم تجعلها معك دائماً: "لا حول ولا قوة إلا بالله". إنك مسكين جداً، وترى بريق لطفه فيك أو بك، أي ترى وتلاحظ. اللطف الذي يلطفه الله بالناس يقول لك إن العين عليها حارس. تأتي الضربة فوقها أو تحتها، يأتي الله بلطفه. ألا يمكن أن تصيب العين في كل مرة وتجعلها تُصاب؟ إنه لطف. لو تأملت اللطف الذي يحدث معنا في السيارات وفي الحوادث. والله ذو لطف، فاعلم أنك بين يدي الله يفعل ما يشاء ومن أجل هذا لابد أن تراقب لطف الله فيك،
فهذا يساعدك على أن تتطور حالتك معه وتكون في أحسن حال. نستمع الآن ثناءً ومدحاً من فضيلة الشيخ الهلباوي.