سبيل المبتدئين في شرح البدايات من منازل السائرين | باب التذكّر | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: باب التذكر. يعني هذا باب التذكر، فبعد أن ذكر من قسم البدايات باب اليقظة، باب التوبة، باب المحاسبة، باب الإنابة، باب التفكر، يذكر. السادس من الأبواب العشرة التي تمثل قسم البدايات، وقسم
البدايات واحد من عشرة، وكل باب واحد من مائة. فنحن الآن في الطبقة الأولى في الخطوة السادسة، وهناك مائة خطوة مقسمة إلى عشر مراحل أو طبقات أو أقسام، وكل واحدة من العشرة فيها عشرة أبواب أو خطوات تيقظ الإنسان من غفلته. وعَرفَ حقيقةَ الدنيا وأنها إلى زوال، هذه حقيقةُ الدنيا لم تَبقَ لأحدٍ من قبله، هذه حقيقةُ اليَقظة. فيَقِظَ وعَرفَ أنه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، وأنه لا حولَ ولا قوةَ
به، ولا يستطيعُ أن يُحدِثَ في الكونِ إلا ما أرادَ الله وبإذنِ الله، فلا يكونُ في كونِه إلا ما. أراد تيقظ فعرف أنه عبد مكلف يجب عليه أن يأتمر بأمر ربه سبحانه وتعالى فيقف عند أوامره ويفعلها وعند نواهيه فينتهي عنها وعند حدوده فلا يتعداها تيقظ فعرف أن هناك يوما آخر نعود فيه إلى الله وليست المسألة دنيا فقط والحساب يكون في الدنيا وينتهي الأمر وكما نشأنا
من تراب نعود إلى تراب أبداً، هناك يوم آخر للحساب، للثواب، للعقاب، يحقق فيه ربنا سبحانه وتعالى وعده بالجنة ووعيده بالنار والعياذ بالله. يقظة عرف حقيقة الأمر، عندما يعرف الإنسان حقيقة الأمر فإنه يجب عليه أن يبادر بالتوبة، التوبة من المعاصي حتى يدخل دائرة التكليف، التوبة من السوى حتى يصل إلى التوكل. الصادق على الله فإن الله سبحانه وتعالى حقيقة الأمر معه التسليم والرضا، وحقيقة الأمر مع
العباد الرحمة، وحقيقة الأمر مع النفس الهمة. إذًا، فيجب عليك أن تعرف حقائق الأشياء: مع ربك سلِّم وارضَ بما قد كتبه الله عليك ولك، ومع نفسك كن عندك همة للعمل الصالح وللتصديق الصحيح مع الخلق. يكون لديك رحمة مع الشرع، ويكون لديك سمع وطاعة. سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير. يتوب ويرجع عما هو عليه، فيتوب من حقوق الله، ويتوب من حقوق الناس، ويهيئ نفسه للحياة الجديدة
مع الله، ويترك ما قد مضى وكان. فإذا فعل ذلك، فعليه أن يحاسب نفسه وأن يتذكر. خطاياه وأن يعد نعمة الله حتى يعجز عن عدها فيخضع له سبحانه وتعالى وهو باب المحاسبة فإذا فعل ذلك فلا بد عليه من تنفيذ ذلك العهد الذي عاهده مع الله في التوبة فالتوبة عهد والإنابة عمل تنفيذ للعهد فليبدأ في تنفيذ عهده فينخلع من دائرة المعصية إلى دائرة الطاعة ومن دائرة الظلمات إلى دائرة النور، ومن دائرة التعلق بالسوى - أي سوى الله - إلى أن يكون
قلبه ليس فيه إلا الله. بعد الإنابة يأتي دور التفكر "ولعلهم يتفكرون"، وقلنا في التفكر أن البصيرة ترى كما يرى البصر، ولكن البصيرة من عيون القلب والبصر من عيون الجوارح. البصر ينظر ويتلفت ويطلب. مراده حتى يراه والبصيرة أيضاً تطلب مرادها حتى تراه، فالبصيرة تحاول أن تفعل شيئاً لله تصل به إليه. هذا هو التفكر، جالس
يتفكر. التذكر الذي معنا اليوم وصل للشيء، يعني كالعلاقة بين الإنابة والتوبة، فالتوبة نظر والإنابة عمل. سنبدأ الآن في الجدية، وكذلك التفكر عبارة عن بحث يتفكر لكن التذكر. جني الثمرة يدور على ثمرة يأكلها فوجدها كلها. هذا هو التذكر، إذ يكون التذكر بعد التفكر وبعد اليقظة. إذ لا فائدة فيمن هو في غفلة، فكيف تتحدث إلى نائم؟ لا تكليف على غافل، لا تكليف على غافل. توجد قصص يسمونها قصص المجذوبين،
لكننا لا نحب أن نذكرها كثيراً حتى لا يسيء الناس فهمنا. خطأ، إنما هؤلاء المجذوبون أيضاً أخذوا الحكمة من أفواه المجانين. ما دام العالم الذي نعيش فيه مجنون ليس له أصل ولا فصل، فمن المناسب أيضاً أن نأخذ الحكمة من أفواه المجانين. كان لدينا هنا شيخ عظيم جداً في القرن التاسع الهجري اسمه الشيخ الشوني، والشيخ الشوني... هذا هو الذي أنشأ مجالس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجامع الأزهر حتى أصبح حافلاً بذكره صلى الله عليه وسلم مع ذكر ربه، ثم بعد ذلك صارت سنة إلى أن تناساها الناس، وبعد ذلك انقطعت في أوائل القرن الذي نحن فيه، يعيدها على
يديك يا مولانا. ما أنتَ مُحِبٌّ فتُرجِع مجالسَ الصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الأزهرِ حتى يعودَ إليه نورُه ويعودَ مُشعلاً كما كان، فإنَّ الصلاةَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم مقبولةٌ حتى من المنافقِ لأنها تَعَلَّقَتْ بالجنابِ الأعظمِ صلى الله عليه وآله وسلم، وبها تزدادُ الجنةُ سَعَةً، وبها تُغفَرُ الذنوبُ. وتوسع الأرزاق وتنور القلوب وتثبت المعلومات في الأذهان. الصلاة على النبي لا تقل عنها إنها شيء آخر، وإذا كان المرء عاصياً ويريد ولكنه لا يستطيع التغلب على معصيته، فليصلِ على النبي عليه الصلاة والسلام ويداوم على الصلاة عليه، فستُقبل
حتماً، فلا بد أن تُقبل، يعني لو سبّح مع عظمة وجلال. الله إلا أن الله سبحانه وتعالى يردها عليك لا يحتاج إليه ولكن النبي جمع بين أمرين أنه بشر وأنه قد عظم من قبل ربه فرفع شأنه ورفعنا لك آية ذكرك فصلى الله عليه وسلم فتح الله له هذه البوابة أنه سيقبل كل من يصلي عليه لكي يأخذ درجات كثيرة يوم القيامة. القيامة... طيب، والنبي نقص درجات؟ قال له: "الشرف لا ينتهي، درجات الشرف لا تنتهي. هل العدد ينتهي؟ طيب، هذا عدد، وآخر الأعداد ديشليون. يبقى ديشليون
هو واحد. لا، لا ينتهي العدد، لا ينتهي. فدرجات الرفعة لا تنتهي، فلا يزال النبي صلى الله عليه وسلم يتقلب في الدرجات العلى إلى يوم". القيامة بالمصلين عليه صلى الله عليه وآله وسلم يزداد عظماً عند الناس ويزداد عظماً عند الله مع عظمه وجلال قدره وعدم احتياجه إلينا، فقد فاقنا بكثير لدرجة أننا لا ينبغي أن نلتفت عندما نصلي عليه أننا نفعل له شيئاً، نحن نفعل لأنفسنا. قال العلماء أهل الله: لا تلتفت عند الصلاة. عليه أن تقدم له شيئاً فإن الله يردها عليك عشراً ويزيد حتى لا تكون لك منّة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إذاً
فلا بد علينا والبصيرة تبحث في التفكر عن مطلوبها ولها أن تبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى تنخلع من الضلالة إلى الهدى من الاستغناء إلى الافتقار إلى الله، من المعصية إلى الطاعة. تبدأ بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وتُكثر منها. بعض أهل الله قال: أقلها ألف في اليوم. بعضهم قال: ثلاثمائة وخمسين مراعاةً للناس الكسالى. حتى الكسالى يراعونهم. حتى
لو لم يكن لك شيء، فالمتقل الهندي يؤلف كتاباً يسميه هداية. ربي عند فقد المربي لما مللناه الشيخ نعمل ماذا؟ نصلي على النبي فهو شيخ الكل وإليه المنتهى وهو نهاية السلسلة، فإذا حركتها تحركت. فالصلاة والسلام عليه. فالشيخ الشوني لما أنشأ الصلاة على النبي هنا في هذا المسجد صار بها من كبار أولياء الله الصالحين عالٍ جداً من حبه في سيدنا. رسول الله كمن رأينا من مشايخنا كان إذا ذُكِر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمعت عيونهم من شدة حبهم وتعلقهم، كان منهم الشيخ صالح الجعفري يجلس وهذا المجلس في هذا المكان المبارك، وكان محباً
لرسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره بين كل كلمات يقول له: يا سيد اسقني. صلِّ على النبي عليه الصلاة والسلام يا سيدي، لا تنسَ رسول الله ولا حب رسول الله. أحبوا رسول الله وعلِّموا أولادكم حبه. فالشيخ الشعراني نزل قرية، هذه القرية كان فيها امرأة اسمها عزيزة المجنونة. ما هي قصة عزيزة المجنونة هذه؟ عزيزة المجنونة كانت تمشي عارية في الشارع، والذي يضع عليها عباءة أو... يُعطيها ثوباً يسترها، تضربه وتخلع هذا الثوب أو تقطعه. وفي يوم من الأيام، انتهى الأمر واكتشفوا حقيقتها. ماذا سيفعلون؟ الأمر لله. لا
يوجد تكليف، فالعقل قد ذهب مثل عقولنا. سنُصاب بالجنون مما يحدث، سيجعلوننا مجانين. اللهم احفظنا. وجدوا عزيزة المجنونة منتقبة في أحد الأيام، ما هذا! ماذا عزيزة؟ ماذا جرى لكِ؟ قالت: دخل القرية اليوم رجل. قالوا: يا، دخل رجل! أمّا نحن فماذا؟ قالت لهم: أنتم بهائم، أنتم. في مرة واحدة قلعت أمام البقر، هل حدث شيء شرعاً؟ قالوا لها: لا. قالت لهم: أنتم بهائم. فبحث: من الذي دخل النار هذا؟ الغريب الذي دخل البلد، هل رأيتِه؟ قالت له: رأيت أنوارًا عزيزة
مجنونة لأنها غير مكلفة فهي كالأطفال عند الله. أراها الله الأنوار التي للشيخ الشوني بالصلاة على النبي التي أتى بها، فهو طوال النهار جالس يصلي على النبي سيدنا محمد. فدخلت وقالت: "رأيت أنوارًا طافحة". والله طافحة! أنت تعرف أن تقول لي طافحة؟ قالت: هو الذي يراها هو. هكذا أغرق فيها، ستغرق في النور. بحثوا فوجدوه الشيخ الشولي الذي دخل البلد عزيزًا وهي تقول: "أنتم غير مكلفين لماذا؟ لأنكم نائمون. أنتم عرفتم حقيقة الدنيا، أنتم عرفتم أنها إلى زوال، أنتم عرفتم الأسرار والأنوار، أنتم عرفتم شيئًا، هذا شيء يدفع للجنون. أأنا المجنونة أم أنتم المجانين؟" قلنا
لها. لا، نحن المجانين. حسناً، هي مجنونة في نظر الشرع فيما بينك، ولكن ربنا نوّر قلبها، فإذاً ينبغي عليك أن تعود إلى الله وأن تتيقظ وتتوب وتحاسب نفسك ثم تنيب إليه وتبحث ببصيرتك عن الحق ثم تتذكر وتأكل الثمرة. قال: باب التذكر، رضي الله عنه. انظر إلى الترتيب، الترتيب فيه. الحكمة ما كانت ترتيبًا هكذا، قال الله عز وجل: "وما يتذكر إلا من ينيب". التذكر فوق التفكر، إذًا هو لم يكتبها هكذا اعتباطًا، بل إنه يفهم أن التذكر فوق التفكر، ولذلك
جاء بها، جاء بباب التذكر بعد التفكر. التفكر تبحث فيه عن ثمرة الجوافة أو المانجو أو انظر ماذا تحب. التذكر... تأكلها انظر الفرق بحثنا ووجدنا الشجرة وقطفنا، قال لا تفكر حدث شيء، فهو مثل ما قبلها، لكن عندما تأكلها فعلاً تكون قد سددت جوعك وتلذذت بها، والذي يسمونه هنا مع الله رفع الحجاب، فيكون التذكر سيؤدي بك إلى ماذا؟ إلى رفع الحجاب، فإن التفكر طلب والتذكر وجود الله. هذا يكون الشيخ فاهم، الشيخ فاهم جيداً جداً. التذكر طلب، والتفكر طلب، والتذكر وجود
تطلب أن تبحث بالبصيرة. الآن لا، هذا أنت جلبته وأصبح في يدك وأكلته. التفكر بحث وطلب، والتذكر رفع للحجاب، تنفيذ لما حصلته من طلب، مثل المثال الذي ضربناه. وبنية التذكر ثلاثة أشياء، العناصر الخاصة به. اللغة القديمة تقول... الأبنية، الأبنية، أي العناصر الخاصة به، المكونات الخاصة به. الانتفاع بالعظة، عندما يعظك يجب أن تنتفع بالعظة. إذا لم تنتفع بالعظة فأنت نائم، أي أنك لم
تستيقظ بعد. الموعظة تؤثر في أهلها تأثير السحر. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرًا". كان الناس قديمًا متيقظين بشدة، لن أقول أكثر من ذلك. عن اللزوم لأن ليس هناك زيادة عن اللزوم لأن كلما تيقظت كلما كنت أقرب إلى الله ليس هناك زيادة عن اللزوم فهناك تيقظ شديد جداً كانوا متيقظين بشدة فيسمعون الموعظة فيموتون يقول فشهق فمات غير قادر الآن من شدة شوقه لربه يريد أن يخرج من ثيابه هكذا يريد أن يخرج من جسمه يريد أن يخرج من هذا الكون من شدة اشتياقه للقاء
ربه، غير قادر على البقاء. ألا إن هؤلاء هم الذين جاهدوا في سبيل الله، هم الذين عندما سمعوا أن محمداً قد مات قالوا: ماذا نفعل بعده؟ هيا بنا ننهض. لقد أهملتهم تماماً، أليس قد قال لهم محمد كان قد مات، فقالوا: حسناً، استسلمنا. رفعنا الراية. لا، قالوا إن محمداً في أُحُد، إن محمداً قد مات. قال: والله مات، نريد أن نلحق به. هيا أنت وهو اعملوا معنا، دعونا نضرب هؤلاء الناس ونقضي عليهم. إن محمداً قد اشتاق للقاء ربه، موقن متيقظ صاحب. فكانت الموعظة إذا جاءت له أثرت فيه، وهذه الموعظة تؤثر في. مَن هو نائم لا يسمع،
ومَن هو ميت لا يستجيب، ومَن هو غائب لا يرى أبداً، لا تؤثر فيه. فلكي تُؤكَل الثمرة ويُرفع الحجاب، يجب أن تهيئ نفسك للاستفادة بالموعظة بحيث أن الموعظة تنزل عليك، فإذا بها تثيرك لله وتدفعك إلى الإيمان وتغير حالك. والاستبصار للعبرة يجب أن يكون. عندك طلب لأن تبصر العبرة التي وراء كل شيء، وفي كل شيء له آية تدل على
أنه واحد. عندما يشتمك أحد، تعلم أن الله قد سلطه عليك لاختبارك. إنه مسكين، هو لم يفعل شيئاً، هو شتمك فقط. أما أنت فتقول: الله سبحانه، وتوبتي إليك، ليس لك شأن بذلك. بينما أنت ترى أن الذي يسمع هو ليس الذي شتمك، بل إن الله سلَّطه عليك ليشتمك. يا سلام لو فهم الناس ذلك، لكن الناس نسوا الله واعتمدوا على حولهم وقوتهم، ويظنون أن قوتهم من أنفسهم، وبمجرد أن يُشتموا يعتبرونها إهانة ويرون أنه يجب عليهم رد الشتيمة بشتيمتين. والله قال... حسناً، هدِّئ نفسك ورُدَّ الشتيمة بشتيمة واحدة فقط، لكن إذا صبرت فهو خير
للصابرين، واصبر وما صبرك إلا بالله. يأخذك واحدة واحدة، لكن الحقيقة ماذا؟ أن الرجل لم يشتمك ولم يفعل شيئاً، إنما الله يمتحنك وأنت تسقط في الامتحان كل مرة يا فاشل، وستُطرد هكذا في النهاية، لقد سقطت. كم مرة قال لي: ولا مرة، ولا مرة، لأنه أخذها على الفور وأخذ البكالوريوس. أخذ البكالوريوس والليسانس والليسانس، وأخذ ما لا يسقط ولا مرة، وهو يفشل مع الله كل يوم. سقطت كم مرة؟ هذا هم يعطون. انظر الآن ساعة رحمة الله، يعطون في الكليات سنتين أو ثلاثة ثم الدكتوراه ولا. في المدارس أو غيرها،
الله يمنحك عدة فرص، وهذه الفرص مفتوحة حتى لحظة الموت. يا إخواني، الله واسع الرحمة، والفوز بثمرة الفكرة يتطلب منك أن تأخذ وسيلة النجاة لتحصل عليها، وهي ما نسميه رفع الحجاب. انتبه، فالثمرة عندنا هنا هي رفع الحجاب. حسناً، ماذا نفعل؟ علينا أن ننتفع بالموعظة. كيف أريد أنا أن أنتفع بالموعظة؟ دلني! ما هو هذا دليل، هذا دليل مثل الذي يوزعونه مع الثلاجات "كيفية الاستعمال" والآلات. لقد عملوا لنا أدلة لكي نسير عليها في طريق الله. يقول لي: أين؟ ماذا أفعل؟ يعني بالتفصيل. التذكر لن يأتي إلا بثلاثة: واحد اثنان ثلاثة رقم.
واحد الانتفاع بالموعظة، كيف أعملها إذن؟ هو يجيب لك بالتفصيل كيف تفعلها. قال له: نعم، إنما ينتفع بالموعظة بعد حصول ثلاثة أشياء لازم تعملها أولاً حتى تصل إلى الموعظة والانتفاع بها وتحصيلها بشدة الافتقار. تقول: أنا أريد شخصاً يعظني، وليس أول ما ترى الوعظ في التلفزيون تأتي وتغلقه. تحوَّل على الفيلم العربي، لا تتأخر في البيت وتتعلل كي لا تسمع الرجل الذي يُلقي الخطبة، فتأتي مع الصلاة مباشرةً كأداء فرض وتسلم بالكاد وحذاؤك بين قدميك
تجري. ليس هذا افتقاراً للموعظة بل هو استغناء، في حين أنه لن ينفع إلا بالافتقار إلى الموعظة. يجب أن تشعر أنك تحتاج أن تريد سماع أول شيء وبغض النظر عن عيب الواعظ، يا بُني. إن عيب الواعظ يصد الموعظة كلها حتى قال: خذ بفتواه ولا تأخذ بتقواه. اسمع كلامه، فسيدنا علي رضي الله تعالى عنه كان يقول: لا يضرك من يقول، اسمع ما يُقال، لا يضرك من
يكون. المشكلة أنه ليس لنا شأن بمن هذا الذي يُجري الله على لسانه ما أراد أن يبلغه للناس. لا يضرك من يقول، انتفع بما يُقال. ما يُقال هو الأساس، هو هذا الذي وصلك أنت. أما هو فأصبح بعد ذلك فاسقاً أو طيباً أو شريراً، فليس لنا شأن به. مخطئ أو مصيب، فعليه وزر نفسه، لكن الموعظة نفسها تدبرها. ولا يمنعك عيب الوعظ، وهذا يخطئ في النحو، وهذا يخطئ في القرآن، وهذا ليس عارفاً شيئاً في الحديث، وهذا بينه جاهل، ونحن لا نعرف كيف أحضرت وزارة الأوقاف هؤلاء الناس، ولا نعرف كيف خرّجهم الأزهر، وكلام من
هذا القبيل. اسمع فقط ماذا يقول، إنه يقول لك: اتقِ الله فقط. امسكها إذن هذه واجعلها حدوتة (قصة) ولا يضرك أنها خرجت من أي شخص، ولا تنظر من الذي قالها. ربما قالها شخص صغير، وربما قالها شخص كبير، وربما قالها شخص صالح، وربما قالها شخص فاسد. لكن اتقِ الله، فهذه شيء جميل جداً. خذها إذن وانظر وابحث عنها كيف تعملها، فتكون شدة الافتقار. أي اصغِ إلى الموعظة وكن أعمى عن عيب الواعظ، لا ترَ الوعظ أبداً وسمّاها العمى، أي أنك لا تراه مطلقاً، بل تسمعه فقط. انظر كم هذا مهم وتذكر الوعد والوعيد، يجب
أن تتذكر وعد الله بالجنة فيدفعك إلى الرجاء في الله وتكون في حالة رجاء، لكن هذا الرجاء لا تستهين معه بالمعصية، فهذا ليس صحيحاً. ربنا غفور رحيم، وتتنقل يميناً وشمالاً بين الوعد والوعيد. الوعيد يُحدث رهبة، والرهبة تولد خوفاً، فتعبد ربنا بين الرجاء والخوف. هذه هي الحكمة. لا تخف إلى درجة اليأس من رحمته لأنه رحيم وواسع المغفرة، ولا تقل: "لقد غضب علي وليس هناك فائدة". احذر، من أنت حتى يغضب منك أو لا يغضب؟ عليك ولا كذا أنت أدفأ من أنه يغضب عليك ولكن لا تجعل طمأنينة نفسك تكون بين الرجاء والخوف، هذه هي الحكمة، ومن يُؤتَ الحكمة فقد أوتي
خيراً كثيراً. حسناً، هذه عرفناها، والآن سنصل إلى كيفية الانتفاع بالموعظة. كيف أكون مشتاقاً إليها؟ لا آخذ بالي من الوعظ ولا شأن لي به، أكون... دائماً متذكر الوعد والوعيد الذي من الله ومصدقه حتى يجعلني أعبده بين الرجاء والخوف. بهذه الطريقة ستجد الموعظة تؤثر فيك. قلنا رقم اثنين: الاستبصار للعبرة بثلاثة أشياء. إنه يشرح لي كيف تفعل كل شيء بحياة العقل. اجعل لديك عقلاً تعرف به الحسن والقبيح، فالحسن ما حسّنه الله لك.
والقبيح ما قبحه الله عليك، فيبقى الحسن الواجبات: الصلاة والصوم والحج وما إلى ذلك، والمندوبات والمباح، كل هذا حسن. لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى حسنه. هذه هي حياة العقل، حياة العقل تتم بالتحسين والتقبيح، ولكن ليس من ذاته وإنما من الشرع. لا تستلطف أبداً المعصية: السرقة والزنا والربا، هذه القاذورات كلها. استقبحها، هذا هو العقل، والعاقل خصم نفسه. بحياة العقل، عندما تُعمِل
عقلك يصبح في حياة هكذا، ويعرف التحسين والتقبيح، ويعرف أن ذلك من الشرع، فيُحسِّن ما حسّنه الشرع ويُقبِّح ما قبّحه. ستجد روحك وبصيرتك قد أنارت، وعرفت ماذا تفعل. أول شيء عرفت المقياس الذي ستسير عليه، ومعرفة الأيام والالتفات إلى أن اليوم. الذي يذهب لا يعود. الالتفات إلى أننا نريد أن نعمر أوقاتنا ونعمر أيامنا. الالتفات إلى كلام الإمام الشافعي: "صحبت الصوفية فتعلمت منهم كلمتين: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ولا تحزن على شيء فاتك". هذه هي الكلمة الثانية.
خلاص، إنه كل شيء. صحيح، الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. فتُصبح تجري كأنك تُطارَد بقطار. ليس وعدك الساعة العاشرة لتأتيني الساعة الثانية عشرة وتقول لي: "لا عليك". ما معنى "لا عليك"؟ يعني لا يهمك، لا عليك شيء. فاختصروها وصنعوا منها كلمة واحدة "معليش"، مثل "بلاش" التي تعني بلا شيء. "بلاش يا أخي، بلاش". "هات ببلاش" يعني. بلا شيء مثل "ولاش" في الصعيد. مَن منكم في الصعيد؟ لا أحد. أنا الصعيدي يقول لك: هات "ولاش" بقدونس، يعني ولا شيء، يعني حبة صغيرة أو لا
شيء. لا عليه، ويضيع الأوقات. إذًا انظر كيف يحافظ على الوقت. لا تحزن، عدم الحزن هذا الذي نحن قلناه الآن، التسليم والرضا مع. ربنا ونتعامل مع الأكوان كيف نتعامل معها. لتكن الهمة هي الهمة، والتسليم والرضا هما الأساس كله. معرفة الأيام والسلام من الأغراض سمّوها التخلية والتحلية؛ أن تُخلي قلبك من القبيح وتُحلّيه بالصحيح، وأن تُخرج من قلبك التعلق بالدنيا وتملأه بالتعلق
بالله. صفات الله جمال وجلال، فقم لتتخلق بالجمال وتتعلق بالجلال. احذر أن تكون منتقماً ومتكبراً وجباراً. لا، كن رحيماً ورؤوفاً وعفواً تتخلق، وادعُ ربنا أن ينتقم من أولئك السفلة ويخسف بهم الأرض، ويجعل ثأرنا على من ظلمنا، ويجعل الدائرة عليهم، ويشفي صدور قوم مؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم. وإنما تُجنى ثمرة الفكرة التي هي القسم الثالث بثلاثة أشياء: بقصر الأمل، فكل واحد يخطط الخطة الخمسية والخطة. العشرية والخطة التي له لعشرين سنة وهو لا يعلم أنه سيبيت غداً،
طول الأمل، لكن كما يقول: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً". فقال أحدهم: معنى هذا الحديث أنه يجب عليّ أن أعمل لحياتي وأبني بيتاً جيداً لأعيش فيه الثلاثين أو الأربعين سنة القادمة. اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، أسس هكذا واعمل، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. لا، بل بالعكس، اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، فتقوم بالليل، فهذه آخر فرصة، لأنك ستموت غداً. واعمل لدنياك كأنك تعيش
أبداً، يعني ما ضاع منك اليوم ستدركه غداً، وإذا ضاع غداً فسيكون بعده أيام أخرى. يقول لك الله: انظر إلى المشايخ يقولون لنا اتركوا الدنيا، أنتم أصلاً لا تملكون دنيا حتى تتركوها. نحن نقول لكم لا تتعلقوا بالدنيا، اجعلوها في أيديكم ولا تجعلوها في قلوبكم، هناك فرق كبير. كن قوياً، "الذين إن مكناهم في الأرض"، مكناهم أي قوة. المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن. الضعيف ماذا يفعلون؟ أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور. خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير، فاحرص على ما ينفعك. انظر إلى الحديث ها
هو، فأنت المؤمن القوي خير، ولكن القضية ليست هنا. لست أقول لك اترك الدنيا، أقول لك لا تتعلق بالدنيا. انظر إلى الفرق الكبير. كيف تكون بين الاثنين؟ اجعل الدنيا كلها في يديك، لا تفرح بالموجود ولا تحزن على المفقود. يمكن أن تتركها في لحظة لله من غير تأويل ولا تردد، وأن تحاول أن تبدأ في تحصيلها مرة أخرى لله أيضاً. انظر إلى الناس الذين خرجوا من ديارهم مهاجرين ينصرون الله ورسوله، خرجوا من أموالهم وديارهم. فماذا كان في شأنهم أن مدحهم الله للفقراء المهاجرين
الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، أهم هؤلاء الصادقون حقاً؟ لماذا منحهم الامتياز؟ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبله يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا. ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وما يوقى شح نفسه فأولئك هم المفلحون، هكذا وصل الناس إلى هذا المدح والثناء من رب العالمين، كيف؟ بأن جعلوا الدنيا في أيديهم لكنهم لم يجعلوها أبداً في قلوبهم، فإذا تعلقت القلوب بالدنيا أذلتكم، فلا بد
أن تخرج الدنيا من القلوب. لا من الناس، لا، إننا نريد الآن أن نلحق بالعالم كله، خاصةً في امتلاك القنبلة الذرية وأسلحة الدمار الشامل. نريد أن نحصل عليها، ولكن بأيدينا وليس في قلوبنا. وبعد ذلك، ذلك يخوّف الله به عباده: "يا عبادي فاتقوا". ما هو العراق لم يكن لديه دمار شامل فغزوها، أما كوريا فلم يغزوها لأن لديها. ذرية نقول لهم لا، عندنا أيضاً، استحي الآن وبقدر ما كان، لكننا لا نستخدمها مثلهم في هيروشيما وناجازاكي وما إلى ذلك، لا، إنما للتخويف والنكال لأنها تحت يد المسلمين، هذا ما نريده. كيف
نصل إلى قصر الأمل؟ ليجلس بعد العشاء ثلاث دقائق فقط، لا تجعلها خمساً فتتعب رأسك، وأغمض عينيك. هكذا وتخيلها في القبر أنك مت، ياه ستجدها صعبة جداً. "سأموت! يا للمصيبة!" في اليوم التالي لن تكون مصيبة ولا شيء، ستصبح خبراً عادياً هكذا. اليوم الثالث "أهاً"، اليوم الرابع "ما المشكلة؟" لقد مات، فلماذا لا نضيف أحداً آخر ليجلس نصف ساعة في القبر لتُحفظ ذاكرته لأن الله يريدك. يريدك أن تعمر الدنيا ويريدك أن تعبد الله، إنما هذا دواء تأخذ منه الجرعة المناسبة له فقط لأجل فوائده، ولا تزد الجرعة وإلا تختل معك الأمور. وعلى
قدر التأمل في القرآن، كلما تأملت فيه، كلما خرجت بمعنى جديد، وكلما تدبرت فيه، كلما ارتبطت [به]. وتجد شيئًا جميلًا وتؤسس به تأسيسًا وينفتح معك، لا يوجد كتاب هكذا أبدًا، وهذا يجعلك ترفع الحجاب، وهذا يجعل بينك صلة بينك وبين الله، وقلة الخلطة والتمني والتعلق والشبع والنوم، فيقول لك: قلة النوم وقلة الطعام وقلة المنام وقلة الكلام توصلك إلى رب السلام وتُخرج من قلبك الحطام.
يقولون هكذا. يقولون ماذا إذن قلة الأنام -أي الناس- وكونوا مع وليس من، فالقرآن ماذا يقول؟ "مع" وليس "من"، هذا يتحدث عن الصحبة الطيبة والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، وكونوا مع الصادقين، أي اختر الصحبة لأن البيئة تؤثر في الإنسان، والرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم... سأل عابداً فقال: "لا توبة لك"، فقتل، فأتمّ به المائة، ثم سأل عالماً، قال: "من ذا الذي يتألى على الله؟ لكني أراك ببلدة قوم سوء تركوك تقتل مائة
شخص يا طالب، وتركوك دون أن يقتلوك، لابد أنهم موافقون على ما تفعله. اذهب إلى أرض فلان وليس أرض كذا، فإن فيها قوماً..." صالحين إلى آخر الحديث يُؤخذ منه أن باب التوبة مفتوح حتى بعدما أتى المائة وأنه يجب عليه أن يُغير البيئة، أي الصحبة، أي أن الصحبة لها درجة كبيرة. كمن يضع القهوة في اليم مكتوفاً ويقول له: إياك إياك أن تبتل بالماء، هل ينفع؟ لا ينفع، سيبتل بالماء. هذا تكليف بما لا يطاق، فيجب الصحبة الحسنة الطيبة لأن الله أمر بها عندما قال "مع" ولم يقل
"منه". أي كوني صادقاً، لكن "معه" يعني أنه يجب أن أجد الصادقين وليس الكاذبين وأجلس معهم. تقلل الأنام، تقلل الكلام، تقلل الطعام، تقلل المنام، قم تخرج أو يخرج من قلبك حطام الدنيا لكي يأتي مع المؤمنين أيضاً، نعم. يخرج من قلبك الحطام ويتجلى فيه السلام سبحانه وتعالى، والسلام هنا جميلة لأنه سلام في النفس وسلام بمعنى الله، فهو قال هاتين الكلمتين. أين إذن؟ إنها قلة الخلطة التي تحدثنا عنها، قلة الأنام والتمني والتعلق، أن تتمنى الحطام
وتتعلق بما سوى الله. نحن نريد الله فقط والشبع الذي... هو الطعام والمنام هذه الستة ها هي قلة الأنام والطعام والمنام ونحن أضفنا عليها الكلام وبعدين لا للحطام دعها سلامًا ستة واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ونحن أضفنا من عندنا ماذا؟ السادس، فاللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا، لا بأس، لقد أخرناكم اليوم وأكثرنا من الكلام إنما...