سبيل المبتدئين في شرح البدايات من منازل السائرين | باب التفكر | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اللهم صلِّ على سيدنا محمد في الأولين، وصلِّ على سيدنا محمد في الآخرين، وصلِّ على سيدنا محمد في العالمين. اللهم فرِّج همَّ أهل العراق المسلمين، وسدِّد رميهم، وثبِّت أقدامهم، واجعل الدائرة على عدوهم وعدونا. اللهم اجعل تدبير الأمريكان تدميرهم وأحط بهم واسحب النصرة منهم، اللهم أنزل النصرة على جنود المسلمين، اللهم يا أرحم الراحمين اجعل الكون يحارب معهم وأنزل من عندك ملائكة مردفين
ومسومين، اللهم أيد بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم يا أرحم الراحمين اشف صدور قوم مؤمنين وأذهب غيظ قلوبهم يا أرحم الراحمين. اللهم انقلنا من الضلالة إلى الهدى ومن الفقر إلى الغنى ومن الحاجة إلى الناس إلى الحاجة إليك وحدك يا أرحم الراحمين، لا نعبد إلا إياك ولا نعرف رباً سواك، فاستجب دعاءنا كما وفقتنا لدعائك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر بفضلك جنود الإسلام والمسلمين، اللهم يا رب العالمين. شتتهم بددًا وأحصهم عددًا ولا تغادر منهم أحدًا. اللهم
انصرنا عليهم اليوم قبل غد يا أرحم الراحمين. اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين وصل على سيدنا محمد في الآخرين وصل على سيدنا محمد في العالمين، واجعل ثواب ما نقرأ وما نذكر وما نقول لشهدائنا يا أرحم الراحمين، واجعله حصنًا. حصناً تصد به عنا كيد الكائدين وعدوان المعتدين وطغيان الطاغين وكفر الكافرين، اللهم اشغلهم بأنفسهم، اللهم اشغلهم بأنفسهم، اللهم اشغلهم بأنفسهم، اخسف الأرض بهم، صُبَّت عليهم صواعق السماء، اللهم يا رب العالمين استجب ببركة سيدنا محمد وسائر الأنبياء والمرسلين، اللهم نسألك باسمك الأعظم الذي إذا ما دُعيت
به أجبت أن تستجيب دعاءنا يا رب العالمين. قال رضي الله تعالى عنه: بعد أن بيّن باب اليقظة وباب التوبة وباب المحاسبة وباب الإنابة، شرع في الباب الخامس من مائة باب، يعني في الخطوة الخامسة من مائة خطوة. قال: باب التفكر. قال الله تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم ولعلهم..." يتفكرون إذا وقفوا عند كلمة من كتاب الله لأنه هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كلمة الله سبحانه
وتعالى التي سمح لنا أن نتلوها وأن نقرأها وأن نهتدي بهديها. عاش ولم يفهم فقط ولا اقتنع ولا صدق ولا آمن ووقف عند الإيمان فحسب بل عاش في قولهم "ولعلهم يتفكرون"، يعني علينا أن نتفكر. فما هو باب التفكر؟ "تفعل" من الفكر، والفكر في لغة العرب حركة النفس في المعقولات. يعني الإنسان يتفكر بعقله، فالفكر له ارتباط بالعقل. والله يقول "ولعلهم يتفكرون" كأنه يدعونا إلى
استعمال العقل. والتفكر لا بد أن يكون له موضوع، فما موضوع... هذا التعقل أو التفكر فيما يفكر الإنسان ويعمل، نفسه حركة في المعقولات. فقال: اعلم أن التفكر تلمس البصيرة لاستدراك البغية. هذا هو التفكر المطلوب، هذا هو الحركة المطلوبة. النفس تدرك الأشياء عن طريق الحواس: السمع، البصر، الشم، الذوق،
اللمس ونحو ذلك. تدرك الواقع المعيش الذي حولنا عن طريق الحواس، العين. إذا أرادت أن ترى ما على يميني فإنها تتحرك لتنظر، إما أن تتحرك مع ثبات وجهي وإما أن تتحرك مع حركته أيضاً حتى ترى مساحة أكبر، فيلتفت الإنسان عن يمينه حتى يرى، فتنقل العين إلى الدماغ هذا المشهد الذي عن اليمين أو هذا المشهد الذي عن اليسار. العين إذاً هي...
منفذ من منافذ النفس المدركة حتى تدرك القلب أيضاً له عين، قلوب العارفين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون، قلوب العارفين لها عيون. فما عين القلب؟ قالوا: البصيرة. يبقى عندنا بصر ينقل المحسوسات ويتعقل فيها، وعندنا بصيرة تنقل للقلب أيضاً بغيته، يبقى القلب له بغية كما أن النفس لها. بغية فإذا كانت النفس تريد إدراك المحسوس من حولها فتعقله في عالم الأشياء،
في عالم الأشخاص، في عالم الأحداث، في عالم الأفكار، فإن القلب له بصيرة تدرك بغيته. نريد أن نعرف ما هي هذه البغية. لقد عرفنا أن البصر يدرك هذه العوالم: أشياء، أشخاص، أحداث، نرى شخصاً يضرب شخصاً آخر، على التلفاز إذا عين البصر وعين البصيرة، عين البصيرة تدرك مراد القلب، فما مراد القلب؟ هذا الكلام يعني أن التفكر يلامس البصيرة. فليس عندما تريد عيني أن ترى اليمين والشمال تلتفت هكذا وهكذا، البصيرة أيضاً تلتفت هكذا وهكذا، لكنها تبحث عن شيء آخر، لا تبحث عن عالم الأشياء
والأشخاص والماديات هذه تبحث عن شيء يريده القلب، والقلب وما يهوى، آه، فماذا يهوى قلب الصالحين؟ تلمس البصيرة، تلمسها، التلمس فيه حركة هكذا، فيه بحث، يعني البصيرة تذهب يميناً وشمالاً هكذا، تدور يا عيني على ماذا؟ شيء تريده، كما لو كنت أنا أريد شخصاً فأدور هكذا لأراه بعيني. وجهه ولا لا لأن أنا هذه البصيرة تعمل هكذا ها هو ذلك التفكر، فيكون التفكر أن البصيرة التي هي عين القلب ستجلس تبحث لكن ليس فينا نحن، ستبحث في أشياء جميلة أخرى، نحن جميلون أيضاً ولكنها أجمل. نعم لاستدراك البغية، أي مطلوبها، يعني تريد أن تحصل
على ما... ماذا تريد البصيرة برأيك؟ وهي ثلاثة أنواع، ألا وهو التفكر. سيبدأ الآن يخبرنا ويتحدث عما تدور حوله هذه البصيرة، وعما تبحث عنه يميناً ويساراً لكي تصل إلى المطلوب في القلب وليس النفس، فكرة في عين التوحيد. البصيرة تبحث عن كنه التوحيد. هذا النوع نحن لسنا هناك، قلنا بحث عن أشخاص وأشياء وأحداث. العين هكذا تدور على هذا العمود. الشيء والإنسان هو شخص، والحدث يكون في شيء يحدث أمامي. واحد يمشي، واحد يجلس،
واحد يتشاجر، واحد يصلي، هذه أحداث. حسناً، وما هي القصة؟ قال أيضاً ثلاثة أنواع بدلاً من أشياء وأشخاص وأحداث، نحن لدينا هنا تفكّر في عين التوحيد، يا عيني، مشتاق لربنا فيريد أن يعرف ما هو، من هو، متى هو، كيف هو، لماذا هو. إنه يريد أن يعرف كل شيء عن ربنا. البصيرة تدور أين؟ في عين التوحيد. هذا نوع، يا ترى هل ستصل هذه إلى شيء أم ماذا؟ إنك ربنا لكنه هو أصل هو ما الآن خلاص لم يعد يبحث عن الدنيا بل يبحث عن ربنا فكرة في عين التوحيد وسنرى الآن
أنه لن يصل إلي الشيء لن يستطيع لأن التوحيد هذا وهو يفكر في ذات الله لن يصل إلى شيء فالرب رب والعبد عبد وهناك فارق بين المخلوق. والخالق حفظناها إذن. هذه الأشياء تكون إذا كان التفكر في عين التوحيد، هذا هو النوع، لكن لن ينفع ولن يستمر ولن ينطق شيئاً. وسنرى الآن ماذا نفعل لنخرج من هذه الورطة. لكن ما يحدث هكذا أن المرء عندما يأتي ليفكر، يفكر في عين التوحيد. أهل الله جاؤوا بهذا الكلام. من أين؟ من التجربة، من الاستنباط. جلسوا وانقطعوا عن العالم وربوا
أنفسهم واختلوا بذكر ربهم، فإذ بنفوسهم تحدثهم وقلوبهم تميل وعين البصيرة تلتمس عين التوحيد، فذهبوا مسجلينها في الكتاب لكي يقول لك: اطمئن عندما تحدث لك هذه الحالة، وإن كانت حالة سوف نخرج منها، وإن كانت حالة سوف نرى علاجها، كانت حالة لا تؤدي إلى شيء، لكن لا تخف، فقد حدثت لنا جميعاً هكذا. إذاً ما هدف التسجيل هنا في الكتاب؟ إنه يعلمنا ويطمئننا أن هذه الحكاية عادية، لكن المهم أن تعرف كيف تخرج منها وتتحسن. فأول شيء هو أن يميل القلب ويهوى ربه، ثم بعد ذلك يبدأ في التفكر. في التماس يلتمس
ماذا؟ كل هذه الأسئلة يريد أن يطمئن قلبه بها. قال إبراهيم عليه السلام: "ولكن ليطمئن قلبي". إنه جالس يبحث في عين التوحيد، نعم، لكن ربنا نجاه. والنوع الثاني يفكر في لطائف الصنع، ينظر إلى كل شيء، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد. كما قال سلام. يتأمل في كل شيء ويرى الله وراءه. ليس ممكناً، ليس ممكناً أن يكون هذا الإنسان إلا بإله قد خلقه فسواه فأحسن تسويته. "سواه" هذه بالسين، و"مثواه" بالثاء، يعني من البداية للنهاية. إذاً ليس
ممكناً أبداً، هذا إنسان قد خلقه الله وفكَّر في معاني الأعمال، فكَّر في لطائف الصنع، يرى الخالق يرى الله بقدرته وحكمته وعلمه وإرادته وكل صفاته برحمته وعفوه وراء كل شيء. الثالث وفكرة في معاني الأعمال والأحوال، تبقى الفكرة الثالثة منقسمة قسمين، وهو يصلي، الصلاة لها أسرار، وهو يصوم، الصيام له أسرار، وهو
يحج، الحج له أسرار، وهو يذكر، الذكر له أسرار، كل سر مختلف عن الآخر. قم بالتفكر في تلك الأسرار فتنكشف لك سراً بعد سر وأنت تصلي واقفاً تشبه الملائكة، فترى أن القيام إنما هو دليل على التوقير والتعظيم، وأنك بذلك توقر ربك وتعظمه، ويشتد بك ذلك الوقار وهذا التعظيم إلى أن تخر لله راكعاً. عندما تدخل في هذه الحالة، تدخل فيها بقوة فتشعر. وهو واقف أنه يعظم والتعظيم ينتهي
بالركوع ثم يقوم لله تعظيماً فيخر ساجداً وهو ساجد يشعر أنه قد امتزج بالكون وامتزج الكون معه لأن الكون كله يسجد لله. في السجود نقول ماذا؟ سبحان الله، سبحان ربي الأعلى، تسبيح، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، يعني تسبيح. حسناً، ما رأيك أيضاً أن الكون الساجد هذا يسبح ربه على كل حال وأن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم. يسجد له ما في السماوات وما في الأرض والكل يسبح
ربه، وأنت أصبحت ممزوجاً في الكون. ليس أنت الذي تسجد فقط، بل أنت والجن والملائكة والكون من حولك، ولذلك الكفار عندما يموتون. فما بكت عليهم السماء والأرض، لم يذهب أحد منهم في داهية، لكن المسلم عندما يموت تبكي عليه السماء وتبكي عليه الأرض. إذاً السماء تبكي وتأتي وتذهب وتسبح وتسجد، وأنت في هذا الكون متسق معه. هو علّمك أن الكون المحيط هذا أنت معه، هذا كله سر من الأسرار. الصلاة ويفتح الله تعالى على من يشاء
غير الكلام الذي نقوله هذا، وهناك أشياء لا تستطيع التعبير عنها، تشعر بها وليس لها في اللغة مقابل. الصيام وأنت صائم تشعر باحتياجك إلى الله وأن الله قد خلقك لا تقوم بنفسك إنما تقوم بغيرك، وإشارة ذلك احتياجك إلى الطعام، فعندما تمنع الطعام الجسم ويشتد العطش، يحتاج إلى ماء، يحتاج إلى طعام، يحتاج إلى راحة، يحتاج إلى الله. إنني محتاج لغيره، إنني لا أستطيع أن أقوم هكذا بنفسي، ولذلك ليس فيك شيء رباني، أنت لا تملك شيئًا ربانيًا،
لست إلهًا أبدًا، لا تصلح لأنك لا تقوم بنفسك. إن شدة الاحتياج هذه تجعل قلبك ولكن اجعل هناك عزة في قلبك أيضاً، وهذه العزة متولدة من أنك قد استطعت السيطرة على شهواتك لله، فتشعر بفخار وانكسار؛ فخار على شهواتك وانكسار لربك. هذه هي جزء من أسرار الصيام، وأسرار لا نهاية لها. وهكذا يبقى الفكر على ثلاثة أنحاء (أنواع): فكرة في عين التوحيد، وفكرة في لطائفُ الصنعِ وفكرةٌ في الأعمالِ،
وأزيدُ أيضاً من ذلك القسمَ الثاني والأحوالَ والوارداتِ والتجلياتِ التي تَرِدُ على قلبِ العابدِ الذاكرِ من ظهورِ الأنوارِ وانكشافِ الأسرارِ، وأحوالٍ تتقلبُ على العبدِ ويتقلبُ العبدُ فيها. فسوف آخذهم واحدةً فيكون لدينا ثلاثةٌ الآن: عينُ التوحيدِ، ولطائفُ الصنعِ، والأعمالُ والأحوالُ. عين التوحيد: ماذا نفعل؟ أما الفكرة في عين التوحيد فهي اقتحام بحر الجحود، أي مسعىً سدىً. إنه بحر ليس له
نهاية ولا نجاة منه. إذا كان هذا مهلكة، فما ينجي منه؟ إنها مصيبة، سنغرق هكذا إلا بالاعتصام بضياء الكشف. لن ينجينا من ذلك إلا الاعتصام بالضياء، بالأنوار التي للكشف. هذه هي النقطة الأولى: ما هو ضياء الكشف هذا؟ إنه من عند الله. "واتقوا الله ويعلمكم الله". علمناه من لدنّا علماً. من لدنّا اسمه العلم اللدني. الإمام الغزالي جلس في المنارة يفكر سنوات طويلة، وبعد ذلك قال: "لا، لا توجد فائدة، المسألة لم
تنفعه إلا بهداية الله"، فألقى الله في ما هي واضحة ها هي، ما معنى كل هذا اللف والدوران؟ لماذا أنا هنا؟ ربنا خلقني ويقول لي عبدي أعبده. إنها جميلة ها هي، الله! فما معنى كل هذه الدراسة والكتب والتشكيك والرد على التشكيك؟ ما هذا الكلام؟ نحن نصنع المشكلة ونجري وراء حلها. إنها أمور سهلة جداً، سهلة متى؟ على من سهَّلها الله عليه، متى أصبحت سهلة؟ عندما انكشفت له الحقيقة، متى أصبحت سهلة؟ عندما قُذِف النور في القلب فأصبحت بالراحة هكذا واضحة. إنها مثل شخص في الظلام وبدأ يفكر من أين المخرج؟ من أين المخرج؟ هنا الاحتمالات كثيرة، ربما عشرون أو ثلاثون احتمالاً، فاحتار
وأخذ يبحث ويتلمس كل... ذلك لأنه في الظلمة نور، النور ها هو، الباب ها هو. أصبح هذا كلاماً بعدما رأى الباب، هل سيجلس ليبحث؟ لنفترض أنه رأى الباب ويريد أن يبحث أيضاً، الباب ها هو، لن يستطيع أن يبحث بعد الآن، انتهينا. فعندما ينبثق هذا النور، يسمونه انبثاق النور، هذا الانبثاق عندما ينبثق في خلاص، ليست أنت. يا بني، عمَّ تتحدث؟ الحقيقة أن لدي مشاكل، فهناك ديون وأشياء أخرى لا أعرفها. يا بني، عمَّ تتحدث؟ اسكت فقط. هل تعرف الحياة من الموت؟ هل تعرف كيف تُقسم الأرزاق؟ هل تعرف كيف تسير علاقات الناس؟ هذا كله بيد الله. فضياء الكشف ينقذك. في بحر الجحود عندما تنزل بصيرتك لتدور وتتلمس عن هذه
الأسئلة حول الله، فإذا بالنور يبين لك أن الأمر بسيط وأن العبد عبد وأن هناك فارقًا بين المخلوق والخالق، وأن الرب سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، فنفى عنه المثلية وهو السميع البصير، فأثبت له الإطلاع بكل حال أو أثبت. له هذا التنزيه "ليس كمثله شيء" ونفى أن يكون سبحانه وتعالى محجوباً، فالله لا يحجبه شيء، إنما أنت المحجوب. الحجاب يأتي لمن؟ للناظر وليس للمنظور. والتمسك بالعلم الظاهر، التمسك بالعلم الظاهر الذي هو الجوهرة التي لسيدنا
الشيخ من؟ اللقاني، والشرح الذي للباجوري، والخريدة التي لسيدنا الشيخ الدردير رضي الله عنه. تقرأ هذه الخريدة، فأقسامها محكومة بالعقل لا محالة، وهي الوجوب ثم الاستحالة ثم الجواز وهو ثالث الأقسام، فافهم ما منحت لا ذات الأفهام. هذا كافٍ واتفق معك، فالعلم الظاهر لا تفكر أكثر من ذلك. وهناك في الجوهرة كل نص أوهم التشبيه فأوله أو فوض ورم تنزيهاً، وهذا يكفي، إنها مسألة طريق ثانٍ هو أن تركب قارب العلم الظاهر حتى تنجو من بحر الجحود. كيف ستنجو من
بحر الجحود وهو البحث في عين التوحيد، وهو البحث في كُنه الله، كيف الله، ماهية الله؟ إما بالعلم الظاهر، أو بنور يُلقى في القلب، وإما بالتفكر في لطائف الصنع. النقطة الثانية هي أن تتفكر، فالبصيرة تبحث عن لطائف الصنع. فهو ماء يسقي زرع الحكمة. أهو جميل أم سيئ؟ بل هو جميل. هناك بحر مالح، البحر مالح، ولو بصقت في البحر وهو مالح لأصبح ماء البحر من ريقها عذباً. لا إله إلا الله. إذاً هذا البحر مالح لكن
المقصود هو. الطريقة التي هي التفكر في لطائف الصنع هذه مياه يُسقى بها الزرع، أليست حلوة؟ فهو ماء يسقي زرع الحكمة. فالحكمة هذه بذرة صغيرة، "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً". سنضع عليها مياهاً، لكن أين التربة الخاصة بها؟ فالبذرة تحتاج إلى تربة، وهي موجودة عند العطار وبائع البذور. لا تنبت إلا عندما نضعها في الأرض، فأين أرضها؟ إنها القلب. نحن نتحدث عن القلب والتفكر، فهذا هو الماء والحكمة بذرة سنضعها في القلب ونسقيها بماء التفكر في لطائف الصنع، فتنمو.
إذاً هناك نمو، فهو ماء يسقي زرع الحكمة، الذي هو التفكر في لطائف الصنع. ما هي هذه الحكمة؟ الحكمة وما هي لطائف الصنع؟ هل تعرف الأشياء بخصائصها ووظائفها وآثارها وفوائدها وأسبابها ومآلاتها ومقاماتها؟ تنظر للإنسان هكذا فتقول له: سبحانك من سبحان من سواك. تنظر للطفل فتقول: لا إله إلا الله، انظر كيف يحافظ الله عليه. إنه غير قادر لا على الكلام ولا على
العمل، سبحان من رباه. يقول ربه في أناس هكذا يربيهم الله فيصبحون من كبار الأولياء. رباه ربه، هذه مرتبة من مراتب الأولياء الكبار أن يربيه الله وليس الناس. فتنظر إلى الطفولة، وتنظر إلى أصحاب العجز أو المرض أو الصحة أو القوة، أو تنظر إلى الظلمة والطغاة، أو تنظر إلى المظلومين والمقهورين، أو تنظر... إلى الأغنياء أو الفقراء فتلاحظ فعل الله فيهم وكيف أنه وفق هذا وكيف أنه مَنَّ على هذا وكيف أنه حرم هذا من أجل اختبار صبره وكيف أنه وهكذا والتفكر
لا ينتهي، تفكر في عينيك وبعد ذلك في أذنيك وبعد ذلك في أنفك وكيف تشم وبعد ذلك كيف تتكلم كما أنكم في السماء وفي الأرض، في السحاب وفي الشجر، وفي البحار وفي المطر. هذه أمور لا نهائية، "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها". كنا في الماضي عندما كنا في بداية الطلب، كنا نتقي الله بعض الشيء، كان لدينا تقوى، ليست كما هي الآن، أستغفر الله العظيم. فكان الواحد منا عندما يسجد سبحان ربي الأعلى على مطرك، سبحان ربي الأعلى على شجرك، سبحان ربي الأعلى على أنهارك، سبحان
ربي الأعلى على بحارك، سبحان ربي الأعلى على قومٍ يجلس نصف ساعة وهو ساجد لا ينتهي من تعداد النعم الخاصة بالحد. نعم، قال يريد أن يعدد النعم، قال لن يعدّها، لا توجد فائدة، فإذا تنتهي فيشعر الإنسان بعجزه ماذا سيقول وماذا سيفعل، وأما الفكرة في معاني الأعمال والأحوال فهي تسهل سلوك طريق الحقيقة. يتناول بعد ذلك النقطة الثالثة ويقول إنه عندما تفكر في الأعمال وفي الأحوال يسهل عليك الفناء في الله. وما معنى الفناء في الله؟
يعني أن ترى كل ما حولك وتخرجه عن الرسوم تجعلك ترى كل الأشياء التي حولك أنها زائلة فانية، ولا ترى في هذا الكون إلا قدرة الله سبحانه وتعالى، إلا الله، وكل هذا إنما هو بالله. وتعيش في هذه الأجواء، التي فيها أن كل الحركات والسكنات وما يحدث في الأكوان من حولنا إنما هو بقدر الله وفعله. الله ولا فعل للمخلوق في شيء من ذلك، هذه مرحلة وسطى لكنها توضح الحقيقة، توضح أن الله على كل شيء قدير، وتوضح أنه فعّال لما يريد، وتوضح أنه خلقنا وما تنعم به، وتوضح أشياء كثيرة، ولكنها
مرحلة بعدها مرحلة أخرى أن تعود لنفسك حتى تراعي الأحكام الشرعية التي أمرك. الله بها من صلاة والصيام ومن البعد عن المعاصي والمنهيات. إذا الفكرة في معاني الأعمال والأحوال ستؤدي به إلى نسبة كل شيء لله، والنسبة هذه نسبة حقيقية. هذا سيسهل عليك سلوك طريق الحقيقة الذي هو الفناء في الله، وإنما يتخلص من الفكرة في عين التوحيد. كيف تتخلص إذاً من الفكرة؟ إن الأولى هذه هي التي ستودي بنا إلى الداهية،
وإن كنا نقوم بها، ولكن يجب أن نضبط أنفسنا فيها بثلاثة أشياء: بمعرفة عجز العقل، فنحن لا نستطيع بعقولنا المحدودة أن نستوعب غير المحدود. هذا ليس عدلاً، هذا ليس عدلاً، ليس هذا عدلاً. ففي العقل عجز، له حدود؛ يفهم ويطبق ويتدبر كنهِ الحقائق التي هي أكبر منه وبالقياس عن الوقوف على الغاية، وأنت تبحث عن ماذا؟ بالبصيرة عن كنهِ الله، اعلم أنه ليس ممكناً. فعندما تعرف أنه ليس ممكناً سترجع إلى نفسك، وبالاعتصام
بحبل التعظيم. لو عرفت أن ربنا عظيم جداً ما الذي جعل البصيرة تبحث عن ربنا؟ ما يوجد تعظيم كافٍ، وما قدّر الله حق قدره. ولو كان هناك تعظيم كافٍ، ما كانت تحيّرت وكانت عرفت الحقيقة من البداية، وأنها ليست على قدر ذلك. فالذي جعلها تفعل ذلك أنها ما زالت صغيرة. في البداية ظنت أن الله رجل كريم، بمعنى أن الله ليس رجلاً كريماً، بل هو السماوات والأرض هو سبحانه وتعالى شيء آخر ليس كمثله شيء، فلو فهمت هذه المسألة لأنه يظن أنه مثله، أي أنه مجرد شيء كبير هكذا. لا، ليس مثلك ولا له علاقة بك أبداً، ولا حاصل النقاش ولا حاصل ما إذا كان مثلك، وإنما تدرك لطائف
الصنع، لطائف الصنع جيداً ندركها. بثلاثة أشياء: بحسن النظر في مبادئ المنن، دائماً ترجع إلى المنن التي أنعم الله عليك بها وتحاول أن تتذكرها، وبالاستجابة لدواعي الإشارات. كل منّة وراءها إشارة. الله سبحانه وتعالى تجلى في هذا الكون بأسمائه وصفاته، جعلك سميعاً بصيراً حتى تلتفت أنه إذا كنت أنت يا عاجز هكذا. فما بالك بربك الذي جعلك قادراً على أن تفتح زجاجة الماء، قال: هذه قدرة، يعني ماذا؟ وبعد ذلك، هذه الإشارة فيها إشارة إلى قدرة الله الذي يقول للشيء كن فيكون، الذي بقبضته السماوات والأرض. وبالإخلاص من رِقّ إتيان
الشهوات، عندما تخلص في البعد عن الشهوات يحدث نور في القلب. لقد شيئان بالكشف الذي هو إلقاء النور في القلب وبالتمسك بالعلم الظاهر، متى يأتيك النور في القلب؟ إذا ابتعدنا عن الشهوات، ولذلك قالوا: الأربعة: قلة الكلام، وقلة الطعام، وقلة المنام، وقلة الأنام. هذه الأربعة هي التي تجعلك وتساعدك على ترك الشهوات. لا يوجد طعام تجد قلبك ينير هكذا كلما تصوم. صيام هكذا كثير ليس صيامًا يعني يومًا أو شيئًا. تجد النور يأتي في القدوة، لذلك قال: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". الصوم يضيق موارد
ومسار ومجرى الشيطان في الدم، إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا عليه بالصوم، ضيقوا عليه. بالصوم لكي تخنقه وهو يدعوك إلى الشهوات بحسن النظر في مبادئ المنن وبالإجابة لدواعي الإشارات وبالإخلاص من رق إتيان الشهوات. بهذا الشكل تتمكن دائماً من رؤية لطائف الصنع والبصيرة الخاصة بك تنقل هذا إلى قلبك فيزداد نوراً ويقيناً. وإنما يوقف بالفكرة على مراتب الأعمال والأحوال بثلاثة أشياء باستصحاب العلم. دائماً عليك أن تتعلم لأن العلم
له حدان: حد أنه حجاب إذا اغتررت به، وحد أنه يوصلك إلى ربك إذا أخلصت فيه. لذا لا بد في كل ما تتعلمه أن تجعله لله حتى يكون لك نوراً ولا يكون لك حجاباً. نعم، العلم حجاب، وكلما تعلمت أكثر كلما وضعت حجاباً بينك إلهك إذا ما كان هذا العلم يؤدي بك إلى الغرور والتفاخر والتعاظم والنظر إلى النفس بأنك أصبحت شيئاً مختلفاً عن من حولك أصبح حجاباً، لكن إذا جعلته لله فإن فيه معرفة. والمرسومات نوعان: أشياء شرعية مثل الصلاة والزكاة والصيام وما شابه ذلك، وهذه لا بد من القيام بها، لكن...
المشكلة الخاصة بها أنها تحتاج إلى التعلق بالله لا بها. يا سائلي عن رسول الله كيف سها والسهو من كل قلب غافل عن الله، قد غاب عن كل شيء سره فسها عما سوى الله. فالتعظيم لله يعني أن سيدنا رسول الله وهو واقف يصلي من شدة تعلقه بربه حُجِب بينه الصلاة فظن الاثنين أربعة حُجُب بينه وبين حركات الصلاة. ما هذا الحجاب؟ ليس لأنه منشغل بالتفكر في الدنيا وأمورها أبداً، بل
لأنه منشغل بالتفكر في الله، قد غاب عن كل شيء. سره السر، درجة من درجات القلب، فسها عما سوى الله، فالتعظيم لله، فاتهام المرسومات الشرعية بأن تتعلق بالله الذي تفعل ولا تتعلق بالفعل، لا تنظر إلى أنك تصلي ولا أنك صائم، انظر إلى أنك تفعل هذا لله وبأمر الله لأجل أن يرضى عنك. وانظر من ناحية أخرى أنه هو الذي أقامك في الصلاة وفي الصيام، ليس ذلك من حولك وقوتك وإرادتك ورغبتك، إنما هو من الله، فالله هو الذي وخلقك وخلق الصلاة
لك، إذا نظرت، هذا يكون كأنك اتهمت المرسومات، وهناك مرسومات أخرى التي هي العالم الذي حولنا، نحب الأشياء التي تخصنا ونمتلكها، هذه الجبة خاصتي، هذا الكتاب خاصتي، هذه مرسومات دنيوية يسهل التخلص منها، على فكرة، الذي ليس سهلاً هو موضوع الصلاة والصيام، انظر كيف. العبادات، ولذلك كثير جداً من الناس ممن لا يفقهون النبي عليه الصلاة والسلام وُصِفوا بأنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، من هم هؤلاء؟ "تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم، طوبى لمن قتلهم وقتلوه". الخوارج صفاتهم هكذا، تعلقوا
بالرسوم ونسوا الرب سبحانه وتعالى، وبمعرفة مواقع الغَيْر أو الغَيْر أن تغير لله كما فعل سيدنا إبراهيم حينما غار على الله من الأصنام فحطمها في غيرة لله. هو يقول لك: هذه غيرة في الله، أغار له سبحانه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله، فإنه حينئذ يغضب غضبة لا تكون لنفسه. جاءه الأعراب. ومنهم من أمسكوه من هنا هكذا يشده، ومنهم من أمسكوه كذا، ومنهم من دفعوه، وكل هذا وهو صابر ويضحك ولا يسأل فيهم.
أما إذا رأى أن حرمات الله قد انتهكت، فإنه يثور ويغضب ويتمعر وجهه الشريف حمرة، أي يحمر غضباً. يتمعر يعني يحمر فيصبح في حمرة هكذا غضباً وبمعرفة. مواقع الغيرة منك، أو الغيرة - يعني متى تغار لله؟ إذا وفيت هذه الثلاثة، فإنك تكون قد أدركت مراتب الأعمال والأحوال، حيث أن الغضب حالة، والرضا حالة، والتوكل حالة، والتسليم حالة. أو بمعرفة مواقع الغيرة منك بأن الناس كلهم لا حول ولا قوة بهم، وأن الحول والقوة إنما هو لله، انفعنا بما علمتنا
وعلمنا ما ينفعنا وأقمنا بالحق وأقم الحق بنا. اللهم يا ربنا اغفر ذنبنا واستر عيبنا ونوِّر قلوبنا ويسِّر غيوبنا. اللهم ارزقنا رزقاً واسعاً وعلماً نافعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وشفاءً من كل داء. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع. الأبرار، اللهم اهدنا في من هديت، وعافنا في من عافيت، وتولنا في من توليت، وبارك لنا فيما أعطيت. اللهم انصر المجاهدين وثبت رميهم، وأنزل السكينة على قلوبهم وقلوب أمهات الشهداء. رد علينا الأقصى. اللهم يا أرحم الراحمين، زلزل الأرض تحت أقدام اليهود، وزلزل الأرض تحت أقدام الأمريكيين،
وصد عنا أممك. يا أرحم الراحمين، وخذهم أخذ عزيز مقتدر، واشغلهم بأنفسهم. اللهم انصرنا في الجو والبحر والأرض يا أرحم الراحمين. اللهم يا ربنا اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً. اللهم وحّد قلوب أمة محمد على الخير، واجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة. وأحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم يا ربنا احشرنا تحت لواء سيدنا محمد يوم القيامة، واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب. اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، لا تؤاخذنا. بما فعل
السفهاء منا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، انقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، حبب لنا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره لنا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين ومع الراشدين، ومن الصادقين ومع الصادقين، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم هذا حالنا لا يخفى عليك، وعلم ذلك كله. بين يديك اللهم يا ربنا، هب مسيئنا إلى محسننا، واغفر لنا جملة واحدة، واستجب دعاءنا يا أرحم الراحمين. اللهم اسحب نصرك عن الكافرين، اللهم انصر المسلمين. اللهم يا رب العالمين أرنا فيهم عجائب قدرتك، وسلِّ قلوبنا يا رب العالمين، وصد عنا وعجل بالفرج. اللهم يا رب العالمين لا تدع لنا إلا قضيتها ولا مريضًا إلا
شفيته ولا همًا إلا فرجته ولا كربة إلا رفعتها ولا ظلمًا إلا نصرته. اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا. اللهم يا أرحم الراحمين متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا وصحتنا ما أحييتنا واجعلها الوارث منا. اللهم صلِّ أفضل صلاة على أوسع مخلوقاتك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. وسلم عدد معلوماتك ومداد كلماتك كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، اللهم صل أفضل صلاة على أسعد مخلوقاتك سيدنا
محمد وعلى آله وأصحابه وسلم عدد معلوماتك ومداد كلماتك كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، اللهم صل أفضل صلاة على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم عدد. معلوماتك وازدياد كلماتك كلما ذكرك الذاكرون وقفت عليك بلّغ الله ربه