سبيل المبتدئين في شرح البدايات من منازل السائرين | باب التوبة جـ1 | أ.د علي جمعة

والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال الإمام الهروي رضي الله تعالى عنه وأرضاه وجعل الجنة مثوانا ومثواه في الباب الثاني من تلك الأبواب المائة، وهو الخطوة الثانية بعد اليقظة. واليقظة هي أن يلتفت الإنسان إلى الحقيقة، والسعي إلى الحقيقة يجعله متيقظاً، وحقيقة الدنيا أنها إلى... زوالٍ لا يبقى، فإذا عرف الإنسان ذلك عرف أن الله سبحانه
وتعالى هو الباقي وحده، وإذا عرف أن الله هو الباقي وأنه فانٍ في نفسه ﴿ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾، فإنه يعلم احتياجه إلى ربه، وأن الله هو قيوم السماوات والأرض، وأن الله مخالف للحادثات، وأن الرب رب والعبد عبد وأن هناك فارقًا بين المخلوق والخالق، كل هذا ينبع من اليقظة. والذي يساعد على اليقظة ومعرفة الحقيقة استحضار المنّة واستحضار الجناية، المنّة من ربنا والجناية من أنفسنا وتقصيرنا. ثم يقول: "الوقت
كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، وهي الكلمة التي استفادها الإمام الشافعي عندما صار مع أهل الله، قال: سرت. مع الصوفية فاستفدت منهم أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. الزمن عرض غير قار، ولذلك ماضي الأيام لا يعود. فإذا كان الأمر كذلك، حدثت همة عند العابد في معرفة الحقيقة، وأن الأزمان المتتالية التي لا تزهر ينبغي أن نشغلها بالخير ولا نشغلها بالشر. إذا عرف الإنسان ذلك فإنه يبادر فالتوبة أول خطوة عملية في الطريق إلى الله واليقظة أول
خطوة فعلية يستطيع الإنسان أن يتحرك بموجبها لأنه ما دام نائماً فليس بمكلف، لا بد أن يستيقظ. فإذا استيقظ وانتبه فإنه يبادر بالعمل، فما أول العمل؟ التوبة إلى الله. فقال: باب التوبة. قال الله تعالى: "ومن لم يتب فأولئك هم...". الظالمون يكونون إذا كان التائب مهتديًا وغير التائب ظالمًا ظلم نفسه وظلم من حوله وظلم كونه الذي يعيش فيه. لا بد من التوبة، فأسقط اسم الظلم، أي أطلق
اسم الظلم، طبّق اسم الظلم، وضع اسم الظلم عن التائب. فأسقط اسم الظلم عن التائب، فيكون التائب ليس بظالم بل هو مهتدٍ، لا تصح إلا بعد معرفة الذنب، ستتوب من أي شيء؟ يجب أن تعرف مما ستتوب. إذن لا بد أن تستحضر الذنب، وهي أن تنظر في الذنب إلى ثلاثة أشياء. إذن لا بد عليك أن تراجع نفسك وتدرك تقصيرك وتحصي ذنبك، ثم تنظر إلى الذنب من ثلاثة أشياء، من ثلاثة جوانب. إلى انفصالك عن العصمة عند ارتكابك للذنب،
حيث لم يكن هناك توفيق رباني لك، بل أخرجك من دائرة العصمة إلى دائرة الغواية. إذاً، عندما ارتكبت المعصية فأنت خارج دائرة العصمة، لأن الله لو عصمك ما أوقعك في هذا الذنب، ولو عصمك ما استطعت أن تقع في هذا الذنب. انفصالك. عن العصمة حين إتيانها يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن".
فالذي يرتكب الذنب يرتكبه في حالة هو خارج فيها عن دائرة العصمة، خارج فيها عن دائرة الرحمة، خارج فيها عن دائرة نظر الله بمعنى هدايته. الله حنان منان هادٍ، له دائرة إذا وقف الإنسان في ضيائها ونورها عُصِم، وإن خرج عنها غوى. حسناً، وهذا يؤدي إلى ماذا؟ إلى أن الأمر كله بيد الله، ويؤدي إلى ماذا أيضاً؟ إلى الخنوع لله، وأننا لا نأمن مكره سبحانه وتعالى، فنخاف منه على كل
حال. إذن علينا أن نبدأ حولنا وقوتنا فلا حول ولا قوة إلا بالله لأنه لو أراد أن يدخلنا في عصمته حتى لا نقع في الذنب لفعل، لكنه لم يفعل سبحانه، ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. كيف نحصل على هذا بحولك وقوتك؟ لا تستطيع، فيدوم خوف العبد من ربه أبداً. هذا هو أول تدريب للعبد أنه لا حول ولا قوة إلا بك، لا ملجأ منك إلا إليك، لا ملجأ منك إلا إليك. لا فائدة من التسليم والرضا والتوكل
على الله إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي. تسليم ورضا وتوكل، وفي النهاية يجمع ذلك كله قولك "لا حول ولا قوة إلا بالله"، يعني تنفي والقوة عن كل شيء وعن كل شخص وفي كل حال وتثبتها لرب العالمين وحده، لا حول ولا قوة إلا بالله. انخلاعك عن العصمة حين إتيان الذنب، ثانياً فرحك عند الظفر به، فرحك عند الظفر
به، عندما تظفر بالذنب تفرح. نقول في دعائنا: "اللهم اغفر لي ما علمت وما لم". أعلم وما أنت به أعلم، يعني أحياناً لا تدرك الذنب. والذي لا يدرك الذنب يكون بين أمرين: إما أنه لا يعرف أن هذا ذنب، وإما أنه يستهين به. فإذا كان لا يعرف فهو جاهل، وإذا كان مستهيناً فهو فاجر، وكلها صفات نقص. عندما تدرك الذنب وتقول: أنا فعلت هذا
الذنب، أولُ مراتبِ العودةِ والأوبةِ إلى اللهِ وتَرْكِهِ والانخلاعِ عنه والتصميمِ على ألا تعودَ لمثلها أبداً، أولُ شيءٍ الاعترافُ بالخطأ. أما إذا كنتَ لستَ معترفاً بالخطأ فماذا ستقولُ لنفسِكَ؟ هل أنا ارتكبتُ ذنباً؟ وهذا تسمعُهُ مِن كثيرٍ مِن الناسِ ممن قَسَتْ قلوبُهم، يقولُ لكَ: أيُّ ذنبٍ الذي ارتكبتُهُ؟ أنا... تسير هكذا مثل ورقة البسطة في الخط المستقيم، كلامه هذا ذنب فيه كِبر وهو لا يدري. يعني انظر كيف وصل إقراره بعدم الذنب إلى الكذب الذي هو ذنب، فهو بذلك كاذب. الكذب هو مخالفة الواقع،
وفرحك عند الظفر به، وتقاعسك عن الإسراع في تداركه مع استظلالك بنظر الحق إليك، يبقى... هنا تصمم على أن لا تصر عليه وتتداركه بالتوبة فإن الحسنات تذهب السيئات، إن الحسنات يذهبن السيئات، وتشعر في قلبك بأن الحق ينظر إليك فتستحي منه، فإن الله أولى أن يُستحيا منه. إذًا التوبة
لا تصح إلا بعد معرفة الذنب، تعرف أنك قد ارتكبته عند انخلاعك عن العصمة وتفرح أن وفقك الله إلى معرفته لأنه قد أذن لك بذلك أن تكون تائباً، لأنه لو أخفاه عليك فقد لا تتوب، لأن التوبة بدايتها معرفة الذنب، فإذا قد أخفاه عليك فمعنى ذلك أنه لا يعرفك ذنبك فلا تتوب، ولذلك تفرح عندما يتبين لك الذنب. رحم الله امرأة أهدتني عيوبي، قال لي أنت... عَمِلْتُ كذا خطأً لأنَّه هذه أول مرتبة من مراتب التوبة، حينئذٍ أبدأ
في التوبة. فإذا لم ألتفت إلى هذا فلا توبة إذاً. وكذلك بعدما عرفته، أبدأ في عدم الإصرار على تكراره مع معرفتي له، فأقعد عن الإصرار، أقعد عن الإصرار، يعني أتخلى عن الإصرار وأتداركه. وشرائط التوبة ثلاثة أشياء: الندم. والندم والاعتذار والإقلاع كلمات بسيطة، ها هي ثلاثة: الندم - لا بد عليك أن تندم، وقالوا إن الندم
في التوبة في أول أمرها، يعني أول التوبة تبدأ بالندم، تشعر بأنك مخطئ. الاعتذار - استغفر الله، تطلب المغفرة، تعتذر. آسف - عندما تخطئ في حق شخص تقول له: آسف. الاعتذار كلمة يعني متندم ندمان في ندم حدث، في أسف، حزن، الأسف الذي هو الحزن والندم. ثالثاً الإقلاع، أنت ضربت شخصاً على وجهه وبعد ذلك تقول له آسف وأنت تضربه على وجهه مرة أخرى، تكون كاذباً. فيكون الشخص عندما يقول "أستغفر الله" وهو مستمر في الذنب، يكون في ذلك استهانة
وكذب، لا الإقلاع حتى تكون التوبة نصوحة، لا بد من الإقلاع حتى تكون صادقاً مع الله، لا بد من الإقلاع عن الذنب حتى يغفر لك. كان أهل الله يكثرون من الاستغفار، والمكثر من الاستغفار يسرع في تلاوته: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، ثم يتنبهون أن هذا الاستغفار... صدر منهم بلا تأمل ولا استحضار ذنب ولا اعتذار فيستغفرون من الاستغفار. انتبه، وصل الأمر بهم أنهم قد استغفروا من
الاستغفار. استغفر من غير استحضار الذنب واستغفر من غير استحضار الاعتذار واستغفر بذلك وقد يكون غافلاً عن الإقلاع عما يستغفر عنه، فتنبه فاستغفر الله من استغفاره. قال له هذا. أنا أستغفر بطريقة خاطئة، هذا الاستغفار الخاص بي خاطئ من غير وسوسة، لأنه يوجد بعض الناس تحب الوسوسة، لكن هذا من قوة ومن تأمل وتدبر. إن قليل العمل على خير هو خير من كثيره
على استعجال. في المرة الثانية هكذا: "استغفر الله العظيم" وحدها هكذا، وتستحضرها في قلبك وتعيش فيها من ذنبٍ، وأن تُقلِع عن معصية وتنخلع منها، وتعتذر لله عما صدر منك. الندم والاعتذار والإقلاع - قالوا: وفي نهاية التوبة النسيان - بعد أن تتوب، ندمت واعتذرت وأقلعت عن الذنب، في اليوم التالي انساه أنك ارتكبت ذنباً. تخدع نفسك قائلاً: "إنني لم أرتكب ذنباً قط، الحمد لله، صفحتي بيضاء لماذا قال هذا يساعدك على ترك الذنب؟ لأنك
ستكون حريصاً على ألا تُسوّدها مرة أخرى لأنها بيضاء. الرجوع من العمرة، الرجوع من الحج، الخروج من رمضان، الخروج من صلاة الجماعة، من صلاة الجمعة، كل هذه مكفرات للذنوب. فالإنسان بعدها يبدأ صفحة جديدة ويكون حريصاً على ألا يسودها بالمعاصي. فقالوا... الندم في بداية التوبة ونسيان الذنب في نهايتها. في نهاية التوبة يقول الإنسان: "هل من المعقول أن يغفر الله لي؟" نعم، إنك بدأت تميل إلى التشكك في رحمة الله. لا، ينبغي عليك أن توقن في قلبك وتعزم وتصر على أنه قد غفر لك، وما دام قد غفر لك، فلنبدأ صفحة مرة نفعل هكذا مائة
مرة في اليوم، نبدأ صفحة جديدة مع الله ولو مائة مرة في اليوم. سيد المرسلين الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ورفعه الله مقاماً عليا قال: "إني أستغفر الله في اليوم مائة مرة" عليه الصلاة والسلام. استغفار من جنس آخر غير استغفارنا، لكنه... يعلمنا الاستغفار، يعلمنا الاستغفار الذي يتوائم ويتناسب مع جنسنا. القلب له بابان: باب مفتوح على الخلق، وباب مفتوح على الحق سبحانه وتعالى. الباب المفتوح على الحق تدخل منه الأنوار وتنكشف به الأسرار، والقلب المفتوح على الخلق يتعامل به الإنسان مع الناس في مصالح الدنيا ومشاغلها.
سيد الخلق سيد المرسلين. صلى الله عليه وسلم أمر بتبليغ الدعوة من ربه وأرسله الله رحمة للعالمين وللناس كافة، فهو مأمور أن يتعامل مع الناس. فكانت الأنوار تدخل من شدة العبادة والتعلق بالله فتغلق باب الخلق، ريح من الأنوار يدخل فيغلق باب الخلق، فيبقى لا يريد أن يرى أحداً، ستعتزل؟ هذا لا يصح، أنت رسالةٌ لا بُدَّ أن تُبلِّغَها فيستغفر الله سبحانه وتعالى لانغلاق باب الخلق عنده حتى يُفتح.
استغفر الله، استغفر الله. أمَّا نحن فالأغيار هي التي تُغلق باب الحق، وننسى فننتهي بالأشياء والأشخاص والأحوال والأحداث، وننتهي بكل شيء دون الله، فنستغفر أيضاً لكي يدخل بعض الأنوار هكذا من أجل باب الحق. ماذا يفتح؟ يكون الغين على نوعين. يقول رسول الله: "إنه ليُغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مائة مرة". فأشكل ذلك الحديث الذي أخرجه مسلم على سيدنا أبي الحسن الشاذلي، فقال: "كيف هذا؟ يعني يُغان على قلب رسول الله؟" يعني تأتي شيء كغيمة أو شيء ما، فرأى النبي صلى الله... عليه وسلم في المنام وقال له: "يا علي" -
أبو الحسن الشاذلي كان اسمه علي - "يا علي، غين أنوار لا غين أغيار الله". وبعد ذلك، أنت لا تفهم أم ماذا؟ "غين أنوار" يعني دخل من باب الحق فأغلق الخلق. ولابد عليه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ رسالة ربه، لا بُدَّ أن يبيع ويشتري ويتزوج ويحارب، فقال له: "غين أنوار" لا "غين أغيار". انتهت المسألة. إذن في الغين نوعان: غين أغيار يُغلق باب الحق علينا، وغين أنوار يُغلق باب الخلق. وعلى كل حال نستغفر ربنا لأن إغلاق باب من الاثنين نقص، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام من انشغاله بربه... وشدة تعلُّق قلبه
به صلى الله عليه وسلم سها في الصلاة. يبدو أنه يعلمنا عندما نسهو في الصلاة ماذا نفعل: نسجد بالكيفية المعينة. ثم قال: يا سائلي عن رسول الله كيف سها، والسهو من كل قلب غافل؟ الله قد غاب عن كل شيء سره، فسها عما سوى الله فالتعظيم. للهِ، يعني سيدنا رسول الله وهو في الصلاة تعلق قلبه بربه حتى نسي صلاته، لكن نحن تتعلق قلوبنا بماذا؟ بكل شيء سوى الله. بعيد قليلاً هكذا وهو أقرب إلينا من حبل الوريد. وشروط التوبة ثلاثة أشياء: الندم، والاعتذار، والإقلاع. قالوا: فإذا كان الذنب
متعلقاً بحقوق العباد فلا بد... من ردّ المظالم إلى أهلها، يكون المغتصب قطعة أرض أو أموالاً مسروقة أو فعل شيئاً ما، يجب عليه أن يردها إلى أهلها. وإذا اغتبت شخصاً فادعُ له بالخير. ولذلك كان أهل الله إذا وقع منهم أحد وذكر شخصاً بسوء على سبيل الخطأ، يقول مباشرةً بعده: "اللهم..." اغفر له اللهم، ارحمه اللهم، احشرنا وإياه مع المصطفين الأخيار اللهم، افعل اللهم. وهكذا دائماً خلفه وراء الغيب باستمرار لكي يصبح يسدد الحساب مباشرة. فإذا أخطأ لسانك تجاه أحد قلت هذا رجل صالح، اللهم تب عليه، لكنه رجل صالح جداً هكذا وهو ليس صالحاً ولا طالحاً ولا... أي شيء، ولكنك
تدعو له لعل الله أن يرحمنا ويرحمك. هل يحدث شيء عندما يرحمنا جميعاً؟ أبداً لا يحدث شيء. وحقائق التوبة ثلاثة أشياء: تعظيم الجناية. يا لها من مصيبة التي وقعت فيها! إذاً في هذه الحالة ليس هناك كبائر وصغائر. الكبائر والصغائر هذه عند الفقهاء يعملون... لها ضوابط ويعملون لها تصنيفاً ويضعون لها معايير، حسناً، هذا عملهم يحتاج إلى ذلك، لكن عند أهل الله أبداً الكبائر في الغفران كاللمم، إن الكبائر في الغفران كاللمم، لا يوجد كبيرة وصغيرة.
يقول ابن المعتز: خَلِّ الذنوب كبيرها وصغيرها، ذاك التقى، واصنع كما يمشي فوق أرض الشوك يحذر ما يرى. لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى صغيرة وصغيرة تصبح جبلاً. الصغيرة قد تصدر في ظنك فتهوي بك سبعين خريفاً في جهنم. الصغيرة قد تصدر منك فتكون كبيرة لأنها أحاطتها بعض الأمور التي عكرت الدنيا. وربَّ كلمةٍ من سخط الله لا يلقي الرجل إليها بالاً تهوي به سبعين خريفاً جهنم تكملة الحديث: "ورب الكلمة من رضوان الله لا يلقي الرجل إليها
بالاً تدخله في ربض الجنة". يعني لا تحتقرن من المعروف شيئاً ولا تحتقرن صغيرة، فإن الجبال من الحصى. تعظيم الجناية هو أنك لكي تندم وتعتذر وتقلع وتصمم وتصر على ألا تعود لمثلها أبداً، يجب عليك أن تعظم الجناية. تقول: "لا، لقد ورد في الكتب أن النظر يكفره الوضوء، وأنا توضأت كثيراً وصليت ركعتين وانتهى الأمر، فنحن نصلي طوال النهار". وبهذا تكون كأنك تمنُّ على ربك بدلاً من أن تدرك منَّته عليك، فتصبح معكوساً. وفي التوبة، عندما تتهم نفسك،
تتوب ثم تقول: "أنا صادق أم لا؟ صادق أم غير تطلّع إلى التوبة حتى يستقر قلبك على الصدق والإخلاص وطلب أعذار الخلق. ليس لك شأن بذنوب غيرك، ترى القذاة في عين أخيك وتترك جذع النخلة في عينك. ما لك وذنوب الآخرين، فلا تقل: "أنا حسن جداً وجيد، أنا أفضل بكثير من الناس، وفلان كذا وكذا". أسوأُ مني كثيراً وفلانٌ يفعل كثيراً. لا تنظر إلى مَن هو أدنى منك. لا شأن لك بخَلْقِ الله، فهم معذورون. تُمسِكُ بالشخص وتجعله يرتكب
عشرين أو ثلاثين ذنباً وتتعالى عليه. فالكِبر الذي تتصف به هذا يُدخلك النار، والأمور البسيطة التي ارتكبها الآخر قد تكون من الصغائر يوم القيامة فتُغفر له ويدخل الجنة. هذه هي الحقيقة. قضية القلوب، والقلب ما دام معوجًا فلا فائدة منه. وطلب الاعتذار للخلق، لا شأن لك بالخلق، أي المخلوقين. اعذرهم، قل: "لا، هؤلاء أناس طيبون". ليس هناك أحد سيء لنا واجهناه بصراحة. نعم، وكن [صبورًا] مهما أخّروك، والناس تقول لك: "أنت..." رجل طيب تقول له: "الله أعلم بالحال". نعم أنا طيب، نعم معروف. وأنت ماذا تعتقد في نفسك؟ أنك
أسوأ خلق الله وأنك يعني ربما إما أن تكون منافقًا أو أن تكون يعني منافقًا، أحد أمرين. وسرائر حقيقة التوبة ثلاثة: تمييز الثقة. هذا في المرة القادمة حتى لا تملوه. يعني نحن واقفون الآن على ماذا؟ على أسرار حقيقة التوبة. لكن حقيقة التوبة ثلاثة أمور: تعظيم الجناية، واتهام النفس في التوبة، وطلب إعذار الخليقة. فأنت هكذا مع نفسك تُهذِّب نفسك وتغسل نفسك لكي تبدأ. ما زال الطريق طويلاً أمامنا، إنها مائة خطوة، وكل خطوة هم يرون المجهود الذي تحتاجه. مجهود وتحتاج إلى تدريب وتحتاج إلى
عمل، فهذه هي الآية والدليل، دليل العمل. ها هو يقول لك ماذا تفعل حتى يقول لك الناس: أنا أريد أن أفعل ماذا؟ يعني أول شيء أن تستيقظ وتلتفت إلى حقيقة الدنيا، وثاني شيء أن تتوب، وها هو شكل التوبة، وها هي شروطها، وهكذا سنمضي حتى نكمل المائة، فإذا أكملنا المائة عسى الله أن يفتح علينا فندخل حضرته، لأن الحضرة القدسية ليست مكاناً، بل الحضرة القدسية حال يصل إليه المؤمن عندما يخلص نيته لله، عندما يسلك لله غير ملتفت لأحد، ويجعل الله مقصوده، ويتبرأ من كل حول وقوة إلا حول الله وقوته. إذا علينا بالسير والطريق طويل لكنه يسير
على من يسّره الله عليه، فاللهم يا ربنا اجعلنا مع الصادقين وفي الصادقين ومن الصادقين يا أرحم الراحمين. الشيخ أسامة أين؟ هيا يا شيخ أسامة.