سبيل المبتدئين في شرح البدايات من منازل السائرين | باب التوبة جـ3 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين، وصل على سيدنا محمد في الآخِرِين، وسلم تسليماً كثيراً. قال رضي الله تعالى عنه وهو يشرح لطائف أسرار التوبة وأنها ثلاثة أشياء: أولها النظر إلى الجناية والقضية. فيعرف مراد الله وفصل كيف ذلك، قال: واللطيفة الثانية بعد
ما يعرف المؤمن الذي يريد التوبة مراد الله من أنه قد ابتلي بهذا، فرب ذنب يورث ندماً يكون خيراً من طاعةٍ تورث كبراً، فيكون مخبتاً لله خاضعاً له سبحانه وتعالى، راضياً بقضائه، مشتاقاً للتوبة وللسعي إلى الانخلاع منها والسلوك في طريق الله إليه سبحانه وتعالى ويعرف مراد الله عندما يستر عليه يعرف حنانه ومنّه سبحانه وتعالى ويعرف
مراد الله من أنه قد أقام الحجة عليه إذا ما أراد عقابه فإن الله سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال ذرة ولا يظلم ربك أحداً قال اللطيفة الثانية أن يعلم هنا مكتوب أن طلب النصير الصادق ولكن الصحيح أن نظر البصير الصادق يعني هنا في خطأ في الكتاب أن يعلم أن نظر البصير الصادق وليس النصير نصير عندما
لا يوجد مكان عندما حُرِّفت عليهم البصير الصادق عندما ينظر إذا نظر البصير الصادق في سيئاته لم تبق له حسنة بحال يعني ولو نظر في حسناته لم تبقَ له سيئة بحال لأنه يسير بين مشاهدة المنة وتطلب عيب النفس والعمل، يعني أن التائب إلى الله من لطائف أسراره، وأن العمل إنما هو من عند الله، ويرضى
بقضاء الله فيه حتى يبدأ صفحة جديدة مع الله، فإنه قد يرى في المعصية أنها وما دامت قد قُدِّرت عليه. إنها خير وهنا مسألة دقيقة، المعصية في ذاتها لا يمكن أن تكون خيرة، فالمعصية نهى عنها ربنا، والمعصية لا بد عليك أن تباعد بينك وبينها بعد ما بين المشرق والمغرب. هذا فيما سيكون من الأيام غدًا، اليوم لم أفعل المعصية بعد. المعصية هذه من القاذورات، المعصية
هذه مصيبة وبلوى، المعصية. هذه ليس فيها حسنة من أي جهة كانت. المعصية ينبغي علينا أن ننخلع منها وأن نتركها. هذا مكان في شأن المعصية وهي قبيحة، لكن وقعنا فيها. خلاص، نحن نتحدث عن المعصية التي حدثت بالأمس، ليس المعصية التي ستحدث غداً. المعصية التي في الماضي، ليست المعصية التي في المستقبل إذا نظرنا إلى هذه المعصية. التي هي للماضي وعندما كتبها الله عليَّ كتبها من أجل أن أتوب، فإذاً لا أقف عند قذارتها وقبحها وهي قذرة وقبيحة، إنما
أنظر شيئاً وراء ذلك. انظر من لطائف الأسرار أن التائب يرضى عن ربه حتى في هذه الدقيقة، ابتلاني لأتوب فيجب عليَّ التوبة، والتوبة يفرح بها ربنا سبحانه. وتعالى، هذه حسنة سأفعلها الآن بعد تلك المصيبة التي وقعت فيها والتي ابتليت بها. أشرع فيما يفرح الرب سبحانه وتعالى وهو التوبة، فإن الله يفرح بتوبة التائب إليه. إذاً، البصير الصادق لماذا هو بصير؟ لأنه
يفكر ويرجع كل شيء إلى ربنا. ولماذا هو صادق؟ هو صادق... لأنه لم يستحل المعصية ولم يستمرئها ولم يقل عن نفسه أنه قد جُبِرَ عليها ولا شيء فيها أو أنها تستوي في الحسن والقبح مع الطاعة وأنه لا بأس من المعصية كما أنه لا بأس من الطاعة والله فعال لما يريد، لم يقل هذا وإلا ما كان صادقاً مع ربه ولا كان صادقا مع نفسه البصير الصادق البصير لأنه قد أدرك وفهم شيئا دقيقا يشكل مثله على كثير
من الناس وصادق لأنه التزم بمراد الله وشرعه سبحانه وتعالى واللطيفة الثانية أن نظر البصير الصادق إذا نظر إلى سيئاته لم تبق له حسنة بحال وإذا نظر إلى حسناته لم تبق له سيئة بحال إذا نظر إلى سيئاته لم تبق له حسنة لأنه يستعظم السيئة جداً حتى يتهم نفسه ويقول أنه لم يفعل حسنة قط، واللطيفة الثالثة أن مشاهدة العبد الحكمة لم
تدع له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة عندما ينظر إلى الحكم الربانية، فإنه يعلم أن الكل من عند الله وأن الطاعة بالتوفيق وأن المعصية بالابتلاء وأنه على كل يجب عليه الرضا عن ربه وأنه قد أمره الله عندما يُبتلى بالمعصية أن يتوب وعندما يفعل الحسنة أن يشكر وعندما يشكر فإنما هذا توفيق آخر من ربنا يحتاج إلى شكر متكرر ودائم لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحكم دائماً وهو يتأمل ويقول إن المعصية قبيحة، ولكن الله سبحانه
وتعالى كتبها عليَّ، فلا بد من حكمة في كتابة هذه المعصية عليَّ، وهي أنه أراد أن يقيم الحجة عليَّ، وأراد أيضاً أن أتوب فيفرح بي، فتتحول بذلك بعد التفكر والتأمل في الحكمة إلى أمر حسن، وهي سيئة، لا أن السيئة حسنة. فلا يقول بهذا إلا أهل الفسق والضلالة أن السيئة كالحسنة والحسنة كالسيئة. أبداً السيئة سيئة والحسنة حسنة. السيئة يعاقب عليها ربنا والحسنة يثيب عليها ربنا، ولكنه غفار. قال: فتوبة العامة الناس ثلاث درجات: عوام وخواص
وخواص الخواص. ضربوا لهم مثلاً برجل جاء البحر فوقف على شاطئه، ورجل آخر خاض في. البحر حتى وصل الشاطئ الآخر المقابل الضفة الثانية، ورجل ثالث ذهب ورجع. فإذا أتيت أنت الشاطئ وجدت رجلين يقفان على الشاطئ، والبون بينهما عظيم، فأحدهما لم يركب البحر، والآخر ذهب ورجع، وهناك ثالث لا تراه، والحمد لله، لأنه ذهب وما رجع. ولذلك قال أبو يزيد وكان فيه جذبة: "خذنا
بحراً". وقف على شاطئه الأنبياء فظنوا أنه يسب الأنبياء أو يتعالى عليهم، وهو كان رجلاً مجذوباً دائماً يقول أشياء هكذا ظاهرها غير سليم وحقيقتها لطيفة ليس فيها شيء. خضنا بحراً كأنه كان يغيظ الناس أو شيء من هذا القبيل. هكذا حاله مع الله. خضنا بحراً ووقف الأنبياء على شاطئه قالوا أي بُعد. ما ذهبوا ورجعوا يعني هو ذهب وتاه راح في البحار يتمتع بها ويذهب ليتفرج هنا وهناك لكن الأنبياء لكمال حالهم مع الله ذهبوا ورجعوا وهناك من لم يذهب ولم يعد وهم العوام وشبهوا
الأمر بالدائرة الدائرة لا تعرف بدايتها من نهايتها فلو بدأنا من نقطة وجعلناها وهي أمامنا هكذا على الصفحة أسفل، فإن هذه نقطة البداية، وكلما سرت كلما علوت إلى أن تصل إلى نقطة النهاية. فلو استمررت تنزل - سبحان الله - تنزل وأنت مستمر في السير، بالرغم من أنك تنزل وليس تصعد، إلى أن تصل إلى نقطة النهاية. فإذا نزلت إلى نقطة النهاية كانت هي عينها نقطة البداية. مثل الاثنين الواقفين على الشاطئ، هذا على نقطة البداية لم يبدأ، وهذا على نقطة النهاية قد انتهى، فأصبح
عندنا ثلاثة أشخاص: شخص لم يبدأ، وشخص فوق في الأعالي فوق الدائرة، وشخص في النهاية. حال الأنبياء على الكمال، وحال الوسط على النقصان، وحال البداية على البداية لا في نقصان ولا. كمال ولم يفعل شيئًا، فهو لم يصر بعد. ولذلك فإن كثيرًا من الناس يقارنون بين حال الأنبياء وهو حال كمال، وبين حال هذا الذي في الوسط، ويقولون: "لم يكن الأنبياء هكذا". ويظنون أنفسهم - وهم لم يسيروا في الطريق شيئًا لله - أنهم كالأنبياء، فيدخل الكبر في قلوبهم والعياذ
بالله. ودخول الكبر. في القلب داء لا دواء له، لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبر. حبة الخردل هي أخف البذور، ستة آلاف منها تُكوِّن جراماً واحداً فقط، أي أنها خفيفة جداً كالهباء. من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الكِبر يعني ليس لها وزن. مَن كَبُرَ دخل النار إذاً، فكثير من الناس يتفاخر بعبادته على الناس، ويظن أنه عندما يفعل رسوماً قد فعلها سيدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وهي قطعاً من الخير، أنه قد سبق بها، فينظر إلى عمله ويستحسنه، ويرى نفسه وأن لها حولاً وقوة، وهو لا حول ولا قوة به. ولا قال له: "توبة العامة لاستكثار الطاعة". العوام يأتون ونقول لهم: "تُبْ إلى الله، ابدأ باليقظة". قال: "كيف يتيقظ؟" قلت له: "اعرف حقيقة الدنيا وأنها إلى زوال". يا للعجب! يعني سأموت؟ ستموت، فالناس تموت كل يوم. فأدرك الأمر قبل الفوت وقبل الموت. ابتدأ يتيقظ، قال له: "أعمل". ماذا؟ قلت له: تُبْ. قال لي: أتوب من ماذا؟ قلت له: تُبْ من استكثارك لطاعتك. أنت بينك وبين نفسك
هكذا تقول: إنني شاب ممتاز، أقضي النهار كله في الصلاة والصيام والتسبيح، وأفعل هذا وذاك، وأترك المعاصي. أنت تُعدد لنفسك وأنت مسرور. قال: يعني يجب أن أنتقد نفسي؟ يجب أن أنتقد نفسي؟ قلت له: نعم، يجب ذلك. أولاً: أسِدْ نفسك واتركك من استكثارك لطاعتك، واستقلّها في جنب الله. اعلم أن الجنة لا يدخلها أحد بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته" صلى الله عليه وسلم. فإذا كان هذا شأن سيد الكائنات، سيد الخلق أجمعين، لو قارن الله لك ما... منحك من نعم ومنة مع ما تفعل لصارت
النعم والمنن وأن تعدوا نعمة الله لا تحصوها أكثر بكثير مما قد قدمت، ويبقى معك ماذا؟ يبقى معك الحساب، فمن نوقش الحساب عُذِّب، فستدخل الجنة بماذا؟ بمحض الفضل، بمحض الفضل، فلا تستكثر الطاعة. توبة العامة - العامة يعني العوام يعني الذين لا زالوا لم يبدؤوا في الطريق أي الذين ما زالوا يقولون بسم الله الرحمن الرحيم، إنما هي لاستكثار الطاعة، يعني يجب عليك أن تتوب من استكثار الطاعات. انتبه أن هذه عملية صعبة جداً، وأحياناً تستمر سنوات، لأن الناس يظنون أنها مجرد كلمة في كتاب. ها هي استكثار الطاعة، فيقولون: حسناً، توكلنا على الله، ليس... سأستكثر الطاعة؟ القضية ليست هكذا،
القضية أن تُخرج هذا من قلبك. هناك أناس غارقون في استكثار طاعتهم ورؤيتهم والفخر بها والاعتزاز، ويقول لك: "نعم، أنا تقي يا أخي، أنا لم أفعل شيئاً حراماً في حياتي"، وهو فرحٌ هكذا، فرحٌ ليس من قبيل الانبساط الرباني، بل فرحٌ من غروره بنفسه ومن... رؤيته لحوله وقوته فإنه يدعو إلى ثلاثة أشياء: استكثار الطاعة، هذا يجعلك واقعاً في ثلاث ورطات، إلى جحود نعمة الستر والإمهال. شخص يأتي ويقول لي: "إنني كلما أدعو الله يستجيب لي"، تقول لي: "لا
أعرف، إنني عند الله شيء كبير جداً، لكنكم لا تعرفون كيف". قال كما أقول لك هكذا أنا عند الله شيء كبير جداً، كلما مددت يدي إلى السماء قائلاً يا رب، تأتي حاصلة على الفور. ماذا تظن؟ قلت يا رب سلّم، هذا ليس خائفاً، هذا ليس خائفاً، لقد ورطته ورطة كبيرة بهذا الشكل. إن الشاعر بمنة الستر في المصائب. الذي يفعلها غير شاعر بمنّة الإمهال أن الله لم يخسف به الأرض حتى لمقولته هذه، لا ينتبه. والذي لا ينتبه هذا يكون سائراً متخبطاً في طريق الله، يمكن أن يقع في حفرة لا يقوم منها. غير مبصر لشيء، غير بصير، غير صادق.
البصير الصادق هو العارف، سمّوه حتى يقول. العارف بالله عارف بالله، فلا يأمن مكره. العارف بالله يعظم منته. العارف بالله لا يأمن ولا يجحد إلى حد جحود نعمة الستر والإمهال ورؤية الحق على الله. "أنا لم أصلِّ لك، يا الله، لماذا لا تستجيب؟" هذا فكر أن له حقاً على الله، اعتقد هكذا في عقله، والله. ليس عليه حق، فهو متفضل من كل جانب، والاستغناء الاستغناء، ليس فقيراً إلى الله،
ليس قلبه ساجداً لله، وإذا سجد القلب لم يقم. أهل الله يقولون هكذا: إذا في يوم من الأيام سجد قلبك لربك لا يقوم أبداً، خلاص يسجد، انتهى الأمر. فاللهم اسجد قلوبنا إليك. هذا السجود الذي هو ماذا خلاص؟ أنت ساجد، فكل الكائنات سجدت له سبحانه وتعالى. فإذا سجد قلبك لا يقوم أبداً. ومحي الدين بن العربي كتب في سجود القلب هذا أشياء، يقول: "هل القلب يسجد؟ هذا السجود إنما يكون من هوي، تكون واقفاً هكذا وبعد ذلك تهوي" والقلب الذي هنا. هذا يسجد القلب، هذا محل اللطيفة كالعقل محله المخ، ليس القلب الجسم الصنوبري الموجود الذي يتعامل
معه الأطباء عندما يفتحونه فيرون شرايين وأوردة ودماً، هذا هو محل القلب الذي هو لطيفة من لطائف الإنسان التي جعلها الله خمس لطائف: القلب والروح والسر والخفي والأخفى، فالقلب هذا لطيفة من. لطائف مظهر وإظهار تجليات الإله سبحانه وتعالى على الإنسان محل للترقي مع الله والاستغناء الذي هو عين الجبروت. أنت تدخل في دائرة الجبروت، والجبروت ليس لك، الجبروت إنما هو لله. "الكبرياء ردائي والعزة إزاري
فمن نازعني ردائي أخذته ولا أبالي". هذا جبروت. أنت تضع نفسك أمام القطار في الدنيا. هكذا واضعٌ روحك أمام القطار. أي قطار هذا؟ هذا القطار شيء سهل، سيدهسك نعم ويقطّعك قطعاً صغيرة هكذا، لكن هذا ليس قطاراً، أنت تنازع الجبروت الآن. افهم، انتبه، استيقظ. ارجع! كأنه يصرخ فيك ويمنعك عن النار. قال: فإنه يدعو استكثار الطاعة إلى ثلاثة أشياء، إلى جحود. نعمة الستر والإمهال ورؤية الحق على الله والاستغناء الذي هو عين الجبروت
والتوثب على الله يعني تفتري على ربنا هكذا وتوبة الأوساط الذين هم فوق الذين هم الخاصة الذين ذهبوا ولم يأتوا إنما تكون من استقلال المعصية عندما يفكر هؤلاء الخاصة وبعد ذلك يقول الله ما ربنا سبحانه وتعالى هو الذي كُتب عليَّ وماذا أفعل يعني؟ من الممكن أن يحدث للخاصة هكذا، فيحدث له استقلال المعصية، يعني هذه المعصية بسيطة خفيفة، لماذا؟ لأن الله هو الذي كتبها عليَّ، وماذا أفعل؟ يعني نريد الآن أن نعمل بفكرة الشيخ التي قالها لنا. استقلال المعصية هذه مصيبة
تحتاج إلى توبة، ولا بد في البداية. التوبة تستعظم المعصية ثم تنساها بعد ذلك لكي تستطيع أن تكمل طريقك، لكن في البداية يجب أن تستعظمها. فإذا ذكرنا للناس أن ينسوها، فلا ينسوا أيضاً أنهم يجب أن يبدأوا بالاستعظام. فالخاصة تحدث لهم أحوال لأنهم ملتفتون لرحمة الله والرجاء في وجهه والإيمان بقدره، ملتفتين لهذه الناحية فيستقلون المعصية ويقولون: الله! ما ربنا! الذي كُتِبَ عليّ، طيب أنا أفعل ماذا؟ أقول له: لا، اجتهد قليلاً، لا تجعل قلبك يتراخى إلى هذا الحد. نعم، أنت رجل طامع في وجه الله وفي كرمه وفي عفوه ومغفرته،
لكن أيضاً ليس لهذه الدرجات، وازِن الأمور، ارجع قليلاً من هذا الرجاء حتى لا تتجرأ على المعصية باستقلالها لأنك... إذا استقللت المعصية تجد نفسك تشتهيها وتستهين بها، وفي هذا عدوان على شرع الله وهو عين الجرأة، فتكون جريئاً هكذا على الله والمبارزة له، ثم ليس هذا مكانك، فأنت عبد ضعيف. ومحض التزيين بالحمية والاسترسال للقطيعة تكون توبة المتوسطين من استقلال المعصية، ويستغفرون أيضاً
ويتوبون من أنهم زينوا أنفسهم بالامتناع. عن المعاصي والامتناع، هذا يكون عنده شيء مهم، فيقول له: حتى هذه أيضًا تتوب منها، تُب من أنك لا تعصي، أنت لا تعصي فلا تفتخر ولا تفرح كثيرًا، بل قل: هذا من عند الله، هو الذي جعلني لا أعصي، أنا متعب. هذه مصيبة سوداء، لئلا أعصي غداً. أنا ليس لي شأن، ليست أنا المقصودة. أنا لا أعصي، وتجعل صوتك هكذا كأنها مبارزة وتحدٍّ. ولا حول ولا قوة. لا تتوب
من أجل التزين بالتقوى، أنت تزين نفسك بالامتناع عن الذنب، وهذه شيء جيد - الامتناع عن الذنب - لكن فخرك بها هو الذي ليس جيد! انظر إلى أين وصلوا! يبحث في نقطة دقيقة جداً. امتناعك عن المعصية جيد، لكن استحسانك لذلك وقولك هذا جيد أو سيئ... امتناعك عن المعصية جيد، ولكن قولك هذا من عند الله، وتوبة الخواص من تضييع الوقت. أما خواص الخواص فهم ليسوا الأوساط الذين هم الخواص، والآخرون خواص الخواص الذين ذهبوا. ضم، حسنًا، هذا انتهى. حسنًا، دعنا لا نكلف، ليس لدينا في الشريعة شيء هكذا. لدينا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حتى تورمت
قدماه، فتسأله عائشة رضي الله تعالى عنها: "يا رسول الله، غفر الله ما تقدم لك من ذنبك وما تأخر". قال: "يا عائشة". أفلا أكون عبداً شكوراً؟ فما من شيء اسمه سقوط التكاليف، ولو سقطت لسقطت عن المثال الأعلى والأسوة العليا صلى الله عليه وسلم. فلما كان الأمر على غير ذلك، وكان كلما ترقى مع ربه صلى الله عليه وسلم ازداد عبادة له، حتى تعلق قلبه به في سهوه وفي إدراكه وفي معرفته. وفي نومه وفي يقظته وفي كل شيء، فكانت تنام عيناه ولا ينام قلبه كما
ورد في الحديث الصحيح: "إنما تنام عيناي ولا ينام قلبي"، وكان صلى الله عليه وسلم يسهو في الصلاة بناءً على أن قلبه قد انشغل بالله فانشغل عن حركات الصلاة، فلا يدري كم صلى لانشغال قلبه به. سبحانه وتعالى شيء آخر، ولم يوقف لا صلاة ولا صيام ولا قيام ليل ولا زكاة، كان صلى الله عليه وسلم يدخر ويوفر، يعطي أهله مؤونة سنة لا تزيد عن سنة، القمح والزيت وغيرها من الطعام لسنة، وبعد أن
يجلب لهم مؤونة السنة خلاص، اطمأننتم؟ نعم اطمأننا، كل واحد عنده ماذا؟ سنوياً يأتي الفقير، فيعطي هذا كيلاً، ويعطي ذاك أكثر. ما من شهر إلا وينفد كل الذخيرة المخزنة للسنة، ويظلون طوال العام على باب الكريم، لأن قلبه كان متعلقاً بالله. كان يطمئن الناس حوله، أما هو صلى الله عليه وسلم فقد وصل إلى الغاية الكبرى، فعرفنا. من ذلك أن توبة الخواص إنما تكون من تضييع الأوقات، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فإن تضييع الوقت يدعو إلى إدراك النقيصة، ويطفئ نور المراقبة، ويكدر عين الصحبة. ولا
يتم مقام التوبة إلا بالانتهاء إلى التوبة مما دون الحق سبحانه وتعالى، يعني تتوب من الخلق، يعني قلبك لا يتعلق. إلا بالله طلباً ورجاءً وعفواً وكل الأمور، وهذا يقدر أحد أن يعملها، يسيرة على من يسرها الله عليه، وعسيرة على من لم يسرها الله عليه، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون. ثم رؤية تلك التوبة، ثم التوبة من رؤية تلك العلة، يعني تتوب من. الخلق وتذهب إلى الحق بكليتك
ثم تتوب من إنك تبت وأنت ترى أن هذه التوبة أنت الذي صنعتها فتتوب من هذا المعنى، فالله هو الذي خلقها فيك، ثم بعد ذلك تتوب من أن الله هو الذي خلقها فيك، فيكون معناها أنك في جبر، فتتوب من الجبر فيكون الإنسان متوكلاً. على الله حق توكله بالتسليم والرضا المحض، هذا معنى التوبة وهو أول الدرجات سيراً بعد اليقظة. يبقى هذا لكي ننفذه نجلس كم؟ نجلس ما نجلسه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. واحد يُفتح عليه في ثلاثة أيام، وواحد يُفتح
عليه في ثلاثين سنة. والرضا والتسليم مع الكل، والكل من المسلمين المحكوم. لهم بالنجاح يوم القيامة، وإنما من عبد ربه طمعاً في دنيا يحصلها أو في آخرة يريدها ليس كمن عبد ربه حباً فيه سبحانه وتعالى. ونستمع إلى الثناء والمديح من فضيلة الشيخ ممدوح. هذا كمالك يا أستاذ، انظر.