سبيل المبتدئين في شرح البدايات من منازل السائرين | باب الفرار | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. من الباب الأول وفي الخطوة الثامنة من عشر خطوات يقول المصنف رضي الله تعالى عنه ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين، من قسم البدايات من عشرة أقسام، فنحن في الخطوة الثامنة من مائة خطوة. للوصول إلى الله سبحانه وتعالى باب الفرار، ذلك أنه نبه أولاً على باب اليقظة، لأنك إذا لم
تستيقظ وتعلم حقيقة الحياة فلا فائدة، لأنك كما يقال "لا حياة لمن تنادي"، فلا بد من اليقظة. واليقظة هي أن تعرف أن هذه الدنيا إلى فناء، وهي حقيقة لا يختلف فيها اثنان ولا نرى الموتى أمامنا كل يوم في كل الأعمار وفي كل زمان ومكان وبكل الوسائل والطرق، فمنا من يكرمه الله سبحانه وتعالى بالشهادة ومنا من يموت حتف أنفه، وكلهم بأجله لا يتقدم ولا يتأخر، لكل أجل كتاب. وهذه حقيقة ينساها الناس بالرغم من وضوحها وحضورها. لا بد أن يتيقظ
الإنسان ويعلم. أنه لا حول ولا قوة إلا بالله وأنه لا حول له ولا قوة وأنه لا يكون في كون الله إلا ما أراد فعليه بالتسليم والرضا وعليه بالتوكل حق التوكل بأن يعمل بما أمره الله وألا يقف عند الرسوم. هذه اليقظة ما دام الإنسان قد تيقظ فإنه لا بد عليه. من التوبة حيث يرى نفسه في عصيان ومخالفة، ويقول سيد المرسلين حتى يكون أسوة حسنة للعالمين كما أنه رحمة لهم صلى الله عليه وآله وسلم: "إني أستغفر الله في كل يوم مائة مرة"، وهو قد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحاشاه
أن يصدر عنه ذنب، فإنما حسناته. "حسنات الأبرار سيئات المقربين وهو سيد المقربين. يا سائلي عن رسول الله كيف سها، والسهو من كل قلب غافل. الله قد غاب عن كل شيء سره، فسها عما سوى الله، فالتعظيم لله. فغاب عن هذا الكون لأن قلبه قد تعلق بربه أبداً، وغيابه عن الكون استوجب الاستغفار لأنه مكلف بالتبليغ الباب الذي بينه وبين الخلق فلما أغلقه من شدة أنوار تعلقه بالحق سبحانه وتعالى استوجب ذلك منه أن يستغفر ربه حيث أمره بالدعوة إليه فقال
إنه ليغان على قلبي ورآه أبو الحسن الشاذلي في المنام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا علي غين أنوار لا غين أغيار، فمن شدة الأنوار التي دخلت قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم من باب الحق أُغلق باب الخلق، فاستوجب عليه أن يقول: أستغفر الله أن أُغلق باب الخلق، فيفتحه مرة أخرى. أما غين الأغيار فهو الذي يُغلق - والعياذ بالله - باب الحق، فيشعر الإنسان بتعلقه بالدنيا وأنها في قلبه، استلزم أن تكون الخطوة الثانية هي التوبة ثم بعد ذلك المحاسبة. حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا. ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾. ثم الإنابة وهي تطبيق التوبة، فالتوبة نظر والإنابة عمل، ثم التفكر. والتفكر هو السعي إلى المطلوب، ومطلوبنا ومقصودنا هو الله وفي إلى الله تكثر الالتفاتات من الأنوار ومن الأسرار ومن اللذات ومن الشواغل ومن المشاغل ومن الدنيا ومن الآخرة، فينبغي عليك ألا تلتفت إلى شيء من ذلك، وإنما يكون مقصودك هو الله، فالله مقصود الكل، والملتفت لا يصل، فلا تلتفت عما يشغلك في يمينك ولا في يسارك، إنما وجّه وجهك في... طريقك
إلى الله وأخلِ قلبك من الدنيا بما فيها من أنوار وأسرار وملك وملكوت، فالمقصود هو الله وليس المقصود هو التلذذ. فالإنابة والتفكر ثم التذكر، والتذكر تطبيق للتفكر، لأنك إذا تذكرت فقد رفعت الحجاب الذي بينك وبين الله سبحانه وتعالى، وحينئذٍ تستحي منه، وحينئذٍ تتعلق به، وحينئذٍ فهو سبحانه وتعالى. سأتركك وأكفيك، ثم بعد ذلك الاعتصام، وقلنا: "واعتصموا بالله هو مولاكم"، "واعتصموا بحبل الله جميعًا
ولا تفرقوا". أما الاعتصام بحبل الله فيكون في أول الطريق، وأما الاعتصام بالله فيكون بعد أن تعدى حتى حبل الله. وحبل الله فيكم هو القرآن، يعني كأنه وصل لمراد الله سبحانه وتعالى من قرآنه وعرف الله هو الذي يشغل قلبه درجة عالية يتلوها بعد ذلك الفرار والفرار إلى الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: "فَفِرُّوا إِلَى اللهِ". الفرار فيه انتقال وفيه سرعة الانتقال، لا بد أن يكون انتقال هرب من ناحية وطلب من ناحية أخرى.
يصبح الفرار يشتمل على ثلاثة عناصر، العنصر الأول أن يهرب كأنه... فزع وخائف ويأبى ما هو فيه إلا أن يكون طلباً، فإنه يطلب الله، وأظهر الله مطلوبنا فقال: "إلى الله"، هذه مسألة كبيرة جداً أن يأذن لنا بالمعرفة، فالمعرفة هي الأساس. ففروا فيها هرب، وفيها طلب، وفيها سرعة الانتقال. هذا لو كان قال لك: انتقل إلى الله، امشِ إلى الله، اسعَ. إلى الله سِرْ إلى الله،
كان يعني هيِّن هكذا على مهلك، يعني الذي لا تحصل عليه اليوم تحصل عليه غداً، فنحن جالسون مع بعضنا، ولكن "فرُّوا" لا، هذه فيها سرعة، فالهرب يشتمل على سرعة، والطلب يشتمل على سرعة، فأنت تهرب من الرديء إلى الرضي سبحانه وتعالى. من الرديء إلى ماذا؟ إلى الرضي، ففرّوا إلى الله، إني لكم منه نذير مبين. الفرار هو الهرب، الشيخ يقول هكذا: الفرار هو الهرب. يقول لك: عبّر بالبداية هروباً، بدايتك هكذا مما لم يكن إلى
ما لم يزل، من الخلق إلى الحق لكي تؤذنها، إنما هو قال ماذا؟ مما لم يكن. وصفُ الخلق والخلق لم يكن حقيقةً، نعم أي إننا أوهام، ما معنى أننا أوهام؟ لقد قلناها عدة مرات، إننا حادث فانٍ يحتاج في قيامه إلى غيره، لا حول ولا قوة به، فأنت إذن كائن، أي أنه ثابت، وإلا فأنت لا تساوي جناح بعوضة، كل هذا بإذن الله، إننا قائمون. باللهِ سبحانه وتعالى أولُ الشهود هو الكلامُ الذي أقولُه هذا. أولُ الشهود ترى الحقيقةَ هذه، إنني
أمشي وأمري ليس بيدي، ولا أعرفُ كيف أُشغّل قلبي ولا أجهزتي، ولا أعرفُ كيف أحافظُ على حياتي ولا على صحتي، ولا أعرفُ كيف أموت. حتى الموتُ لا أعرفُ كيف أموت، والشخصُ الذي يُلقي بنفسهِ فوق لكي يغرق، قام قوم بإنقاذه من تحت، لا توجد فائدة، لم يأتِ الأجل. عندما شخص كهذا وعرف كيف يعيش، لكنه لا يعرف كيف يموت، ولا يعرف كيف ينهض بنفسه، وأيضاً حادث، يا حادث، يا مخلوق أنت، كائن أنت. ولا تمشِ في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ سيئة عند ربك مكروهة، إياك أن
تفعل هكذا، عيب. واقصد في مشيك واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير. استحي وأظهر التربية. من أنت الآن؟ يا للعجب! لا حول ولا قوة. ويظن نفسه أن بيده القرار، يقول لك: "أنا أريد أن أتخذ قراراً الآن، أنا أتيت إليك لأناقشك يا اتخذ قراراً، يا سبحان الله، تتخذ، حسناً، هيا اتخذ قراراً. أما الذي تعلق قلبه بالله فيقول يا رب ويتخذ القرار أيضاً لكن من خلال الله ولله وبالله. متذكر غير ناسٍ، مرفوع عنه الحجاب، متذكر غير غافل، غير محجوب. فالفرار
هو الهروب من الخلق، وهذا الخلق عبّر عنه بقوله ماذا؟ ما يكن وما لم يكن تفعل معك ماذا؟ تفعل معك أشياء كثيرة جداً. يعني أنت كنت هربت من ماذا يا أخي؟ أنت هربت من شيء بثلاثة صاغ. والله يا ولد يساوي ثلاثة صاغ، ثلاثة مليمات فقط. لكن المليمات مُنِعت، أُلغيت. فأنت هربت من ماذا يعني؟ من قلة مكسورة لمن إلى ما زال الله هذا فخار مكسور وهذا ذهب مُصوّر في مثال الدنيا ولله المثل الأعلى، ماذا يفعل العاقل؟ قُل له: خُذ قطعة فخار طينية
أو خُذ كنز ذهب. وطالما القلوب متعلقة بالدنيا، نضرب الأمثال بالدنيا وليس هناك فائدة. دائماً الجميع يضحك ويقول لك: لا، كنز ذهب! حسناً، ليكن. خذ الكنز الذهبي إذن، فأنت عندما ترمي قطعة الفخار المطينة التي لا قيمة لها، وجودها لا يضر ولا ينفع، وتأخذ الكنز، ماذا يحدث في نفسك من الداخل إن كنتم تعقلون يا أصحاب العقول؟ يعني إذا كنت تفكر بشكل صحيح وتحسبها بشكل صحيح وتتصرف كأنك من أهل الدنيا وأنك... أنت الناجح الذي فيهم، فلا تحسبها صحيحة مع الله. فماذا
عن هذه الخيبة مع الله بالويبة؟ الخيبة بالآية، بالله، بالويبة. كم تساوي الويبة؟ ما قدرها؟ إنها تعادل اثنين كيلو. يعني كيلوين. إذاً الخيبة بالويبة، والويبة مكيال يعادل اثنين كيلو. الأردب اثنا عشر كيلو، فيكون في الأردب كم ويبة؟ ست ويبات. بيعٌ بالوَيْبَة، وهناك أناسٌ خبّأتها السبت، وأناسٌ خبّأتها الأحد، وهناك أناسٌ خبّأتها ولم ترد على أحد. أي أنه لم يستطع أن يحاسب نفسه مع الله، وليس من لا يعرف كيف يحاسبها في الدنيا. إنه الهروب ممن لم يكن إلى ما لم يَزَل. هذا هو الفرار من الخلق إلى الحق، من الدنيا
إلى الآخرة من الضيق إلى السعة من الظلمات إلى النور. أنا لست أدري ما الحكاية، أنا لست أدري يعني لو فهم شخص واحد فقط. ألم يقل الله تعالى "لعلكم تعقلون" و"إن كنتم تعقلون"؟ والعقل على ثلاث درجات. يعني عندما تجلس وتقول لنفسك الحقائق، قم واسأل نفسك: ما الذي أنا القصة إذن أنا لا أدافع عنها بشراسة لماذا هكذا بيدي وأسناني؟ هذه عادة. حسناً، كيف نلغي العادة؟ بالتعود. عوّد نفسك على تركها كما عودت نفسك على التمسك بها. وهل تركها يعني أن نخرب الدنيا والأعمال؟ لا، فالزهد لا يكون إلا فيما في يدك،
وليس فيما هو في وهمك. يعني الفقير هذا الغني يكون معه المال هكذا وليس في قلبه ومعه الدنيا ولم تدخل قلبه، ولا يحزن على مفقود ولا يفرح بالموجود، هذا هو الزاهد. أما الفقير فاسمه الصابر لأنه لا يملك شيئاً فهو صابر على البلاء الذي هو فيه. أما الزاهد فهو شيء آخر، فهو يملك ولكنه يتعالى على ما لله وهو على ثلاث درجات: فرار العامة، وفرار الخاصة، وفرار خاصة الخاصة. العامة من الجهل إلى العلم يتعلمون لأنه أول
السعي الوعي، أول السعي الوعي. كيف ستسعى؟ إلى أين ستذهب؟ لا بد أن تحدد طريقك لأن الإنسان في مفترق الطريق بين الخير والشر، "وهديناه النجدين". إذن لا بد أن تعي تعلم ماذا؟ تعلم كل ما قلناه من أوله إلى آخره. والجهالة أن تنام منذ البداية، من أول ما قلنا حتى الآن. فالفرار من الجهل إلى العلم، ماذا نسمي هذا؟ الوعي. تصبح واعياً عقداً وسعياً، أي عقيدة. تصبح عقيدتك مثل عقيدة أهل العلم، وعملك يصبح مثل
عمل أهل العلم. يكون الوعي والسعي في العلم ونريد العمل، ومن الكسل إلى التشمير. هذه كناية في اللغة العربية معناها أشمّر هكذا، أشمّر هكذا، يعني سأعمل كي لا تكون الملابس عائقاً، أو سأشمّر عن ساعدي هكذا، فيكون معناه سأتحرك، أو سأرفع أكمامي هكذا، شمّر عن ساعديه هكذا فيعني أنني سأتحرك حتى لا يخبرني عن ماذا أو عبارة معناها ماذا؟ معناها الاستعداد للعمل وإزالة العوائق والانتقال من الكسل إلى التشمير. والنبي عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل"،
لأن العجز... ولا أرى في عيوب الناس نقصاً كعجز القادرين على الكمال، يعني القادرين الكمال وغير راضين أن يكملوا، وقعتهم سوداء. لماذا أنت غير راضٍ إذن؟ أهو عاجزٌ هكذا ليس لديه همة مثل المسلمين. ما هو العائق؟ لقد خلقك الله مسلماً، نعمةٌ ليس بعدها نعمة، لأنه لو كان خلقك يميناً أو شمالاً، نصرانياً أو يهودياً، بوذياً أو ملحداً، لكنتَ في وضعٍ غير جيد، فإذا خلقك مسلماً وهداك للإسلام، دخلت فيه
خلاصاً، الحمد لله أنه هداك. فهو هداك، ولم يهدِ غيرك. "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله، وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم". فهذه الكثرة لا معنى لها، وقد هداك الله. للإسلام إما بالميراث وإما بالدخول فيه منه ونعمة، غير راضٍ أن يعمل، لماذا؟ رقم اثنين معك القرآن، رقم اثنين مكّنك من الفهم عن الله ورسوله، فما بالك؟ ما الحكاية؟ فيستعيذ بالله من الكسل، من العجز
والكسل جداً وعزماً، النية صادقة، إنما الأعمال بالنيات، ويكون في جد، والجد هذا عبارة ماذا قالوا عن مراعاة الأوقات؟ ما معنى مراعاة الأوقات هذه؟ سيدنا عمر يقول: ما من نَفَسٍ دخل وكنت آمل أن يخرج، وما من نَفَسٍ خارج وآمل أنه يدخل مرة أخرى. مراعاة الأوقات معناها أنني أحاسب نفسي مع ربي باللحظات، وليس بالسنوات. لا أنتظر نهاية كل سنة لأجلس مع نفسي، بل الآن والآن ما هذا؟ هذا مثل الجندي المستعد دائماً، هذا كأنها قضية يدافع عنها وهو كذلك.
بلّغوا عني ولو شيئاً، هذا المؤمن مستعد دائماً ومتيقظ دائماً وفي حال الجهاد دائم. دائماً جزء منه القتال، هذا القتال يستمر شهراً، يستمر شهرين، وجهاد النفس يستمر على الدوام، ولو وصلنا به إلى المرحلة العليا تعني أننا فعلاً رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس، أخرجه البيهقي في السنن مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. لأن الجهاد الأصغر يشتمل على بذل النفس لله، لكنه أصغر في الوقت وليس في الغاية. "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا". إن الله لا يحب المعتدين. النبي عندما رجع من
الحرب منتصراً لم يبحث عن إخوانه ولم يتسلط عليهم. لم يقتل المسلمين لأنه انتهى من القتال، بل عاد وضبط نفسه، وهذا هو الجهاد الأكبر أليس كذلك؟ لأن جهاد القتال يستمر شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين، لكن هذا (جهاد النفس) والأصغر هذا ليس في القيمة لأن الجهاد في سبيل الله أعلى شيء، وإنما هذا في المدة، هذا قصير في المدة أو في الحالة. نحن لسنا دائماً نقاتل، فالسلم في حياة البشر أكثر من الحرب. تستمر حالة طارئة تنتهي، بعد عشر سنوات ستنتهي، لا توجد فائدة، الناس تريد أن تعيش سلامٌ، فالجهاد الأكبر هو جهاد النفس. ما هو جهاد النفس هذا؟ إنه يعني الاهتمام بالأنفاس
واللحظات ومراعاة الأوقات. احذر أن يغيب عنك الوقت وإلا ستجد روحك قد كبرت في السن ولم تفعل شيئاً، في صراع مع الوقت. والوقت الذي يذهب لا يعود، فلا بد أن يجدك الله حيث أمرك. هذا محافظة الأوقات وإتقان العمل عناصر الجد. هكذا يجب عليك أن تتقن عملك ولا تهمله، خاصةً ما كان لله. ولذلك يقول لك: عندما تأتي لتتصدق، تصدق من أحسن مالك، ولا تنظر إلى المعيب وتتصدق به. لا، "وآتى المال على حبه" ليس المال الذي هو المكسور، بل هو المال
الذي يحبه. لماذا؟ الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير. استحِ الآن، أتُقدم لربنا هكذا هذه الصدقة المعيبة؟ قدم له الأفضل لوجه الله وأنت ترى الفقير. نحن نقول لم يكن، لا تنظر إلى الفقير بل انظر إلى الله دائماً هكذا. ومن الضيق إلى السعة ثقة ورجاء، فيصبح شيئاً متعلقاً الجهل إلى العلم وأمر يتعلق بالعمل وأمر يتعلق بالأخلاق، فهناك عقل وسلوك بالأركان والجوارح، وهناك قلب وهو الأهم. ودائماً يضعون القلب فوق. أهل الله يضبطون العقل، والعقل
يضبط السلوك، ولا تعكس الأمر وإلا تكون علمانياً: سلوكك يحكم عقلك، وعقلك يحكم قلبك، وتقول له اسكت لا تجلب لنا ضوضاء، لا. هذا القلب هو الذي يحكم العقل عند الناس الصحيحين الذين لديهم صحة نفسية وليس لديهم مرض نفسي، وفرار الخاصة من الخبر إلى الشهود. الخبر الذي هو القرآن والسنة، يأتي الإنسان ويسمع "صلِّ له"، فيقول: "حاضر، كيف أصلي؟ أربع ركعات الظهر كذا"، فيقال له: "قم صلِّ". هذا خبر وعمل بالخبر. ما الصلاة لدلوك الشمس، صدقت، نفذت،
حسنٌ هكذا. قال: لا، هذا كله محصور -يا عيني- في الخبر. الله! هل هذه درجة؟ قال: هذه درجة أنك تسمع الخبر وتعمل به جيداً، أصبحت مسلماً هكذا. هل هناك شيء أعلى من هذا؟ قال: أن تفهم ماذا تعني الصلاة. تعني صلة بينك وبين ربك. يعني مكان للخشوع وصلاة، أي دعاء ورباط. قال: طيب، حسناً سأفعل ذلك. هل هناك شيء أعلى من ذلك؟ قال: نعم، هناك ما هو أعلى. قال له: ما هو؟ قال: أن تعيش الصلاة. ما هذا! فيصبح هناك تلقٍ وفهم ومعايشة وكل شيء هكذا. أصبح في الذكاء
هكذا، التلقي أن تذهب وتضع. يدك في جيبك وتدفع الزكاة. الفهم أنك تدرك أن هذا طهارة لك وحماية وبركة وتعاون على البر والتقوى وأداء حق الله. هكذا تفهم دينك، وليس كفاعل يقوم بها لأن العبادة أصبحت عادة. فرض علينا وانتهى الأمر. فرض لماذا؟ لم أفكر. الله قال هكذا، خبرٌ. الله قال هكذا، فماذا عنده؟ خبرٌ. غير راضٍ أن يفكر الثاني، لا، فكر وفهم الثالث. عاش، بالفعل، عاش. ماذا يعني؟ يعني شاهد الله وراء الزكاة، شاهد الله وراء غناه، شاهد الله وراء الفقير،
شاهد الله وراء الحياة. كيف أتتني هذه الأموال؟ هل لأنني من أسرة غنية، أو لأنني نجحت في تجارتي، أو لأنني أتيت. لي عن طريق الكد أو ما شابه أصبحت غنياً من الله، وبعد ذلك كيف تعرض لي هذا الفقير إلا من الله، وكيف تحدث هذه المسألة ولماذا؟ الله هو الرزاق أراد أن يرزقه الآن فجعلني سبباً، أعطاني المال وجعل قلبي يرق وأفهم الزكاة وأوافق على إخراجها لكي يعطيني أنا الثواب. ويَفُكُّ أزمتَه هو الشهود، فيقول لك: الخاصة تنتقل من الخبر إلى الشهود. الخبر
الذي هو تلقي الكتاب والسنة، هذا جيد. هل هذا سيئ؟ لا، لكن هذه درجة وراءها درجات أعمق منها. كلما فهمنا عن ربنا، وانتقلنا من الرسوم إلى الأصول، والرسوم هي الصلاة والصوم والزكاة والجهاد. والبيع والشراء والتفكر والأمريكان والعراقيون، كل هذه رسوم الأصول. الله، لابد أن نفهم أن الله وراء كل هذا، يُعِزّ من يشاء ويُذِلّ من يشاء، بيده الملك وبيده الخير، فعّال لما يريد، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. ومن
الحظوظ إلى التجريد، الواحد يصلي ويرى نفسه هكذا أنه صلى. الحمد لله، هذا حسن، ولكن هناك درجة أعلى من ذلك أن تدرك أن الله هو الذي وفقك للصلاة، فتقول له: الحمد لله أنك وفقتني لأن أصلي. ثم يصل بك الحال إلى أن تدرك أنه هو الذي فعل الصلاة فيك، أي أنك أنت أيضاً لم تفعل شيئاً، فيزداد خضوعك لله. تقول له: كيف أحمدك؟ أنا كيف أحمدك؟ أنت كما أثنيت على نفسك، لا نحصي ثناءً عليك. لقد أُغلق باب الثناء على الله، يعني أنت عاجز عن أن تحمده، فتقول له: أنت كما أثنيت على نفسك، لا نحصي ثناءً
عليك. "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"، لا تستطيع، فأنت عاجز. أمامه فما أنت لا تعرف ماذا تقول له، تقول له كيف أحمدك، كيف أحمدك فقط؟ أنا أصمت: الحمد لله كما ينبغي لجلالك. انظر إلى هذه الكلمات "كما ينبغي لجلالك"، إنها تأتي من القلب عن شهود وتجريد. "كما ينبغي لجلالك" تعني أننا عاجزون عن الكلام، والله لا أعرف ماذا أقول. لأنني لو قلت الحمد لله فهذا شكر، والشكر طاعة، والطاعة نعمة، والنعمة تستوجب الحمد، فالحمد يستوجب الحمد. وعندما أقول الحمد لله، أصبح أريد أن
أقول الحمد لله لأنك وفقتني على كلمة الحمد لله. إذن والحمد الثاني هذا، أليس يحتاج إلى حمد ثالث؟ إذن لن ننتهي. إذن وبعد ذلك ينبغي أن العجز وتقول له: أنت كما أثنيت على نفسك، لا نحصي ثناءً عليك، الحمد لك كما ينبغي لجلالك أن يكون. ولذلك قالوا إنه في حمد القديم للقديم: حمد الله لنفسه، ونحن نلجأ إلى حمد الله لنفسه: "أنت كما أثنيت على نفسك"، يعني في الأصل لن يوفيك إلا حمدك لنفسك، ولا نعرف ولا نحير ولا ندير ما يكافئ نعمتك أو
يوافي نعمتك ويكافئ مزيدها. والذي هو ماذا؟ الحمد، يفعله أنت يا رب، لأنني قد عجزت تماماً، عجزت. ماذا يعني؟ لا حول ولا قوة إلا بالله. هذا هو، عجزت، يعني وضعت الحول. والقوة عند ربي واعترفت بعجزي أمامه سبحانه وتعالى، وفرار خاصة الخاصة مما دون الحق إلى الحق. خلاصة الأمر أن أول شيء يفر مما دون الحق إليه، فيصبح يفر من الخلق ويفر من عبادته ويفر من حوله
وقوته ويفر من كل شيء إلى الله. سيطر عليه ربنا فلا يفقه ولا يسمع من الناس مَن لا يعيش ولا يتحرك في الكون إلا لله، ثم مِن شهود الفرار إلى الحق - وهذه صعبة - فهناك أول شيء في الخلق وفي الحق، فأول شيء لن ينتبه إليه هو الخلق الذين هم ما دون الحق، بما فيهم الأعمال والأحوال والأشخاص والزمان والمكان وكل شيء، فالرقم هل الخلق ذهبت تماماً؟ لا يرى أحداً إلا الله ونفسه، لأنه هو الذي ينتقل، هو الذي يفر. فهو
لم يرَ الخلق، إذ هو أحد ثلاثة: الخلق وهو والله. ينتقل هو من الخلق إلى الله، فأول شيء أنه لا يرى الخلق، فالخلق أصبحت في قفاه لا يراهم، لقد ذهبوا تماماً وانتهى أرى أنه ما زال يرى نفسه، والله يقول لك ثانياً ألا يرى نفسه، ما هذا الذي يسمونه السُكر؟ أي سُكر؟ إنها الخمرة، يسمونها الخمرة الأزلية. ما هي الخمرة الأزلية هذه؟ إنها تجعل الإنسان منهم سكراناً في حب الله، أي أن عقله لم يعد موجوداً، عقله
يرى الله فقط. وفي النقطة باله منه الفرار مما دون الحق إلى الحق ثم من شهود الفرار إلى الحق وفي شهود الفرار إلى الحق لو سقط ماذا يكون شعوره بنفسه ثم الفرار من الفرار إلى الحق بعد ذلك الخلق ذهبوا وهو ذهب لكن ما زال الطريق أمامه إلى الله في فرار هكذا فهذا يذهب فلا يبقى في عقله ووجدانه إلا أنه ينظر إلى الله، أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك. فاللهم يا ربنا نوِّر قلوبنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وأعنا
على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وارزقنا العفو والعافية في الدين والدنيا، يا أرحم الراحمين.