سورة آل عمران | حـ 363 | آية 14 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

زُيِّنَ للناس حُبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب. يقرر ربنا سبحانه وتعالى حقيقة خلقية خُلِقَ الناس عليها، ثم أمرهم بأن يهذبوا خلقتهم بالتكليف الذي أنزله وبالوحي الذي أوحاه لأنبيائه ورسله. يقول ربنا سبحانه وتعالى. زُيِّنَ للناس، أي
من شأن الناس أن تقبل ذلك التزيين. يعني ربنا خلقني وخلقني في ضعف بحيث أن الشيطان لو زيَّن لي هذا أراه حسناً، ولو أن أحدهم من شياطين الإنس زيَّن لي هذا أراه حسناً. فأنا قابل لأن يُخدع عليَّ بتزيين الشيطان أو تزيين شياطين الإنس. زُيِّنَ للناس مَن؟ الذي زُيِّن أصبح... لم يقل ربنا: "الذي زُيِّن زُيِّن للناس"، لم يقل: "الزين يكون اخفى"، مَن أخفى؟ أخفى الفاعل، ولماذا أخفى الفاعل؟ قال لك: لاحتقاره أولاً، وثانياً
قال: لتعدده، لأن الذي يزين هو الشيطان والذي يزين هم الإنس والذي يزين هو هوى الإنسان والذي تزين هي الدنيا. وبهرجتها هي نفسها تزين المرء ليصبح سائراً هكذا دون أن يكلمه أحد أو يفعل له أحد شيئاً أو حتى يفكر هو نفسه، لكن زينة الدنيا تبين لطفاً فتجاوزها. فمن الذي زينها؟ أشياء كثيرة زينتها. إذاً، فقد أُخفي الفاعل هنا إما لتحقيره، أو ربما لتعدده، أو ربما للعلم به، فنحن جميعاً نعرف من هو. الذي زين لنا
زينه للناس حب الشهوات، فالشهوات محببة من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن مآب. لا شيء من هذه الأمور يمنع أن نحصلها لأن ربنا وصفها وقال: "ذلك متاع الحياة الدنيا". هو لم يحرم متاع الحياة الدنيا. قل من حرم زينة الله، يبقى إذاً هذه الأشياء بحلها من
نعم الله ومن زينة الله، ولذلك يجوز تحصيلها. ولكن السلف الصالح في دعاء، في دعاء يقول: "اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا". يعني ماذا "اللهم اجعل الدنيا في أيدينا"؟ يعني لا بد من أن تسعى لتحصيلها. فالمؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، والزهد الحقيقي لا يكون إلا بعد امتلاك الدنيا. لا يأتي شخص مفلس غير قادر على الزواج غير قادر على تحصيل الأموال ويدّعي أنه زاهد في الدنيا، زاهد في ماذا؟ أنت أصلاً غير قادر على تحصيلها، أنت تخدع نفسك. لست
قادراً على تحصيلها أصلاً، إنما الزاهد ذلك الذي حصلها وكانت في يده فلم تمتلكه ولم تنسه أمر الله من إخراج الزكاة من فرض صدقة عليه، فإن في المال حقاً، فإن في المال حقاً سوى الزكاة. الحديث هكذا: "إن في المال حقاً سوى الزكاة". لا تنسَ أن تعمل صدقة جارية تنفعك بعد موتك. آخرتك في مماتك تقوم ولا بد بواجب المال في نفسك كما أمرك ربك، تكون زاهداً هكذا والنبي يقول: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس". ولذلك مما أرشد صلى الله عليه وسلم ألا نطلب من الناس شيئاً، فكان
الصحابي الذي روى الحديث إذا سقط منه. صوته والعصا التي له، نزل من الفرس، فجاء له النزول من الفرس والصعود صعب، يعني يقول لشخص ما: "ناولني هذه العصا"، لن يحدث شيء. قال: "لا، لأن النبي قال: لا تسأل الناس شيئًا"، لا نريد منكم شيئًا، "لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا". إذا زُيِّن للناس حب الشهوات، أو أصبحت الدراسات... الاجتماعية والنفسية كانت تتناول هذه الآية المفروضة وتبحث في هذه الأصناف: العلاقة بين الرجل والمرأة، وتجعلها موضوعاً للدراسة، وتنظر ما هو المتاح والمباح والذي يجب والذي ينبغي وما إلى ذلك، والعلاقة بين
الأب والأم والأبناء، وتجري عليها دراسات مماثلة، وترى كيف تكون الحال. إن الله تعالى يقول أن هناك علاقة، والعلاقة... قد تكون هذه حسنة وقد تكون سيئة، قد تورد الإنسان الجنة وقد تورده إلى المهالك. فمتى يكون ذلك؟ وكيف يكون؟ وكيف نعمر الأرض بمثل هذه المعاني؟ إنه كلام كبير يحتاج إلى دراسات وأبحاث، ويكون في هذا الكتاب هداية لمن يتبع مثل هذا، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضل يا أخي لا تجد الأغنياء. المليارديرات يطلبون الزيادة دائماً، لا يكتفون أبداً، دائماً يريدون المزيد. أحدهم يعمل ليل نهار كأنه أفقر الفقراء، سبحان الله. كيف
نستغل هذا في عمارة الأرض؟ ما دام الإنسان شكله هكذا، ماذا نفعل؟ أنت تدرك يعني إذا كانت هذه الأمور يجب استغلالها لمصلحة العبادة والعمارة والتزكية، فاللهم يا ربنا اجعلنا. من المتقين واجعل لنا عندك حسن مآب وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته