سورة آل عمران | حـ 367 | آية 15 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول ربنا سبحانه وتعالى "قل"، وكلمة "قل" قد تكررت كثيرا في كتاب الله أكثر من خمسمائة مرة. "قل" وهي بالأساس أمر لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم بالتبليغ ولكن هذا الكتاب هداية وخطاب من الله للعالمين إلى يوم الدين ولذلك كلمة قل وهي في أمرها الأول موجهة إلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم أصبحت موجهة
إلى كل مؤمن يقرأ فأول ما تقرأ القرآن وبعد ذلك يقول لك قل فأنت مكلف أن تقول يقول لك أنت وكأنه نزل إليك أي سلم إليك بلغ عني ولو آية قل فعل أمر ومعناه أنك تنقل هذه الدعوة لمن بعدك لمن خلفك لمن وراءك والنقل يجب أن يكون لافتا للنظر أي أن يكون بالحكمة بالموعظة الحسنة بالوضوح الكافي بلغة القوم الذين تتكلم معهم تراعي عقلهم وثقافتهم
قل أأنبئكم بخير من ذلكم طيب ذلك عرفناها أنها تشير إلى البعيد، فإذا أشارت إلى القريب يبقى إذن فيها نوع من أنواع التعظيم الحقيقي أو الموهوم، فما هو إذن ذلكم؟ لماذا زيدت الميم؟ الزيادة في المبنى زيادة في المعنى، قاعدة هكذا يقولونها. أنت عندما تكون الكلمة مكونة من ثلاثة حروف وجعلتها أربعة أو إذن يبقى أنت تزيد المعنى فخرج غير استخرج،
هذا فعل وخرج فعل أيضا، لكن استخرج ستة أحرف وخرج ثلاثة فقط، ما الفرق بين خرج واستخرج؟ يبقى زيادة في المعنى، كلما زاد المبنى زاد المعنى غالبا، لأن هذه لها شروط ثلاثة لن نقولها الآن، إنما غالبا لأنها ماذا إذا فقدت شرط من الشروط الثلاثة ألا تكون هكذا فتكون قليلة وزيادة في المعنى، وإنما غالبا أغلب الكلمات هكذا، فعندما يأتي ليقول لي ذلكم يجب أن تكون فيها زيادة في المعنى لأن الزيادة في المعنى زيادة في المبنى، والزيادة في المبنى زيادة في المعنى، فأين إذن
الزيادة في المعنى هنا هذه الأشياء حاضرة والموعود به غائب والإنسان مجبول على تقديم الحاضر على الغائب، مشكلة الإنسان أنه اشترى العاجلة وباع الآخرة، هو يريد الذي هو فيه يقول لك أحيني اليوم وأمتني غدا، فلما سمع الإنسان أنه زين للناس حب الشهوات إلى آخره وبعد ذلك قال له ذلك متاع الحياة الدنيا قال نعم صحيح ذلك متاع الحياة الدنيا وبعد ذلك قال والله عنده حسن المآب قال نعم إذن أنا الآن بين أمرين حاضر وغائب أنا نفسي
ومائل إلى الحاضر بعظم الحاضر لأن الحاضر هو المحسوس هو المعاش هو الذي أنا فيه والغائب لا أعرفه فالغائب هذا سيأتي وإلا لن يأتي فهل سينفع أم لن ينفع، وما قدره، وما علاقته بما أنا فيه الآن، إيمانك أنا إيماني، ولكنني أقف هكذا على باب الله، فذهب وقال له: ذلكم الذي عظمته كثيرا في قلبك يبقى يهزونه أيضا، ها هم يزعزعونه، قل أؤنبئكم بخير من ذلكم الذي أنتم ما لم تكونوا راضين أن تتخلوا عنه وتتقوا الله فيه
وتهذبوه في نفوسكم هكذا على مراد الله، فذلكم يبقى هنا، هذا الكتاب يناقش ماذا، ويخاطب من؟ الإنسان، والإنسان في قلبه يقدم الحاضر على الغائب، يعظم الحاضر على الغائب، ولذلك فهو الذي يقول له ذلكم، هذا يكلم نفسه من الداخل. ما عرف محمد بالنفس من الداخل بهذا الشكل عليه الصلاة والسلام، هذا كلام من يعلم السر وأخفى، قل أأنبئكم بخير من ذلكم الذي أنتم تطلبونه في قلوبكم كثيرا هكذا، للذين اتقوا، ما هي التقوى؟ قال لك الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد
ليوم الرحيل، إذن فيها ماذا؟ التزام، إذن نتحدث عن فريقين فريق ملتزم وفريق منفلت، الملتزم هذا أصبح للذين اتقوا يعني الذين التزموا بكلمة التقوى عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار، جنات وليس جنة واحدة، يقول كل واحد من المؤمنين له أربع جنات وليس جنة واحدة، جنات، حسنا ما صفتها؟ بأنها تجري من تحتها الأنهار هذه رقم أولا إنها متعددة، ثانيا إنها تجري من تحتها الأنهار خالدين
فيها، هذه الثالثة وأزواج مطهرة، هذه الرابعة ورضوان من الله، هذه الخامسة والله بصير بالعباد. فتبقى مقارنة بين حال الدنيا وحال الآخرة نفصلها في لقاء قادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.