سورة آل عمران | حـ 374 | آية 20 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين هذا القرآن وهو يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب في نفس الوقت كل مسلم فإن حاجوك هو كلام موجه إلى سيد الخلق لكنه موجه إليك أنت أيضا وأنت بذاتك داعية
بلغوا عني ولو آية، ونحن نطلب من الناس الحجة والبرهان، ومن كلمة الحجة التي تعني البرهان يأتي الحجاج، أي أن كلا يشرح حجته وبرهانه ودليله. إذن هناك من سوف يستجيب ويحاول أن يقيم الدليل، ولكن طريقنا طريق علمي نطلب فيه الدليل، لا نرضى بالمهاترات ولا بالمناظرات، وإنما نرضى بالمناقشة القائمة على البرهان والدليل فإن قبل أولئك هكذا فإن حاجوك فقل يبقى إذا يعلمنا الحجاج
ويعلمنا ماذا نقول في هذا الحجاج فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني نحن الحالة التي نحن عليها إننا قد أسلمنا وجهنا لله وإسلام الوجه لله معناه أننا ألغينا أنفسنا وألغينا مصالحنا وألغينا شهواتنا وألغينا أغراضنا ومقاصدنا الذاتية المتعلقة
بنا نحن فنحن مشاركون في الحج هذا نحن ننقل القضية عن الله نبلغها عن الله ومن أجل ذلك فنحن نسعى دائما لمعرفة الحق الذي خلقه الله في الكون فليس هناك أي تناقض بين ما نتوصل إليه بالبحث العلمي وبين ديننا بل هذه الحقائق العلمية في ذاتها هي ديننا في نفسها فما الخلاف الذي بيننا وبينكم ما هو في طرف آخر يناقشك قل له الغني أنا لا نريد منك قرشا واحدا ولا نريد منك منفعة ولا نريد منك مصلحة ولا نريد منك قضاء شهوة ولذلك فنقاشنا مبني
ومنطلق على أنني لله أسلمت وجهي لله فإن إذا احتجوا عليك فقل أسلمت وجهي لله، أساس المناقشة هكذا فنحن نتناقش، أنت تتناقش على ماذا؟ على أن تحمي نفسك وأن تحصل على مصلحتك، أنا قصدي معرفة الحقيقة وليس معرفة تحصيل مصلحتك الذاتية ومن اتبعني والذين معنا كلنا هكذا، وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم؟ هل أنتم أيضا معنا في تحتلوننا وتقولون إننا سنعمر الأرض بكم وتأخذون ثرواتنا وتبنون بها السكك الحديدية وتبنون بها مدينة تحت المدينة هنا
وهناك وكل ذلك من دماء المساكين والشعوب المستعمرة، أي أنني أريد أن أفهم أنتم قادمون لتناقشونا على ماذا، نحن لم نستعمر أحدا طوال عمرنا، هكذا ندخل البلدان ونقيم فيها بدعوة من أهلها لا نكره أحدا على دين، لا إكراه في الدين، لا نأخذ الثروات ونذهب بها إلى الحجاز مهد الدعوة وتصبح الحجاز حدائق غناء. أبدا، ظلت الحجاز أفقر بلاد الله إلى أن خرج البترول في أوائل القرن العشرين. المسلمون دخلوا كل البلاد شرقا وغربا، ما نهبوها وأخذوها إلى الحجاز بحيث أن هذه تكون مسألة أخرى، أي ما حدث الذي حدث أنهم
دخلوا البلدان فعمروها فعلا وتزوجوا من أهلها وأنجبوا وعاشوا، هذا الذي حدث، فيقول لهم أسلمتم، أي أنتم معنا أيضا لأنكم أسلمتم وجهكم لله، فليس هناك مصالح ولا القضية كلها تدور حول المصالح، تحركوا الجيوش من أجل المصالح، تحتلوا البلدان من أجل المصالح تناقشوننا وتعمون عن حقيقة النبي المصطفى وتجعلون الدم يجري إلى الركب من أجل المصالح أسلموا فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن بقيت طريقة أناس منهم وهم يناقشون ستجدونهم أنهم أسلموا أيضا وجههم لله وقالوا نعم نحن لا نريد مصالح نحن نريد الخلاص نريد أن نخرج من
هذه الدنيا وإذا كان الله راضيا عنا فنعم، فيكون قد اتفق معي، والآخر سيقول لي ماذا؟ سيقول لي لا، وما لي وما لرب العالمين الذي تتحدثون عنه؟ هذا رب نستخدمه في السياسة وفي الاقتصاد وفي العسكر لكي نستغله من أجل مصالحنا، نعم هذا لن ينفع في المناقشة معه، فعندما نأتي لنجلس يجب فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد أنت فهمتهم الآن الحق وفهمتهم الطريق المستقيم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر حسنا والكافر هذا ماذا سنفعل به إنا أعتدنا للظالمين نارا
أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا أي لم أسكت ولكن الإنسان مخير، هذا طريق الخير إن أردت أن تدخل فيه، وطريق الشر إن أردت أن تدخل فيه، ولكن انتبه إن دخلت طريق الشر فمصيرك السواد ومصيرك سيكون النار، وهذه النار في الدنيا أم في الآخرة؟ في الآخرة، فما الذي نفعله في الدنيا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد يا أهل، فينبغي أن تسحب نفسك ودع العبد للرب، إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، فقط بلغ بصحة، فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك
البلاغ والله بصير بالعباد، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته