سورة آل عمران | حـ 378 | آية 25 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول ربنا سبحانه وتعالى: "فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون". في هذه الآية تصريح بالرجوع إلى الله في يوم آخر وهو أمر في غاية الأهمية لحياة الإنسان ولسلوك الإنسان، ويؤكد ربنا سبحانه وتعالى مرة بعد أخرى في
القرآن كله ويجعل ذلك من أركان الإيمان التي إذا كذب بها فقد كذب بالدين كله، حتى إذا أقر أحدنا بالألوهية وبالنبوة وبالتكليف وأنكر اليوم الآخر فإنه يكون غير مؤمن، إذن فهو أمر في غاية الأهمية وركن من أركان الإيمان، ولذلك يؤكد ربنا سبحانه وتعالى أن هذا اليوم لا ريب فيه، لا شك فيه، فهو يقين بلغ مرتبة اليقين في الإيمان، لا يتردد أحدنا في الإيمان به ولا
يتشكك ولا يضع له احتمالا بالرغم من أنه في الغيب وبالرغم من أنه بعيد. لدينا وبالرغم من أنه لم يره أحد منا حتى يخبر بأنه قد رآه حسيا، فهو ليس تحت التجريب وهو ليس تحت نطاق الحس وهذا يؤثر في المنهج، فهل أنت قد حصرت معلوماتك وما تتلقاه في الحس؟ أنت كمؤمن كمسلم منهجك أعظم وأوسع من هذا، ترى أن تلقيك للمعلومات يأتي
من الكون من عالم الشهادة ويأتي الوحي من عالم الغيب وتؤمن بما قد قرره الوحي على هذه الصفة إيمانا يقينيا لا يتزعزع كما أنك تؤمن بما في الشهادة من خلق الله ولا تنكر الغيب لأن الغيب من أمر الله ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين وليس عنده تناقض بين الشاهد والمشهود والمشاهدة والشهادة وبين صاحب الغيب سبحانه وتعالى لأن الكل والغيب لأن الكل إنما هو صادر منه من صاحب الغيب سبحانه وتعالى فربنا
هو رب الشهادة ورب الغيب معا، والمقصود من الكلام أن الشهادة والغيب صادران من الله، هذا من عالم الخلق وهذا من عالم الأمر والمناهج. الأخرى غير ذلك قال لك ما لي دعوة بربنا وما لي دعوة بالغيب، أنا لا أعرف إلا حياة الدنيا هذه التي أراها، غير ذلك لا تدخلني في متاهات، فأغلقوا على أنفسهم وضيقوا واسعا، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون، أغلقوا على أنفسهم وأنكروا الحقائق لأن المشاهد والشهادة متعلقة بالغيب والغيب مرئي خلف الشهادة فعندما لا نراه أو
نعمي أنفسنا عنه فنحن لسنا من أهل الحقيقة والحق إنما نحن نحاول أن نوهم أنفسنا وأن نضحك على أنفسنا بالاكتفاء بالشاهد والمشاهد وبإنكار الغيب فإذا ما جاء شيء من الغيب اضطربوا وأخرجوه عن حد التفسير وعجزوا عن التعامل معه في حين أن المؤمن بقلبه المطمئن يراه فلا ينكره لأنه واضح ثم إنه يفسر ولذلك فإننا في أشد الحاجة إلى العقلية العالمة وما العقلية العالمة العقلية
التي ترجع كل شيء إلى مصدره العقلية التي تبحث عن الحق في نفسه ولا تنكره لو غلب على المؤمن عقلية الخرافة لأصبحنا في خطران: خطر أن هذا المسكين الذي حصر نفسه في المشاهد يكون له الحق حينئذ أن ينكر الخرافة، ما لديه حق، ما هو ليس صحيحا خرافة وليس حقيقة، وخطر في أن المؤمن الذي كان ينبغي أن يكون مصدرا للحق والحقيقة أظلم على نفسه فحرم الناس من هداية الإيمان
فيبقى ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا لأن الذي كفر بالغيب يرى ذلك المؤمن الذي التبس عليه إيمانه بعقلية الخرافة ويجد لنفسه مبررا للابتعاد عن الإيمان فيقول لك ألم تر كيف أنهم خرافيون فتصبح البلوى بلاءين وهكذا أمرنا ربنا أن نكون أمة وسطا لنكون شهداء على الناس فهذا تكليف قبل أن يكون تشريف الوساطة والشهادة هذا تكليفا أي لا بد عليك أن تعمل حتى تكون شهيدا على الناس فإذا لم تفعل فأنت
آثم فهذا أمر يحتاج إلى إيضاح فإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته