سورة آل عمران | حـ 386 | 30 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

مع كتاب الله وفي سورة آل عمران يقول ربنا سبحانه وتعالى يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرة وما عملت من سوء، يعني ستجد الخير وستجد الشر، ستجد ما عملت وما قدمت لنفسها من الخيرات وما قدمت لنفسها وعليها من الشر، ولكن هذا الأخير تود لو أن بينها وبينه مدىً بعيداً تودُّ رغبةٌ لكنها لن تتحقق لأنه أمامه الخير وهو مقيد به، والشر وهو مسلسل به. يريد
أن يجري ويأخذ الخير، لكنه لا يستطيع أن يجري وحده. يريد أن يأخذ الخير، فالإنسان طماع، يريد أخذ الخير والجري، لكنه لا يستطيع ذلك. هو يريد أن يمشي من الشرق مدىً بعيداً. الأمد المسافة. ماذا يعني الأمد؟ يعني مسافة. فهو يريد أن تكون بينه وبينه مسافة بعيدة. لماذا قال لك ذلك؟ لأنه عندما تكون هناك مسافة بعيدة، يبتعد عن الشر الذي يخصه، الذي يخص العمل السيء. وماذا أيضاً؟ وتكون هناك مساحة لأنه
ينكره، مثل الذي ترك حقيبة في المحطة وجرى، فيقولون له: "هذه الحقيبة خاصتك"، فيقول: "لا". أنا لا أعرف دوره على ماذا ينتمي، والله ستُسأل في يوم الحساب ولا تتجاهل ذلك، فهذه هي طبيعة الإنسان هكذا، أهذا ملكي أم لا أعرفه؟ أنت تتصرف هكذا في الدنيا، وللعلم أنك ترتكب المصيبة من هنا وتنكرها من هناك، وكذلك ستفعل هكذا ثم تنكر وتقول: أهذا ملكي أم لا أعرفه؟ لم يعرفوه، فعندما تكون هناك مسافة بعيدة بينك وبين العمل السيء، تصبح لديك فرصة لإنكاره. ستعرف أنك ترغب فقط في أن تكون في هذه الحالة، ويحذركم الله نفسه. كفى من هذا، كفى من
اللف والدوران، كفى من الضحك على النفس وظلمها. الله سبحانه وتعالى لن يدعك تستطيع أن تجري، لن يدعك. أتعرف أن تنكر ذلك؟ ستشهد عليك السنة، وستشهد عليك يداك ورجلاك وجلدك عندما تفعل ماذا؟ تفعل الإنكار هذا. حتى تقول: تباً لكم، عنكم كنت أدافع. أي أنني كنت أفعل ذلك حتى لا تدخلوا النار، فتقوم أنت بالشهادة عليّ وتنظر ليديك هكذا! تقوم أنت بالشهادة عليّ وتنظر لرجليك؟ عنكم، عن أعضائك! كنت أدافع وأنا كنت يعني أكذب لماذا؟
فلنترك الكذب، فهذا أفضل، ولنترك هذه السيئات، فهذا أفضل. ما هو أول شيء؟ أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن الحسنات من فضل الله يُذهبن السيئات، وليس أن السيئات يُذهبن الحسنات. هذا أمر غريب جداً، وهذا هو برنامجك في حياتك كلها إذا كنت تصلي وترتكب المعصية أو... رأيت أحدهم يصلي ويشرب الخمر فآمره بالمعروف وأنهاه عن
المنكر. كيف آمره بالمعروف وأنهاه عن المنكر؟ بأن أقول له: "صلِّ واستمر في الصلاة واترك شرب الخمر" أو "توقف عن الكذب"، ولا أقول له: "اذهب، اذهب، أنت رجل تشرب الخمر ولن يتقبل الله منك". أطلب منك شيئًا، ألا تشعر بالخجل عندما تقف أمام ربنا وأنت شارب للخمر؟ هل ستُقبل منك صلاة أم ستدخل جنة الله؟ الله، الله، الله! وماذا بعد ذلك؟ يعني اترك الصلاة وابقَ في الخمر الذي تشربه؟ هذا يعني أنك أمرت بالمنكر ونهيت عن المعروف. أما القضية الثانية، فبعد أن عرفنا أن الحسنات يذهبن. السيئات علمنا أنه يجب علينا أن نأمر
بالمعروف وننهى عن المنكر لا العكس. كثير من الناس يأمرون بالمنكر. القضية الثالثة: المسارعة وأتبع السيئة الحسنة تمحها. راقب نفسك وإذا اقترفت معصية فتوقف عنها وسارع بعمل الحسنات. فالحسنات يُذهبن السيئات حتى لا يكون عندك رصيد (من السيئات)، تود لو أن بينك وبينه أمداً بعيداً. وندخل في هذه المشاكل يوم القيامة، ويحذركم الله نفسه. هذا التحذير سيؤدي إلى ماذا؟ إلى التقوى. أن تتقي ربك، أن تخاف منه، وأنك عندما تعمل سيئة تستمر على الحسنة وتبادر
بها وتتبعها بعد السيئة حتى تمحوها. برنامج مبني على عقيدة أن الحسنات يذهبن السيئات، وإنما يجب عليك أن تأمر بالمعروف. وأن تنهى عن المنكر وأنه يجب عليك أن تتبع السيئة بالحسنة حتى تمحوها، والزيادة التي لديك أيضًا أن تعامل الناس بخلق حسن. الأخلاق هذه سهلة جدًا لأنه ليس فيها مشقة عندما تكون مؤدبًا، وعندما تكون متواضعًا، وعندما تكون بشوشًا، وعندما تكون بشهادة. هل في ذلك صعوبة؟ فإن التبسم في وجه أخيك صدقة. أشياء بسيطة كهذه، يعني تُحرّك عضلات فمك
وتجعلها بجانب أذنك، فيكون على الفور ما يُسمى بالابتسامة. التبسّم في وجه أخيك صدقة، فإن العبوس هذا هو الذي ينزل على البشر وليس من الدين. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يضحك ويتبسّم حتى تظهر نواجذه الشريفة. عليه الصلاة والسلام، "نواجذ" ماذا تعني؟ هي ضرس العقل، ضرس العقل هذا الداخلي جداً، هذا آخر ضرس يظهر. وهذا عندما تبسم حتى ظهرت نواجذه الشريفة، ماذا يعني هذا؟ أي أنه يقهقه، ماذا يعني ذلك؟ فتح فمه الشريف حتى ظهرت نواجذه. نواجذ تعني جمع ناجذ، والناجذ هذا ماهو؟
هو الضرس الخاص بالعقل الذي في الداخل تماماً لأجل... أنت ترى ما في الداخل تماماً، فلا بد أن تفتح فمك. وفمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم كان يتبسم حتى قال العوام: ما هذا! النبي تبسم! نعم، وهناك من جمع الأحاديث التي وردت في ظهور نواجذه الشريفة، فالسيد أحمد بن الصديق الغماري ألّف كتاباً جمع فيه. الروايات التي ضحك فيها النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظهرت نواجذه الشريفة، لا يوجد بشر اعتُني به هكذا أبداً، لم يحدث هذا لا مع الأباطرة ولا الملوك ولا المفكرين ولا الشعراء ولا الأدباء ولا حتى الأنبياء. يُرى كيف ضحك وكيف نام وكيف صعد وكيف جلس وكيف فعل، إنه فريد وحيد متميز هكذا. هو صلى الله عليه
وسلم لا مثيل له عليه الصلاة والسلام، فماذا يكون؟ هذه هي الأسوة الحسنة، هذا هو سيد الخلق أجمعين. حسناً، "ويحذركم الله نفسه"، فإذا كان هنا خوف، ومن يأتي سيقول لك ماذا؟ "والله رؤوف بالعباد"، بدلاً من أن تقع من طولك. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام. عليكم السلام ورحمة الله وبركاته